سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، ورئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، والرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية “أم الإمارات”، تخص مجلة ڤوغ برسالة مؤثرة بمناسبة اليوم الوطني الخمسين لدولة الإمارات العربية المتحدة
إن احتفال دولة الإمارات العربية المتحدة بمرور 50 عاماً على قيام اتحاد وطننا الغالي يأتي ودولتنا تسجل إنجازات مشرفة وتجارب فريدة ومبادرات سباقة وضعتها ضمن أفضل دول العالم تحضراً وتقدماً وتطوراً وانفتاحاً، تحمل الحب والسلام والأخوة الإنسانية والتعايش وقبول الآخر، مكملة مسيرة إنسانية وحضارية رائعة قامت عليها منذ أسسها القائد الراحل الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، مع إخوانه حكام الإمارات الذين وضعوا لنا منهجاً راسخاً عنوانه الاتحاد والإرادة والأمل والتفاؤل وحسن التخطيط واستثمار الفرص.
وفي هذه المناسبة الغالية نقول إن التقدم الذي حققته دولة الإمارات العربية المتحدة ما هو إلا نتيجة لرؤية القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وإخوانهما أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بالاستثمار في الإنسان، وتمكين قدراته وكفاءاته، لتنطلق طموحاتنا سعياً لمصلحة الوطن والإنسانية.
وعند الحديث عن إنجازات دولة الإمارات في ملف دعم وتمكين المرأة، يجب أن نبدأ في رسم المشهد الإماراتي قبل خمسين عاماً، حين أشرقت شمس الثاني من ديسمبر عام 1971، بدأت دولة الاتحاد مسيرتها المظفرة، واستيقظ شعبها على صوت القائد الراحل عبر مقولته الخالدة: “إن الدولة تعطي الأولوية في الاهتمام لبناء الإنسان ورعاية المواطن في كل مكان من الدولة، وإن المواطن هو الثروة الحقيقية على هذه الأرض، وهو أغلى إمكانات هذا البلد”.. وأن نستلهم في حديثنا أولوية بناء المواطن دون تمييز بين الرجل والمرأة، والتي مثلت الحاضنة الأساسية في توفير البيئة التشريعية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية الداعمة لإنجازات وإبداعات المرأة الإماراتية.
ولا شك أن كل من عاصر تفاصيل المشهد “آنذاك”، سيدرك حتماً أن ما وصلت إليه المرأة الإماراتية اليوم معجزة بكل المقاييس، في ضوء ما تحقق في جميع المجالات من إنجازات بداية من قيام دولة الاتحاد، على يد القائد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، الذي أطلق إمكانات المرأة الإماراتية، وعزز دعمها، وفتح أمامها آفاقاً واسعة، لتكون مساهماً فاعلاً في مسيرة التنمية وبناء الوطن.
كانت البداية الحقيقية عندما تم تأسيس جمعية نهضة المرأة الظبيانية عام 1973م، الذي كان لها الدور البارز في محاربة الأمية، وتقديم فرصة التعليم للمرأة في كل ظروفها وفي أية مرحلة من عمرها. كانت الجمعية تحدياً، ونجاحاً مبهراً، وتجارب ريادية لنساء أكملن مسيرتهن التعليمية والتحقن بالجامعة وتخرجن ومارسن أدواراً عملية في خدمة وطنهن، إلى أن تم توحيد جهود جميع الجمعيات تحت مظلة الاتحاد النسائي العام في عام 1975، لدعم مسيرة وتمكين المرأة في كافة المجالات.
منذ ذلك الحين قاد الاتحاد النسائي العام مسيرة النهوض بالمرأة الإماراتية عبر عدة مراحل أولها مرحلة النهوض بالمرأة التي اتسمت بوضع اللبنات وتغيير الموروث الثقافي تجاه خروج المرأة وسعيها للحاق بركب التعليم والانخراط في العمل الاجتماعي، وذلك من خلال تشجيع الانتساب إلى الجمعيات النسائية في كافة إمارات الدولة والعمل على التنسيق فيما بينها من أجل ضمان وصول الخدمات والبرامج لأكبر شريحة من النساء، ومن ثم جاءت بعد ذلك مرحلة التمكين والريادة، التي اتسمت بتوفير البيئة التشريعية والمؤسسية لتسمو بمكانة المرأة وتؤكد على دورها المحوري في المجتمع، فيما جاءت مرحلة تمكين المجتمع عن طريق المرأة، التي ركز فيها الاتحاد النسائي العام على طرح مبادراته وبرامجه المختلفة على أسس ومقومات أساسية لتحقيق المواءمة والموازنة بين رؤية حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة والممارسات العالمية من خلال الإيفاء بالتزاماتها الدولية وتطويعها بما يتكيف مع خصوصية المجتمع الإماراتي.
وساهمت جميع الجهود السابقة في بلوغ مرحلة استشراف مستقبل المرأة الإماراتية، إذ وصلت ابنة الإمارات بدعم القيادة الرشيدة إلى مستويات عالية ومتقدمة من القدرات العلمية والأكاديمية وحققت نجاحاً مرموقاً في مجالات التطور التقني والتكنولوجي ومجال أبحاث الفضاء الخارجي في منظومة وكالة الإمارات للفضاء ومجال الطاقة المتجددة والطاقة النووية وتصنيع وإطلاق الأقمار الصناعية وتكنولوجيا صناعة الطيران وصناعة الأسلحة العسكرية وكذلك قطاعات الإبداع والابتكار في مختلف المجالات، والتي قام خلالها الاتحاد النسائي العام باستحداث منهاج مبتكر تشاركي لاستشراف مستقبل المرأة الإماراتية، وذلك لقياس مؤشرات التنافسية الدولية وتسريع عملية إعداد السياسات والدراسات وإطلاق المشاريع والمبادرات من خلال تضافر جميع الجهات الاتحادية والمحلية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص المعنية بالمرأة، للوقوف على نقاط القوة والبناء عليها، ومعالجة نقاط الضعف، عن طريق الدراسة “نظام رصد التقدم المحرز للمرأة الإمارتية” التي قام بها الاتحاد النسائي العام والشركاء الاستراتيجيون، والتي عكست المحصلات والمخرجات المبهرة للاستراتيجية الوطنية لتمكين وريادة المرأة الإماراتية 2015-2021، والتي أحدثت تحولاً جذرياً في مسيرة ابنة الإمارات.
نصف قرن في عمر الزمان، ليست الشيء الكثير في عمر البشر، لكنها تعني الكثير والكثير لعمر الدول، وهذه الأعوام مدلولها لدى الإمارات وشعبها والمقيمين كبير، فهي تعني التحضر والعيش الرغيد والانفتاح والتسامح والحضارة في مفهومها الشامل، والتي وصلت الحاضر بالماضي البعيد تطلعاً إلى تباشير المستقبل، وعلى ضوء ذلك عززت دولة الإمارات العربية المتحدة مكانتها عالمياً في مجال التوازن بين الجنسين، بتحقيق جملة من الإنجازات، ولعل من أبرزها الاستراتيجية الوطنية لتمكين وريادة المرأة في دولة الإمارات 2015-2021، واعتماد تشكيل مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين، وإطلاق مؤشر التوازن بين الجنسين في الجهات الحكومية، وإصدار قوانين للمساواة في الأجور والرواتب، وإصدار دليل التوازن بين الجنسين في القطاعين العام والخاص، وتوفير مساعدات مالية شهرية لتحقيق الرفاه الاجتماعي للأرامل، والمطلقات، والمهجورات من النساء، والمواطنات المتزوجات من أزواج أجانب، إلى جانب كفالة التعليم المجاني في المدارس الحكومية، والكليات، والجامعات، وضمان تكافؤ فرص الوصول إلى جميع مستويات التعليم والتدريب المهني بشكل متساوٍ مع الرجل، فضلاً عن التمكين السياسي، حيث تمثل المرأة الإماراتية في البرلمان الحالي 50% من أعضائه، والتي تعتبر من أعلى النسب لمشاركة المرأة في العمل البرلماني على مستوى العالم، كما تشكل سيدات الإمارات ثلث أعضاء مجلس الوزراء الحالي في دولة الإمارات، وهنّ يدرن ملفات مهمة ومستحدثة مثل العلوم المتقدمة، وشؤون الشباب، وتنمية المجتمع، والثقافة، وشؤون التعليم العام وشؤون التعاون الدولي، والأمن الغذائي والمائي.
يوماً بعد يومٍ تثبت المرأة الإماراتية أنه لا مستحيل مع العمل والجد والاجتهاد وروح الإبداع والأمل في مستقبل أكثر ازدهاراً، ومع اكتمال منظومة بناء الدولة العصرية، أضحى الحفاظ على مكتسبات الوطن ومقدراته وإنجازاته، التي تحققت بفضل من الله، ومن ثم جهود القيادة الرشيدة، والحس الوطني للشعب، مسؤولية وواجباً وطنياً من الجميع، تدفعنا لبذل مزيد من العطاء سعياً لرفعة وطننا الحبيب في الخمسين عاماً الجديدة من عمر الدولة بإذن الله.
اقرئي ايضاً : حفلات غنائية وموسيقية بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني الإماراتي الـ50 في كل الإمارات