ينسى محمد حفظي الأعباء الملقاة على كاهله حين يجول ببصره بتأنٍ بين الملصقات القديمة التي تزيّن جميع جدران الممر الطويل الذي يعبره كل صباح للذهاب إلى مكتبه. وقد عاد عضو أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية لرئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي قبل انعقاد دورته الـ41 التي تنطلق 20 نوفمبر. ورغم أن حفظي لم يتول هذا المنصب سوى منذ عام واحد فقط، إلا أن مقر المهرجان يوفر له كل الدعم في مهمته الصعبة، إذ يروي له قصص الأربعين سنة الماضية، فيما ترنو إنجازاته الباهرة بحنين إليه أينما وجه بصره. وفي مكتبه الفسيح، يجلس المنتج، والسيناريست، والمخرج –الحائز على أكثر من 80 جائزة عالمية– خلف مكتب زجاجي مغطى بالأبحاث والقوائم وخطط العمل. ولا شك أن اختيار حفظي، الذي ولد بعد عام واحد من إطلاق أعرق مهرجان سينمائي في المنطقة، لتولّي هذه المسؤولية أمر يثير الاهتمام، كما يَعِدُ بتقديم رؤية جديدة للمهرجان. “إحدى أولى دورات المهرجان التي حضرتُها كانت أواخر التسعينيات. ولا زلتُ أذكر بوضوح أوليڤر ستون وهو يلقي كلمته على المسرح. وبعدها ببضع سنوات، حضر نيكولاس كيج المهرجان وعرج إلى مكان كنتُ أعمل فيه حينها منسقاً لأغاني الدي جيه. وقد زارني في جناحي وقال لي إنه معجب بالموسيقى التي أشغّلها. ولا داعي لقول إنها كانت لحظة رائعة لي”.
وقد لعب حفظي، الرجل الذي يتولى العديد من المسؤوليات والمهام، دوراً مهماً في إطلاق نحو 30 فيلماً روائياً في مصر، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والعالم العربي، منها فيلم “اشتباك” الذي اختير للمنافسة على جائزة “نظرة ما” بمهرجان كان السينمائي الدولي، وفيلم “يوم الدين” الذي نافس على جائزة “السعفة الذهبية” بمهرجان كان 2018. وبعد النجاح التجاري لأفلامه وثناء النقاد عليها، شارك حفظي في العديد من المهرجانات السينمائية المرموقة – منها مهرجانات كان، والبندقية، وبرلين، وصندانس، وتورنتو. وعندما عُرض عليه هذا المنصب، لم يتردد أصغر رئيس في تاريخ المهرجان في قبول هذا التحدي، وقرر السعي لوضع المهرجان من جديد على طريق النجاح وإعادته لسابق مجده.
ولأن مهرجان القاهرة السينمائي يعد واحداً من 15 مهرجاناً على مستوى العالم تحظى بمكانة تنافسية من جانب الاتحاد الدولي لجمعيات المنتجين السينمائيين، فقد أصبح المهرجان السينمائي الوحيد المعتمد دولياً في العالم العربي، وأفريقيا، والشرق الأوسط. يعلق حفظي: “مرّ مهرجان القاهرة السينمائي بأوقات صعبة كثيرة وعانى سوء الإدارة بسبب التغيّرات السياسية والاجتماعية في البلاد. ولكنه يحاول حالياً إعادة ترسيخ موقعه الريادي بين المهرجانات العربية. فهو يلعب دوراً مهماً ليس فقط لأنه أقدم مهرجان يقام سنوياً في المنطقة، بل لأنه الوحيد الذي يقام في القاهرة، عاصمة الشرق الأوسط للسينما والترفيه طوال القرن الماضي”. وبفضل هذا التراث، استطاع المهرجان ربط جمهور المنطقة بالأفلام وصناعة السينما في العالم العربي وسائر أنحاء العالم. وقد شكلت الدورة الـ40 التي أُقيمت في نوفمبر الماضي، بداية لعصر جديد يرتكز إلى إقامة بنية تحتية أكثر تطوراً للسينما العربية عبر رعاية الصناعة وصقل مواهب السينمائيين. وبعد أن اتخذ قراره بعدم الإنفاق على دعوة النجوم العالميين، قرر حفظي بدلاً من ذلك دعم مفهومين جديدين أولهما “أيام القاهرة لصناعة السينما” التي توفر منصة لمناقشة أوضاع الصناعة، وعقد الاجتماعات، وورش العمل، والدروس الاحترافية واستغلال فرص الشراكة، وثانيهما قسم الواقع الافتراضي الذي يحتفي بشكل سينمائي جديد. “من أكثر الأوقات التي أفخر بها الدرس الاحترافي الذي قدمه نيكولا سيدو رئيس شركة غومون، أقدم شركة للأفلام في العالم”. ويتطلع حفظي أيضاً إلى تغيير المفهوم السائد بأن سينما الواقع الافتراضي هدفها التحايل لجذب الجمهور وليست شكلاً فنياً. وعن ذلك يقول: “نفكر في تطويرها لتكون مسابقة كاملة في المستقبل بهدف حثّ المنتجين المحليين على تجربة أفلام الواقع الافتراضي لأننا في هذه المرحلة من النادر أن نجد أحداً في العالم العربي يمنح الفرصة كاملة لهذا النوع من الأفلام، ونحن المهرجان الوحيد الذي يتيح ذلك”.
وقد وضع الرئيس النشيط خطة تستغرق ثلاث سنوات لتطوير المهرجان ليكون أكثر ارتباطاً بالمجتمع الدولي والجمهور المحلي وأكثر اتصالاً بالصناعة. يقول: “نعتزم خلال دورة هذا العام عرض مجموعة رائعة من الأفلام. والأهم من ذلك، أننا نستهدف تقديم عرض أول لأحد الأفلام العالمية سيشكل مفاجأة للجمهور؛ وهو شيء لم يحدث في مهرجان القاهرة السينمائي منذ سنوات طويلة”.
نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد خريف وشتاء 2019 من ڤوغ العربية للرجل.
ڤوغ العربيّة ومهرجان القاهرة السينمائي يسلطان الضوء على المساواة بين الجنسين في صناعة الأفلام