تابعوا ڤوغ العربية

تعرفي على شرف تاجر، الشاب الفرنسي المغربي المؤسِّسُ والمديرُ الإبداعي لعلامة كازابلانكا

شرف تاجر، مؤسِّسُ «كازابلانكا»

نجح شرف تاجر، مؤسِّسُ «كازابلانكا»، في بناء علامة راقية تعيد صياغة جماليات الأزياء ذات الطابع الرياضي. وحاليًا، يتطلّع شرف إلى إقامة عالم كامل اعتمادًا على أسلوبه شديد الحماس.

في أول صورة نشرها حساب «كازابلانكا» على انستغرام، ظهر ملعب تنس خالٍ ومبتلٍّ بمياه الأمطار، فيما كانت الشقوق تتخلل شكله المميّز بالأخضر المركّز والطَّفْل الأحمر، وقد أحاطت به أشجار النخيل الوارفة. وكُتِبَ تعليقًا على هذه الصورة، التي يعود تاريخها إلى 3 مايو 2018: «في البداية، كان الملعب مبتلّاً لذا لم نستطع اللعب. ولكننا نستطيع الآن». ولم تكن الصورة لغزًا بل إعلانًا: حيث كان شرف تاجر، الشاب الفرنسي المغربي والمؤسِّسُ والمديرُ الإبداعي لعلامة «كازابلانكا»، يسعى لاقتحام حوار الموضة. كما كانت الصورة دعوة للآخرين للانضمام، وتبعتها على الفور صورتان أخريان. وخلال الأسابيع القليلة التالية، ظهر في الصور على التحديثات عارضون يقفون وحدهم غالبًا حول ملعب تنس مرتديين قمصانًا حريرية أنيقة بطبعات غرافيكية، وبدلات كتّان ملوّنة، وبدلات للرياضة والارتداء اليومي من قماش المناشف. وقد رسّخت هذه الصور أسلوب «كازابلانكا» المميّز الذي عززته في المواسم التالية: حيث التقت الفخامة بالأزياء ذات الطابع الرياضي [التي عادةً ما يرتديها الناس بعد ممارسة الرياضة، كونها تجمع بين الراحة والأناقة] ببذخ فاتن ومثير، وألوان ماتيس البهيجة والنابضة بالحيوية، وأنماط وطبعات تشير غالبًا إلى الحنين إلى بهرجة السبعينيات مع لمسة مرحة من الابتذال. وبعد أيام من عرض أحدث مجموعاته في أسبوع الموضة، قال تاجر في اتصال هاتفي من باريس: «لم أكن أنوي أساسًا القيام بأي مبيعات خلال الستة شهور الأولى أو السنة الأولى. ولكن منذ أول يوم نشرت فيه الصور، بدأت أتلقى رسائل كثيرة من أشخاص من اليابان والولايات المتحدة ومن كل مكان». وبعد شهر من الضغط المستمر عليه لكي يفتتح صالة عرض، حجز جناحًا فندقيًا.

وخصص تاجر ميزانية محدودة من جيبه الخاص لتمويل الافتتاح بلغت ثلاثة آلاف يورو، ولكن تبيّن له أن الفندق يتجاوز ميزانيته. يقول: «لذا قررتُ استبداله بغرفة  معيشة والدتي». كانت تقيم في بيلڤيل، وهو حي صاخب للطبقة العاملة في شمال شرق باريس، حيث ترعرع تاجر. وجاء إلى شقة والدته نحو 15 مشتريًا من أكبر المتاجر المتعددة الأقسام –«براونز» و«سيلفريدجز» و«ماكسفيلد إل إيه» و«يونايتد آروز أوف جابان»– لشراء المجموعة المحدودة. يقول ضاحكًا: «لا يزال المشترون يخبرونني كم أحبوا ’تصميم موقع العرض‘، ولكني أظل أكرر لهم إنه لم يكن موقعًا للعرض، بل غرفة معيشة والدتي، غرفة معيشة أم مغربية»، ويضيف: «لقد استقبلناهم بالطريقة التقليدية، بأكواب الشاي بالنعناع والحلويات المغربية».

كندال جينر ترتدي حذاء من علامة كازبلانكا

وبعد أقل من خمس سنوات، أصبحت «كازابلانكا» دارًا متكاملة وإمبراطورية زاهرة وفخمة ومرموقة تقدم تشكيلة متنامية من المنتجات التي تتبنّى الحرف اليدوية الاستثنائية والتصاميم الخيالية المبتكرة. ويوظف تاجر فريقًا يضم أكثر من 60 موظفًا في الأتيليه ومقر العلامة بلندن. وتُباع منتجات العلامة في أكثر من 200 منفذ بيع حول العالم، وتتضاعف مبيعاتها سنويًا. ومن بين قائمة المشاهير وأصحاب الذوق الرفيع الذين يرتدون أزياءه: جيجي حديد، وكيندال جينر، ودي جيه خالد، والنجم النيجيري الشهير بورنا بوي. ورغم النمو الصاروخي لـ«كازابلانكا»، تظل شخصية تاجر، الإبداعية والفضولية والمثالية والمتفائلة بلا حدود، باديةً في كل غرزة وخيط.

انطلق تاجر في رحلته بعالم التصميم بطريقة غير مباشرة، ولكنه أدرك لاحقًا أنها تكاد تكون رحلة لا مفر منها؛ فقد التقى والداه خلال عملهما في أتيليه للأزياء بمدينة كازابلانكا وانتقلا إلى باريس حيث وُلد تاجر. يقول: «لم تكن صناعة الأزياء بالنسبة لي شيئًا غريبًا بدرجة كبيرة، فقد كان لدي دومًا ماكينة [خياطة] في المنزل. وكان والدي يعمل خيّاطًا ويجيد صنع كل شيء. وكنتُ إذا أردتُ شيئًا أعلمُ أنه يستطيع صنعه لي». وذات يوم، أُعجب في صباه بجاكيت جلد كان معروضًا في واجهة أحد المتاجر. وبعد أسبوعين، قدّم له والده نفس الجاكيت ولكن من صنع يديه. وبدلاً من الالتحاق بمدرسة للأزياء، درس تاجر العمارة، وعكف شيئًا فشيئًا على إطلاق علامته الخاصة، وكان عضوًا مؤسِّسَا لعلامة إطلالات الشارع العصرية «بيغال»، وأنشأ النادي الليلي الباريسي «لو بومبون»، وكان شريكًا في المجموعة الإبداعية الجماعية «بان أو شوكولا»، وعمل على مجموعة لـ«أوف-وايت»، علامة صديقه الراحل ڤيرجيل أبلوه، عام 2017.

وعندما قرر تاجر إطلاق علامته منفردًا، لم تكن تلك العلامة متخصصة في أزياء الشارع، كما كان متوقعًا منه بالنظر إلى عمله مع «بيغال» وفي مجال الموسيقى. ولطالما كان يحلم دائمًا بتقديم الأزياء الراقية دون أي تنازلات. يقول: «تحدثني أمي دائمًا عن فكرة فحواها أن أجوب العالم وأدرس مجالات مختلفة وألتقي بأناس مختلفين وأعمل في مجالات مختلفة. والآن بعد أن أصبحت راشدًا، أعود لما شاهدت هؤلاء يفعلونه». وأطلق تاجر على علامته هذا الاسم تيّمنًا باسم المدينة الساحلية المغربية التي التقى فيها والداه، وهي أيضًا المكان الذي يحمل ذكرياته الأولى التي لا تزال باقية معه في دنيا الموضة. وعندما كان طفلاً، كان يمضي الإجازات الصيفية في الدار البيضاء (أو: كازابلانكا)، حيث أذهلته الألوان الزاهية التي كان يرتديها الناس. يقول: «كان ثمة شعور أكيد بالحرية في طريقة لبس الناس، إذ كانوا يبدون وكأنهم يعيشون آخر يوم في حياتهم». وفي حوار له مع ڤوغ العربية العام الماضي، قال تاجر: «تعلمت نِسَب [التصميم] في باريس والألوان في المغرب. وهذا هو المزيج الذي يجعلني ما أنا عليه الآن».

انتقلت مجموعة «كازابلانكا» الثانية من غرفة معيشة والدته إلى عرض أزياء خلال أسبوع رسمي للموضة في فندق خاص يفصله نهر السين عن برج إيفل. وتضمنت مجموعة «ميدنايت إن كازابلانكا» لخريف وشتاء 2019 قمصانًا من الحرير ازدانت بطبعة النخيل وثمار البرتقال وزجاجات الشمبانيا، بالإضافة إلى بدلات مفصّلة ثرية بالألوان، ومعاطف خفيفة طويلة. وكانت ڤوغ قد وصفت إطلالات المجموعة الاثنتين والخمسين بأنها «مرحة على نحو مقنع وتنطوي على جرعة من الدفء كنّا بحاجة ماسّة إليها وسط باريس وأجوائها الكئيبة»، كما أشارت إلى «الحيوية اللونية، واعتماد الطبقات بشكل أشبه بالبيجاما مثل رقة العشّاق في إطلالاته».

وفي 2020، أطلقت «كازابلانكا» أزياءها النسائية. وإذا كانت الأزياء الرجالية بها شيء من النعومة، فثمة طابع ذكوري واضح يظهر في الأزياء النسائية: فهي تخاطب ذوق امرأة قوية ومستقلة لم تتخل عن الأناقة أو الأنوثة بحال. وتمتاز مجموعات الدار الحالمة ببريق المدرسة القديمة الذي يعود إلى العصور الماضية. كما شرع تاجر في التعاون مع «نيو بالانس» في مجال الأحذية الرياضية. لقد كان ذلك نقطة تحوّل بالنسبة للعلامة – ولتاجر نفسه، فقد حاز على جائزة «إل ڤي إم إتش» المرموقة مناصفةً، والتي تشكّل أعلى تكريم يمكن أن تحصل عليه موهبة شابة في التصميم. ولم يتوقف تاجر عن المضي قدمًا؛ فبالإضافة إلى المجموعات الرجالية والنسائية من علامته، تقدّم «كازابلانكا» الآن النظارات، والمجوهرات، والمنتجات الجلدية، والإكسسوارات. وفي العام الماضي، تعاون تاجر مع «بولغري» لإطلاق سبع قطع من حقائب اليد «سيربنتي» الشهيرة، كما طرح أول حذاء رياضي خاص به. ولطالما اعتبر تاجر علامته أنها «تتخطى حدود الموضة». يقول: «بدأتُ بالأزياء لأن هذا ما أمكنني فعله»، ويضيف: «ولكن عندما تكون لديك هوية قوية، يمكنك تطبيقها على كل شيء، سواء الأثاث أو المباني أو الشقق الخاصة – أو حتى السيارة. قد تكون أي شيء حرفيًا». وتجدر الإشارة إلى أن «كازابلانكا» من العلامات العالمية إلى حد بعيد. ومن بحيرة غاردا في شمال إيطاليا إلى اليابان ووصولاً إلى سباق جائزة موناكو الكبرى، تستمد كل مجموعة إلهامها من مكان مختلف. ويمتاز تاجر بكثرة أسفاره، وعن ذلك يقول: «لقد كان السفر دائمًا مدرستي»، وهو ما ينعكس على تصاميمه، مجازيًا وحرفيًا. فالسفر وحياة الفندق الخيالية والمفعمة بالحنين تجري في مجموعاته مجرى الدم.

استمد إلهامه لمجموعة «كازابلانكا» لخريف وشتاء 2023، وعنوانها «بيس»، من سوريا؛ حيث وجد في زيارة قام بها مؤخرًا أن الشباب «على استعداد للمخاطرة بكل شيء في سبيل الإحساس بالبهجة والفرح»، كما قال في كلمته الحماسية التي ألقاها قبل افتتاح العرض، ليذكرنا «بالاحتفاء بالحياة تحت كل الظروف».. وقد أظهرت هذه المجموعة، ربما أكثر من مجموعاته السابقة، هدفًا واضحًا بتجاوز السعي وراء الموضة من أجل الموضة فقط وغرس الأمل من خلال جمال تصاميمه. وفي الخريف الماضي، قال تاجر “العالم بحاجة للمثالية أكثر من الواقع المرير».

 

الموضوع ظهر للمرة الأولى على صفحات عدد شهر مارس 2023 من المجلة 

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع