خلال آخر مراحل معركتهما البطولية الرابحة ضد مرض سرطان الدم، يستعيد الشيخُ راشد بن أحمد آل مكتوم وزوجته ناتالي لانكستر مسيرتهما الناجحة في عالم الفروسية يؤمن الشيخ راشد بن أحمد آل مكتوم وزوجته ناتالي لانكستر بأنه لا يمكن لشيء أن يقف عقبةً في طريقهما، سواءً في تمثيل دولة الإمارات في دورة الألعاب الآسيوية، كلٌ في مجال تخصصه بعالم الفروسية –قفز الحواجز وترويض الخيول– أم في معركة الشيخ راشد الحالية ضد مرض سرطان الدم «لوكيميا». وقد أصبح الزوجان، بعد سنتين من القلق والاضطراب، أقوى من ذي قبل ويستعدّان للهيمنة على حلبة الفروسية الدولية.
لطالما كانت العائلة الحاكمة في الإمارات مولعةً بالخيول. وتحتضن هذه الدولةُ، المعروفة بتميُّزها في عالم الفروسية، أحدَ أشهر الإسطبلات في العالم، وهو «جودلفين»، الذي يملكه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي. ويدين الشيخُ راشد، نجلُ الشيخة حصة بنت راشد بن سعيد آل مكتوم (أخت الشيخ محمد)، بالفضل لأخته الفائزة بالميداليتين البرونزية والفضية في الألعاب الآسيوية وأيضًا للفارس الشهير إريك ليڤالوا في تعليمه عديد من المبادئ الأساسية. وفي عمر الثالثة عشرة، خلال زيارته لدوڤيل لرؤية أخته الشيخة لطيفة، امتطى الشيخُ الخيلَ لأول مرة ثم حاول قفز الحواجز بعد مدة وجيزة. وفي عام 2010، ابتسم له الحظ فشارك في دورة الألعاب الآسيوية. ويذكر الشيخ راشد: «كنتُ أنافس في أوروبا حينذاك، وقبل يومين من موعد الحجر الصحي للخيول في آخن بألمانيا، سألني اتحادُ الإمارات للفروسية والسباق والشيخةُ لطيفة إذا ما كنتُ أرغب في المشاركة، فوافقت على الفور وخلال 48 ساعة كنّا في طريقنا». ومع فرسه «فخر دبي»، أكملا جولةً كاملةً وساعدا في فوز الفريق بالميدالية الفضية.
ومن ناحية أخرى، كانت ناتالي أيضًا تهوى ركوب الخيل منذ نعومة أظافرها. وقد ترعرعت هذه الفارسةُ في شروبشاير بالمملكة المتحدة، والتحقت بمدرسة داخلية في عمر السابعة. تقول: «كانت لدينا دائمًا خيول في المنزل، وكنتُ محظوظةً للغاية بأن يستمر حبي وشغفي بالخيول خلال سنوات الدراسة، وقد اصطحبتُ معي أولَ مُهْر لي إلى المدرسة الداخلية. وكانت جدتي فارسة استعراضية، وكانت نصائحُها هي التي جذبتني نوعًا ما إلى ترويض الخيول». وبعد أن أكملتْ دراستها في عام 2010، انتقلتْ إلى دبي لتكون قريبة من والدها الذي كان يعمل هناك. وعملتْ حينذاك في شركة لتصاميم الإضاءة قبل أن تطلق متجرها لبيع الحيوانات الأليفة بالتجزئة على الإنترنت والذي ظلت تديره لست سنوات.
والتقى الزوجان عن طريق صديق مشترك في نادي دبي للبولو والفروسية بعد مدة وجيزة من انتقالها إلى دبي، وسرعان ما شعر كلٌ منهما بالإعجاب تجاه الآخر. تذكر: «أعتقد أننا قمنا معًا بجولة في البداية حول ملاعب البولو، وكان لدي حصان عربي آنذاك». ويضيف الشيخ راشد: «أخذتُ معي قارورة ماء كبيرة في حالة إذا ما شعرتْ هي بالعطش». وفي عام 2015، تزوجا ورُزِقَا بالشيخة حصة عام 2016 والشيخة علياء عام 2019. ولم يمض وقت طويل على ولادة الشيخة علياء حتى فُجِعَت الأسرة بإصابة الشيخ راشد بمرض سرطان الدم في نوفمبر من نفس العام. تقول ناتالي: «انقلب عالمنا بأسره رأسًا على عقب، فقد تم تشخيص المرض بين عشيّة وضحاها وخلال 12 ساعة كنّا على متن طائرة متجهة إلى لندن لعلاجه». وكانت الإقامة في لندن لبضعة أشهر صعبةً إذ كانت علياء لا تزال طفلة رضيعة لم يتجاوز عمرها تسعة أشهر بينما كانت حصة في الثالثة. وتضيف: «كانت تنازعني ثلاثة اتجاهات مختلفة – وكان عليّ تقسيم نفسي بين راشد الذي كان في أمسّ الحاجة إليّ، والطفلتين. وكنتُ أشعرُ بالدوار بشدة، وكنتُ تائهة تمامًا. ولم أكن أدري ما إن كنتُ سأتلقى اتصالاً هاتفيًا في الصباح يخبرني بأنه لم يستيقظ أو بفشل العلاج». بيد أنها جاهدتْ وتحمّلتْ ظروفها بشجاعة. وإلى جانب تلقيه جرعات قاسية من العلاج الكيميائي، كان الشيخ راشد يعاني أيضًا الاكتئاب. يؤكد في ذلك الحين انعزلت تمامًا – عن عائلتي والعالم والخيول. وظننتُ في البداية أن السبب كان تعبي، ولكنني كنتُ أعاني الاكتئاب». وتذكر ناتالي أنه كان ينام في أغلب الأيام ويزداد ضعفًا. وكان يرفض مغادرة فراشه ولا يسمح للأطباء بزيارته وكان يطفئ الأنوار طوال الوقت.
وبعد ثلاثة أشهر، عادت الأسرة إلى دبي، واتصلت ناتالي بطبيب نفسي عالج الشيخ راشد بجرعات مكثّفة من مضادات الاكتئاب لبعض الوقت. وفي تلك الأثناء، بدأت ناتالي تمتطي الخيل مرة أخرى، وسرعان ما استعادت الاستقرار في حياتها. وكان أكبر درس تعلّمه الشيخ من محنته هو أهمية وجود منظومة داعمة وقوية. وعن ذلك يقول: «الجوُ العائلي الذي أحاطني دعمني بصورة لم أكن أتخيّلها. ولو لم أكن متزوجًا ولدي أطفال، لاستسلمت طواعيةً ورفضتُ العلاج. وأرى أنه من المهم ألّا يشعر الناس بالخوف أو القلق من التحدث عن مرضهم – سيكون الأمر أكثر ضررًا إذا ما احتفظتم به لأنفسكم». ومع اقتراب اكتمال رحلة العلاج، بدأ الزوجان يتطلّعان إلى مستقبل مشرق. يقول الشيخ والبسمة ترتسم على شفتيه: «نحن أقوى مع بعضنا الآن»، وبسعادة يردف: «لن نعد نركض بين المستشفيات مرة أخرى. وسأقضي أطول إجازة صيفية مع زوجتي الجميلة وابنتيّ الجميلتين». العام المقبل مليء بالإثارة للعائلة – حيث يحاول الشيخ راشد المشاركة في تصفيات أولمبياد باريس 2024 في يناير، بينما تمثل ناتالي دولةَ الإمارات في فئة ترويض الخيول بدورة الألعاب الآسيوية 2022 في سبتمبر المقبل. «سألت طبيبي إذا كان بإمكاني تأجيل آخر جرعة من العلاج الكيميائي إلى ما بعد التصفيات، حتى لا يؤثر ذلك على أدائي»، هكذا صرح الشيخ راشد بجرأة. وبعد توقف لمدة عامين عن ركوب الخيل بسبب مرضه، عاد بقوة هو وحصانه «كازانوڤا دي بوفور دي إكس بي». وقد حلّ الثنائي في المركز العاشر في سباق الجائزة الكبرى من فئة النجمتين بمدينة العين في نوفمبر، وهو ما أسعده للغاية. وعن حصانه، يقول: «لم أدفعه بعد إلى أقصى حدود طاقته. وإنما أحاول إبقائه على هذا المستوى ودفعه تدريجيًا – بحيث عندما يحين وقت التصفيات الأولمبية، يكون في أوجه».
ومن جانبها، عادت ناتالي أيضًا إلى دبي مع خيولها الأربعة من ذوات الدم الدافئ بعد تحقيقها سلسلة انتصارات متتالية الصيف الماضي في ثلاث منافسات بمسابقات ترويض الخيول الدولية التي أقيمت بفرنسا. وقد فاز حصانها البطل «فورست دانس دي إكس بي» بعديد من المراكز الأولى في هذه المسابقات، وسيكون أيضًا شريكها في دورة الألعاب الآسيوية العام المقبل. وبطبيعة الحال، يتطلّب التدريب بمثل هذا المستوى الرفيع قضاءَ كثيرًا من الوقت على ظهر الحصان. لذلك، يمتطي الثنائي صهوة خيول عديدة مع مطلع الفجر لساعات طويلة كل صباح، وبعد ذلك تصب ناتالي تركيزها على تدريبات القوة أو لعب البادل تنس. ويصف الشيخ راشد زوجته مازحًا بأنها مدمنة للصالات الرياضية. فيما تؤكد ناتالي قائلة: «أحتاجُ لأن يكون جسمي في أفضل شكل ممكن [كي أتمكن من ركوب] الخيل – فأقل مقدار من عدم التناسق في جسمي يؤثر عليها». وفي عام 2015، بدأ الزوجان برنامجهما الخاص لتربية الخيول، تحت مسمى «خيول دي إكس بي». ولأنه يجمع بين أفضل الخيول أداءً في قفز الحواجز وترويض الخيول، فقد نجح هذا البرنامج في ترسيخ أقدام عديد من النجوم الصاعدين، وأصبحت علامتهما الآن معروفةً على نطاق كبير في كلٍ من الشرق الأوسط وأوروبا. وأوضحت ناتالي أن هدفهما الرئيسي كان إنتاج سلالاتهما الخاصة.
وبالنسبة للأبناء، فيربي الزوجان ابنتيهما في كنف أسرة ذات ثقافة مختلطة يستمتعان بها كثيرًا. تقول ناتالي: «بصراحة، وجودنا هنا يجعلنا أكثر تجذرًا في الثقافة العربية، لكنني أعتقد أيضًا أننا صنعنا ثقافتنا المختلطة داخل المنزل. فنحن نحاول الحفاظ على التقاليد الأوروبية والعربية على حد سواء». فهم يحبون الاحتفال بشهر رمضان والعيد وأيضًا عيد الفصح. ولكن الأهم من ذلك أنهما يركزان على تنشئة أطفال مهذبين يتمتعون بالأخلاق الحميدة. وكعائلة، يحبون قضاء الوقت معًا – حيث يصنعون الفطائر في الصباح، أو يقضون العطلات داخل الدولة، أو فقط يستمتعون بالخروج معًا. وتستمتع الفتاتان أيضًا بالتواجد حول الخيول ولديهما مهور خاصة بهما. ويضيف الشيخ راشد: «أحيانًا تريد الفتاتان العودة للإسطبلات بعد أن نكون قد عدنا منها»، ويردف: «إنهما تحبان المسابقات بشدة – وتستاءان منّا جدًا إذا لم نأتِ لهما بالشارات».
Photography: Sam Rawadi
Style: Mohammad Hazem Rezq
Hair and makeup: Denny Clements
Photography assistant: Rana Shahzaib Abdul Jabbar
Makeup and hair assistant: Sabiha Perween
Styling assistant: Vaidehi Pal
Words Hanadi Merchant-Habib
نشر الموضوع للمرة الأولى على صفحات المجلة عدد شهر ديسمبر 2022