كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباح يوم اثنين بينما كان فريق ڤوغ ينتظر قدوم إسعاد يونس إلى موقع التصوير. وكانت قد أبلغت الفريق برسالة قبل الموعد المحدد بأنها ليست على ما يرام. وعندما حضرت، بدا جليًا من انقباضها ومسلكها الحزين أنها مريضة، رغم وجهها الناعم وبريق عينيها. ولكن كعادة إسعاد الفنانة، ما أن ومضت الكاميرات تغيّر مسلكها تمامًا وأخذت تشيع المرح، متألقةً بجاذبيتها الساحرة من لقطة إلى أخرى.
وفي اليوم التالي، أجرت ڤوغ معها اتصالاً بالفيديو. وكانت الممثلة القديرة والإعلامية الكبيرة تجلس في مكتبها دون مساحيق وقد جمعت شعرها للخلف بينما توهجت بحيويتها الجذابة الشهيرة. وقالت دون مواربة: «لماذا أقول دائمًا إني أجمل «بنت» في مصر؟، لأساعد المرأة على التحرر من القالب الضيق الذي توضع فيه ما إن تبلغ الأربعين. أحاول أن أخبرها بأنها ليس عليها تصديق أنها وضعت قدميها بالفعل في القبر. انهضي وافعلي شيئًا! ولا تدفني نفسكِ حية!».
وعكس كثير من النساء الشهيرات المتقدمات في العمر، تذكر إسعاد عمرها بصراحة شديدة. تقول ضاحكةً: «طقوسي للعناية بالجمال بائسة. لا أداوم على استخدام أي شيء؛ وأحاول فقط أن أستخدم غسولاً جيدًا لوجهي، وهذا كل شيء. أحيانًا أقول لنفسي: ’انهضي وضعي بعض الكريم على وجهكِ يا فتاة‘». وكان شعرها مثار جدل تكرر كثيرًا في وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة، وجعل كثيرين يتساءلون ما إن كانت تضع شعرًا مستعارًا. وحين أطلّت مع الفنان أمير كرارة في برنامجه الحواري، طلبت منه أن ينهض ويشد شعرها لتثبت للجميع أنه طبيعي تمامًا. تؤكد: «أقسم بأنه مصفف بعناية فقط». وتمضي في حديثها قائلةً: «أحب التجاعيد التي أراها في المرآة؛ لقد رافقتني في حياتي. ومثلما ترك الزمن آثاره على قلبي، فقد وضع أيضًا بصماته على وجهي. ودائمًا ما أشعر بأني مميّزة ومختلفة عن غيري كلما دخلت إلى قاعة ما حتى لو كان كل من حولي رائعات الجمال، وهذا ما يشجعني دائمًا. وعندما أنظر إلى الأجيال السابقة، أرى أن المرأة لم تكن تدري كيف تتعامل مع تغيّر شكلها وفقدان المال والدافع للحياة، وكان البعض يلجأ للانتحار، وأنا لن أسلك هذا الطريق».
إسعاد، البالغة من العمر 73 عامًا، من ذلك النوع الأسطوري من البشر. وتعد هذه الفنانة المتفردة دائمًا من أكثر النساء تأثيرًا في الثقافة الشعبية العربية الحديثة، وتتمتّع بتاريخ حافل وطويل في عالم الترفيه. ومنذ بداية عملها في الإعلام في السبعينيات، أخذت تستغل صوتها المصري المميّز للدفاع عن تمكين النساء والشباب. وبفضل وعيها بذاتها وبصيرتها الحادة وحسها الكوميدي الرائع وتعاونها الذي لا يُنسى مع كبار النجوم، مثل سهير البابلي في «بكيزة وزغلول» وسمير غانم في «حكاية ميزو» وعادل إمام في «شعبان تحت الصفر»، رسخت مكانتها في تاريخ دنيا الترفيه في العالم العربي. وبعد ثلاثة عقود من ظهورها الأول على الشاشة، نالت إشادة كبيرة من النقّاد عن دورها في الفيلم الأضخم من حيث الميزانية والأنجح عالميًا والحائز على عدة جوائز، فيلم «عمارة يعقوبيان».
وهي من أشد المتحمسات للتغيير والحراك. تضحك قائلةً: «أكره الركود، لذا أؤمن حقًا بأن عليك تغيير مهنتك بأكملها مرة كل عشر سنوات. عملت في السينما بانتظام لمدة 10 سنوات فقط! وفي عام 1987، مثّلت فيلم «ليلة القبض على بكيزة وزغلول» وبعدها قررت التوقف عند هذا الحد. فأنا ضد التخصص في شيء واحد. وفي عالم الترفيه، كل إنسان له تاريخ صلاحية. وحتى في ذلك الحين، كنت أدرك هذا تمامًا، وكنت مستعدة لإدارة ظهري لتلك المرحلة والشروع في شيء جديد. لا أريد أن يستبعدني أحد، أفضِّل أن أفعل ذلك بنفسي»، مضيفةً: «عقليتي كانت دائمًا تجارية جدًا. وإذا ما فكرت في عمل شيء، أسعى لتنفيذه؛ وخاصة لو كان عكس التيار. فأنا أهوى البحث عن المتاعب، وأرى أن التغيير والتطور جانب مهم في الحياة. لذا، سأظل دائمًا أقاوم الجمود».
وفي عام 2000، شاركت في تأسيس الشركة العربية للإنتاج والتوزيع السينمائي، وهي من كبرى شركات إنتاج وتوزيع الأفلام في العالم العربي، وعُيِّنّت في منصب رئيس مجلس الإدارة. وتحت قيادتها، وزعت الشركة وأنتجت مئات الأفلام الروائية التي تنوعت ما بين الكوميدي الخفيف والأفلام المفضّلة في المهرجانات مثل فيلم «رسائل البحر» لداوود عبد السيد، والذي اختير لتمثيل مصر رسميًا في المنافسة على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي في دورته الـ83.
وحين تولت منصب نائب رئيس غرفة صناعة السينما المصرية، قامت بدور رائد في تطوير صناعة السينما في مصر والترويج لها والحفاظ عليها. وهي مدافعة قوية عن حقوق الفنانين، ما أدى إلى تغيير قوانين سرقة حقوق الملكية الفكرية وملاحقة عشرات المواقع غير الشرعية لتنزيل الأفلام المصرية على الإنترنت والقنوات الفضائية التي تعرضها بطرق غير قانونية. وفي الكلمة التي ألقتها خلال مؤتمر المنظمة العالمية للملكية الفكرية عام 2011، حثت الجمهور على مقاومة تدهور الثقافة والتراث الذي تؤمن بأنه نتيجة حتمية لتقويض حقوق المؤلفين. ولأنها كاتبة بارعة ولها العديد من الآراء، ألفت كتبًا عديدة ونشرت مئات المقالات في كبرى الصحف المصرية مثل «الشروق» و«المصري اليوم» ومجلة «الشباب».
وحب إسعاد، المولودة في القاهرة عام 1950، للإعلام والترفيه يسري عميقًا في عروقها؛ فقد كان والدها حامد جمال الدين يونس طيارًا عسكريًا شارك بنشاط في حركة الضباط الأحرار التي قامت بثورة يوليو 1952 في مصر، كما كان صحفيًا معروفًا وكاتبًا في «روز اليوسف»، المجلة الإخبارية السياسية الأسبوعية الشهيرة. وكانت والدتها وخالتها كوكب وبديعة صادق مطربتين وممثلتين موهوبتين، وجدها لوالدتها مديرًا لفرقة علي الكسار المسرحية الشهيرة في أوائل القرن العشرين، ثم أسس بعد ذلك أكاديمية للمسرح والتمثيل في الكويت. وكانت نشأتها بطبيعة الحال في بيئة ضمت أساطير المثقفين، مثل بيرم التونسي، وأحمد رامي، وصلاح جاهين.
وكانت إسعاد منذ طفولتها تدرك تمامًا مدى حاجتها للاستقلال. تقول: «أنا بطبيعتي شخصية متعددة المهام. وكنت أحلم دائمًا بأن أكون أذكى الناس في أي مكان، وأن أتعلم ما أمكنني أكبر قدر ممكن من المهارات. ورغم ذلك لم أكن مشتتة الأفكار». وفي سن العاشرة، أنشأت إسعاد مكتبة صغيرة محمولة وأخذت تعير المجموعة الأدبية الواسعة لوالديها لجيرانها مقابل مبالغ رمزية. ومن هنا تعرفت على كافة فئات المجتمع وبدأت تصقل مهاراتها في الملاحظة وتستوعب العناصر المختلفة لمعنى الإنسان المصري، دون أن تدري أنها تضع الأساس لمستقبل لامع في مجال التمثيل.
«بدأت العمل في الإذاعة أثناء دراستي للإرشاد السياحي بالجامعة، في ذلك الوقت تقريبًا تزوجت زوجي الأول ووالد ابنتي نبيل الهجرسي. وكان آنذاك ممثلاً معروفًا لذا تعرفت على أصدقائه في هذا المجال». وتضيف ضاحكةً: «دخلت التمثيل بمحض الصدفة، فلم أفكر أبدًا طوال عمري بأن أكون ممثلة ولا سعيت لذلك؛ كنت أخوض غمار الحياة بقلب مفتوح وكنت فقط في المكان المناسب في الوقت المناسب. لذا أؤمن تمامًا بأن كل شيء قسمة ونصيب».
وتقسّم إسعاد وقتها حاليًا بين أدوارها أمام الكاميرات وخلفها، وتتولى عددًا من الأعمال الإنتاجية والفنية الجديدة، وتقدّم برنامجها الحواري «صاحبة السعادة» الحائز على عدة جوائز والذي دخل عامه التاسع. ويعد عنوانه تلاعبًا فريدًا بالكلمات، فهو يعني [ضمنيًا] «صاحبة المعالي» وحرفيًا «صاحبة السعادة»، اللقب الذي أطلقه عليها جمهورها الوفي. وتكشف: «كانت الفكرة في الأصل أن مصر هي صاحبة السعادة. فبعد ثورة 2011، تزعزعت الهوية المصرية، وأفسدتها توجهات وسلوكيات لا تنتمي إليها. وبدأ الناس يتحدثون ويلبسون بل ويفكرون بطريقة غريبة لم نعهدها. وشاعت الاعتداءات اللفظية على الثقافة المصرية. كان يجري تفكيك هويتنا، وكان كل شيء ينذر بالخطر». ودفعها هذا الإحساس الغريزي بالخوف والقلق لتقديم البرنامج. «أردت تقديم برنامج يحنو على الناس ويعيد إليهم الثقة بالفنون والمشهد الثقافي المصري بين كافة فئات المجتمع. وعندما وصلنا إلى الحلقة الثالثة، استطعت أنا وفريق البرنامج إقناع الناس بأنه برنامج يمكن لجميع أفراد الأسرة مشاهدته معًا وإضحاكهم وتعليمهم وتذكريهم بالهوية التي أوشكوا على نسيانها. لذا كان كرمًا كبيرًا من الناس وشرفًا عظيمًا لي أن يمنحوني لقب «صاحبة السعادة». ولكن مصر هي صاحبة السعادة، وأنا مجرد فرد من بين 120 مليون مصري».
وترى إسعاد أن الأجيال المقبلة هي الأساس لمستقبل أفضل، لذا تبذل كل ما في وسعها لرعاية المواهب الجديدة الجديرة بالرعاية. «أؤمن تمامًا بشبابنا، ولو استطعت أن أقدم لهم نصيحة واحدة لقلت لهم ما قالته لي والدتي: ’لا تتحطمي كمنفضة سجائر، بل اقفزي وارتدّي ككرة مطاطية‘. لا تيأسوا، ولا تكفوا أبدًا عن التقدم».
وبعد خمسة عقود من النجاح، لا تنوي إسعاد إبطاء مسيرتها في أي وقت قريب. فإلى جانب إنتاج عدة أفلام جديدة، ستعيد تجسيد دور حياة، الممثلة المعتزلة الذكية الحادة الطباع، في الموسم الثاني من المسلسل الكوميدي الناجح «كامل العدد»، وستشارك أيضًا في مسلسل من إنتاج شركة المتحدة للخدمات الإعلامية سيُعلن عنه قريبًا، وكذلك في فيلم «عصابة عظيمة» المقرر عرضه عام 2024.
تُرى، ما الذي يُسعد السيدة الأولى للسعادة؟ إن ما يحقق لها السعادة يوم عمل ناجح وطهي وجبة رائعة لعائلتها (تجيد عمل طبق البط المشوي) وأن يعلم جميع من حولي بأني أبذل قصارى جهدي وأن سمعتي تسبقني. وأقول دائمًا إنكم لن تعرفوا أي إنسان حقًا إلا من الكلام الذي يُقال عنه وراء ظهره، وأتمنى أن يذكرني الناس بالخير لأنه الإرث الذي سأتركه خلفي».
Fashion Director Amine Jreissati
Beauty editor Michaela Somerville
Photography Jabe
Hair Deena Alawaid
Makeup Kasia Domanska
Production assistant Basma Faramawy
ٍSpecial thanks to Royal Maxim Palace Kempinski Cairo