لحظة دخولك إلى الأتيلييه يجذبك الحرف العربي ويعتريك شعور بالفخر عند رؤية ثقافتك العربية مصممة بأبهى حلّة على قطع من المجوهرات صممتها بعناية امرأة عربية تعتز بإرثها العربي وتحمل ثقافتها وحروفها العربية بكل فخر وتباه
نادين قانصو خبيرة عصرية في [عدة] تخصصات تسعى إلى تصميم إبداعات تكسر التقاليد، إذ تبرع بإعادة تشكيل مشهد فن الخط، وتقدّم مجوهرات منحوتة ببراعة وبرؤى عاطفية لا لبس فيها تناسب جميع الأجيال وتجسد حرفيةً فريدة من نوعها وإتقاناً منقطع النظير في التعامل مع الأحجار المفعمة بالألوان والأشكال الدقيقة وقطع الألماس الاستثنائية التي تأخذ شكل النجوم، فجاء نتاج أعمالها مزيجاً يجمع بين الخبرة والريادة والجمال الأبدي.
تبتكر نادين من خلال عملها وسيلة تعبيرٍ تدعو للتأمل وتتسم في الوقت ذاته بالقوة. ويبدو أن هذه الشابة استمدت قوة تصاميمها من نشأتها في العالم العربي فكانت محاطة بروعة فن الخط العربي، وبأساليب طباعة متنوعة شكلت الأساس لتصاميمها الرائدة.
علاوةً على ذلك، شكلت إقامتها في دبي عاملاً مساعداً، فقد أسرتها هذه المدينة بطابعها العالمي واستقطابها لأرقى الأسماء والماركات العالمية الراقية في مختلف المجالات والميادين، وفتحت لها الباب على مصراعيه لتحلم ولترفع سقف طموحها إلى ما لا حدود؛ وقد تحدثت نادين عن هذه المدينة قائلةً: «منذ قدومي إلى دبي منذ 23 عاماً، شعرت بالاستقرار والأمان. وجدتني أمام لوحة ناصعة البياض لي مطلق الحرية لأبدع عليها كما يحلو لي»، وأضافت: «الأحلام في دبي تعانق السماء وأنا ممنونة لأنّي عشت وتطورت على هذه الأرض الكريمة التي لم تبخل على أحد في تحقيق أحلامه».
تعود بدايات نادين إلى عالم التصوير، فقد كانت مصوّرة في معرض «مين أنا» في دبي الذي يترجم في مضمونه هويتنا العربية، وقد شعرت مذاك بالبشاعة التي طغت على نظرة العالم الغربي تجاه الشعوب العربية بعد أحداث ٩\١١، وبرفض أغلبية الناس في الدول الأمريكية والأوروبية إطلاق الأسماء العربية على أي مولود. لمست نادين حينها أنّ واجبها كعربية يفرض عليها تقديم عمل أكثر تعبيراً فجاءت فكرة أن ترتدي اسمها بالحرف العربي وليس الأجنبي في المجوهرات ومن هنا كانت البداية.
وبالفعل، أطلقت نادين علامتها للمجوهرات «بلعربي» عام 2006، وتمكنت من ترسيخ مكانتها كرائدة في صناعة مجوهرات تزهو بتصاميم مبتكرة تبشر بصيحة لم يسبق لها مثيل، واشتهرت بإبداعاتها الفلسفية اللافتة التي لا تخطئها العين، كما شجعها اهتمامها باللهجات الفنية والتاريخ على التعبير بشكل أفضل عن طموحاتها الإبداعية.
لم تحظى علامة مجوهرات «بلعربي» في البداية بدعم أي مستثمر بل اقتصر الدعم على بضعة أشخاص، لكنّها أحدثت صدى مدوياً في المنطقة لا سيما وأنها تمثّل الهوية العربية بكل تفاصيلها، وقد شرحت نادين عن علامتها فقالت: «بلعربي هي ثقافتي وأنا من أوّل الأشخاص الذين شرعوا باستخدام الحرف العربي في تصميم المجوهرات، فأنا أتكلّم بلغّتي العربية ومتمسّكة بالأحرف وفخورة بهويّتي وعلامتي هي خير تعبير عن هويتي العربية».
تمكنت نادين بفضل لمساتها الفريدة في عالم التصميم من تقديم خط منتجات قانصو يضم تشكيلة من الخواتم والأقراط والأساور والقلائد وأزرار الأكمام المستوحاة من الجمال الأصيل وشكل الخط والشعر الغنائي المقتبس من الأشكال الفنية والأبجدية، وكلها مصاغة بلغة بصرية معاصرة تستقر براحة على الجسم والوجه لتتيح فرصة للتعبير عن الذات بأسلوب قوي لا تخطئه العين، كيف لا وقد أعادت هذه المصممة المبدعة الرائدة تخيّل الخط، فخطّت أجمل تصاميم الخط العربي على خواتم وقلائد تخطف الأبصار، فكانت النتيجة مجوهرات آسرة بالحروف العربية والعبارات المفعمة بالمعاني تخطف الأنظار بالماس والأحجار الكريمة الساحرة.
هذه السمات المميزة بالإضافة إلى إدارة نادين وقيادتها الحكيمة، حوّلت «بلعربي» إلى واحدةٍ من أكثر العلامات انتشاراً في الشرق الأوسط وإثارةً التي تجسد جوهراً لا يمكن تجاهله أو المرور به مرور الكرام للهوية العربية الحديثة في القرن الحادي والعشرين.
تتمتّع نادين بعين فنية تلتقط الكثير من الصور التي تراها في اللوحات أو في السفر وتخزّنها في ذاكرتها لتستحضرها ما إن تحمل قلمها الرصاص لترسم أي سكيتش، فهي مخلصة للمدرسة القديمة التي تنتمي إليها والتي تعطي قلم الرصاص وأقلام التلوين والممحاة والمبراة مكانةً قوية، وقد قالت: «أشعر بترابط قوي وحنين مع كل هذه الأدوات على الرغم من التكنولوجيا التي تسهّل عملنا وتمنحنا تقنية أعلى في عملية التصميم».
تعكس إبداعات نادين الحالمة والمتنوعة في الوقت نفسه المعنى الحقيقي لبراعة الصنعة، فاستحقت عن جدارة أن تحظى بشهرة عالمية لمزجها بعفوية تامة بين القطع التقليدية والعصرية والجريئة. تشعر نادين بالحماس عند الانتهاء من التصميم وهي دائماً تتوق لرؤية ما أنتجته مخيّلتها ليصبح قطعة فريدة يرتديها أي شخص، فقطع نادين تحمل طابعاً من الاستدامة في جوهرها إذ يمكن التفاخر بها، حتى لو مرّ أكثر من ١٥ عاماً على اقتنائها.
وتصاميم نادين تستهدف الرجل والمرأة على حدٍ سواء، إلا أنها كمصممة ترتاح أكثر عند التصميم لنظيرتها، فالتصميم للمرأة يمنحها آفاقاً أكثر للإبداع والحلم، وهو ما لا يمكن أن يتحقق عند التصميم للرجال الذين يتزينون بقطع محدودة بعيدة كلّ البعد عن التعقيد الذي يميز قطع النساء والذي يفتح المجال واسعاً أمام الحلم والابتكار.
تشدد نادين على ضرورة وجود صلة وطيدة بين من يرتدي تصاميمها والحرف العربي والهوية العربية والثقافة العربية والإرث العربي، من دون أن يعني ذلك أنها لا تشعر بالرضى والسعادة عند رؤية شخص من خارج دائرة المهتمين بالثقافة العربية يتزيّن بمجوهراتها فهذا دليل صارخ على أنّ رسالتها في التعبير عن الهوية العربية أحرزت هدفها الحقيقي، وأشارت في معرض حديثها هنا قائلةً: «شريحة كبيرة من العملاء ليسوا بعرب لكنّهم زاروا أو عاشوا في المنطقة وتناغموا وفهموا ثقافتها وقدّروا جمالية الخط العربي، لذا يبتاعون القطع لصلتهم التي نشأت مع ثقافة وإرث هذه البلدان العربية».
نادين سفيرة مجوهراتها ترتديها بفخر واعتزاز وقد قالت: «أشعر بفخر عند ارتداء مجوهراتي فأنا سفيرة علامتي وأكثر كلمة تعني
لي هي «حب»، وأعتبر أنّها تعبّر عن شعوري القوي اتجاه قطعي». وهذا كان واضحاً حين زرنا نادين في الأتيلييه الخاص بها في «حي دبي للتصميم» في دبي، إذ لا يمكن لأي شخص أن لا تجذبه القطع الفريدة التي ترتديها، ١٢ قطعة كلّها مصممة بحرفية عالية والحرف العربي الذي يترجم هويّة علامتها واضحاً ويمكن أن تراه العين بكل بساطة.
لا تزال نادين تقف شامخة كصرح للإرث والتقاليد، ناقلة للأفكار العظيمة بعدستها المعاصرة. وبالاحتفاء بالقيم والطقوس والرؤى التي دفعتها إلى عالم التصميم، تندمج مع كل إنسان تصادفه في طريقها. وتؤكد أنّها هي أكثر من تشجّع على استخدام الحرف العربي في تصميم المجوهرات وتدرك أنّ الكثير من العلامات تحاول تقليدها لكنّها ترفض بشكل قطعي أن تنسخ قطعها بشكل أعمى فهذا تعتبره أذية بحق المجهود والوقت والطاقة والإبداع لها كمصممة وإن دلّ على شيء يدل على مدى الأخلاق التي يتمتّع بها أي مصمم حين يفكّر أن يقلّد دون الأخذ بعين الاعتبار ما قد ينتج عن هذا الفعل من أضرار.
أطلقت نادين على مجموعتها الأخيرة اسم «حبّي» النابعة من كلمة حب الأقرب إلى قلبها، هذه المجموعة للجنسين تحاكي الحب والعطاء الترابط والصداقة بين الأشخاص، والدافع الأساسي وراء هذه المجموعة رغبة المصممة للتعبير عن عمق العلاقات التي تأثّر جوهرها بشكل ملموس أثناء الجائحة.
بعد ١٧ عاماً من العمل نادين في مرحلة انتقالية على الصعيد المهني فهي تسعى أن تعطي «بلعربي» بعداً جديداً ينطوي على التوسع والتقدير لأنها تعتبر أنّ علامتها تستحق أن تغرّد خارج السرب وتحلّق عالياً.
ظهر الموضوع للمرة الأولى على صفحات المجلة عدد شهر ديسمبر 2022