“يا للروعة”، هكذا سُمِعَ صوت أحد الحضور وهو يصيح من شدة إعجابه بعرض الباليه الذي كان يقدم على خشبة المسرح بينما تعزف في الخلفية النغمات المختالة للموسيقار بيرليوز التي صدحت أصداؤها في كل أركان قصر غارنييه. استهلت أوريلي دوبون، مديرةُ الرقص بباليه أوبرا باريس، وستيفان ليسنر، المديرُ العام لأوبرا باريس موسمَ عروض 2019/2020 بحفل مهيب أقيم في دار الأوبرا يوم الجمعة. وقد خرج في المقدمة طلاب مدرسة الباليه بأوبرا باريس، تليهم فرق الرقص التمثيلي، ثم الراقصين الرئيسيين، ثم الراقصين النجوم، من بهو الرقص الأسطوري، مصطفين بطول خشبة المسرح ليقدموا للجمهور انحناءة التحية، حيث استقبلهم الجمهور بتصفيق حار. ولمدة بضع دقائق، بدا وكأن قلب باريس كان يخفق بسرعة مضاعفة.
وعقب عرض راقصي الباليه التقليدي، قدمت الشركةُ للحضور مجموعةً من عروض الباليه الرائعة، وكان من بين هؤلاء الحضور شخصيات بارزة مثل ڤيرجيني ڤييار، وبرونو باڤلوڤسكي، ولورا بايلي، و ڤيرجيني ليدوايان، وويليام فورسايث، وهيروشي سوجيوموتو، وديانا ويدماير بيكاسو، وحيدر أكرمان، وبلانكا لي، وجون بابتيست موندينو، وألكسندر دو بيتاك، وغيرهم. وكان من أبرز تلك العروض عرض “ڤارييشنز” لمصمم الرقصات المعروف سيرج ليفار. وقد أدت رقصةَ هذا العرض النجمتان دوروثي غيلبرت وإميلي كوزيت، واللتان ارتدتا خلاله ستة أزياء باليه من تصميم شانيل. واشتملت أزياء الباليه المصنوعة من التول الحريري على تنانير تحتيّة سوداء تبرز وثبات الراقصتين ولفّاتهما المهيبة. وصممت الورودَ لكل زيّ منها دارُ ليماري المتخصصة في صنع الحُليّ المزينة بالورود. واستخدمت الدارُ في صناعة باقات الزهور البديعة أقمشة رقيقة من الأورغانزا، مع ترصيع الخرز، وخيوط لوريكس بالأخضر والرمادي الفضي، كما أعدت بتلات الزهور من الحرير بدرجات ألوان الباستيل.
وشهد المسرحُ أيضاً تقديمَ عروض أخرى شملت عرض تروا بريليود لمصمم الرقصات بن ستيڤنسون، وعرض تشايكوڤسكي با دو دوو لمصمم الرقصات جورج بالانشاين، وعرض أب [إنترا] لمصمم الرقصات رافييل بوناشيلا. وبعد فترة الاستراحة، أبهر أعضاءُ الشركة السادةَ الضيوف بعرض بليك وركس آي الذي أبدعه مصمم الرقصات ويليام فورسايث عام 2016 (لباليه أوبرا باريس) على أنغام الموسيقى الرومانسية للمغني والموسيقار الإنجليزي جيمس بليك. وفي تعليقه على الحفل، أشار ألكسندر نادجاري، أحد ضيوف الحفل، عقب انتهاء الأمسية قائلاً: “شهد الحفل توازناً مثالياً بين العروض الكلاسيكية والمعاصرة”.
وبعد انتهاء عروض الباليه، توجه الضيوف البالغ عددهم 750 ضيفاً إلى قصر غارنييه ليتخذوا مقاعدهم في صالات القصر لتناول العشاء الذي كان يضم أشهى المأكولات، حيث قُدِّمَ طبق مقبلات السلطعون من إعداد الشيف المبدعة مانون فلوري، وطبق رئيسي من الدجاج والكمأة من إعداد الشيف الماهر أنتونين بونيه، وكعكة بسكويت الماكارون على شكل “زيّ باليه” من إعداد سابستيان جودارد. لقد كان حشداً عالمياً بمعنى الكلمة، فقد ضم ضيوفاً من الصين، وبلغاريا، والولايات المتحدة، والذين توجّه كثيرون منهم إلى حلبة الرقص المؤقتة بباليه أوبرا باريس بعد انتهاء الحفل ليتمايلوا رقصاً على أنغام منسّقيّ الدي جيه أغاث موجين، وڤلاديمير شال.
ما رأيكِ في الجدل الأبدي الدائر بين الرقص الكلاسيكي والرقص المعاصر؟ وهل يتسع المجال لتقديم كلا النوعين في باليه أوبرا باريس؟
كنا دوماً نقدم عروضاً للرقص المعاصر، وأنا فقط أواصل العمل ذاته. وتتراوح أعمار الراقصين بالشركة من 18 عاماً إلى 42 عاماً، ومتوسط العمر هنا هو 26 عاماً من الرجال والنساء على حد سواء. وهم أبناء عصرهم، ويعيشون مثل أي شخص آخر في مثل سنهم. ويريدون مواكبة العصر، فهم فعلا أشخاص معاصرون. ونحن لا نقدم الرقص الكلاسيكي بالأسلوب نفسه الذي كنا نقدمه منذ 40 عاماً؛ فبنية الأجسام تغيرت، كما لم يعد الشباب يريدون تقديم فن التمثيل الإيمائي “البانتومايم”، بل أصبحت الرقصات أكثر تطوراً. وأريد لباليه أوبرا باريس أن يكون مرجعاً للرقص المعاصر – وهو كذلك بالفعل. وعندما نقدم شيئاً هنا، نجده يقدم بعد عامين في مكان آخر.
ثم إنه لا يتاح لي المجال دوماً للاختيار ما بين تقديم الرقص الكلاسيكي أو المعاصر خلال الموسم، فقد أجبر على تقديم نوع بعينه دون الآخر، فالأمر يعتمد على الأوركسترا، والتي تكبدنا تكاليف باهظة، ويعتمد كذلك على الراقصين. وتضم الشركة 125 راقصةً وراقصاً تقريباً، وبعض عروض الباليه تستلزم اشتراك 90 راقصةً وراقصاً. ومن ناحية أخرى، إذا كانت هناك عروض تقدم على خشبة مسرح أوبرا الباستيل أو أوبرا غارنييه في نفس التوقيت –وهذا ما يحدث غالباً– فاضطر عندئذ لتقديم عروض من الرقص المعاصر لأنه ليس بإمكاني تقديم عروض باليه كلاسيكية بالتوازي معها.
صممت شانيل أزياءً لراقصي الباليه في هذا الحفل فيما صمم ريك أوينز أزياء عروض باليه آت ذا هوكس ويل المقبلة. فكيف طرأت فكرة هذين التعاونين؟
في كثير من الأحيان، يكون التعاون مع المصمم حلماً لمصمم الرقصات. وأنا أعشق هذا التقارب بين المصمم وفن الرقص، لذا أحاول مساعدتهما في تحقيق ذلك. والرقص يفتن جميع المصممين، والحركة تسحرهم. وعندما ترين أزياءكِ ترتديها راقصة محترفة، خاصة إن كانت راقصة في باليه أوبرا باريس، فذلك يقدم لكِ رؤية جديدة. وإذا ما وافق [المصممون]، فهذا كرم منهم، كما أنه ذكاء بالغ من جانبهم أيضاً.
كانت الراقصة الأولى مريم أولد براهام، التي سعدنا بالحوار الذي أجريناه معها لڤوغ العربية، والراقص الأول ماتياس هيمان، من بين بعض راقصي الأوبرا الذين سافروا للرقص في أبوظبي العام الماضي. فهل زرتِها أنتِ أيضاً وماذا كان انطباعكِ عنها؟
أجل، دُعينا للمشاركة في إحدى الجولات، كما سافرتُ إليها عدة مرات. وقد سألتُ ما إن كان بها مدرسة للباليه. وسيكون من المثير للحماس وجود جمهور متزايد لهذا الفن، أولئك الذين يقبلون على رؤية أشياء جديدة، وربما إقامة مدرسة للرقص. سأعشقُ القيام بذلك. فالفن شكل من أشكال الثقافة. كما أنه من واجبنا كفنانين لقاء الناس وحثهم على القيام بأشياء جديدة. وأعلمُ أنه مشروع سأكون شديدة الحماس له. فأنا أفكر فيه.
كيف تقضي مديرةُ الرقص يومها؟
أستيقظُ في السابعة صباحاً وأعتني بطفليّ؛ فلدي ولدان في الـ8 والـ11 من عمريهما. ثم أتوجهُ في الغالب إلى دار الأوبرا أولاً. وأستمعُ إلى الموسيقى فيما أردُ على رسائل البريد الإلكتروني. وأهوى أكثر الاستماع إلى [الموسيقي] تشت بيكر صباحاً –رغم أنني مولعة بمغنية تدعى بيلي إيليش– ولكني أستمع إليها أكثر نحو الساعة الخامسة عصراً. وعند الساعة 11 صباحاً، أتلقى درساً في الرقص مع الراقصين. لأكون معهم، وليس للحكم عليهم، فأنا أعرفهم جميعاً، وقد رأيتهم في بدء التحاقهم بالمؤسسة. وفي فترة الظهيرة، أنضمُ إلى الراقصين الأوائل، أثناء التدريبات. ثم بعد الظهر أتولى الأعمال الإدارية. وإذا كان لديّ عرض، أعمل لوقت متأخر.
راقصات باليه أوبرا باريس أثناء عرض ڤارييشنز لسيرج ليفار، مرتديات أزياءً من تصميم شانيل. بعدسة فرنسوا جواز. بإذن من باليه أوبرا باريس
يُعد هذا الحفل ثاني عرض ترعاه شانيل، والأول بالنسبة للمصممة الإبداعية الجديدة للدار، ڤيرجيني ڤييار. فما رأيكِ في هذا التوجّه؟
أعشق ڤيرجيني وسعيدة للغاية لأن شانيل راعية للأوبرا. وإلى جانب كوننا من الجنس الناعم، نتقاسم حقيقة أن دارينا تحترمان التراث. وأحياناً يتولى دفّة القيادة مديرون جدد يريدون محو كل ما سبق لإثبات وجودهم. وأعتقد أن هذا سخيف. وشانيل تحب الرقص منذ الأزل. و هي فرنسية صميمة، وكذلك أوبرا باريس. إنهما اسمان قويان، وبمثابة دعامتين.
يتصل الرقص بالعديد من الميادين – الموسيقى، والفلسفة، والأدب. فهل لديكِ هواية أخرى أو شغف غير الباليه؟
أنا عاشقة حقاً للموسيقى، وأستمع إليها أثناء العمل. ولكني أشعر بالإحباط لأني لا أستمع إليها كثيراً وليس لديّ أي وقت فراغ. للأسف، ليس لديّ متسع من الوقت لعمل ما أحبّه، مثل القراءة والذهاب إلى السينما. والآن، من واقع منصبي كمديرة، يجب أن أحصل على فكرة عامة عن الرقصات، فكرة أكثر توسعاً مقارنةً بما كان لديّ حين كنتُ راقصة. وإذا ما خرجتُ، فسيكون لأمر يتعلق بالرقص.
ما الأنوثة من وجهة نظركِ؟
أعتبرُ نفسي شخصية متحررة حقاً، ولكن الحرية ليست هي الأنوثة. حتى لو كانت تتعلق بها، فلا أظن أنها أول تعريف لي عنها. فالأنوثة هي الوعي بجسمكِ. وضعية رقبتكِ، وقوامكِ، ووضع سيقانكِ. نعم، إنها كذلك، ولكنها أيضاً – تتعلق بالجاذبية والسحر.
لاحظتُ أنكِ تتزينين بمجوهرات رائعة، فهل تؤمنين بالخرافات؟
لا، على الإطلاق، ولكني أحبّ المجوهرات وأهوى تصاميمها. وحين كنتُ راقصة، كان لديّ ورشة في غرفة ملابسي. وقد صنعتُ يوماً مجموعة من 85 قطعة لمتجر أوبرا باريس. وقد بيعت بالكامل. وحالياً، ليس لديّ متسع من الوقت. وقد أصممُ، ربما في المستقبل، مجموعةً مع إحدى العلامات. وقد صممت هذه القلادة ولم أخلعها أبداً. تتناول أوريلي سلسلة طويلة وتفصل بين قرصين ذهبيين، رُصعا بالألماس، ونقش داخلهما اسميّ ولديها، جورج وجاك.
نجحت هذه الأمسية في جمع تبرعات بلغت أكثر من 1.2 مليون يورو بدعم من رولكس الساعة الحصرية لدار أوبرا باريس وراعية الحفل الافتتاحي، ودار شانيل راعية الحفل الافتتاحي أيضاً، إلى جانب التبرعات السخيّة التي قدمتها اللجنة الفخرية.
اقرؤوا أيضاً: ليونيل ريتشي يشدو أجمل أغانيه في السعوديّة قريباً