بعد أن أصبحن مضرب المثل في الذكاء والجرأة، تواصل النساء العربيات تحطيم الحواجز في استكشاف الفضاء، وبتن يقدّمن تعريفًا جديدًا لهذا الميدان ويرتقين به إلى مستويات أعلى في جميع أنحاء المنطقة
حين أصبحت ريانة برناوي أول رائدة فضاء سعودية وأيضًا أول امرأة عربية تصل إلى محطة الفضاء الدولية –أكبر محطة فضائية معيارية في مدار أرضي منخفض– في مايو 2023، حطمت بذلك حواجز لم يكن يتخيلها كثير من الناس قبل بضع سنوات. وبينما كانت أخصائية الأبحاث المخبرية تدور حول الأرض وتجري تجاربها على الخلايا الجذعية، أدركت أنها تحمل ليس فقط أحلام العالم العربي، بل وأحلام نسائه على وجه الخصوص. تقول: «عندما علمت جدتي بأني ذاهبة إلى الفضاء، أهدتني تذكارًا عبارة عن قرطين عمرهما يتجاوز 60 عامًا».
وحين انطلقت رائدة الفضاء السعودية في رحلتها إلى محطة الفضاء الدولية، كانت من بين رواد الفضاء العرب الثلاثة الذين سافروا إليها، بجانب مواطنها السعودي علي القرني والإماراتي سلطان النيادي.
والآن، انضمت ريانة إلى قائمة متزايدة من النساء اللواتي صعدن إلى الفضاء. ويُذكر أن رائدة الفضاء سارة صبري كانت أول امرأة عربية وإفريقية ومصرية تحقق هذا الإنجاز. ففي أغسطس عام 2022، اختارتها منظمة «فضاء من أجل الإنسانية» للانطلاق في مهمة لتجربة تأثير النظرة العامة (مشاهدة الأرض من الفضاء). وتقول إنه بخلاف التحديات البدنية والنفسية للتدريبات وإدراك أن كل مهمة قد تهدد الحياة، كان من أكبر العقبات التي واجهتها التغلب على المعتقدات المقيدة للنساء التي غالبًا ما تعرقلهن. توضح: «نشأت في مصر حيث ينهاك الناس كلما حاولت عمل شيء يعتبرونه ’غير معتاد‘. ويقولون لك إنك تضيعين وقتك أو إنك لا تنتمين إلى هذا الجانب من العالم. يخبرونك بأنك لن تتمتعي بالكفاءة أبدًا، وأن الأمر سيكون صعبًا عليك للغاية. كان هذا ما يُقال لي طوال حياتي. ولو كنت رجلاً، لما سمعت مطلقًا مثل هذه الأقاويل». ولم يثبط ذلك من عزمها، بل استغلت هذه المواقف في تحفيز نفسها وتوظيف شغفها بالفضاء لإحداث فرق للإنسانية. «هذا ما يحفزني ويحثني على القيام بالمزيد. يمكنك أن تختاري إما السماح للصعاب بالتغلب عليك وإيقافك، أو الاستفادة منها واستيعابها وجعلها تدفعك إلى الأمام لتشكيل هذه الطاقة والحماس والاعتقاد بأنك اليوم ستحققين أفضل من ذي قبل». وتقول سارة إن مشاهدة الأرض من الفضاء غيرت بشدة نظرتها للإنسانية: إن فرصنا في الحياة تفرضها جوازات سفرنا. وعندما تشاهدين الأرض من الفضاء، يتغير كل ذلك وتدركين أننا جميعًا سواسية وأن البشر مترابطون. لقد شجعني ذلك على تيسير سبيل الفضاء أكثر أمام الجميع».
وهناك امرأة أخرى تقود طريق النساء العربيات إلى الفضاء وهي لمى العريمان، الشابة البالغة من العمر 24 عامًا والتي شاركت في تأسيس أول شركة كويتية لاستكشاف وأبحاث الفضاء. وتعقيبًا على أهمية النساء في الفضاء، تقول لمى: «بالعودة إلى تراثنا نجد أن أسماء النجوم عربية، وأن أصول علوم الفلك والفضاء لم تنشأ فقط في العالم العربي، بل إن العرب، بمن فيهم النساء، أضاءوا سماوات العلم والمعرفة بينما كان الغرب غارقًا في العصور المظلمة». ومثال على ذلك العجلية بنت العجلي، المعروفة باسم مريم الأسطرلابية، التي صنعت آلة الأسطرلاب في القرن العاشر وكانت تعمل لدى أول أمير لحلب في شمال سوريا. وفي عام 1990، أطلق عالم الفلك الأمريكي هنري هولت على كويكب الحزام الرئيسي 7060 اسم «العجلية» تكريمًا لها.
وبالإضافة إلى التراث، تذكر لمى -العالمة الحائزة على جوائز والتي عملت على مهام فضائية كان آخرها العام الماضي- أنها تعرضت للتمييز العنصري من زملائها الذين كان أغلبهم رجالاً أوروبيين من ذوي البشرة البيضاء. تقول: «كنت في معسكرات فضائية لإجراء تجارب وبناء عربة استكشافية جوالة. وكان الرجال يدخلون غرفتي دون استئذان ليروا كيف أبدو بدون حجاب، لأنهم لم يكونوا يصدقون أنني أستطيع السفر إلى الفضاء بالحجاب. وأحيانًا، كانوا يسألونني بفتور بينما كنت أجلس على طاولة الغداء عن ما إذا كان لديّ قنبلة. كانوا يقولون إنني أعمل في مجال الفضاء لأتمكن من الوصول إلى الصواريخ بسهولة، وهو ما ينطوي على تلميح بأنني إرهابية. أو ربما يقولون: ’أنت امرأة عربية، وبالطبع يقف خلفك رجل يدفع لك من أجل أن تكوني هنا‘، غير معترفين بأنني جديرة بهذا المكان». وتؤكد على أهمية الاعتراف بأن وجود النساء في مجال الفضاء يمثل ذروة العلم والتكنولوجيا. تقول: «إن من يقع عليهم الاختيار للعمل في هذا المجال يمتلكون أعلى المؤهلات للمشاركة في عمل بهذا المستوى. وعندما ترون نساءً عربيات يعملن في مجال الفضاء، فاعلموا أنهن استثنائيات فيما يقمن به. ويمكن القول إنه منذ دخول النساء العربيات مجال الفضاء، تضاءلت فرصة حدوث مثل هذه المواقف».
ومن بين هؤلاء النساء اللواتي حطمن الحدود في مجال استكشاف الفضاء معالي سارة الأميري، وزيرة دولة للتعليم العام والتكنولوجيا المتقدمة بالإمارات، ورئيس مجلس إدارة وكالة الإمارات للفضاء، ونائب مدير مشروع بعثة الإمارات للمريخ، وهي بعثة طويلة الأمد وغير مأهولة لاستكشاف الكوكب الأحمر. وعن الفترة التي سبقت إطلاق مسبار الأمل إلى المريخ، تقول معالي سارة: «كانت أهم اللحظات على مدار رحلتي هي تلك التي قلت فيها نعم للفرص التي بدت منافية للمنطق في وقت ما في الماضي. لقد تجرأت على قبول العمل في بعثة
الإمارات لاستكشاف المريخ، والتحوّل من العمل كمهندسة إلى البدء في تكوين فريق علمي في مجال الفضاء، وهو مجال لا أملك معرفة واسعة به.
كنت على علم بالنظم الفضائية، ولكني لم أكن أعرف الكثير عن كيفية تصميم وتطوير مثل هذه البعثة. كنت أعلم فقط بالمخاطرة المرتبطة بها، علمًا بأن مسبار الأمل تم تطويره في غضون ست سنوات فقط بميزانية محدودة للغاية، علاوة على علمنا عندما بدأنا بأن نصف هذه البعثات فقط كُتِب له النجاح». ومع ذلك، ويوم 9 فبراير 2021، قفزت الإمارات إلى مركز الصدارة في مجال استكشاف الفضاء بإطلاق مسبار الأمل في مهمة مدارية لاستكشاف المريخ، لتصبح بذلك خامس دولة تصل إلى الكوكب الأحمر، وثاني دولة تقوم بذلك في رحلتها الأولى. ولم تكن بعثة مسبار الأمل طموحة من حيث نطاقها فحسب، بل أيضًا من حيث تمثيل الجنسين، حيث كان 80٪ من فريق معالي سارة من النساء، وهي نسبة كبيرة واستثنائية في مجال استكشاف الفضاء.
تقول لمى: «ما من بلد في العالم إلا وتعاني فيه النساء من التمييز على أساس الجنس بطريقة أو بأخرى، ولكن يكمن الفرق هنا في أننا نواجه هذا الأمر»، وتردف: «لدينا نساء قويات وحركات نسوية تعمل على تغيير كل شيء. ولعل أكبر دليل على ذلك تحوّل السعودية من حظر قيادة النساء للسيارات إلى دخول النساء مجال الفضاء في غضون خمس سنوات. أخبريني عن بلدك. هل أرسل بلدك النساء إلى الفضاء؟ على الأرجح لا لأن 10 بلاد فقط فعلت ذلك». وتوافقها الرأي سارة قائلة: «ما يفيد في هذا الشأن أن تشغل المزيد من النساء مثل هذه الوظائف. فكلما زاد عدد النساء لدينا، زاد عدد الرجال المؤيدين لنا، واستطعنا التخلص من تلك الفكرة القائلة بأن النساء لا يستطعن، أو لا يجدر بهن، تحقيق ذلك». وبينما كانت ريانة تودع محطة الفضاء الدولية بمشاعر فياضة بعد مهمتها التي استمرت ثمانية أيام، صرّحت: «ما هذه إلا بداية عصر جديد لبلدنا ومنطقتنا». فالمرأة العربية موجودة هنا لإعادة تعيين حدود الممكن، وتمضي قدمًا في هذا الطريق بسرعة الضوء.
الموضوع نشر للمرة الأولى على صفحات عدد يونيو ويوليو من المجلة