خلال مهرجان الجونة السينمائي جمعنا بالنجمة المصرية يسرا اللوزي حديث عن البدايات القوية وحاضر السينما المصرية
نشر هذا اللقاء داخل عدد شهر نوفمبر 2018 من ڤوغ العربيّة
الشمس حارقة. تتلألأ عينا يسرا اللوزي وهي تركّز نظرها على عدسة الكاميرا. «يجب أن أنظر إلى العدسة. لكنني في المشهد التمثيلي أنسى الكاميرا. منذ زمن لم أمض ساعات في جلسة تصوير. هي تجربة مشوّقة أن أتحوّل عارضة أزياء». هذا ما استهلّت به الممثل المصرية حديثها خلال لقاء جمعنا بها فوق رمال الجونة وبين خيل اسطبلات «حبيبة» في المدينة المصرية المثالية. لقد تسنّى لنا أن نخطف ساعات من يوم الممثلة الحائزة جوائز سينمائية((عـن دوريها فـي «هليوبوليـس» و«قبلات مسروقة») خلال برنامج حافل حملها إلى مهرجان الجونة السينمائي قبل أن تطير إلى المهرجان الدولي لفيلم المرأة في سلا في المغرب للمشاركة في لجنة التحكيم. «يُفترض ان أصوّب نظري إلى عدسة الكاميرا وأمدّ الصورة بالتعابير التي توحي أحاسيس معينة. هو أداء من نوع آخر». تكمل اللوزي التي تعرف الجونة جيداً. “كانت إحدى صديقات أمي تمتلك منزلاً هنا. نتردّد على الجونة منذ عشرين سنة، مذ كانت مشروعاً صغيراً. أقصدها الآن مرتين في العام، خارج إطار المهرجان السينمائي، وذلك للقاء الأصدقاء. من المهم أن تمتدّ الحياة الثقافية إلى خارج القاهرة. المركزية الثقافية لا تفيدنا، وحدث كمهرجان الجونة يستفيد منه أهل البحر الأحمر. وقد لاحظت خلال الدورة الأولى الماضية أن معظم سكّان الغردقة لا تتسنّى لهم مشاهدة الأفلام. كنت أتمنى أن يوسّع المهرجان نشاطه عبر تخصيص صالات في الغردقة لجمهوره، كي لا يضطر الناس لقصد الجونة لمشاهدة فيلم من أفلام المهرجان».
مقدّمة حديثنا مع اللوزي فرضها وجودنا في الجونة، لكن الحوار حملنا إلى أمور شخصية وتفاصيل انطلاقة النجمة في عالم التمثيل. تروي أنها ولدت لأم سورية وأب من دمياط. “والدي دكتور في الأدب المسرحي، يدرّس في الجامعة الأميركية في القاهرة. لقد أثّر في كلّ مَن نالوا شهادة في المسرح في السنوات الثلاثين الفائتة. وهو أيضاً مخرج وممثل مسرحي، كما خاض تجارب معدودة في السينما والتلفزيون”.
نشأت اللوزي في منزل يقدّر الفن والثقافة، لكن المصادفة قادتها إلى العملاق يوسف شاهين منذ الدور الأول. «تربيتُ في بيت فنّي. في سنّ صغيرة شاهدتُ مسرحيات مع والدي الذي شجعني على دراسة الباليه والعزف على البيانو. هذا التكوين الفني، وهذه المعارف أقنعت يوسف شاهين بأنني مناسبة لدور جنجر في “إسكندرية – نيويورك”، علماً أنني كنت في السادسة عشرة. وقد اختارني شاهين مصادفة. ولم يساعدني والدي لأنه أكاديمي غير منتمٍ إلى الوسط السينمائي. علماً أن العديد من طلابه أصبحوا ممثلين أو مخرجين أو منتجين، بعضهم أيضاً أبدع في عالم الإعلان. أذكر هذه المرحلة من حياتي وكأنها سراب. لم أفكّر في أنني سأصبح ممثلة. ولم أكن دخلتُ الجامعة بعد، بل لم أكن قد اخترت التخصص الجامعي الذي أميل إليه. عندما جاءت فرصة العمل مع شاهين، شجّعتني والدتي قائلة “دي فرصة مش هتجي تاني”. وكان شاهين قد اقترب من الثمانين. لو مُنعت من المشاركة في الفيلم، كنت سأحمّل أهلي اللوم طوال عمري”.
“لا شكّ أن السينما المصرية شهدت تراجعاً في الأعوام الأخيرة”
المنتجة ماريان خوري (ابنة اخت شاهين) صديقة أم يسرا اللوزي منذ أيام الدراسة. كان شاهين يبحث عن ممثّلة شابة بمواصفات معينة، منها أن تشبه الممثّلة يسرا (بطلة إسكندرية-نيويورك)، لتعلب دورها في عمر يافع. لكنه لم يجدها. تتذكّر يسرا اللوزي: “كان يريد ممثّلة بين السادسة عشرة والثامنة عشرة تجيد الباليه. المشكلة الكبرى تمثّلت في أن يجد فتاة في هذه السنّ لا يمانع أهلها أن تخوض تجربة التمثيل. حدّثته ماريان عني. زرته في مكتبه، وكان مستعجلاً، فحضنني، ثم حدّثني عن الفيلم في إيجاز. أبلغني انه قد يطلب مني أن أغيّر لون شعري. وسألني إذا كان عندي استعداد ان أقوم بـ”بروفات” كثيرة قبل التصوير. فوافقتُ وخضعتُ لامتحان قبالة الكاميرا. اختبر قدراتي التمثيلية. ثم شاركت أحمد يحيى المشاهد التي كان يصوّرها. مررتُ بنحو خمس مراحل من الاختبارات”.
تروي اللوزي أنها عانت كثيراً خلال التصوير، اذ كانت مجبرة على التوفيق بين المدرسة والاستوديو: “كانت شجاعة من أمي وأبي الموافقة على أن أغيب شهرين عن المدرسة لأصوّر فيلماً. ولا أخفي أنني انهرت بسبب تراكم الضغط والدروس الخصوصية وبروفات الرقص والتمثيل. حدث هذا مبكراً في حياتي ولم يتكرر مذ ذاك. كنت أنهض صباحاً وأبكي. وقد أنقذني دعم العائلة. لن يدرك مَن هم خارج هذا المجال، كم صعب عملنا وكم متعبة مواعيد التصوير. هذه العائلة التي هي السند نضطر أحياناً لإهمالها بسبب العمل. فأنا لا أستطيع أن أترك التصوير للاهتمام بمريض في عائلتي مثلاً…”.
لكن اللوزي كشفت عن شجاعة وحسن تصرّف وتفانٍ حين واجهت محنة ابنتها الصحية. فقد اكتشفت أن ابنتها دليلة فاقدة السمع بعد نحو عام على ولادتها. وبعد خضوع الطفلة لعملية زرع القوقعة تعلّمت يسرا لغة الإشارة لتتواصل مع ابنتها، كما سعت إلى التوعية بأهمية تعاطي الأهل المسؤول مع طفلهم أو طفلتهم فاقدة السمع. دليلة الجميلة التي رافقت أمها إلى جلسة التصوير استمتعت بمراقبة الخيول.
اللوزي تصرّ على أهمية أن نمنح أطفالنا حرية التعبير عمّا يميلون إليه من اختيارات وهوايات وما يحبّونه. “في صغري، كنت أرغب في ان أكون راقصة باليه. في الخامسة، صارحتُ والدي بهذا الموضوع، فقال لي إنني صغيرة على اتخاذ مثل هذا القرار، وأكد لي أن الباليه هواية. بقيت مواظبة على رقص الباليه حتى أُصبتُ قبل سنتين. حتى بعد ولادة ابنتي، واصلتُ الرقص. لذلك، لن أعامل ابنتي على طريقة بعض الأهل الذين يفرضون على أولادهم نشاطات يحبّونها هم. عليّ أن أمنحها خيارات. إذا وجدتها متحمّسة لخيار أدعها تكمل. أنا اقترحتُ عليها الجمباز والباليه، فوجدتها مثلي تحب الباليه. اشتركت في أول عرض لها هذا العام، على رغم ان عمرها ثلاث سنوات ونصف السنة. والآن، هي مهتمة جداً بالخيول، وأتوقع ان تبدأ بالفروسية الشهر المقبل. عندما علمتُ اننا سنصوّر في إسطبل، طلبتُ ان تكون حاضرة”.
شاهدت اللوزي “يوم الدين” لأبي بكر شوقي في مهرجان الجونة وأثّر فيها كثيراً. الحديث عن هذا الفيلم الذي شارك في مسابقة كانّ يحملنا إلى المقارنة بين الإنتاجين السينمائي والتلفزيوني في مصر مؤخراً. “حصلت نقلة نوعية في السنوات الأخيرة. عندما بدأتُ التمثيل، كانت السينما أفضل من التلفزيون. مع بداية العقد الحالي، حدثت طفرة، واتجه السينمائيون إلى التلفزيون مهملين السينما. وبالتالي، ارتفع المستوى العام للتلفزيون. الأفلام حالياً سيناريواتها ضعيفة وتُصنَع باستسهال. طبعاً، ليست كلّها. كلّ عام هناك أربعة أو خمسة أفلام جيدة…”.
رفضت يسرا اللوزي أدواراً كثيرة، لأنها لم تُعجَب بالسيناريو الذي يشكّل لها معياراً مهماً. تقول: “لا يهمّني حجم الدور. “مش بتفرق معاي الحاجات دي خالص”. والدليل علي ذلك هو أن دوري في “هليوبوليس” (نالت عنه جائزة أفضل ممثلة في مهرجان روتردام الدولي ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي) اقتصر على على أربعة أو ستة مشاهد أو. أوافق إذا أعجبني الفيلم وإذا كان الدور جديداً. يعني إذا أتيح لي ان أتعلم منه شيئاً. أقارب الفيلم كقصّة. أحياناً، أحاول ألا أعرف الدور الذي رُشحت له عند مطالعة السيناريو كي أنشغل بالقصة. وإذا رميتُ السيناريو بعد عشرة مشاهد، فهذا يعني أنه لم يجذبني. عادةً، أعرف أنني مهتمة بالنص عندما أبدأ تلاوة الجمل بصوت عال”.
أي عمل بين أعمالها يجعلها تشعر بالفخر؟ بعد تفكير وتسليم بصعوبة السؤال، تردّ: “مسلسل “دهشة” عمل أفتخر به. أديت فيه دور نعمة، وهو مقتبس من مسرحية “الملك لير” لشكسبير، وقد حوّل المسرحية قصة مصرية الكاتب عبد الرحيم كمال. أحببت العمل لأن المخرج شادي الفخراني دقيق، ويولي كلّ التفاصيل أهمية. كما أنه لا يتنازل، ولا يؤثر ضغط الإنتاج في قراراته الفنية. العمل مع يحيى الفخراني باللهجة الصعيدية كان تحدياً كبيراً. تمرنتُ كثيراً قبل التصوير، وكنت حاملاً خلاله. مشاعري في تلك المرحلة كانت متفجّرة “.
لا تفوتوا فرصة لقاء العارضة الشهيرة ناومي كامبل التي تزور دبي هذا الأسبوع
فريق التصوير:
تصفيف الشعر: بيانكا هارتكوف
مكياج: سهى خوري
مسـاعد مصّور: آدم مصطفى
مسـاعدتا تنسيق الأزياء: ديانا حربي، ونور الحاجب
إنتاج: SNAP 14
تم التصوير في اسطبلات حبيبة في الجونة مع سندباد وشهرزاد
HABIBAHORSE.DE