تابعوا ڤوغ العربية

ستة روّاد من النساء والرجال من أصل سوري يفخرون بهويتهم السورية

لا يزال الجمال الطبيعي لسوريا وثقافتها الغنية وتراثها حيًّا في قلوب وعقول شعبها الباسل. رغم مآسي الحرب الأهلية والكوارث الطبيعية، تظل سوريا بذكرياتها وشموخها وجمالها وتراثها حيّة في قلوب شعبها اليوم. وقد التقت ڤوغ العربية ستة روّاد من النساء والرجال من أصل سوري، وهم: أروى ديمون مؤسِّسَة جمعية «إنارة» غير الحكومية، والمخرجة السينمائية سؤدد كعدان والفنانة ديانا الحديد ومصمما الأزياء مايا شنتوت وملهم عبيد، ومصممة المجوهرات دانيا حفار والذين يتحدثون عن ذكرياتهم المبكّرة لوطنهم، وكيف يعبّرون عن فخرهم بهويتهم السورية والعربية عامة في أعمالهم.

أروى ديمون مؤسِّسَة منظمة «إنارة» غير الحكومية لعلاج الأطفال المصابين بدنيًا ونفسيًا من جراء الحرب

خلال فترة عملها في شبكة «سي إن إن» لمدة 16 عامًا، قدمت أروى ديمون، المراسلة الحربية السابقة والناشطة في المجال الإنساني البالغة من العمر 45 عامًا، تقارير إخبارية من جميع أنحاء الشرق الأوسط. وقد أهّلتها تغطيتها المكثفة للحرب ضد تنظيم الدولة في العراق والحرب الأهلية في سوريا للفوز بجائزة «جورج فوستر بيبودي» في عام 2018، بالإضافة إلى ثلاث جوائز «إيمي». وُلِدَت أروى في بوسطن بولاية ماساتشوستس لأب أمريكي وأم سورية -ابنة رئيس الوزراء السوري الأسبق محسن البرازي الذي اغتيل في انقلاب عسكري عام 1949- ونشأت في الولايات المتحدة مع شقيقتها الصغرى حتى بلغت السادسة من عمرها. وانتقلت بعدها إلى المغرب وأقامت هناك لمدة ثلاث سنوات، ثم إلى تركيا عندما كانت في الحادية عشرة من عمرها، لتعود في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

تصرح أروى، التي تتقن عدة لغات وتتحدث الإنجليزية والعربية والتركية والفرنسية بطلاقة، قائلةً: «لقد نشأت بهوية عربية متعمقة». وتذكر أنها كانت تنجذب دائمًا لتراثها السوري والعربي، ذلك الارتباط الذي بدأ من خلال اللغة. تقول: «أمي حتى يومنا لا تتحدث إليّ إلا باللغة العربية». وخلال سنوات نشأتها الأولى مع شقيقتها الصغرى في بوسطن، حيث لم يكن هناك سوى عدد قليل من العائلات الناطقة بالعربية، حرصت الوالدة التي تعمل مدرسة للغة الفرنسية على تحفيز ابنتيها على التحدث بالعربية من خلال منحهما مصروفًا للجيب كحافز على ممارستهما للغة. تقول: «كانت تعطيني أنا وأختي دروسًا في اللغة العربية، وهكذا كنا نحصل على مصروفنا عن ذلك. كان [تصرفًا] ذكيًا للغاية. كنا نتلقى دروسًا لثلاث مرات في الأسبوع مقابل 25 سنتًا لكل واحدة منا». وقد أصبح الطعام على وجه التحديد رمزًا يشير للثقافات المختلفة التي عايشتها أروى في طفولتها. وعن تراثها الأمريكي والسوري المختلط، تقول: «كان منزلنا مختلطًا بامتياز»، وتضيف: «كنا نأكل اللبنة وحلوى البان كيك بالتوت البري، وفي بعض الأحيان كنا نأكل الوافل أو التشيريوس بالعسل والمكسرات. أما وجبات العشاء فكانت تتضمن الكبة والتبولة، ولكن أيضًا شرائح الستيك والبطاطا المقلية».

ورغم أنها لا تحمل أي ذكريات من زيارتها الأولى إلى سوريا، حيث كانت طفلة تتعلم خطواتها الأولى، فإنها تتذكر أنها في سن المراهقة كانت تلحّ على والدتها بطلب الذهاب في رحلة عائلية إلى سوريا لتجربة الحياة في حماة حيث ولد جدها لأبيها، وحلب التي تنحدر منها جدتها. وفي حين أنها تبدو وكأنها فتاة أمريكية كلاسيكية نمطية، تقر أروى أنه أثناء وجودها في دمشق وبغداد واسطنبول تشعر بأنها في وطنها على نحو أكثر مما تشعر به عند وجودها في الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا الشعور بعدم الانتماء إلى أمريكا -وهو تناقض تقبلته وتشعر الآن معه بالراحة، على حد قولها- أجج لديها الاحتياج للرجوع إلى جذورها السورية. تقول: «كانت لدي رغبة قوية في الذهاب إلى سوريا لأنني نصف سورية. أردت أن أذهب إلى هناك ورؤيتها وتجربة الحياة فيها».

لم تكن والدة أروى متحمسة للعودة إلى سوريا. تقول أروى: «كان الأمر مؤلمًا للغاية بالنسبة لها إلى حد يمنعها من الذهاب بسبب اغتيال جدي»، وتردف: «لقد نشأت من دون أب، وكانت عودتها إلى هناك توقظ كل هذه المشاعر المتضاربة حيال سوريا وتنكأ جرحها القديم». لم تزر أروى سوريا إلا وهي شابة يافعة ابنة 19 عامًا، وقد راقبتها عن بعد، فيما تزور منازل الأقارب الذين كانت والدتها تجتمع بهم بعد سنوات.

وبعد أحداث 11 سبتمبر الكارثية، أصبح تراث أروى المختلط فجأة بمثابة الجسر الذي أفادها في ممارستها كصحفية، ما سمح لها بالتواصل مع الجماهير من طرفي النزاع والتعاطف معهم. وبعد سنوات، وتحديدًا في فبراير 2012، كانت أروى تغطي الحصار في حمص، بعد دخولها بصفة غير مشروعة إلى البلاد. وفي ذلك الوقت، كانت المنطقة مليئة بالقناصة وتتعرض للقصف بلا هوادة. وتعرّض خندق بحي بابا عمرو في حمص، الذي كان يستخدم كمركز إعلامي تختبئ فيه أروى مع المراسلة الحربية الراحلة ماري كولڤين، للقصف بعد يوم من انسحابها. تقول: «كنت أجلس على مرتبة رثة مهلهلة في منزل آمن مع مجموعة من النشطاء بينما تتساقط القنابل من حولنا – كان ذلك عندما كنت متصلة حقًا بسوريا».

وبعد12 عامًا من الحرب الأهلية، كثيرًا ما كانت أروى تُسأَل عن سبب قضائها الكثير من الوقت في محاولة كشف الحرب وإبراز الأزمة الإنسانية في سوريا. وعن الحرب، تقول: «كنّا نعلم في كل مرة ذهبنا فيها إلى سوريا أن ذلك لن يغيّر المسار الذي كانت تسير فيه البلاد». وتضيف: «لكن يجب أن تُنشَر هذه النسخة من التاريخ»، وتضيف: «لا يمكننا أن ندع المنتصرين يكتبون التاريخ».

تقيم أروى حاليًا في اسطنبول، وتركت العمل في «سي إن إن» في يونيو 2022 بعد 18عامًا من العمل مراسلة، لتكرّس كثيرًا من وقتها لإدارة «إنارة»، وهي منظمة غير حكومية أسستها بنفسها. وبعد أكثر من عقد من الزمان شهدت خلالها وبشكل مباشر كيف تعرض الأطفال لندوب جسدية ونفسية بسبب أهوال الحرب التي لا مفر منها، أنشأت أروى هذه المنظمة غير الحكومية في عام 2015 لدعم اللاجئين السوريين ورفع روحهم المعنوية من خلال تقديم الدعم الطبي النفسي. وتعاون المصمم السوري نبيل النيال مع «إنارة» من خلال تصميم تيشيرتات تحمل شعار «لن يضيع مستقبلي» باللغة العربية لجمع التبرعات لصالح المنظمة غير الحكومية.

وقد واجهت المنظمة غير الحكومية تحديًا جديدًا خلال شهر فبراير: زلزال مدمر قتل عشرات الآلاف في شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المتمردين وجنوب شرق تركيا. وفي ظل تدمير المعبر الحدودي بين تركيا وسوريا تأثرًا بالزلزال، بلغت الحاجة إلى المساعدات الدولية لمستويات غير مسبوقة، ما أجبر أروى و«إنارة» على الغوص في لوجيستيات نقل المساعدات الحيوية عبر الحدود. تقول: «أنا خبيرة في حفاضات الأطفال، ولم أكن أعلم حتى بالمقاسات المختلفة الواردة، وحليب الرضع، وتكاليف الجملة للملابس الداخلية، والفوط الصحية، وطعام الأطفال»، كما تقول أروى التي تحولت من مراسلة حربية إلى منسقة مساعدات دولية متطوعة.

قد نسي الإعلام الدولي ومنظمات الإغاثة الشعبَ السوري، كما تقول. تؤكد: «يجب أن تكون استجابتنا تجاه كل أزمة تقع أو مأساة أو حرب مثل استجابة قادة العالم والأفراد ووسائل الإعلام تجاه أوكرانيا». تُرى، إلى أي مدى أثّر تراثها السوري على ارتباطها بالأخبار التي غطتها هناك، مقارنةً بمناطق أخرى من العالم؟ تقول: «بغض النظر عن تراثي وخلفيتي، كان ارتباطي العاطفي عند تغطيتي للحرب في سوريا، والحرب في العراق، وما كان يحدث في ليبيا، وعندما كنت أغطي أخبار فتيات أُجبرن على العبودية في نيجيريا، كله بنفس القدر».

سؤدد كعدان: تركّز المخرجةُ السينمائية نظرتَها الجريئة على رواية القصص المعقدة لسوريا

في سن مبكرة لم تتجاوز العاشرة من عمرها، كانت الطفلة سؤدد كعدان تنسج الحكايات لتشكّل عالمها الخاص الذي يعكس واقعها وأحلامها. ولأنها كانت في نشأتها قارئة نهمة، استاءت الصغيرة عندما لم تجد سوى الأميرات الشقراوات في الكتب القليلة المتاحة في سوريا. لذا، كتبت قصصها الخاصة عن «الأميرة السمراء المتمردة» التي تخوض مغامرات مفعمة بالإثارة. ولأنها كانت قائدة لشلّة أطفال الحي، أخذت تحث أخواتها وصديقاتها على تمثيل هذه المغامرات في الحديقة الخلفية الصغيرة لمنزل والديها في دمشق، في مشاهد ستعكس في المستقبل أعمالها الفائزة بالجوائز كمخرجة سينمائية.

وَلِدَت سؤدد في فرنسا، ولكن عائلتها عادت إلى وطنها سوريا حين كانت في السابعة من عمرها. فقد أدرك والدها، الجرّاح المتخصص في عمليات زراعة اليد، أن وطنه في أمسّ الحاجة لخدماته. وسرعان ما أثبتوا أنفسهم هناك. توضح: «تربينا على الفخر بسوريا، وأن نسافر حول العالم لإثراء معارفنا وتجاربنا ونعود في النهاية إلى بلادنا لنرد لها الجميل». وقد شكّلت والدتُها، المعلمة لأطفالها، ملامحَ عالم زاخر بالفن واللعب والرياضة، وحرصت على أن يستمتعوا بأنشطة مثيرة وغير شائعة حينذاك، مثل كرة السلة والسباحة والموسيقى والتنس. تذكر: «كانت طفولة سعيدة، حتى لو كانت الثمانينيات فترة عصيبة»، وتضيف: «فقد كانت الضروريات الصغيرة تعدّ من الرفاهيات، ولا شيء متاح. كانت البلاد -ولا تزال– تواجه قمعًا سياسيًا».

وكانت السينما من تلك الرفاهيات. ولم يخطر ببالها قط أنها ستصبح مخرجة سينمائية – إلى أن حملت كاميرا فيديو لأول مرة في عمر الـ24. ولمّا لم تجد معاهد سينمائية في البلاد أو أي اتجاه إبداعي آخر، درست المسرح حتى أتاحت لها منحة من جامعة القديس يوسف في بيروت توسيع خياراتها. وعن ذلك تقول: «لم يكن الأمر سهلاً، فقد كان إخراج أفلام في بلد خاضع للرقابة ضربًا من الجنون آنذاك»، وتضيف: «ولكن، رغم جميع الصعاب والعقبات، أشعر بأني محظوظة لأني قمت بذلك».

ولمّا اندلعت الحرب الأهلية السورية عام 2011، ركّزت سؤدد على الأفلام الروائية بدلاً من الوثائقية. توضح: «فعلت عكس ما فعله الجميع تمامًا آنذاك». فقد كانت معرّضة، كمخرجة أفلام وثائقية، لأهوال الحرب والنزوح والعنف. «لقد كان تأثير الصدمة قويًا للغاية، وشعرت وكأنني فقدت صوتي. كيف يمكنني تصوير كل هذا الألم، وهذا الدم، وهذا الموت، وأبقي الكاميرا تدور هنا وهناك؟ في كل مرة أرى فيها شخصًا يتألم، كنت أوقف تشغيل الكاميرا وأجلس معه». ورأت سؤدد أنه من خلال أفلام الخيال بوسعها أن تروي قصصًا مؤثرة بدون طابع التلصص الغرافيكي المرتبط بالأفلام الوثائقية. ويدور فيلمها الأول، بعنوان «يوم أضعت ظلّي» (2018)، حول أم سورية وابنها فرقتهما سبل الحرب بتفاصيلها التي تقضي إما بالحياة أو الموت – وهي في حالتيهما هنا، البحث عن أسطوانة غاز لطهي الطعام. ، وفاز بجائزة «أسد المستقبل» لأفضل فيلم سينمائي أول من مهرجان البندقية السينمائي لعام 2018.ومن خلال فيلمها الروائي الطويل الثاني، «نزوح» (2022)، تعرض سؤدد للعالم مرة أخرى الأذرع الطويلة للحرب من منظور شخصية بطلة الرواية المعقدة. وهذه المرة، اتخذ السرد منحىً أكثر تفاؤلاً، حيث انقسمت الأسرة الواقعة تحت الحصار -والتي أصيبت بصدمة القذائف بمحض اختيارها الخاص- إما للهروب أو البقاء. ومرة أخرى، تسلط هوية سؤدد السورية الضوء على كل شيء في الفيلم، تؤكد: «كوني في بلاد المهجر لن يجعلني أفقد فخري بكون سوريا واحدة من الجنسيات الرسمية في أفلامي»، وتضيف: «حتى لو كان هذا يعني إنتاجًا أكثر صعوبة، لأنه دائمًا ما يمثّل تحديًا لطاقم العمل الذين يسافرون بجواز سفر سوري». ويعتبر التمويل تحديًا رئيسيًا آخر، حيث تصوّر سؤدد أفلامها باللغة العربية حفاظًا على المصداقية – لكن الأموال تأتي من الغرب، حيث يتم طرح الأفلام. تقول: «هذا التناقض يؤثر علينا». ومع ذلك، فقد فاقت المكافآت التحديات – بتعلق الجمهور بالفيلم الذي جعلهم يشعرون بأن [العالم] يراهم ويفهمهم. تلك اللحظة التي عانقها فيها أحدهم فيما بعد، قائلاً بهدوء «شكرًا».

تعيش المخرجة حاليًا في لندن، بعد أن انتقلت إلى هناك أثناء الجائحة. ومع ذلك، فإن دافعها وتركيزها على القصص السورية -لا سيما القصص التي تعرض أصواتًا نسائية دقيقة ومتنوعة- لا يزال قائمًا. تقول: “لم يتبق لنا سوى الأمل»، وتردف: «نحن بحاجة للوقوف على أقدامنا بعد كل هذه المآسي ومواصلة الطريق. نحتاج كسوريين أن نرى قصصنا من منظور مختلف. إذا لم يكن هناك سوى الروايات المتشائمة، فكيف يفترض بنا أن نقاوم ونعيش ونفتح الطريق أمام إمكانيات جديدة لمستقبلنا؟».

ديانا الحديد عبر تخطّي حدود الأشكال والأنماط، تبدع هذه الفنانةُ المحبّة للاستكشاف عوالمَ جديدة، مستعينةً بجذورها القديمة

صورة مجوفة لامرأة تحدق في الناظرين، هكذا تقف منحوتة «سيتادل» لديانا الحديد في منتزه «ماديسون سكوير بارك» -التي صُنِعَت ضمن تكليف عام من الفولاذ والجبس البوليمر والألياف الزجاجية والطلاء والألمنيوم والبرونز- كشاهدة صامتة “تتلصص” على العالم من حولها. وتشتهر ديانا، التي وُلِدَت في حلب وترعرعت في أوهايو بالولايات المتحدة وتقيم حاليًا في بروكلين بنيويورك، بمنحوتاتها وأعمالها الفنية الإنشائية الضخمة التي تستكشف موضوعات التاريخ والعمارة والجسم البشري. وهي تدمج في أعمالها المراجع الكلاسيكية والمعاصرة، وتهتم بوجه خاص بسُبُل تشويه الأشكال المعمارية وإعادة تشكيلها.

وقد تشتت شمل عائلتها في وقت مبكر من حياتها؛ فمنذ سنوات مضت، انتقلت عائلتها إلى الولايات المتحدة للحاق بعمها، وكانت خطوة شجاعة واختيارًا صعبًا أتاح لديانا الصغيرة ذات الخمسة أعوام أن تعيش «حياتين في آن واحد». وكان رحيل العائلة عن بلادها، حين كانت المكالمات الهاتفية الدولية باهظة الثمن لدرجة يصعب تحمّلها، يعني أيضًا أن والدتها لم ترَ عائلتها زهاء عشر سنوات، ولكن كان والداها على يقين بأن الأمر يستحق العناء لما توفره الولايات المتحدة من فرص – تعليمية واقتصادية. ولا يزال والدها يحتفظ بتذكرة الطيران الأصلية، كتميمة للخيارات التي اتخذها والإمكانات التي حققها. تقول: «أتاحت لي قدرتي على التحدث بلغتين امتلاك منظور أوسع للعالم عن غالبية الأطفال الآخرين»، وتضيف: «لأن والدي ووالدتي كانا يتعلمان الإنجليزية أيضًا، لم يتمكنا من مساعدتي في المدرسة مثل آباء الأطفال الآخرين، لذا كان عليّ أن أطرح كثيرًا من الأسئلة وأستكشف عديدًا من الأشياء بنفسي بمساعدة أساتذتي». وقد ساعد هذا التوازنُ ديانا الصغيرةَ على التعامل مع التوقعات المختلفة والصراعات المحتملة. تقول: «تعلمت طرق التعامل مع المواقف الاجتماعية المعقدة، وأدركت أن الخوف مبعثه عدم فهم الاختلافات. وسارت الأمور في كلا الاتجاهين – فقد كان عليّ أن أتغلب على خوف والدي ووالدتي على سلامتي في عالم لم يتمكنا من فهمه تمامًا، وأيضًا خوف الأمريكيين الآخرين من المتحدثين بلغة أخرى. وأصبحتُ مفاوِضة جيدة وناشطة وحليفة لأي إنسان أشعر أنه مظلوم أو يُساء فهمه من عامة الناس. ووجدت كثيرًا من أصحاب القلوب الرحيمة الداعمين للغاية والمتلهفين لمساعدة أي عائلة مهاجرة تملك القليل من الوسائل والموارد. لن أنسى قط مَن هم».

كانت ديانا وشقيقها الأكبر طفلين يتمتعان بالحيوية وسعة الخيال. ولم تكن تكفّ عن الرسم. ورغم أنها لم تفكر حتى في الاشتغال به في البداية، كانت تعلم أنها فنانة. ودرست في جامعة ولاية كينت، ثم حصلت على درجة الماجستير في النحت من جامعة ڤرجينيا كومنولث عام 2005. ومنذ ذلك الحين، تُعرَض أعمالها على نطاق واسع في الولايات المتحدة وخارجها، بما في ذلك متحف ويتني للفنون الأمريكية، ومتحف سان خوسيه للفنون، ومعهد الفن بشيكاغو. كما نالت عديدًا من الجوائز والتكريمات عن أعمالها، ومنها زمالة غوغنهايم عام 2018، ومنحة من مؤسسة جوان ميتشل عام 2008.

وتظل هويتها السورية أمرًا جوهريًا في أعمالها ونجاحاتها. وعن ذلك تقول: «إنها تلازمني كإنسانة»، وتؤكّد: «دائمًا ما تؤثر التجارب التي يعيشها الفنان على أعماله، سواء تلك التي تبدو بالغة التفاهة والمعتادة أم الأسئلة الوجودية التي تثيرها الهوية. وفي بعض الأيام، أسعى لإشباع فضولي تجاه تراثي، وهو ما يقودني إلى مسار معيّن في عملي». إن فك رموز طبقات التاريخ ومسيرة الزمن الحتمية تكمن في صميم أعمالها الفنية مع منحوتاتها ولوحاتها على القماش التي تقطر وتتدفق بعفوية من إطارها. وتستحضر أيضًا الدمار والخراب وحقها الطبيعي كابنة لسوريا، البلد الذي تعاقبت عليه الحضارات على مدى آلاف السنين. وتعترف بأنه من الصعب والمثير للاهتمام إدماج هذا التاريخ المتعدد الطبقات في أعمالها – وخاصة حين يفكر المرء في مدى سرعة تدمير الناس وحرصهم على إعادة البناء والتذكّر. وتجذبها أيضًا قصص «التاريخ الأقل شهرة» بقدر التأمّلات عن الزمان والمكان. إن العمل كفنانة يمكن أن يكون شفاء، لما يتطلّبه من طرق جديدة في التفكير، والتلاعب، والمضي قدمًا دائمًا. ولكنها تعترف بأنكِ قد تشعرين بالإحباط كفنانة عربية وخاصة إذا كان يُنظَر إليكِ على أنكِ غريبة قبل كل شيء في عالم الفن بدلاً من التركيز على أعمالكِ. ولكن في النهاية تجد «الإجابة دائمًا في المرسم».

 

مايا شنتوت تقود مصممة الأزياء الصاعدة دفّة مسيرتها الإبداعية عبر الاحتفاء بماضيها وحاضرها

عملت مصممة الأزياء والمديرة الإبداعية السورية الفلسطينية مايا شنتوت بالفعل لدى عدد من أشهر دور الأزياء العالمية بينما لم يتجاوز عمرها 28 عامًا، ومنها «هيرميس» و«كلوي» و«سيلين» حيث تعاونت مع هادي سليمان. وقد أمضت النحّاتة سابقًا والرسّامة حاليًا، التي وُلِدَت لأب سوري وأم فلسطينية وترعرعت في سوريا، أول 18 عامًا من عمرها في دمشق. وكان منزل عائلتها بوتقة للإبداع والتعبير. وتتحدث مايا عن طفولتها في دمشق قائلةً: «كان والداي يقيمان مآدب العشاء والحفلات لنتحدث معًا، وكانا يتناقشان في الفلسفة والفن والموسيقى»، وتضيف: «ما عشناه كان أكثر من مجرد حنين إلى جيل ما قبل الحرب. لقد كانت ثقافة دمشق بالغة الثراء».

وقد ارتبطت طفولة مايا بصوت الموسيقى؛ ففي معهد الموسيقى بدمشق، عزفت على القانون، الآلة الوترية التراثية في الشرق الأوسط التي يُعتَقد أنها تنحدر من الهارب المصري القديم. وعزفت شقيقاتها على البيانو والغيتار. تقول: «كان حقًا بيتًا للموسيقى في كل أرجائه». كما كان صوت العندليب المصري عبد الحليم حافظ، والصوت العذب للمطربة وردة الجزائرية، وصوت فيروز السماوي (التي شاهدتها مايا في حفل موسيقى عام 2008 بدار أوبرا دمشق) يصدح في أنحاء المنزل يوميًا.

وقبل ثلاث سنوات من اندلاع الحرب الأهلية، اختارت اليونسكو دمشق -إحدى أقدم المدن المأهولة دون انقطاع في العالم- عاصمة الثقافة العربية لعام 2008. وتقول مايا إنها كانت في طفولتها «مهووسة» بالعظمة التاريخية والمعمارية لمدينة دمشق القديمة: أطلال العمارة الأموية والعثمانية والرومانية، والمنازل العريقة التي بُنِيَت منذ قرون، بأفنيتها وتجاويفها الكثيرة الأوراق ونوافيرها. تقول: «المنازل الدمشقية القديمة هي أجمل المنازل في العالم في رأيي. وأحلم بأن أعود وأشتري منزلاً لعائلتي هناك، وأرجو أن أقضي الصيف هناك عندما تتحسن الظروف».

وفي عام 2012، انتقلت مايا إلى باريس لدراسة الموضة في مدرسة الغرفة النقابية للأزياء الباريسية الراقية، حيث عملت في «هيرميس» تحت إشراف ناديج ڤانهي سيبولسكي، وفي «كلوي» تحت إشراف ناتاشا رمزي ليڤي. ولكن أعمالها الأولى في الأزياء كانت «أقل خصوصيةً» على حد قولها. وعن ذلك تقول: «كنت أعمل تحت إشراف الآخرين». وقد مرت نحو ثلاثة أعوام على تأسيس شركتها الخاصة. وتقول إن لغتها في الأزياء غمرت تراثها السوري منذ البداية، بالعمل على مستوى عال من الدقة. وتصف مشاعر الحنين للماضي والروح الفنية ودفء المجتمع الدمشقي الذي ترعرعت فيه قائلةً: «أعتقد أن أكثر ما يلهمني وأكثر ما يربطني ببلدي وطفولتي هو في الواقع الأجواء أو طريقة الحياة والمشاعر. وأعتقد أنها لا تُرى دائمًا بالعين».

وقد وَفّقت بفطرتها بين تراثها السوري وجماليات دور الأزياء العالمية الشهيرة ذات الجذور الأوروبية. وتختتم قائلةً: «سوريا هي روحي وثقافتي ونبع إلهامي الذي لا ينضب». وتقول إن إلهامها في عرض «كازابلانكا» لخريف وشتاء 2023، الذي أقيم في باريس خلال شهر يناير، قد ركّز على دمشق. وكانت مايا قد التقت في العام الماضي شرف تاجر، المدير الإبداعي لدار «كازابلانكا»، وتحدثا عن الحركة الفنية التي أطلقها أصدقاؤها السوريون عبر الرقص والموسيقى لتكون ملاذًا للبهجة ومنفذًا للهروب من أهوال الحرب. وتتحدث عن تاجر قائلةً: «أحبّ القصة وسافرنا معًا إلى دمشق»، وتضيف: «و[تعاونّا] في هذه المجموعة الجديدة عن دمشق المستوحاة من هذه الحركة الشبابية وهذه المفارقة العجيبة لمدينة غارقة في الآلام رغم جمالها الباهر، وكيف يتعايش الناس مع الحرب، لا بالحزن أو بالبقاء في منازلهم، بل بإطلاق حركة شاملة تتضمن حفلات وموسيقى ورقص لتقول لا للحرب». وقد اختارت مايا في هذا التعاون الديباج –أحد أشهر الأقمشة الدمشقية– ودمجت التطريز المستوحى من البلاط الفخم والعمارة المميِّزة للمدينة في العرض.

والآن، بعد أن أمضت أكثر من 10 سنوات في باريس، أين «منزل» مايا؟ تعترف: «لا أعتقد بأنني سأمتلك منزلاً واحدًا أبدًا. سيكون جزء مني وأحبائي وذكرياتي وأعمالي دائمًا في أكثر من مكان، خاصة بسبب الحرب التي شتتت عائلتي». ورغم ذلك، تعرب عن امتنانها في معرض حديثها عن انتقالها إلى باريس: «كنت من المحظوظات. ولكن ذلك يحمّلني مسؤولية. لا بد أن أبرز جمال بلدي وأتحدث عن ما يجري هناك».

ملهم عبيد

يسير ملهم عبيد بخطى ثابتة في عمله كمصمم مع فريقه في سوريا، ويبتكر أزياءً تبهر مَن ترتديها وتغيّر حياة النساء اللواتي يعقدن خيوطها.

لا تزال رائحة مدينة مصياف، حيث مسقط، رأسه وهي مدينة قديمة في شمال غرب سوريا، عالقة في ذهن ملهم عبيد. وربما يكون مصمم الأزياء الشاب قد غادر بلده منذ ما يقرب من عقد من الزمان، ولكنه لا يزال يذكر رائحة «الطبيعة النقية» المحيطة بالقلعة التي تعود للقرون الوسطى في المدينة وشوارعها المتعرّجة. نشأ عبيد في كنف عائلة محبّة تقدّر تراث بلدها وتاريخه الثريين، عائلة قضت الوقت لمشاطرة هذا التراث والتاريخ مع أطفالها. ويتذكر باعتزاز تلك الأوقات السعيدة التي قضاها مع جدته، الخيّاطة التي كانت دائمًا ما تولي اهتمامًا شديدًا
بالتفاصيل في عملها.

كان عبيد طفلاً يعتريه حبّ الفضول، وقد انجذب إلى عالم الإبداع عندما بدأ ممارسة رسم الاسكتشات وهو في السادسة من العمر. يقول متذكرًا: «أصبح حلمي أن أكون فنانًا، بل وخطتي الوحيدة». وقد استغل هذا الشغف في الحصول على شهادة في الفنون الجميلة من جامعة حلب – ولكن سرعان ما جاءته الدعوة إلى دنيا الموضة. يقول: «لطالما كنت مهتمًا بالموضة وأدركت أن الفن لا يكفيني للتعبير عن إبداعي»، مضيفًا: «أذهلني فستان زفاف والدتي. وأصبح بمقدوري أن أستشعر العواطف التي تثيرها قطعة الأزياء». وتضمّن مشروع تخرّجه عناصر من الفن النمساوي، وتحديدًا زخارف تعود لغوستاف كليمت أحد أبطاله الفنيين، والذي كان بمثابة الدافع الذي احتاجه للانتقال إلى ڤيينا. وفي عام 2014، انتقل إلى قارة أخرى للالتحاق بمدرسة Herbststrasse للأزياء، حيث ترك بصماته على الفور، وحصل على جوائز في الأزياء ومنح دراسية عن قطع أزيائه المصنوعة يدويًا بدقة متناهية.

ومنذ إطلاق علامته التي تحمل اسمه في عام 2018، أبدع عبيد أزياءً استثنائية للعميلات اللواتي يقدّرن التفرد والأنوثة بمعناها الحديث. وقد أهّلته حرفيةُ صنعتِه وبناؤه لعلامته للوصول إلى التصفيات النهائية في مسابقة «فاشن تراست العربية» عن فئة أزياء السهرة، ليكون بذلك أول مصمم سوري يصل إلى النهائيات، وكان «شرفًا» أن يعرض تصاميمه في المنطقة. وقد أثار عبيد إعجاب أعضاء لجنة التحكيم بتصاميمه الدقيقة المزدانة بالثنيات والكسرات باستخدام خامات صديقة للبيئة.. وتتجلّى الخلفية الفنية للمصمم واضحةً في التلاعب المعقد بالأشكال. ويمتاز الحرير والتول بتفاصيل دقيقة، مثل التطريز اليدوي، والذي تعوّضه النسب الحديثة. وفي حين أنه تأثر بالخطوط والمنحنيات الأوروبية، فإن التفاصيل والطبقات التي يعتمدها مستمدة من الثقافة العربية الثرية، على حد قوله، حيث تكمل كلٌ منها الأخرى لتحقيق رؤيته للموضة.

إنها رؤية تضع الاستدامة أيضًا في صميم اهتمام العملية الإبداعية، إذ يؤمن عبيد بأن الابتكار وسعة الحيلة في خطوات التنفيذ من مسؤوليات الموضة. يقول المصمم موضحًا: «تضمن علامة «ملهم عبيد» تحقيق الاستدامة من خلال الحصول على الأقمشة وخامات إنتاجنا من المشروعات التجارية الصغيرة، لا سيما تلك التي تبيع بقايا الأقمشة والأقمشة الحيوية، مع مراعاة تجنّب استخدام أي منتجات غير رحيمة بالحيوان»، ويضيف: «الطبيعة الأم هي مصدر الإلهام الأول والوحيد لعلامتي». ويشير عبيد أيضًا إلى «الموضة السريعة» باعتبارها التحدي الأكبر الذي يواجهه جميع المصممين الشباب اليوم.

ورغم أن عبيد مقيم في ڤيينا، إلا أن فريقه –وعائلته- قد عادوا إلى سوريا. يقول: «تساعدني والدتي في إدارة فريق الإنتاج»، مردفًا: «لطالما آمنت عائلتي بي ودعمتني». ودائمًا ما كانت صناعة الأقمشة مهمة في سوريا، حيث كان يتم إنتاج قطع العلامات الراقية داخل البلاد إلى أن اندلعت الحرب الأهلية المدمرة في عام 2011. واستغل عبيد هذا المورد القيم عن طريق توظيف بعض أفراد المجتمع الأكثر ضعفًا في إبداع مجموعاته لفساتين الزفاف إلى جانب تصاميم أخرى. يقول: «كانت الفكرة تكمن في دعم النساء الأرامل والعازبات في سوريا من خلال الحصول على احتياجات إنتاجي منهن. فالنساء جزء لا يتجزأ من مشروعات التنمية المستقبلية لعلامتي». ومن خلال تطويع موهبته للمساعدة في تمكين أخواته السوريات وحمايتهن- فهو بذلك يساعد في إصلاح البلد على الفور ودون تأجيل. وفي ختام حديثه، يقول المصمم: «أمنيتي أن تصبح سوريا مكانًا أكثر أمانًا، حيث يتم دعم المبدعين – كما كانت في السابق».

دانيا حفار

تصوغ مصممة المجوهرات دانيا حفار ملامح الأمل والصمود من خلال إكسسواراتها القائمة على الزخارف السورية التراثية

تبصر رائدة الأعمال السورية دانيا حفار في وطنها الأم مكانًا يتمتع بتاريخ غزير ومناظر طبيعية خلّابة. تقول: «خلال نشأتي في كنف عائلة سورية، كنت محاطة بقدر كبير من الجمال الطبيعي والفن»، وتضيف: «لقد غرس والدي ووالدتي بداخلي التقديرَ البالغ لثقافتنا وتراثنا، وهو ما ظل دومًا متّقدًا بداخلي». إنها بعيدة كل البُعد عن صورة منطقة الحرب في فترة ما بعد الكارثة، كما تصورها وسائل الإعلام الغربية، وهو تصوّر خاطئ تمامًا تسعى دانيا بكل اجتهاد لتصحيحه عبر منصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تجمع عشرات الآلاف من المتابعين على طول الطريق. تقول: «يفترض الناس أن سوريا أرض قاحلة مزقتها الحرب وتخلو من الثقافة والجمال، وهذا بعيد كل البُعد عن الحقيقة. إن سوريا بلد يتمتع بتاريخ ثري، وشعبها من ألطف الناس الذين يمكن أن تلتقوا بهم وأكثر شعب مضياف». ومن خلال صورها المختارة للمنازل الدمشقية الفخمة، والأسواق المفعمة بالألوان، والمساجد الرائعة، ومقاطع الفيديو المبهجة التي تتناول كلها الجانب السعيد المنسي من سوريا، تطلق دانيا طاقة تنبض بالحيوية تتولى بذاتها تبديد أسطورة الأرض القاتمة والقاحلة.

وعلى عكس عديد من المبدعين السوريين، شعرت دانيا أن من واجبها البقاء في سوريا واستخدام منصتها لنشر نظرة إيجابية ومفعمة بالتفاؤل عن البلاد. تقول: «أعتز بذكرياتي عن البلد قبل الاضطرابات. ومن ذكرياتي المفضلة السفر لزيارة المواقع التاريخية في أنحاء البلاد. ولطالما كانت تجربة مدهشة لرؤية مجموعة متنوعة من المجتمعات والتصاميم المعمارية والتعرف على تاريخ مختلف الأماكن».

إن حب دانيا للعاصمة السورية -أقدم مدينة مأهولة دون انقطاع في العالم- يتجلّى عندما تتجوّل في شوارعها الضيقة، وتستمتع بمشاهد المدينة القديمة، حيث تبعث حيويتها العتيقة الدفء في قلبها. تقول: «دمشق عشقي. أعرفها عن ظهر قلب، أعرف أحياءها، وأسواقها، ونبض المدينة. أنا مفتونة بثرائها. ثمة شيء سحري حقًا حيالها». إن سحر عمارتها فائقة الإتقان وأناقتها الفخمة تبث الرهبة في نفسها حتى اليوم. تقول بفخر: «هذه الأماكن رائعة حقًا»، وتضيف: «إنها تربطني أكثر بالتراث الثري الذي يجمع كل السوريين، وأنا موقنة بأن كل شخص منهم تعتريه نفس العاطفة تجاه مسقط رأسه ومدينته في دمشق».

كانت علاقة الحب الخالدة التي تربط دانيا بوطنها دافعها لتأسيس علامة For the Love of Syria (أي: حُبًّا في سوريا)، وهي علامة مجوهرات شاركت دانيا في تأسيسها مع صديقتها المقرّبة مصممة المجوهرات ديما كيخيا. تقول دانيا: «أردت أنا وديما أن نبتكر شيئًا يحتفي بجمال سوريا»، وتضيف: «شعرنا أن [إبداع] مجموعة من الإكسسوارات عالية الجودة والمستوحاة من الزخارف السورية والدمشقية التراثية ستحظى بشعبية كبيرة بين السوريين وغير السوريين على السواء. ويعد ارتداء قطعنا بمثابة وسيلة لعملائنا من جميع أنحاء العالم العربي وأوروبا وأمريكا لإظهار حبهم لسوريا والتعبير عن عاطفتهم تجاه ثقافتنا وتقاليدنا». وسرعان ما جذبت إكسسوارات هذه العلامة، المصنوعة يدويًا من الفضة والنحاس، انتباه مشاهير المنطقة -مثل هيفاء وهبي، وجويل مردينيان، ويارا، وشكران مرتجى، وغيرهن- وذلك بفضل تصاميم الأرابيسك المتقنة والتفاصيل التي لا تشوبها شائبة. تقول: «كان سوارُنا اللافت المصنوع من النحاس أولَ قطعة مميّزة لدينا. وبدأنا بكتابة كلمة «سوريا» عليه باللغة العربية، وبدأ عملاؤنا في التساؤل عن ما إذا كان بإمكاننا تعديل التصميم حسب متطلباتهم الشخصية، ومن هنا انطلقت المسيرة».

وتسلط تصاميم For the Love of Syria الضوء أيضًا على أهمية الوعي الاجتماعي عبر التبرع بجزء من جميع المبيعات للجمعيات الخيرية السورية التي تدعم المجتمع المحلي. وعلى المستوى الشخصي، تعبّر دانيا عن شعورها بالمسؤولية تجاه معالجة حالة الاضطراب الحالية من خلال منصاتها الإبداعية، والحاجة لنشر الجمال في هذا الوقت العصيب من تاريخ بلدها. تقول: «أعتقد أن للفن القدرة على جمع الناس وزيادة الوعي بتراثنا المشترك وحبنا لسوريا. ولا يسعني إلا أن أتمنى أن يساعد ما أقوم به من عمل في إحداث فارق إيجابي في العالم».

وتدافع المؤثرةُ الدمشقية بكل قوة عن المواهب المحلية في جميع المجالات، وتميل إلى ارتداء قطع العلامات التجارية الأخرى التي تجمع بين الحِرَف اليدوية التراثية والذوق المعاصر والفريد، والترويج لها كذلك. وهي تؤمن باستخدام الفن كوسيلة لإحداث تغيير حقيقي في العالم من حولها، وتسخير قوته للإلهام والاتحاد. ورغم الوضع الحالي، تعتري دانيا نظرة أمل للأيام والسنوات المقبلة. وبالنسبة لها، ما تزال سوريا تحمل الوعد الصادق، ومواطنوها يمسكون بمفتاح مستقبل مزدهر. تؤكد: «أريد أن أنقل أهمية الأمل والصمود. أريد أن يرى الناس أنه حتى في أحلك الأوقات، ما يزال هناك جمال يمكن العثور عليه. آمل أن يعود أولئك الذين غادروا، وأن نتمكن معًا من إعادة بناء سوريا أقوى، سوريا يمكننا جميعًا أن نفخر بها».

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع