تسعى المغربية فضيلة الكادي، مُؤسِّسَة مدرسة التطريز «إيكول برودري بسلا»، الآن إلى مساعدة طلابها الحرفيين على تعلّم حرفة الاستقلال
تتحايل فضيلة الكادي للمرور بسيارتها الرياضية الكهربائية متعددة الأغراض (SUV) عبر شبكة ممرات الورش الصغيرة. وتعجّ محلات التفصيل والخياطة بمدينة سلا، الواقعة على نهر أبو رقراق القادم من العاصمة المغربية الرباط، بالحركة والنشاط. وتقف فضيلة أمام أحد المحلات – ويعلو بابه المفتوح اسم «أتيلييه إسماعيل وعزيز» منقوشًا بالأحمر. وفي الداخل، يجلس إسماعيل عباوي وعزيز الوردي، وبصبر يحيكان بأيديهما تطريزًا يدويًا على إطار خشبي. ويرتديان زيّين بنمط [تصميمي] من الرباط، أحدهما من القطن المتعدد الألوان والآخر من الكتّان الأسود بتصميم هندسي. وبتمعّن، تفحص فضيلة –وهي امرأة طويلة تتمتع بجمال أخّاذ وأناقة عفوية راقية– عملهما، وتوافق عليه بإيماءة من رأسها. وكان الرجلان في التاسعة عشرة من العمر وقد تخرجا مؤخرًا في مدرسة التطريز «إيكول برودري بسلا»– التي أسستها فضيلة منذ خمس سنوات. وهذا العام، أقامت المؤسسةُ التي تتبعها المدرسة لأفضل طالبين بها أتيلييه خاص بهما، وخصصت لهما تمويلاً لمدة عام. توضح فضيلة: «إن الهدف من الدعم هو تحقيق استقلالية المهنة ومساعدة لريادة الأعمال في مجال التطريز». ورغم أن الأتيليية أقيم مؤخرًا، قام الشابان بطلاء جدرانه باللون الأبيض قبل ذلك بيومين فقط، وبه رف يحمل نصف دستة من بكرات الخيوط الملونة، فيما يقف جذع عارضة أنثى عاريًا. وتعد فضيلة من أشهر المصممات المغربيات وأنجحهن، ولديها عميلات من الأميرات المغربيات والسعوديات وصولاً إلى ليا سلامة، وماريسا بيرينسون، وباربارا سترايساند، والراحلة ماريلا أجنيلي، بل وحتى إيڤانكا ترامب. وتقول عن مشروع المدرسة: «لكن هذا هو أهم إرث لي».
وُلِدَت فضيلة بمدينة سلا، وكانت والدتها ترسلها إلى ورش التطريز في المدينة منذ سن العاشرة لتتعلم هذه الحرفة اليدوية خلال عطلاتها المدرسية في أوائل الثمانينات. وفي عام 1990، حصلت الشابة الموهوبة على منحة دراسية للالتحاق بمدرسة تصميم صغيرة في الرباط. وبعد التخرج، أطلقت علامة باسمها. ولكنها توقفت عن التصميم وفتحت متجرًا لبيع الملابس بالتجزئة لدعم أسرتها حين تُوفّي والدها وشقيقها الأكبر في حادث سيارة. بيد أن لقاءها بإيڤ سان لوران في عام 1998 أعاد إليها شغفها بالتصميم. وصارت مصممةً معتمدة لمتجر سان لوران بحديقة ماجوريل في مراكش، وعملت لمدة عشر سنوات مع برنارد سانز في مجموعات الملابس التي يقدمها المتجر. وشرعت فضيلة أيضًا في ابتكار قطع واحدة فقط باسمها كانت تجمع بين تقاليد الأجداد وحداثة الأناقة الباريسية. ولكنها بحلول عام 2000، أخذت تصنع مجموعتين سنويًا، وفي عام 2002 قررت التركيز على التصميم.
وعلى مدار العِقد ونصف العِقد التاليين، ومع ذيوع شهرتها وزيادة عملائها على مستوى العالم، بدأت فضيلة التفكير في شيء يتجاوز علامتها الخاصة. تقول: «مشروع المدرسة فكرة كبرت تدريجيًا في قلبي قبل أن أبدأ في وضعها في إطار التنفيذ. أولاً، لأنها بمثابة استمرار لقصتي الشخصية. لقد تعلمت هذا الفن وهذا الشغف في سن مبكرة جدًا، وأريد أن أنقله إلى الأجيال الجديدة». وتردف: «إنها ليست مجرد مسألة تعليم مهنة وحسب، بل تنطوي على الحفاظ على الفن وتعزيزه بالوسائل البشرية التي تجعله يصمد أمام اختبار الزمن ويحافظ على بقائه». وفي عام 2017، تم افتتاح مدرسة التطريز «إيكول برودري بسلا» في منزل من ثلاثة طوابق بقسم راقٍ من مدينة سلا. وقد وفرت المدرسة 12 مقعدًا دراسيًا من نحو 30 طالبًا تقدموا للمدرسة، من كلا الجنسين. وتتراوح أعمارهم بين 14 و20 عامًا، ويأتون من أسر أقل حظًا ولا يدفعون أي رسوم دراسية.
وفي صباح أحد الأيام أواخر شهر سبتمبر، جلس 12 طالبًا وطالبةً بكل صبر يمررون إبر مشبوك بها خيوط عبر مجموعة متنوعة من التصاميم داخل الغرفة الرئيسية جيّدة الإضاءة التي تستحوذ على معظم مساحة الطابق الأوسط. وفي الخلفية، تُعزَف بهدوء موسيقى كلاسيكية، وعنها يقول أحد المدربين ممن يتنقلون في أرجاء الغرفة: «إنها تساعدهم على التركيز». ويتعيّن على الطلاب إتقان مختلف أنواع التطريز المغربي التقليدي، والذي يتميّز بأنماطه العديدة المعروفة التي يحمل كلٌ منها اسمًا نسبةً للمدينة التي ظهر فيها لأول مرة. ورغم التشابه بين هذه الأنماط، فلكل منها زخارفه المميّزة، وألوانه السائدة، وغُرَزه الخاصة. وترتقي هذه التصاميم بالمقتنيات اليومية، مثل مناديل المائدة والوسائد والستائر، علاوة على تجهيزات الأزياء. كما يتلقى الطلاب دورات في اللغة الفرنسية والكمبيوتر والرسم. وهذا البرنامج مدته كانت في الأصل سنتين، ثم سرعان ما أضيفت سنة ثالثة. وعن ذلك، تقول فضيلة موضحةً: «يتيح ذلك لطلابنا تطبيق كل ما تعلموه من تقنيات التطريز، والتزيين بالخرز، وزركشة الحواف». ويتدرب الطلاب مع عدد من أساطين هذه الحرفة، ومن بينها «أتيلييه مونتيكس» في باريس والذي يتعاون بشكل دائم مع «شانيل»، ومشغل «جوهان لوك كات» في مدريد.
إن تمكين الشباب عن طريق صقل مهاراتهم وفتح سوق العمل أمامهم مع الحفاظ في الوقت نفسه على التطريز اليدوي المغربي، الذي أوشك على الاندثار، يتطلّب أكثر من مجرد تعليمات بسيطة. ومن جانبها، تؤكد فضيلة على أهمية دعم كل طالب والاهتمام به قائلةً: «لدي اعتقاد راسخ بأن الفن والشغف ينتقلان بالحب. ويجب توفير البيئة اللازمة لهؤلاء الطلاب حتى يحبوا هذه المهنة، ويجعلوها شغفهم، ويستمرون في هذا المسار». ولقد أصبح هذا المسار الآن أكثر سهولةً، لا سيّما مع البرنامج الجديد للمِنَح الذي تبلغ مدته عامًا للخريجين، مثل الشابين مالكي «أتيلييه إسماعيل وعزيز».
الموضوع نشر للمرة الأولى على صفحات المجلة عدد شهر ديسمبر 2022
تصوير Sebastian Böttcher