أول امرأة عربية على الإطلاق وثاني امرأة في العالم تتولى رئاسة الاتحاد الدولي للناشرين طوال تاريخه الممتد على مدى 125 عامًا.. الشيخة بدور القاسمي مسيرة نجاح، وقدوة وإلهام عنوانها العلم والثقافة
كونها أوّل امرأة عربية وثاني امرأة تشغل منصب رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين الشيخة بدور القاسمي مثل يحتفى به لكل امرأة عربية رائدة. موطنها إمارة الشارقة المركز الثقافي للمنطقة. هنا بدأت رحلة الشيخة بدور مع العلم والثقافة. تقول: “يعود الفضل في شغفي بالثقافة والقراءة لعائلتي وبالأخص والدي، فقد كان دومًا يحكي لنا القصص من واقع قراءاته وأسفاره، ولذا كبرنا ولدينا حب الاطلاع، وعشق لفكرة القراءة والتعلم”، وتضيف: “في سنوات نشأتي، كنت محظوظة لوجود الكتب في كل مكان حولي، وهذا ما جعلني أُقدر تقديرًا كبيرًا الكلمة المكتوبة. وأعتقد أني كنت أحمل الكتب قبل أن أجيد القراءة، وأرى أن هذا شيء مهم للغاية في حياة الأطفال، فالكتب تفتح لهم نافذة على العالم، وعلى حياة الآخرين، حيث كلما قرأنا أكثر، ازداد فهمنا لبعضنا بعضًا، ولما يعنيه أن تكون إنسانًا”.
بدأت تجربة الشيخة بدور في عالم النشر عندما كانت تقرأ لابنتها الكبرى. تتذكر: “كانت تفضل قراءة قصص الأطفال باللغة الإنجليزية لأنها رأت أن كتب الأطفال العربية التي كانت متاحة آنذاك كلاسيكية للغاية. وبعد حوار صادق معها عن كتب الأطفال العربية، أردت أن أفعل شيئًا أغير به هذا الفكر”.
هذا ما حفزها إلى إنشاء “مجموعة كلمات” لبث الحياة في القصص العربية من خلال إرفاقها بتصاميم وصور جميلة ومبتكرة، وهو أمر جوهري لجذبهم وتطوير لغتهم. وتقول: “أعتقد أننا نجحنا الآن في توفير باقة متنوعة من الكتب والقصص القيمة التي تناسب أذواقهم. وسنواصل تقديم ذلك بكل حماس في المستقبل”.
وقد أسست “مؤسسة كلمات” ومجلس كتب اليافعين الذي ينبع من إيمانها بأن القراءة والمعرفة حق لكل طفل خاصة في عالم يسوده الفقر والحروب والتهميش، حيث غالبًا ما يكون الأطفال أول الضحايا دون أي ذنب. تقول: “أينما كانوا في العالم ومهما كانت الظروف التي يعيشون في ظلها، ينبغي عدم حرمان الأطفال من الكتب ومن النور الذي يمكن أن تبثه في حياتهم لمساعدتهم على الحلم بشيء يتجاوز ظروفهم الحالية، وتضيف: “إن فكرة منح الأطفال بصيص من الأمل، من خلال تلقي هدية قوامها كتاب بلغتهم الأم، تغمرني بالسعادة”. وعلاوة على ذلك، تم إطلاق مبادرة “أرى” التي تستهدف الأطفال المعاقين بصريًا والتي تم التبرع في إطارها بكتب ذات طباعة بحجم كبير وأخرى مكتوبة بطريقة “برايل” وكتب مسموعة، كي لا يحرم أيًا كان من متعة القراءة أو الاستماع إلى القصص. تؤكد: “في النهاية، الثقافة والمعرفة تشكلان قوة لا يستهان بها، وعبر تمكين هؤلاء الأطفال، نؤمن أنه بإمكاننا مساعدتهم من أجل الحصول على فرصة كبيرة لإحداث تغيير جذري في حياتهم وحياة أسرهم”. ومن إيمانها أن الصراعات لا تقاوم إلا بقوة الثقافة، فقد دعمت الشيخة بدور مكتبة سمير منصور في غزة وساعدت على ترميمها. تقول: “نحتاج بالتأكيد إلى مزيد من الكتب والقليل من الرصاص في هذا العالم”، وتضيف: “آمل أن أقدم قدرًا من العلاج لمنطقة عانت كثيرًا. وأتمنى أن تكون المكتبة في متناول الناس من جميع الأعمار، وأن تساعدهم الكتب هناك على رؤية العالم من وجهات نظر متعددة”.
لم تكل الشيخة بدور عن العمل الدؤوب لتمكين الثقافة والعلم وقد تُوِّجَت جهودها المثالية وإنجازاتها الباهرة لتعزيز إسهامات الشارقة بوصفها مركزًا للقراءة والمعرفة والثقافة بالتقدير الدولي الذي يليق بالشارقة عندما تم اختيارها العاصمة العالمية للكتاب لعام 2019 من قبل اليونسكو، ولعل أكثر إنجاز تعتز به هو أنها انتخبت أول رئيسة عربية للاتحاد الدولي للناشرين وثاني امرأة تشغل هذا المنصب. تقول: “آمل أن تلهم قصتي غيري من النساء للسعي خلف أحلامهن وعدم الاستسلام أبدًا لأن كل شيء ممكن إذا آمنت به في قرارة نفسك”.
وعن تسلم هذا المنصب تقول: “شرفت للغاية بترشيحي لرئاسة الاتحاد الدولي للناشرين. وحقيقة أني ثاني امرأة تتقلد هذا المنصب، وامرأة عربية بالأخص، تكشف في حد ذاتها وبوضوح كيف يتغير هذا الاتحاد، فهو بذلك يعكس صناعة أكثر تنوعًا وشمولاً. وأنا متحمسة جدًا لهذا المنصب، وآمل أن يسهم وجودي فيه في بداية عهد جديد في مجال النشر”. وتؤكد أن التعددية والشمول أمر مهم، فإذا لم تقدّم صورة تعكس العالم الذي نعيش فيه، فلن يكون لذلك أية قيمة. ولحسن الحظ، ينطبق ذلك على الأدب أيضًا. وتردف: “يسعدني أن أرى أصواتًا جديدة بدأت تُسمَع، لتعكس حياة مختلف الشعوب حول العالم وثقافاتها. نحن بحاجة لذلك الآن أكثر من ذي قبل”.
دور الاتحاد الدولي للناشرين كبير وأساسي في دعم قطاع النشر، حيث تم إنشاؤه قبل 125 عامًا لدعم حماية حقوق النشر وحريته. وتشرح: “رغم أن هذين الجانبين لا يزالان من الأولويات الرئيسية لدى الاتحاد، فقد اتسع نطاقه منذ ذلك الوقت ليشمل المزيد من الاختصاصات. فهو الآن أكثر عالميةً، وتنوعًا، حيث يمثل 86 منظمة في 71 دولة حول العالم. وينطوي دوره على دعم الناشرين وبالأخص فيما يتعلق بتأقلمهم مع العصر الرقمي، والتعاون مع حكوماتهم من أجل توفير مناخ تشريعي واقتصادي أكثر ملاءمةً يساعدهم على النجاح في عملهم. كما يدعم الاتحاد أعضاءه حول العالم من خلال العديد من المبادرات التي تهدف إلى المعرفة ونشر ثقافة القراءة بقوة. وأثناء الجائحة، لعب الاتحاد دورًا جوهريًا في دعم الأعضاء بتقديم الاستشارات ومشاركة دراسات الحالة وخلق الفرص للتعاون بين الصناعات”.
تمثل الشيخة بدور القدوة والمثال للمرأة، ورسالتها الأساسية لها هي أن تثق في رأيها وتعبر عنه، وأن تساهم قدر المستطاع على المستويين المحلي والإقليمي. تقول: “لدينا جميعًا مواهب نقدمها للعالم، لذا دعيها تسطع وتتوهج”. وهي تؤمن باحتياج العالم والمنطقة إلى المزيد من الأصوات النسائية على طاولات صنع القرار لتحقيق التوازن وتقديم الرؤية.
الشيخة بدور قيادية في مجالها تؤمن بأن للمرأة طاقات كبيرة ودورها مهم لبناء المجتمع، وهو أكثر بكثير من مجرد زوجة وأم. تقول: “إن الزوجة، وخاصة الأم، تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على مجتمعاتنا سليمة ومتوازنة. ولكن المرأة يمكن أن تتجاوز هذين الدورين. أحاول دعم النساء في اكتساب مزيد من الثقة بتشجيعهن وإلهامهن لنشر أصواتهن للعالم. كما أطلق أو أشارك في مختلف المبادرات في مجال النشر وغيره من المجالات، والتي تهدف إلى دعم حق المرأة في لعب دور مهم في مجتمعاتنا”.
ومن ثقتها بالطاقات النسائية، حققت أعمال الشيخة بدور في مجال تمكين المرأة إنجازًا فريدًا عندما أسست PublisHer عام 2019، وهي كيان غير رسمي للتواصل والتفاعل لتعزيز دور المرأة في المناصب القيادية في صناعة النشر. وعن هذه المبادرة تقول: “عندما بدأت العمل على الصعيدين الإقليمي والعالمي، أدهشتني حقيقة أن النساء رغم أنهن يشكلن غالبية القوى العاملة، فإن قلة قليلة منهن وصلن إلى المناصب العليا. لذا بدأت التحدث إلى نساء مشابهات لي فكريًا في مختلف معارض الكتب في أنحاء العالم، وبدأنا عقد الاجتماعات وإقامة تجمعات على هامش هذه الأحداث لنرى كيف يمكننا تغيير هذا الوضع”. وتواصل منصة PublisHer النمو مع إطلاق العديد من المبادرات كإطلاق البرنامج الإرشادي الرائع الذي يستهدف الشابات عمومًا، للمساعدة في توجيههن وتيسير نمو مسيرتهن المهنية في مجال النشر. كما تم إنتاج مجموعة شاملة من أدوات التنوع والشمولية لمساعدة الشركات على اتخاذ قرارات توظيف غير منحازة وتكييف قوتها العاملة لجعلها أكثر شمولًا وتنوعًا.
رغم ظهور الوسائط الرقمية، للشيخة بدور ثقة كبيرة في مستقبل صناعة النشر. تؤكد: “صناعتنا تتمتع بمرونة بالغة، وتاريخها يعود لمئات السنين، كما واجهت العديد من التحديات، ولكنها في كل مرة كانت تخرج أكثر قوة. والتقنيات الرقمية الناشئة مذهلة حقًا، ولكنها من جهة أخرى تضغط علينا من أجل التكيف سريعًا. إن دفع صناعة عالمية للتأقلم مع الاتجاهات سريعة التغير ليست بالعملية السهلة في الواقع”. ومن منصبها في رئاسة الاتحاد الدولي للناشرين تؤكد: “هنا يأتي دور الاتحاد الدولي للناشرين ودوري. فبصفتي رئيسة للاتحاد، أعمل مع جميع أعضائنا ومع الأطراف المعنية على تحقيق التوازن اللائق بين النمو الصحي والمستدام في مجال النشر.
ولعل أحد أكبر التحديات التي أثرت على العديد من الصناعات كان ظهور جائحة كورونا، ومنها صناعة النشر. عن هذا توضح: “الاتجاه الكبير والمفاجئ نحو الفضاء الرقمي من أجل المحتوى المعني بالأغراض التعليمية أو الترفيهية أو البحثية يعني أنه على الناشرين التأقلم في وقت وجيز جدًا مع التحول العالمي في توزيع المحتوى والاستهلاك. وقد بدأ هذا الاتجاه في الواقع قبل ظهور الجائحة، ولكننا شهدنا تسارع الطلب على المحتوى الرقمي خلال فترات الحظر. وقد تمكن ناشرون عديدون من التأقلم سريعًا مع الوضع الجديد، لامتلاكهم البنية التحتية الرقمية والخبرة العملية الفنية التي تؤهلهم لنقل مبيعاتهم إلى شبكة الإنترنت”. وتكمل: “ولسوء الحظ، تخلف عديدون آخرون عن الركب، ولا سيما هؤلاء ممن كانوا يعتمدون على توزيع كتبهم عمليًا على أرض الواقع. وعلى الرغم من أن هذا قد شكل تهديدًا وجوديًا للعديد من الناشرين في جميع أنحاء العالم، فقد رأينا في الاتحاد الدولي للناشرين أن ذلك يمنح الفرصة لأعضائنا لإعادة النظر في نماذج العمل لديهم، وصقل مهارات فريق العمل والارتقاء بها، علاوة على تكييف أنفسنا مع الاتجاهات سريعة التغير”.
وأتى العمل الدؤوب على تخطي هذه المرحلة بنتائج قياسية حيث جاء معرض الشارقة الدولي للكتاب أكبر وأضخم هذه السنة. وعن هذا الإنجاز الكبير الذي أتى تحت شعار ’هنا.. لك كتاب‘ تقول الشيخة بدور: “كان معرض الكتاب هذا العام مذهلاً، فقد شهدنا عدداً كبيراً من الزوار من جميع مناحي الحياة والعديد من الدول حول العالم. وكانت تجربة مشجّعة بعد عامين قاسيين على صناعتنا”. وعن اختيار الشعار توضح: “أردنا إبراز أن عالم الكتب هو عالم شامل، وأنه للجميع، وأن هناك دائمًا كتابًا عن موضوع أو شيء يثير اهتمام القرّاء. نريد أن يأتي الجميع ويكتشفوا متعة الكتب والقراءة ويشعروا بالفهم والاندماج”.
الشيخة بدور شغوفة بالكتب ولا يمكن أن تختار كتابًا مفضلاً. تقول: “هذا سؤال صعب دائمًا بالنسبة لي لأن خياراتي في المطالعة تختلف وتتنوع، ولأني أستمتع باستكشاف مختلف الأفكار والمناطق في العالم عبر الكتب. ولكن أقرأ حاليًا كتاب We Wrote in Symbols (كتبنا بالرموز) من تأليف طائفة مختارة من الكاتبات العربيات وتحرير سلمى الدباغ. وقد كتبت ألِف شفق مراجعة آسرة عنه، وأنا من أشد المعجبات بها”.
الشيخة بدور امرأة تشغل منصبًا قياديًا، وتعتقد بأن الأمور تتغير وأصبح تمكين المرأة من الأولويات. توضح: “في الإمارات على سبيل المثال، لدينا الآن عدد كبير من القيادات النسائية، سواءً في الحكومة أو في الأعمال والاقتصاد. لم يكن من الممكن تصور هذا حتى وقت قريب نسبيًا، لذا أعتقد أن هذا تقدم إيجابي. وهذا لا يعني أن الوضع سهل بالضرورة للنساء في العالم العربي، فلا يزال بعض الأفراد لديهم تصورات عفا عليها الزمن لما يجب وما لا يجب أن تفعله المرأة، ولكن هذه المبادئ لا تتغير بين يوم وليلة ولن تتغير بالتأكيد طواعية. علينا أن نسعى باستمرار لإسماع أصواتنا، ليس لأنفسنا فقط بل من أجل الصالح العام للمجتمع. ورسالتي هي نفسها لمجال النشر – نحن في زمن يعد الاستماع فيه إلى بعضنا بعضًا مهمًا حقًا لأننا نواجه تحديات معقدة تتطلب منا جميعًا المساهمة بغض النظر عن الجنس أو اللون أو أي تصنيف آخر”.
ومع احتفال دولة الامارات العربية بوبيلها الذهبي تقول الشيخة بدور: “أفتخر بأن الإمارات تتكيف بسرعة مع العالم المتغير بينما تحافظ على جذورها الثقافية. إنه ليس انتقالاً سهلاً، ولكن تم التعامل معه برقي وعناية، حتى يتمكن الجميع من التأقلم وقبول التغيير بسهولة أكثر. نحن نقدم نموذجًا فريدًا للعالم، وأفخر بأن أكون جزءًا من رحلته”.
اقرئي ايضاً : في عيد الإمارات الـ50 نتوقف مع رسائل من وجوه إماراتية ناجحة