تابعوا ڤوغ العربية

وجه آخر للتحدي :عربيات يغيّرن مسار حياتهنّ المهنية

لا شيء يبقى على حاله دوماً دون تغيير، لا لون شعركِ، ولا عنوان مسكنكِ، ولا حتى مساركِ المهني. ورغم أن الفكرة تبدو في حد ذاتها مخيفةً بعض الشيء، لا داعي أبداً للقلق، فحصولكِ على شهادة في تخصّص معين لا يعني بالضرورة. أنكِ ستظلين تؤدين الوظيفة نفسها حتى تبلغي الخامسة والستين من العمر. إليكِ هنا بعض الوجوه المعروفة التي ارتأت أن تحويل مسارها المهني هو الخطوة الصحيحة التي ينبغي اتخاذها.

غيدا أرناؤوط

غيدا أرناؤوط ترتدي فستاناً من زياد نكد، تصوير سام روضي ومنسق الأزياء خليل زين. لصالح عدد يوليو أغسطس 2019 من ڤوغ العربية

“نشأتُ في مدينة محافظة اسمها صيدا حيث أردتُ أن أفعل عكس ما كان متوقعاً من الفتيات. أردتُ أن ألعب كرة القدم وأعزفُ على القيثار الكهربائي وأستكشفُ وأفعلُ كل ما لم يرد المجتمع أن أفعله. وهذا ما رسم شخصيتي وحوّلني إلى ما أنا عليه اليوم”. بهذه الكلمات، تختصر غيدا أرناؤوط حياتها. هي مؤسس وكالة السفر للمغامرة When Life Happens Outdoors وصاحبة المدونة الإلكترونية Monkyseemonkydo. درست علوم الغذاء في الجامعة الأمريكية في بيروت وبدأت تعمل كأخصائية تغذية قبل أن تصبح مديرة محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي لدى شركة “ساتشي أند ساتشي”. ولكنها تقول: “لطالما أردتُ أن أمارس عملاً إبداعياً”. وهكذا سرعان ما أدركت أنها تريد المزيد على الرغم من حبها لعملها. تقول: “لم أكن مسرورة بالعمل في مكتب يجبرني على البقاء في الداخل من الساعة 9 صباحاً حتى الساعة 6 مساءً. شعرتُ بأنّ قدراتي تفوق هذا وأردتُ منح نفسي فرصة الانطلاق بمفردي”. بعد تقديم برنامج عن الرياضات المتطرفة والمغامرة عبر قناة كويست العربية، بدأ الناس من حولها يطالبونها برحلات برفقتها. وهكذا بدأت مع شريكها رامي بتخطيط هذه الرحلات. وعندما تطلّب منها ذلك السفر كثيراً، قررت أن تترك عملها في المكتب. وهي تقول: “اكتشفت أن العثور على العمل الذي تعشقه يؤدي إلى استقطاب العمل من دون أي جهد منك لأنك تحب ما تفعل”. غير أن هذه النقلة لم تكن سهلة، فاضطرت إلى الحصول على التأمين الصحي بنفسها والعثور على طريقة للحصول على تأشيرة الإقامة في دبي. وراحت تخبر الناس كيف أنها لم تكن مرتاحة وكانت دفاعية أكثر على اعتبار أنها لم تضع خطة واضحة أمامها بعد ولكنها كانت أكيدة من قرارها. تركت أيضاً بيتها فلم تجد أي جدوى من دفع بدل الإيجار إذا كانت ستسافر دائماً. في العام 2013، كسرت وركها في إسبانيا وظلت على كرسي متحرك لمدة أربعة أشهر واعتمدت على مساعدة الآخرين لها. شعرت بأنّها “تختنق” وأصابها “القلق واليأس”. بعد أن تعافت، حجزت تذكرة سفر إلى نيبال فقد كانت تحتاج إلى “تعلم كيفية الاعتماد على نفسها مجدداً”. وفي نيبال، تواصلت مجدداً مع الطبيعة وهذا ما ساعدها على التعامل مع قلقها. وهي تقول “الطبيعة علاجي، أردت أن ألهم الناس حولي للشفاء في الطبيعة”. والتزاماً منها بمهنة أحلامها، تحاول أرناؤوط أن تجد التوازن بين رحلاتها سواء أكان بالتأمل أم الرياضة أم تدوين اليوميات. “وجب أن أصمم روتيناً صباحياً ومسائياً أتبعه لأشعر باتصالي بالطبيعة حيثما أكون. أحياناً أشعر بالتعب الكبير من كل الأسفار وعدم الاستقرار لدرجة أني أتمنى أن أكون في مكان واحد فقط لبعض الوقت”. أرناؤوط فتاة مهووسة بالموضة والأزياء وعملها يقدم لها التحدي، فهي مضطرة إلى توضيب ملابس أنيقة وملابس خاصة بالمناطق البرية في الحقيبة الواحدة، ما يعني أنها بالكاد تستطيع التسوق. لم تندم أرناؤوط على نقلتها باستثناء الصعوبات التي واجهتها والراتب غير المضمون. “السفر حول العالم جميل جداً وأنا ممتنة كل يوم لفرصة التعرف على ثقافات مختلفة واستكشاف أماكن جديدة”. يسعدها أن ترافق الناس في الرحلات. “لا شيء يسعدني أكثر من رؤية شخص سعيد بسبب مساعدتي له”. تنصح أرناؤوط كل شخص يفكر في ترك عمله بالتخطيط مسبقاً لأن “ترك العمل لتحقيق الحلم يتطلب 10 أضعاف العمل الفعلي”. وهي تقول أيضاً إن “العمل المستقل يتطلب المزيد من الجهد والانضباط وهو حتماً ليس للجميع”. حالما تصبح الخطة جاهزة، تنصح أرناؤوط “بالاستمتاع بالرحلة وكل ما فيها من مطبات ومسرات، في كل لحظة”. ورداً على سؤال حول المرحلة المقبلة، أجابت بالقول: “لدي المزيد من الأحلام التي أريد تحقيقها. الأمر لا ينتهي”.

مي يعقوبي

مي يعقوبي ترتدي فستاناً من كاليدوسكوب باي ميمي، تصوير نازلي أبو سيف، تنسيق الأزياء ياسمين عيسى. لصالح عدد يوليو أغسطس 2019 من ڤوغ العربية

درست مي يعقوبي وسائل التواصل المتعددة في الجامعة الأمريكية في الشارقة، ثم حصلت على درجة الماجستير في الإعلام الإذاعي والتلفزيوني من الجامعة الأمريكية في القاهرة. عملت في مجال الإعلام وأسست شركة إنتاج تلفزيوني مع زوجها أحمد كردوس، مدير التصوير، وعملت كمنتجة ومنفذة برامج لسنوات قبل أن تقرر ترك العمل في الشركة والعودة إلى الشغف الذي ساورها منذ طفولتها وهو الطبخ وكل ما يتعلق به. عملت على تطوير وصفات ومنتجات غذائية وقدمت العديد من دروس الطهي إلى حين التقى العالمان، أي عالم دراستها وخبرتها في الإنتاج وعالم الطبخ، وقدمت أول برامجها على قناة فتافيت ضمن مجموعة قنوات ديسكفري العالمية. وقد تمت ترجمة البرنامج إلى عشرات اللغات وتم عرضه حول العالم  كما يُعرض حالياً على قناة أبوظبي.
قررت يعقوب ترك عمل المكتب رغم النجاح لأنها لم تشعر تجاه ما كانت تفعله بالشغف نفسه الذي تشعر به تجاه تحضير وصفة في المطبخ، وعن ذلك تقول:” شعرتُ بأن لدي الكثير والمختلف لأقدمه في عالم الطبخ والمطبخ”. ومع هذا القرار، تفاوتت ردود الفعل. فقد رأى الكثير من أصدقائها خسارة في السنوات التي قضتها في دراسة الإعلام والإنتاج والعمل في هذا المجال على الرغم من موهبتها في الطبخ، ورأوا أنها تستطيع مزاولة الطبخ كهواية وأن مردوده المادي غير مضمون. ولكن أهلها شجعوها وزوجها أيضاً لأنهم يعلمون كم تعشق الطبخ. وهكذا كان لها منهم كل الدعم والتشجيع. وحول اتخاذ قرار ترك العمل، “لم أندم قط  بل أحببت مراحل الانتقال لمهنتي الجديدة رغم أنها كانت مجهولة بالنسبة لي، فأنا لم أدرس الطبخ ولست على علم بالتطور الذي يجري خلاله أو المدخول أو غير ذلك ولكني أحببت هذا المجهول واستكشاف المجال بروح جريئة غير محبطة، بخبرة الثلاثينيات وبنضوج شخص خاض مجال عمل بنجاح رغم اختلافه”.
كانت فكرة الحرية والخروج من قيود العمل الإداري والمكتبي هاجساً لها. فلطالما كانت شخصيتها حرة ومستقلة ومتجددة إذ هي تمل بسرعة من المهمات المتكررة. ولكن العمل في مجال الطبخ أعطاها حرية الابتكار والإبداع من دون الرجوع لمدير أو إدارة، من دون قيود الأماكن والمكاتب، ومن دون قيود الراتب والزيادات المحددة سنوياً. “عملي الجديد يقاس بمدى نجاحي وهذا حافز أقوى للعمل والتقدم”. ومتابعة للحديث عن الحرية، تقول: “فقدت الحافز للقيام في الصباح والذهاب للعمل. لطالما حلمت أن يجتمع شغفي مع عملي وأن أكون من المحظوظين الذين يحبون ما يعملون ويعملون ما يحبون”.
تكمن الصعوبات في عدم توفر خطة مهنية واضحة وخطوات مرسومة ومتوقعة وفي عدم توفر دخل مضمون. ولكن منذ البداية شاركت رحلتها في مجال الطبخ منذ أول خطواتها على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن أصبح برنامجها يُعرض عالمياً. شاركت الجميع الصعوبات التي تواجهها الأم في الموازنة بين بيتها وأطفالها وعملها، والصعوبات الجسدية والنفسية المصاحبة لأي عمل فني،  كواليس البرامج التي يستمتعون بها من دون معرفة حجم المجهود المبذول لإخراجها لهم بهذه الطريقة. وهكذا تهافتت عليها الرسائل التي أثرت فيها، رسائل تعبر عن كيفية تأثيرها على حياتهم وكيف أن تجربتها شجعتهم لترك عملهم ومتابعة شغفهم على اختلاف مجالاتهم .
كل يوم في حياة يعقوب هو يوم جديد والجديد كثير  في كل مجال. لطالما كانت شخصيتها متمردة ومتجددة ورائدة. وكل إنجاز تحققه هو تحدي جديد لإنجاز أكبر.
“لا تبقي حبيسة جدران أو وظيفة لا تسعدك. لا تستسلمي لآراء المحيطين المُحبطة. لا تذعني للخوف من المجهول. ولكن لا تنسي أنه يتوجب عليك أن تبذلي مجهوداً مضاعفاً وتستثمري كل ما لديك من وقت وجهد ومال لإثبات نفسك في مجالك الجديد، لتكسبي التحدي مع ذاتك. لست مضطرة إلى إثبات شي للآخرين. أنتِ الأهم”. هذه هي نصيحتها لكل امرأة تفكّر في تحقيق حلمها.

تريسي هرموش

تريسي هرموش ترتدي فستان من دانسينغ ليبارد. تصوير ليلا رادولڤيتش، وتنسيق الأزياء شارلوت كينيدي. لصالح عدد يوليو أغسطس 2019 من ڤوغ العربية

تريسي هرموش رياضية ورائدة أعمال أحلامها لا تنتهي. تخلت عن عملها في المجال المالي الذي استمر عشر سنوات وأسست Untraceable لتوفير رحلات مغامرة وورش عمل تدريبية. تهدف هرموش إلى مساعدة الناس على العثور على جانبهم الاستثنائي ولذا تدعوهم “للخروج عن المألوف والابتعاد عن فكرة عدم قدرتهم على فعل ما يريدون أو فكرة أنهم مختلفون سواء أكان لفترة قصيرة أم في رحلة من رحلاتها أم لمدى الحياة”. لم يكن الأمر سهلاً بالنسبة إليها في البداية. فقد واجهت الكثير من الصعوبات والرفض قبل أن بدأت الفرص تأتيها وتتقدم لها. و”سرعان ما تغيرت الأحوال”. عندما قررت تغيير عملها، شعرت بعدم دعم الأشخاص من حولها لها لأنهم قلقوا بشأن مستقبلها ولكنها ظلت مقتنعة بمرادها. ظلت “مركّزة وعرفت أنهم سيثقون بسير العملية مثلها هي مع الوقت”. ومنذ ذلك الحين لم تنظر إلى الوراء قط وتقول: “لا ندم على الإطلاق عند الاقتناع. كان إيماني كبيراً بما أردت فعله ولم يتزعزع قط”.
كان تغيير مهنتها من الأحداث الأكثر تأثيراً عليها في حياتها. “اكتشفتُ جانباً مختلفاً فيّ وعرفتُ أني قادرة على تحقيق ما أريد أكثر مما كنت أظن”. وعن استكشاف الحياة البرية والوجهات النائية تقول هرموش: “أحاول أن أجعل من غير المألوف مألوفاً. يأتيني الإلهام عندما لا أشعر بالراحة وهكذا أكتشف نفسي أكثر من أي وقت آخر”. تسعى دوماً لمفاجأة نفسها وتقول “أشعر بحرية كبيرة عندما أحقق ما ظننته مستحيلاً. لن تعرف أبداً هذا الشعور إلا بعد التجربة. انطلق ولا بأس إن فشلت. المهم أن تحاول”. هرموش أيضاً رائدة أعمال وصفحتها على إنستغرام تشهد التألق في الوقت الحالي. تعمل مع علامات تجارية عالمية مرموقة ومشاهير، وتنصح بالاعتماد على أكثر من مصدر واحد للدخل. فالأمر متعلق بالإبداع وباستهلاك الوقت بشكل مبتكر والعمل في أكثر من مجال. تنصح هرموش كل شخص يريد تحقيق أحلامه بالتحلي بالصدق، “عندما تكون صادقاً مع نفسك، تكون هذه حقيقتك وتصبح هكذا بالنسبة إلى الآخرين. للصدق ثماره”.

أسدغيك ملكونيان

فستان من بلومارين، قرطان من مونيكا سوردو، حذاء من سيرجيو روسي، تصوير بول توڤار، تنسيق الأزياء إيرين مكشيري. لصالح عدد يوليو أغسطس 2019 من ڤوغ العربية

تبدأ اسدغيك ملكونيان، صاحبة المدونة الإلكترونية The Jetsetter Diaries والمتحدرة من أصول أمريكية لبنانية حديثها بالقول: “كنت ذات مرة جالسة في فندق جميل في كمبوديا أشرب ماء جوز الهند. ثم غصت للحظة سريعة في التفكير وارتسمت ابتسامة عريضة على وجهي إذ أدركت أني كنت في هذا الفندق بفضل ما ابتكرته أنا بنفسي من الصفر”، أي مدونتها الإلكترونية. بدأ عشقها للسفر مع والدها وتقول ملكونيان “كان يرافقنا دوماً في مغامرات مذهلة في لبنان ونكتشف معاً أماكن جديدة في كل عطلة نهاية أسبوع”. بعد ثمانية أعوام من العمل في مجال المبيعات والتسويق وتطوير الأعمال، أدركت ملكونيان أنها بحاجة إلى تغيير. فقررت الاستقالة وترك عملها لمتابعة حلمها وإنشاء مدونتها، وقد اتخذت هذا القرار بشكل مفاجئ، بعد أن كانت قد حصلت على ترقية لوظيفتها. “ظن الجميع من حولي أني فقدت عقلي ولكني عرفت آنذاك أني اتخذت القرار الصائب”. وبفعل ما تعشقه تقول “أنظر إلى الحياة بشكل مختلف. أقدّر أكثر التجارب بدلاً من الأشياء المادية”. وبالحديث عن السفر بمفردها دائماً تقول: “أشتاق إلى الأمور الأساسية مثل خزانة الملابس أو تمضية الوقت محاطة بالأحباب”. ولكن المرونة والإثارة والتشويق والمغامرة هي كلها عناصر تدفع بملكونيان قدماً وتساعدها على الابتعاد عن الروتين والرتابة المضجرة فتقول “الاستيقاظ من النوم في بلد جديد كل أسبوع يبعث فيّ الحياة”. أصبحت رحالة عالمية فعلاً وتذكر “هي رحلة صعبة ومن الصعب عليك أن تحوّل عشقك إلى عمل ولكن لا شيء مثمر أكثر من ذلك. وإن كنت تعشق شيئاً ما، لا شيء ولا أحد يقف في طريقك”. وخلال هذه الرحلة، تعترف ملكونيان بأنها اكتشفت نفسها “من خلال عيش حياة مختلفة عن حياة الجميع من حولك وهو ما يدفعك إلى التحرر من توقعات الآخرين”. هي مقتنعة تماماً بالقرار الذي اتخذته وتقول: “قررت التخلي عن كل مخاوفي لأحقق حلمي وهو أفضل قرار اتخذته على الإطلاق. عندما أعود إلى الماضي وأفكر أشكر نفسي لكل الصبر الذي تحليت به خلال الظروف والأوقات الصعبة”. وعلى الرغم من أن إدارة مدونتها الإلكترونية تتطلب منها عملاً أكثر وجهداً أكبر من ذاك الذي فرضته عليها وظيفتها السابقة، تشعر أن “المال يتحرك ويأتي ويذهب وأن فعل ما يعشقه المرء ليس بعمل”. إلى جانب المدونة الإلكترونية ورحلاتها، تنظم أيضاً ملكونيان كل عام رحلات للمجموعات حيث ترافق متابيعها ولكنها تسافر بمفردها في أغلب الأحيان. وهي تقول “إنها تجربة تغير الحياة وإن لم تجرب ذلك من قبل عليك القيام بهذه التجربة، فالوحدة في الأماكن الغريبة تؤدي إلى انغمارك في الثقافة وتخرجك من دائرة الراحة”. قبل سنوات قليلة قيل لها إنها ستحصل على المال مقابل سفرها في العالم وكانت ردة فعلها الضحك وعدم تصديق ما يقال لها ولكن “الأحلام تصبح حقيقة عندما تحققها بكل شغف”.

نشر هذا المقال للمرّة الأولى عدد يوليو أغسطس 2019 من ڤوغ العربية

 

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع