تابعوا ڤوغ العربية

تعرفي على مواهب سعودية شابة من المبدعين وراء ازدهار المشهد الثقافي

فرقة «سيرة» تصوير HAYAT OSAMAH

من الرياض إلى جدة، يبرهن شباب المبدعين في شتى أنحاء المملكة على ازدهار المشهد الثقافي وثرائه بالفن والسينما والموسيقى والتصميم

على مدى السنوات القليلة الماضية، شهدت المملكة العربية السعودية نهضة إبداعية كبرى. وبدءًا من افتتاح أول دار سينما عام 2018، بعد حظر دام لمدة 35 عامًا، مرورًا بإقامة حفل تاريخي ضخم في الصحراء ووصولاً إلى تنظيم عدة معارض فنية كل عام، تشهد الساحة الإبداعية ازدهارًا منقطع النظير في المملكة. والفضل في هذا المشهد العصري والمزدهر يعود ليس فقط للحكومة التي تتفهم أهمية الثقافة والترفيه، بل أيضًا لجيل من الشباب يكرّس نفسه لتخطي حواجز الإبداع كل يوم.

وما يحفّز هؤلاء الشباب في جميع أنحاء المملكة هو صناعة تقدم للمواهب المحلية ما هو أكثر من مجرد الدعم؛ فالأمل في مستقبل يحتفي بمواهبهم هو ما أتاح لهؤلاء المبدعين الشباب فرصة التركيز ليس على شغفهم فحسب، بل أيضًا على الاستلهام مما تشهده المملكة من تطوّر مستمر بما يتناغم مع ملامح العصر وفي الوقت نفسه يحتفي بثقافة البلاد وتراثها.

فرقة «سيرة» تصوير HAYAT OSAMAH

فرقة «سيرة»

في الرياض، تتجاوز فرقةٌ نسائية بكامل أفرادها حدودَ عالم الموسيقى السعودي بكل جرأة. وتعمل «سيرة» (واسمها مأخوذ من الكلمة العربية المعروفة) على تحطيم الحواجز منذ تشكيلها عام 2022 – ولن نرى كل يوم فرقة نسائية سعودية تصنع مزيجًا من موسيقى الروك تبهج النفوس وتتخطى أنواع الموسيقى باللغتين العربية والإنجليزية.

وبوحي من الموسيقى الشرق أوسطية والعالمية، طوّرت الفرقة مذاقًا موسيقيًا في غاية التميّز سمح لها بالظهور لأول مرة في حفل شهد ازدحامًا شديدًا من الجمهور أقيم يوم 4 مايو 2023 في «ذا ويرهاوس» بحي جاكس في الرياض. وترى عضوات الفرقة: نورة جيه، وميش، وثينغ، وهياهواسكا أن الأمور ستتحسن من الآن فصاعدًا بفضل المجال الإبداعي المزدهر وشغفهن بالموسيقى. وتعلّق عازفة الدرامز ثينغ قائلة: «ساحة الموسيقى المحلية في السعودية عامةً والرياض خاصةً تنمو بسرعة، وهي زاخرة بالفرص للموسيقيين الجادين الراغبين حقًا في الانطلاق».

وفي حين تتعجب عازفة الغيتار هياهواسكا من كم المواهب «المحيِّرة للعقول» في المملكة، فإن أكثر ما يدهشها حقًا هو «تقدير الناس العميق لكل شيء صغير هنا لأنه جديد تمامًا». وبعيدًا عن الموسيقى التجريبية للرباعي، فهن أيضًا دليل على أن هذه الصناعة الفتيّة مستعدة لتقبّل الموسيقيات اللواتي تضمهن الفرقة والمواهب التي يقدمنها. وتتركنا المطربة الأولى، نورة جيه، مع مبدأ توجيهي أساسي للفرقة، حيث تقول: «أود فقط إضافة نقطة مهمة للغاية، فبغض النظر عن مدى تقدم الفنانين، يجب ألّا يفقدوا الصلة أبدًا بثقافتهم».

تصوير HAYAT OSAMAH

عبد الله الجهضمي

يستعد عبد الله الجهضمي استعدادًا تامًا لقيادة الساحة الإبداعية السعودية. وفي حين يعترف بالتحوّل الكبير الذي حدث في السنوات الأخيرة بفضل المجتمعات التي تحترم الفن والثقافة وتقدرهما، ما يزال هناك كثير يتعيّن عمله، وخاصة في مجال التعليم الجيّد. يؤكد: «أحد واجباتي كفنان هو دعم المجتمع ومشاركة ونشر الوعي والفهم بالمجتمعات الإبداعية».

والفلسفة الأخرى التي وجّهت الفنان كانت رغبته في التعليق على التصوير النمطي المحدود للشرق الأوسط في الأرشيفات الغربية. يقول: «بدأت إنشاء أرشيفي الخاص، محاولاً تقديم تاريخ مصطنع. وأضفت إليه السخرية وعناصر المرح. ويدعو هذا النهج جيل الشباب لبدء حوار عالمي أكثر إنسانيةً عن ما هو حقيقي وغير حقيقي». وتشمل إبداعات الفنان عملاً بعنوان «الجيداي الأخير» (2013)، وفيه قام بتعديل صورة شخصية يودا المأخوذة من «حرب النجوم» وجعله بجوار الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود أثناء توقيعه على ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، وعملاً آخر بعنوان «كابتن أمريكا واللاجئون» في عام 2013. وهناك مشروع حديث مستوحى من الرسوم المتحركة القديمة بعنوان «حنين اصطناعي» يعيد المُشاهِد إلى السياق الذي تعرّف فيه على هذه الأدوات لأول مرة في عالم دمرته الحروب، متسائلاً عن حقيقة التجاوب مع الحنين للماضي».

تصوير HAYAT OSAMAH

عائشة المامي

رغم أن عائشة المامي عاشت في أنحاء أوروبا وسافرت حول العالم، فإنها حين فكرت في تأسيس وكالتها للعلاقات العامة والاستشارات «Basamat»، أدركت أنها يجب أن تكون في السعودية. وعن ذلك تقول: «السعودية تشهد ازدهارًا كبيرًا! هناك مواهب كثيرة ونمو في البلاد، والجميع يريد المجيء إلى هنا. إنه حقًا وقت مثير، ويسعدني أن أشارك في هذه الأجواء الجديدة».

ويعتري رائدة الأعمال السعودية النشيطة شغف عميق بالإبداع والأمور الراقية في الحياة – الموضة والموسيقى والسفر ونمط الحياة، وغيرها. لذلك، عندما عادت بعد دراستها للموضة وريادة الأعمال في «معهد مارانغوني» والجامعة الأمريكية في باريس، كانت موقنة تمامًا من رسالتها في الحياة، ألا وهي: الاحتفال بالناس والإبداع في قطاع الرفاهية.

«أود أن أقول، أولاً وقبل أي شيء، إنني حلقة وصل – فأنا أجمع العلامات والناس معًا، وأساعد في إضفاء المرح على حياة الناس». وترى عائشة أن المجال الإبداعي يتمحور حول المجتمع والاحتفال بهذه المشاعر المشتركة معًا، من حفلات الكوكتيل الرائعة لـ«شوميه» إلى إنتاج جلسات التصوير للموضوعات التحريرية وموضوعات ڤوغ العربية. إن هذه اللحظات والذكريات العظيمة هي ما يميّز تطوّر الثقافة والفنون في المملكة، ويرسّخ لفكرة أن «السعودية في طريقها لأن تصبح مركز العالم».

تصوير HAYAT OSAMAH

مُلهَم

يقول فنان البوب السعودي المستقل مُلهَم وهو يتحدث عن النهضة الإبداعية التي تشهدها المملكة: «هذا وقتنا. ثمة ثروة إبداعية في السعودية – في الموسيقى، وأيضًا في مجالات أخرى مثل السينما والتلفزيون والرسم وغير ذلك”. ويعود الفضل في نجاح هذا الفنان إلى التنوع في طبيعته، والذي بات واضحًا بشكل متزايد في السعودية، وكذلك إلى رغبته في تبنّي المستقبل وفي الوقت نفسه احترام التراث والثقافة. ويستلهم مُلهَم موسيقاه من أي مكان – من قصص حياته، وثقافته، والأهم من ذلك كله من الناس. وفي نهاية المطاف، يتمثل الهدف الأساسي للفنان الشاب في أن تكون ألحانه التي تأسر كل من يسمعها وكلماته المنظومة ببراعة مصدرًا لإلهام المجتمع لتقبّل أنفسهم على طبيعتها وحبّها والتعبير عنها. إنه إنجاز استطاع بكل تأكيد تحقيقه بسهولة بمزجه بين الشرق والغرب، ما يعكس الصعوبات التي واجهته خلال نشأته بين السعودية وكندا والولايات المتحدة. ويطلق مُلهَم على صوته المميّز، حيث ينتقل بين اللغتين العربية والإنجليزية، مصطلح A-Pop (اختصارًا للبوب العربي). وتعد أغنية «خيالي»، التي يمكن القول إنها أشهر أغانيه، خير مثال على أن مُلهَم فنان حقيقي – ولكنها، علاوة على ذلك تبرهن على التغيير الذي تشهده المملكة. وقد حققت الأغنية نجاحًا فوريًا بعد أن انتشرت على نطاق واسع على «تيك توك»، ولاقت رواجًا كبيرًا على منصات البث الآسيوية. يقول: «يمكنكم أن تستشعروا هذا التحوّل في الطاقة الإبداعية. ويمكنكم أن تلمسوه أكثر – على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الشوارع، وفي حي جاكس، وفي حي جميل. ونحن كدولة نمثّل قوة إبداعية تطلق العنان لأجنحتها [لتحلِّق عاليًا]».

تصوير HAYAT OSAMAH

سلمى مراد

يعتري المخرجة والموسيقية العصامية سلمى مراد حماسة شديدة حيال تغيُّر المشهد في بلدها. ومع ذلك، فإنها تصر على أن «المشهد الإبداعي كان موجودًا دائمًا، ولكن أصبح لدينا الآن المنصة المناسبة لعرضه». وُلِدَت سلمى وترعرعت في جدة، وبدأت مشوارها الفني عام 2009، حيث انطلقت في رحلة قادتها في النهاية إلى «لا فيميس باريس» -أرقى مؤسسة تعليمية سينمائية في فرنسا– علاوة على اكتسابها الثقة في قدرتها على إبداع فيلم قصير.

وبعد ثلاث سنوات، فاز فيلم «كبريت» -وهو عمل سيكودرامي ينتمي للحركة التعبيرية الألمانية، وتدور أحداثه حول شاب يعيش صراعًا بين مشاعره وذكرياته- بجائزة الفيلم الأول في مهرجان أفلام السعودية، كما رُشِّحَ لجائزة أفضل فيلم. وإلى جانب نجاحها على المستوى الشخصي، شهدت سلمى أيضًا صعود زملائها من صنّاع الأفلام والأصدقاء على مستوى الصناعة؛ فقد ارتقى أقرانها، الذين كانوا ذات يوم يقدمون محتوى على «يوتيوب»، إلى الظهور على شاشات السينما، وصار المعجبون يوقفونهم في الشارع من أجل الحصول على توقيعاتهم، وهي ظاهرة تشعرها ببهجة كبيرة.

«أخيرًا، أصبحت أحلامنا حقيقة، وحافزنا الآن هو الاهتمام والدعم اللذين طالما حلمنا بهما. لقد كانت رحلة مثمرة حقًا، والشيء الجميل فيها أنها مجرد البداية بالنسبة لنا. وستعرف الأجيال المقبلة من الشباب أنه من الممكن تحقيق مثل هذه الأحلام – عليهم فقط التركيز على سُبُل الارتقاء بمستواهم».

تصوير HAYAT OSAMAH

مريم رافي وسيف التركي

ربما يدير كثيرون وجوههم ويعمدون إلى السير في اتجاه مغاير إذا ما رأوا شخصًا يرتدي نفس زيّهم، ولكن عندما التقت مريم رافي بسيف التركي في أحد التجمعات، ما كان منهما إلا أن فعلا العكس تمامًا؛ فبعد أيام قليلة، كان الشاب والفتاة السعوديان يتحدثان عن أحلامهما وطموحاتهما فيما كانا يتناولان شعيرية النودلز ويتعجبان من توافق طاقتهما الإبداعية تمامًا.

لقد كانت مسألة وقت فقط قبل أن يبدأ الشابان تأسيس علامتهما للأزياء بينما لم يكن في حوزتهما سوى 500 ريال سعودي أو أكثر قليلاً. وتصف مريم فلسفة GumNpl القوية بأنها علامة «صنعها الناس من أجل الناس». وبالنسبة لها ولسيف التركي، لم يكن الفن والتصميم أول مسار يسلكانه؛ فبينما كان التركي يكرّس وقته للرياضة واللياقة البدنية -فهو أول مراهق سعودي يعبر خط النهاية في سباق «آيرون مان»– كانت مريم تستكشف فن الطهي. ولكن في مرحلة ما على طول الطريق، اكتشفا شغفهما بسرد
القصص عبر التصميم.

وقد لعبت العلاقات المجتمعية دورًا جوهريًا في هذه الرحلة؛ إذ كان ليوسف رافي -الشقيق الراحل لمريم والصديق الأقرب لسيف- حضور بارز بالنسبة للثنائي، ولا يزال يحفزهما حتى بعد وفاته. «كان له الفضل في أننا ما زلنا نقدم ما نقدمه اليوم». ويبرهن مرشداهما، وهما: فروب وموسو من Creative Squid وCRKD GURU، أيضًا على وجود صناعة أكثر استعدادًا لدعم الفنانين الشباب. ولكن الأهم من ذلك كله هو جدّة نفسها، مدينة. «جدّة هي بالتأكيد بوتقة الثقافات، فهي مدينة ساحلية بها عديد من المجتمعات الصغيرة، وقد أثرت بالتأكيد على أسلوبنا الفني»، على حد وصف مريم التي تردف: «نشأنا ومن حولنا أشخاص قادمون من دول مختلفة. سيف سعودي/أيرلندي، بينما أنا من شمال إفريقيا/السعودية/جنوب آسيا. لقد استمدينا إلهامنا من الهندسة المعمارية لمدينة جدّة القديمة ومن سكّانها وشواطئها. وتدور تصاميمنا حول القصص الحقيقية والأشخاص المثيرين للاهتمام الذين نلتقي بهم على مدار حياتنا».

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع