تابعوا ڤوغ العربية

هكذا تعاملت سلامة محمد مع البلاء وحولت البهاق إلى زينة والتوحد إلى نعمة

سلامة محمد مع ابنيها عبد الله وخليفة. تصوير أنكيتا شاندرا لصالح عدد شهر يوليو أغسطس من ڤوغ العربيّة

تميزت الإماراتية سلامة محمد، الزوجة والمؤثرة والأم، عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبر تعاطيها المختلف مع البلاء فحولت البهاق إلى “زينة” والتوحد إلى “نعمة”.

“تزوجت منذ 12 عاماً أنجبت طفلين، خليفة (10 سنوات) وعبدالله (7 سنوات)، أعيش في إمارة أبو ظبي وأسافر كثيراً. المميز في عائلتي هو البهاق الذي أعانيه والتوحد الذي يعانيه ابني عبدالله. كان البهاق مصدر قوةٍ لي لا ضعف، فقد أغلقت أذناي عن التعليقات الساخرة التي كنت أسمعها أينما حللت. تعلمت أن أتقبل نفسي وأن أحبها حتى تحولت إلى مصدر إلهام؛ وهذا ما ألمسه من خلال رسائل تردني من أشخاص يخبرونني أنهم استمدوا مني القوة ليخرجوا من دون مساحيق تغطي فارق اللون في بشرتهم أو بملابس تكشف حالتهم. 

وأعتقد أن هذه القوة ساعدتني أيضاً لأتعامل مع “توحد” ابني. قد يُصاب المرء بالهلع عند سماع كلمة توحد، فقد ساد الاعتقاد بأن التوحد مرض يسلب المصاب به أو الأشخاص المحيطين به فرصة التمتع بحياة طبيعية. تجربتي أثبتت لي أن هذا الاعتقاد خاطئ جداً. فحياتي عادية تشبه حياة أي امرأة أخرى لها عمل تهتم به وأسرة تتابع شؤونها والتغيرات التي تطرأ يومياً على حياة أطفالها وتحرص على دعمهم وتوجيههم. 

اكتشفت حالة ابني حين لاحظت اختلافاً بسيطاً بين ابني عبدالله وبقية الأطفال، فقد بلغ عامه الثاني وهو غارق في حالة ملائكية شديدة الهدوء. سنتان مرتا لم أسمع خلالهما صوته حتى ليقول كلمة “ماما”. تواصلنا كان من خلال العينين والإشارات، أنظر إلى عينيه أو أتابع حركاته فأفهم ما يريد. لا أخفي أن الأمر أربكني فقصدت أخصائية علاج وظيفي فأدركت أنني أمام طفلٍ يعاني التوحد ومشاكل في النطق. تعاملت مع الأمر بهدوء والتزمنا بثلاث جلسات أسبوعياً على مدى عامٍ تقريباً. صبر طويل أوصلني إلى يوم محال نسيانه، وهو ذلك اليوم الذي سمعت فيه عبدالله ينطق للمرة الأولى كلمة “ماما”.. لحظة انتظرتها طوال سنوات ثلاث. فرحتي اختلطت بدموع لا أذكر أنني ذرفت مثلها في حياتي. 

حالة التوحد في عائلتي لم تسبب لنا أي عائق، على العكس من ذلك، نسافر، نخرج، نقصد المدرسة، نعمل… على غرار أي أسرة أخرى، نستيقظ مبكراً لنحضر الأولاد للمدرسة، ثم ننصرف، زوجي خالد وأنا، إلى أعمالنا بانتظار عودة الأطفال من المدرسة. ما إن يدخل الأولاد المنزل ظهراً حتى تنقلب الأدوار إذ يستلمان دفة قيادة ما تبقى من يومنا فيصبح القرار الأول والأخير لهما، يقرران النشاطات التي سنمارسها، يختاران الفيلم الذي سنتابعه والمركز التجاري الذي سنقصده، إلخ. 

التوحد لم يمنعنا كذلك عن السفر، لا أذكر أنني امتنعت عن زيارة بلدٍ ما فقط لأن ابني يعاني التوحد، على العكس نسافر كثيراً ونحرص على الدوام على زيارة الأصدقاء في كاليفورنيا معتمدين على فهمنا العميق لطبيعة طفلنا ولاحتياجاته. لا يكلفنا الأمر أكثر من إعداد وجباته المفضلة وحيواناته الحبيبة قبل كلّ رحلة. لا شكّ أن السفر يطرح أحياناً بعض التحديات التي يفرضها مزاجه، فقد يرفض أحياناً أن يلزم مقعده على متن الطائرة فيغادره طلباً للمزيد من الوجبات اللذيذة أو رغبة منه في التجول بين المسافرين ليلقي التحية علماً أن البعض قد لا يكون دائماً مستعداً للتعامل مع طفلٍ غريب. 

مع عبدالله الحياة سهلة وممتعة طالما أننا نحافظ على روتين اعتاد عليه، لا مكان للمفاجآت في قاموس عبدلله لذلك للأولاد دور أساسي في اتخاذ القرار الأول والأخير عند وضع الخطط والمشاريع. 

في الحقيقة، التوحد شكل نعمة في حياتنا وليس نقمة. فعبدالله المصاب بالتوحد علمني أن أعيش اللحظة إلى أقصى حد. أدركت أن لا جدوى من التفكير بالأمس أو بالغد. المهم هو الحاضر، والحاضر فقط. علمني عبد الله أيضاً أن لا ضرورة للتفريق بينه وبين أخيه. صفات الصدق والبراءة التي ميزته والتي نفتقدها لدى الأشخاص العاديين دفعتني لأعامله تماماً كما أعامل خليفة، أي كطفلي الذي أفرح لفرحه وأشاركه الحزن وأتفهم غضبه وأحاول تهدئته.

طبعاً لم تكن الأمور بهذه السهولة منذ البداية. فمشاكل النطق التي يعانيها عبدالله منعته من التعبير عن مشاعره إلا أن الأمر تغيّر كثيراً بعد أن قصد مدرسة الكرامة للتوحد. صدقاً أبلت إمارة دبي عملاً عظيماً حين اتخذت بعض الإجراءات التي أظهرت احترامها الشديد لفئة معينة من الناس، اجراءات بدأتها باستبدال “ذوي الاحتياجات الخاصة” بـ”أصحاب الهمم”؛ وأكملتها بنشر الوعي حول طبيعة هؤلاء الأشخاص وأتاحت لهم الفرصة للمشاركة في الألعاب الأولمبية مؤمنة لهم كلّ ما يحتاجون إليه من خدمات وتسهيلات تجعل مشاركتهم فعالة؛ وأتمتها بافتتاح السيدة سارة مسلم مدرسة الكرامة للتوحد، وهي المدرسة الأولى من نوعها في العالم، فهي ليست مستشفى أو مركز علاجي يتعامل مع أطفال التوحد كمرضى، إنما مدرسة بكلّ ما للكلمة من معنى يقصدها أطفال التوحد ليتعلموا ويتثقفوا أسوةً بغيرهم من الأطفال الطبيعيين. 

انضمام عبدالله إلى هذه المدرسة أحدث فارقاً كبيراً، فبعد أسبوعين فقط، أضحى أكثر قدرة على محادثتي. تفاجأت ذات يومٍ حين طلب مني في السيارة أن نقصد السوبرماركت، سألته يومها عن السبب في محاولة لمتابعة الحديث معه غير آملة أن يقدم لي جواباً إلا أنه تابع قائلاً إنه يرغب بشراء بعض الحيوانات. كانت صدمة إيجابية جداً في حينها. اليوم باستطاعة عبدالله أن يعبّر عن مشاعره وأن يشرح أسبابها. أسمعه يطلب الوجبات التي يحبها ويصف الحيوانات التي يعشقها، أسمعه أيضاً يتحدث مع أخيه خليفة الذي يجد فيه المثال الأعلى.

وخليفة حكاية أخرى! أشكر الله أن خليفة طفل واعٍ، صحيح أنه لم يفهم بعد حقيقة حالة أخيه، إلا أنه يدرك أنه يعاني حالة تتطلب علاجاً لم يتوانى يوماً رغم صغر سنه عن اتباع تعليماته عند التعامل مع أخيه. هذا الوعي ساهم في توطيد العلاقة بين طفلاي، هما صديقان مقربان يكادان لا يفترقان، يلعبان معاً، يأكلان معاً… عبدالله لا ينام بغياب خليفة ولا يستمتع بأي نشاط إن لم يشاركه فيه.

باختصار أنا أم محظوظة بهذين الطفلين، وقد ساهمت بعض الظروف في زيادة جرعة الحظ هذه، أولها زوجي خالد فهو خير السند والمعين والداعم، يشاركني كلّ تفاصيل الاهتمام بطفلينا من أبسطها وحتى أدقها. أما ثانيها فهو تواجدي ضمن مجتمع واعٍ كمجتمع أبوظبي وثالثها هو انتمائي إلى مجتمع افتراضي، وأقصد به الإنستغرام، حيث كوّنت أسرة ساعدتني أكثر مما ساعدتها، تعرّفت على أمهات لأطفال مصابين بالتوحد شاركنني تجاربهن وقدّمن لي النصائح وتبادلنا معاً الأساليب التي من شأنها أن تسهل علينا الحياة مع أطفالنا وتعاونا لنغيّر من نظرة الآخرين إلى التوحد. وقد أثبت لي مجتمع الإنستغرام أن الناس متعطشين للثقافة والاطلاع، يطرحون الأسئلة ليتعلموا وليفهموا الآخر ويتقبلوه على ما هو عليه. 

تجربتي مع البهاق والتوحد علمتني أن أتسلح بالإيجابية من خلال الصبر والأمل، حولتني إلى امرأة قوية، قوية جداً، وجعلت من طفلاي في عيني ملائكة أشكر الله يومياً أن خصنا، زوجي وأنا، بهما.”

تعرّفوا إلى المصممة المصريّة التي أبدعت إطلالة النجمة جينيفر لوبيز في أولى حفلاتها في مصر

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع