تابعوا ڤوغ العربية

إليك تفاصيل قصة الإخلاص والتفاني الأسطورية بين صباح وجوزيف غريب

استمرت قصة الإخلاص والتفاني الأسطورية بين صباح وجوزيف غريب ربع قرن. ويستعيد غريب ذكريات سعادته في تلك السنوات كما يعيد تقديم الإطلالات الشهيرة للديڤا اللبنانية بتصاميم ويليام خوري

في ليلة معتدلة من ليالي بيروت في أوائل التسعينيات، كان فنان تجميل شاب يقضي وقته مع أصدقائه خارج منزله حين دخلت القاعة مطربة لبنانية أسطورية. وتحول هذا اللقاء الذي جمعهما بمحض الصدفة إلى إحدى أشهر الصداقات في عالم الترفيه في الوطن العربي على الإطلاق. وكانت تلك هي قصة جوزيف غريب وصباح. يذكر ضاحكًا: «كنت مولعًا بصباح منذ صغري. وكنت أقص صورها من المجلات وألصقها على جدران بيتي فيغضب أبي لأني أفسد الطلاء». وقد أججت مشاهدته لفاتنات العصر الذهبي للسينما في الشرق الأوسط عشقه للجمال ودفعته للتفكير في الانخراط في مسيرته كجراح تجميل. يقول: «درست الطب لمدة عام، ولكني كنت أعلم بأنه ليس شغفي، لذا اتجهت إلى تصفيف الشعر والمكياج وسافرت إلى باريس لدراستهما باحتراف». وعاد الشاب إلى لبنان بعد استكمال دراسته، وساعده والده على افتتاح أول صالون له، تقديرًا لمواهبه الواعدة. ولم يمض وقت طويل حتى زارته شخصيات إعلامية محلية مثل فريال كريم، وسلوى القطريب، وماغي فرح، بل وابنة صباح نفسها، هويدا منسي، التي أخذت
تتردد على مركز التجميل الجديد النابض بالحيوية.

تصوير TAREK MOUKADDEM

وعشية لقائهما الأول، قامت صباح بإبلاغ غريب بأنها ستظهر مع سيمون أسمر في ستوديو الفن، برنامج المواهب الشهير الذي ساعد على انطلاق نجوم الغناء على درب النجاح، مثل وائل كفوري، ونوال الزغبي، وإليسا، وميريام فارس. ويضحك قائلاً: «قالت إنها تريد اختبار مهاراتي. إما أن تنجح مع الصبوحة أو لا. وجننت حين سمعت ذلك! ولم أستطع النوم طوال الليل. وفي اليوم التالي، كنت متوترًا جدًا ويداي ترتعشان. لم أصدق ما يحدث. كانت هي صباح، كانت أيقونة، وملكة». ورغم أنه كان مبتدئًا في ساحة الجمال، قرر المجازفة وابتكر إطلالة غيرت مظهر المطربة الأسطورية تمامًا. فقد اختار لعينيها مكياجًا دخانيًا مجنحًا وأقرنه بأحمر شفاه بلون برونزي معدني ليتباين مع فستانها الأزرق السماوي اللامع وزينة رأسها المرصعة بالجواهر. وشعر بالارتياح حين علم أن كل من شاهد الحلقة سُر من إطلالتها الجديدة. وكانت تلك نقطة تحول في مشواره كما كانت بداية رفقته لها في رحلتها التي قدر لها أن تستمر 23 عامًا حتى يوم رحيلها.

من القاهرة ودمشق ودبي إلى لندن وباريس ونيويورك، وفي كل مكان آخر، طاف غريب حول العالم مع الشحرورة، وهو اسم
لـ«طائر أسود» واللقب الذي أطلق على صباح لجمال صوتها الفريد ولقرب مسقط رأسها من وادي شحرور بلبنان. ويذكر غريب: «كان الناس يعرفون أنها نجمة أينما ذهبنا، حتى لو لم يعلموا من هي. وكانوا يوقفونها حين كنا نسير في شارع الشانزليزيه ليسألوها من تكون». وبخياراتها الجريئة في الأزياء وشعرها الأشقر البلاتيني بتسريحته المنتفشة المميزة المذهلة وعينيها ذات الكحل الكثيف وشفتيها القرمزيتين الزاهيتين، كان بريقها ومكانتها كديڤا يسترعيان الانتباه بلا شك. «كانت صباح تؤمن بأن كل نجمة يجب أن يكون لها إطلالة مميزة، وكانت هذه إطلالتها. وحتى أيامها الأخيرة، كانت تطلب مني أن أضع لها لون أحمر الشفاه المفضل لديها، «كريستيان ديور رقم 365»، الذي كنت أشتريه لها بكميات كبيرة كلما سافرت إلى باريس».

ولدت صباح، واسمها الحقيقي جانيت جرجس فغالي، عام 1927، في قرية بدادون الجبلية بلبنان، واكتشفت حبها الفطري للفن في سن صغيرة. وسرعان ما لفت صوتها الفلكلوري الطربي وشخصيتها الجذابة أنظار المنتجة السينمائية اللبنانية الرائدة آسيا داغر التي دعمت المغنية المراهقة وعرضت عليها توقيع عقد ثلاثة أفلام في القاهرة. ورغم موهبتها في الغناء والتمثيل، واجهت صباح صدمات في السنوات الأولى من مشوارها، فقد عانت من عنف والدها الذي كان يستولي على أرباحها، ولاحقًا من شقيقها الذي قتل والدتها الحبيبة بدم بارد بعد أن شك في خيانتها.

وعلى مدى سبعة عقود، شاركت صباح في أكثر من 90 فيلمًا وسجلت آلاف الأغاني مثل «زي العسل» و«يانا يانا» و«عالندا» و«جيب المجوز يا عبود». وقد أصبحت نجمة كبيرة في عالم السينما وأسطورة في الغناء وأيقونة للموضة، وعرفت العالم العربي بالثقافة اللبنانية، ووحدت أجيالاً من الناس في أنحاء الشرق الأوسط على حب فنها الرائع وأسلوبها الأنثوي الذي لم تخجل منه. ورغم مواهبها اللامحدودة، كثيرًا ما كانت تتصدر عناوين الأخبار حياتُها الشخصية وزيجاتها العاصفة العديدة، وتصدع علاقتها بابنها، والحياة المضطربة لابنتها التي أدمنت المخدرات وفشلت محاولاتها في السينما. وكانت كثيرًا ما تردد بأن الزواج والإنجاب من أكثر الأشياء التي ندمت عليها. وفي عام 2008، طالت الشائعات غريب نفسه وزعمت بأنه الزوج الثامن لها. يقول: «لأننا كنا دائمًا معًا، ظن الجميع بأن ما بيننا علاقة رومانسية، ولكنها كانت بالنسبة لي أكثر من ذلك بكثير، فكانت صداقتنا تتجاوز كل شيء».

وعلى غلاف عدد أبريل 2008 من «مجلة قمر»، نشر الصحفي اللبناني طوني خليفة موضوع غلاف مع صباح وغريب، أطل فيه الثنائي بزي العروس والعريس. يوضح غريب متعجبًا: «قام العالم ولم يقعد عندما صدرت المجلة»، مضيفًا: «كانت صبوحة تتمتع بحس دعابة رائع، ورأت أن الأمر كان مضحكًا للغاية. وفي الأسبوع التالي، ظهرنا في برنامج طوني على شاشة التلفزيون لإعلام الجميع بأنها كانت مجرد مزحة بمناسبة كذبة أبريل، ولكن لم يصدقنا أحد. حتى يومنا هذا، عند زيارتي للقاهرة، ما أن يراني الناس يقولون: ’هذا هو زوج صباح‘».

وفي 2011، تم طرح مسلسل «الشحرورة» التلفزيوني الذي يستعرض قصة حياة صباح. والمسلسل من إخراج المخرج المصري أحمد شفيق ومن بطولة الفنانة اللبنانية كارول سماحة. وعلى الرغم من المقابلات الشخصية التي أجرتها صباح مع فريق العمل قبل بدايته، لم تنل النسخة النهائية منه إعجابها هي وعائلتها وعزموا على اتخاذ إجراء قانوني ضد شركة الإنتاج بتهمة التشهير. يقول غريب: «كل ما جاء به [المسلسل] غير صحيح!»، ويردف: «كان سطحيًا للغاية. لقد جعلوا الأمر يبدو وكأنها مجرد ممثلة غنت أغنية متفردة هنا وهناك. كان كل التركيز منصبًا على زيجاتها والقصص الدرامية للعنف الأسري. وهذا ليس صحيحًا، فصباح كانت امرأة قوية يحترمها كل من حولها، وهذا ما لم يظهره العمل. هذا علاوة على التقليل من شأن عظمة نجاحها الحقيقية. أين كانت حفلاتها الموسيقية الضخمة؟ أين كان نجاحها العالمي؟ لم يكن الأمر دقيقًا على الإطلاق».

تصوير TAREK MOUKADDEM

وفي العقد الأخير من حياتها، لم يكن غريب فقط مسؤولاً عن شعر صباح ومكياجها، بل وكان أيضًا رفيقها المخلص. وكثيرًا ما تحدثت عن عشقها له على المنصات العامة. وفي حوار لها مع مذيع البرامج الحوارية زافين قيومجيان، وصفته بـ«أكسجين» حياتها و«حبها الأعظم». يقول: «كانت تثق بي ثقة عمياء لأنني كنت صادقًا وشفافًا معها منذ البداية، وأعتقد أن هذا هو سبب وجود هذا التواصل الفوري [بيننا]. كان فنها هو حبها الحقيقي طوال حياتها، وقد عانت سرًا بسبب ذلك. كانت نجمة بكل ما في الكلمة من معنى، وكانت تشع بالجاذبية التي حباها الله بها وهي على خشبة المسرح، لقد كانت محترفة ودقيقة ومحترمة حقًا. ولكن من ظهرت على المسرح أيضًا هي جانيت فغالي الحقيقية؛ إنسانة بهيجة، ومرحة، ولطيفة، ورقيقة الفؤاد، وكريمة تخفي حزنها وقلبها الكسير داخلها».

قضت صباح السنوات الأخيرة من حياتها في فندق «برازيليا سويتس» ببيروت، حيث كان غريب يعمل أثناء النهار فيما تكون هي نائمة، بينما كان يقضي الأمسيات بجانبها ليزين شفاهها بأحمر الشفاه المفضل لديها، ويعطرها بعطرها «ريڤ دور» من «إليزابيث أردن». ومع تدهور حالتها الصحية وفي ظل غياب أبنائها، ازداد تعلقها بغريب. وكثيرًا ما كان هو بدوره الأولوية قبل كل شيء. وفي يوم جنازة والدة غريب، اتصلت به صباح، التي كانت تعيش وحيدة، تصرخ من شدة الألم. فطوى أحزانه وذهب ليعطيها الدواء الذي كانت في أمس الحاجة إليه. وفي تحول قاس لمجرى الأحداث، كان غريب في رحلة عمل إلى باريس، وهناك تلقى المكالمة التي طالما كان يخشاها. فقد رحلت حبيبته صبوحة. وفي يوم 26 نوفمبر 2014، فاضت روحها بسلام أثناء نومها عن عمر يناهز 87 عامًا.

ولا تزال الشائعات تلاحق غريب، إذ تزعم أنه ورث ملايين الدولارات عن صباح وباع فساتينها لأعلى سعر في الخليج. يقول: «بعد وفاتها، عرضت عليّ وسائل الإعلام شيكات على بياض لأحكي لهم قصصًا عن صباح، لكني دائمًا ما أكنت أرفض هذه العروض لأنني لا أكترث بالشهرة. أعرف عنها أشياءً لا تعرفها عنها حتى عائلتها، ولكنني قررت أن أحفظ أسرارها إلى أن توافيني المنية». في اللحظات الأخيرة من حياتها، طلبت صباح من رفيقها المخلص تأليف كتاب عن الوقت الذي قضياه معًا، وهو بالفعل قيد الإنتاج بحسب ما أكده غريب. وعن هذا الكتاب، يقول: «لقد أعطتني الضوء الأخضر لمشاركة قصتي مع العالم، ولكن بنفس روح الدعابة المعهود عنها، قالت لي: ’لا تكن قاسيًا جدًا عليّ رغم ذلك!‘». وبينما يدور الكتاب حول حياتي معها، فسيكون شيئًا يستحق عظمتها الأسطورية. إهداء رقيق للسحر والبهجة اللذين نشرتهما في هذا العالم».

فنان التجميل وجوزيف غريب تصوير TAREK MOUKADDEM

كانت صباح بمثابة أمي الثانية. يعرف الناس اسمي بفضلها، وأنا مدين لها بكل شيء. لقد كانت تمثل لي السعادة والأمل والحب، وفقدت الكثير بوفاتها». وبصوت تعلوه نبرة حزن، أخذ غريب يذكر آخر نصائح صباح له: «لا شيء في هذا العالم يستحق أن تحزن عليه. استمتع بوقتك وامرح ولا تدع أي شخص يزعجك. وأهم شيء على الإطلاق، مهما حدث أو أيًا من كان يقف في طريقك، ارفع رأسك عاليًا وامض قدمًا».

 

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع