نعيم المبدع الذي زادت لمساته السحرية جمالاً وأناقة على ماضي بيروت الذهبي، ولا يزال يبدع في لندن وبعينه حنين على ست الدنيا. مهندم المظهر، لبق المنطق، أنيق لا يتخلى عن وشاح العنق. وبالفرنسية، لغة «الصالونات»، قصّ علينا نعيم رحلته مع تصفيف الشعر. رحلة بدأت سنة ١٩٥٧، عندما أراد الشاب اليافع أن يملأ أوقات فراغه. شاء القدر أن يتعرف على مصفف الشعر الذي كان يتردد كل يوم على منزل قريبته التي كان يقطن عندها. استغل هذه الفرصة فطلب نعيم منه العمل في الصالون. في البدء لم يخبر العائلة، وبدأ من قاعدة الهرم. هنا كانت البداية. بداية لم يطل الوقت حتى اكتشف بها نعيم موهبته الفطرية في تسريح الشعر وحبه في جعل المرأة تبدو بأجمل حلّتها، كما أن حسن تعليمه ولباقته لفت انتباه مديرة الصالون. ومن هذه المرحلة يذكر نعيم أول راتب تقاضاه، قائلاً: «عندما بدأت العمل كان راتبي خمس ليرات لبنانية أسبوعيا».
من صالون في باب إدريس في البداية، انتقل نعيم إلى فندق البريستول ثم إلى فندق السان جورج. وعند اندلاع الحرب الأهلية سنة ١٩٧٥، حمل نعيم موهبته ومقصّه وحط رحاله خارج الديار، ثم أكمل مشواره مع الأناقة من باريس إلى لندن. ومنذ بداياته سطع اسمه وبات حديث الناس والصحافة اللبنانية والعالمية. الصالون السحري، شينيون ألف ليلة وليلة، الأيادي السحرية، تينور مصففي الشعر، فيغارو لبنان، مقص من ذهب، مزين الأميرات، وغيرها من عناوين وألقاب تصدرت الصحف والمجلات. في سنة ١٩٦٨ كتبت عنه مجلة ڤوغ الفرنسية بعنوان عريض «نعيم ساحر تصفيف الشعر». ولعلّ عنوان إحدى الصحف «أناقة حتى التأنق، عصري حتى الجرأة» أكثر ما يختصر إبداع نعيم. فهو ينظر للجمال بعين راقية، هو المترعرع في بيئة برجوازية لا يساوم على الأناقة. يقول: «لطالما أردت إبراز جمال النساء، فلا تشبه إحداهن الأخرى». وفعلاً كان لكل سيدة إطلالة خاصة لكن ما يجمعهن شيء واحد، وهو لمسة نعيم السحرية.
بين الإطلالة وتسريحة الشعر يختار نعيم ويقول: «الشعر هو الأهم في إطلالة المرأة». وعما يلهمه إنجاز التسريحة يضيف: «أنظر إلى المرأة وخاصة إلى أظافرها وطريقة تحدثها، ثم أعطيها أسلوبها». كما يحب أن تعتني المرأة بنفسها، حتى إن كانت تحب البساطة. أعطى نعيم كل طاقته إلى مهنة بادلته الشهرة وفتحت له أبواب القصور وخشبات المسارح وأفخم الأعراس والسهرات، والأهم أنه بقي متواضعاً وناظراً إلى المستقبل. يقول: «لا أنظر إلى الماضي، كل يوم هو يوم جديد».
عندما نغوص بألبوم حياة نعيم المهنية، كأننا نتصفح كتاباً تاريخياً يرجع بنا لزمن حيث كان كل شيء جميلاً. من عرض ديور في بيروت، إلى حفلات ست الدنيا مروراً بسهرة المبتدئات في لندن وغيرها، كان لنعيم حسب المقولة اللبنانية «في كل عرس قرص».
من هذه الذكريات الجميلة ولأنه فنان مميز أكثر منه مصفف شعر، كان لا بد أن تخلّد أعماله. من هنا أتت فكرة الكاتبة والصحافية كارول قرم، حفيدة مي عريضة مؤسسة مسرح مهرجانات بعلبك سنة 1968 وإحدى النساء اللبنانيات الرائدات في المجال الثقافي وسيدة من سيدات المجتمع الراقي. عرفت مي عريضة بأناقتها وجمالها وكانت دائماً تثق بنعيم. ألم يكن شريكًا في إبراز صورة جمال لبنان؟ وقالت كارول قرم في إحدى مقابلاتها عن فكرة الكتاب: «من خلاله نكتشف جانبًا من تاريخ المنطقة، لكن من نظرة مميزة. فلما دائماً الحكام هم من يكتبون التاريخ؟». يذكر نعيم أن أكثر تصفيفة شعر مبالغ فيها طلبت منه بمناسبة حفلة راقصة في باريس. يقول: «أطلقت العنان لمخيلتي، كان «كل باريس» في صالوني». أما أجمل الذكريات، فهي عندما كان يتنقل ويبدع في صالوناته في باريس، وكان، ومربيليا، وبولونيا، ولندن. نجم بين النجمات، كان لنعيم لمسة في جميع إطلالاتهن.
نراه مع الملكة رانيا في يوم تتويجها عام ١٩٩٣، مع صاحبة السمو الملكي الأميرة مايكل دي كينت، مع شحرورة الوادي صباح، مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة التي لم تُصوَّر مع أي مصفف شعر سوى نعيم، مع نجمة الغناء العالمية شيرلي باسي، مع مديرة برامج المسرح والعلاقات العامة في «كازينو لبنان» مي موسى التي رافقها في أول رحلة مهنية في حياته حينما كان عمره 17 عامًا، مع الممثلة الصديقة زبيدة ثروت التي أثارت صداقتهما الشائعات، مع ملكة جمال الكون جورجينا رزق، مع الممثلة جين سيبرغ، مع الممثلة والكاتبة والصحفية جوان كولينز التي أصرت على أن يصفف شعرها لأنه امتلك سر جماله… لا يستطيع نعيم أن يحصيهن. يقول: «لو أردت أن أذكرهن جميعهن لجف الحبر قبل أن أفعل». جميعهن أحببن نعيم. لقبته أم كلثوم
بـ «الأيادي الذهبية»، وإحدى الصحف نشرت له صورة مع وردة الجزائرية التي علّقت على أنه أبرع مزيّن عرفته في حياتها. يذكر نعيم الشحرورة صباح: «لقد أردت أن أغيّر لون شعر صباح، فحولته من غامق إلى أشقر وابتكرت لها شعرًا مستعارًا مجعّدًا». هكذا كان يحب نعيم أن يغيّر مظهر المرأة بجرأة ويعطيها بصمة خاصة. أما الأميرات فكان يختار لهنّ تسريحات كلاسيكية خاصة لأنهنّ يضعن التيجان.
كما لم يغب نعيم عن أفراح العائلات المالكة في الوطن العربي. يقول: «في أعراس أميرات الدول العربية، لم يكن من المسموح أخذ الصور، فكنت أرسم التسريحات». ويضيف: «شخصيتان ملكيتان أكنّ لهما فائق الاحترام هما صاحبة السمو الشيخة حصة بنت راشد آل مكتوم وعائلتها، وكذلك صاحبة السمو الملكي الأميرة مايكل دي كينت». لا يتبع نعيم الموضة، بل يؤكد قائلاً: «كل امرأة مختلفة بالنسبة لي، كان دائمًا لي أسلوبي الخاص»، ويضيف: «حتى أنه لدي أربعة أجيال من نفس العائلة». فنعيم يتماشى مع كل سيدة حسب شخصها وعمرها والأهم من ذلك كما يؤكد: «إنهن يثقن فيّ». فنعيم لا يستلهم من الشخص وعمره فقط، بل لكل مناسبة أو وقت في اليوم تسريحته، فيحبذ التسريحات الكبيرة والراقية للحفلات الراقصة والسهرات. أما اليوم فيقول: «اليوم اختفى أسلوب تصفيف الشعر الراقي».
أما عن سر المزيّن الناجح، يقول نعيم بدون تردد: «علاوة على الموهبة، سر مصفف الشعر الجيد هو أن يكون أصمًا وأبكمًا دائمًا». فكم من القصص يسمعها خلال اليوم، فلا شك أن مصفف الشعر هو أكثر الأشخاص الذين يسمعون أخبار الصالونات، فكيف إن كان نعيم. بدأ نعيم العمل في سن مبكر، ولم يكف يوماً عن العمل. وهو يحتفل بعيده الثمانين في سبتمبر الحالي. لديه روتين في العمل، وكذلك روتين في أوقات الفراغ في المساء التي يخصصها للانغلاق على نفسه وسماع الموسيقى الكلاسيكية أو حتى مشاهدة مسرحية من وقت إلى آخر لتحسين لغته الإنجليزية، يقول: «عندما أتيت إلى لندن لم أكن أتحدث أي كلمة إنجليزية».
لبنان لم يغب أبداً عن نعيم الذي اضطر على مغادرته عام ١٩٧٥. بقي غصة في قلبه حتى أنه أراد أن يعود إلى بيروت ليتقاعد. جاء القدر أن تبدأ الثورة، ثم جائحة كورونا لتليها الأوضاع المأساوية، فتغير البرنامج وبقي في لندن مع نظرة حنين على الوطن.