كنت أتبع نظامًا غذائيًا منذ أن كان عمري 11 عامًا. وكفتاة صغيرة هاجرت عائلتها من الشرق الأوسط إلى أستراليا، كنت دائمًا لافتة للنظر، وكنت أتعرض للتنمر باستمرار لكوني “بدينة”. والسمنة، في هذه الحالة، تعني ببساطة أنني لم أكن نحيفة وضئيلة الحجم بطبيعتي مثل بقية الفتيات البيض في صفي. ولطالما شعرت بالحيرة والارتباك لكوني لا أبدو -ولا أستطيع أن أبدو- هكذا.
وعلى الرغم من اختلافي عن الفتيات اللواتي نشأت معهن، كان لدينا جميعًا شيء واحد مشترك – ألا وهو أننا أردنا جميعًا أن نكون أنحف. كنا نعلم أن النحافة تعني أنه سيكون مرغوبًا فينا أكثر، وسُيحتفى بنا أكثر أيضًا. وفي ذلك الوقت، تحديدًا في التسعينيات، كان لا مفر من السخرية من السمنة: حيث كانت ألمع النجمات يتعرضن لانتقادات لاذعة على صفحات الصحف الشعبية بسبب وجود غمازات على أفخاذهن، وكان من قبيل المرح أن تزن فيكتوريا بيكهام نفسها مباشرة على شاشة التلفزيون بعد شهرين من ولادة ابنها الأول بروكلين. ولم تكن لإنجازات النساء أي أهمية حينئذ، وبدأ الأمر وانتهى بمجرد رقم على الميزان.
وفي عام 2022، عندما بدأنا أخيرًا تبنّي مبدأ النظرة الإيجابية للجسم واستيعاب المقاسات [الكبيرة] في الموضة والثقافة الشعبية، بدا الأمر وكأن النساء العربيات غير مدعوات لهذا الاحتفال. وعندما نشرت “ذي إيكونوميست” مقالاً في شهر يوليو من هذا العام بعنوان “لماذا النساء أكثر بدانة من الرجال في العالم العربي”، أثارت موجة غضب عالمية، ولا سيما في الشرق الأوسط. وببساطة، لم يقدم الموضوع أي تحليل، وإنما كشف عن العنصرية المتفشية التي تكمن في السخرية من السمنة. وعلى الرغم من الاستشهاد بحقيقة أن النساء هن بالفعل أكثر بدانة من الرجال في جميع أنحاء العالم، فقد استخدم المقال مجموعة واسعة من المجازات المهينة في شرح أسباب كون النساء في العالم العربي وشمال إفريقيا أكثر عرضة للسمنة. وتضمنت مجموعة القوالب النمطية ما يلي: نقص الوعي الصحي والغذائي، وانعزال المرأة اجتماعيًا واقتصاديًا في العالم العربي، وأن أغطية الرأس “المرهقة” والملابس المحتشمة عادة ما تعوقهن. والأسوأ من ذلك كله هو الاقتراح القائل بأن “بقاء المرأة حبيسة المنزل” يجعلها بدينة القوام.
واستخدمت المجلة صورة الفنانة العراقية المعروفة إيناس طالب، دون علمها أو إذنها، لتوضيح النموذج المثالي للجمال العربي، وعلق الكاتب: “هذا ليس السبيل للصحة الجيدة، ناهيكم عن السعادة”. وفي حوارها الحصري مع ڤوغ العربية، قالت إيناس إنها ترى أن حقوقها قد “انتهكت بهذا المقال الذي أهان النساء العربيات واستهدف النساء العراقيات على وجه الخصوص”، وأضافت أنه “يستند إلى أحكام خاطئة تمامًا تصور المرأة العربية إنسانة نهمة، كما يستخف بوعيها وثقافتها وإسهاماتها. والنساء العربيات من بين الأكثر تعليمًا، ويلتزمن بأعلى معايير الجمال، ما يعكس واحدة من أكثر الثقافات تأثيرًا وعمقًا في العالم”. ومن جانبها، رفعت إيناس دعوى قضائية ضد “ذي إيكونوميست” تتهمها فيها بما وصفته بالتشهير بشخصها، مشيرة إلى أن المقال والصورة المرفقة (التي تقول إنها معدلة ببرنامج الفوتوشوب) كانا السبب وراء تعرضها لهجمات شرسة من المتنمرين. وأعربت أنها تأمل في أن تسهم تلك الدعوى القضائية في تصحيح المفاهيم الخاطئة المدمرة ضد المرأة العربية. وأردفت: “لأني شخصية عامة، من واجبي النهوض بقيم بلدي. وقيمة المرأة تأتي في المقدمة”. وعلى الرغم من مشوارها الفني الطويل واللامع (حيث بدأت التمثيل عام 1996، من عمر 16 عامًا)، تذكر إيناس أن أعظم إنجاز حققته هو كونها أمًا لبنتيها التوأم البالغتين 10 سنوات. تقول: “أنا أم عاملة، ولكني رغم ذلك أصر على إعداد الطعام لابنتيّ قبل ذهابي للعمل كل يوم. أنا آخذ صحتهما وعافيتهما على محمل الجد، ولهذا السبب أتأكد دائمًا من حصولهما على وجبة متوازنة مُعدّة في المنزل”.
وبالنسبة لمجلة “ذي إيكونوميست”، فإن تصريحها بأن النساء العربيات اللواتي لديهن “منحنيات كثيرة” مثل إيناس يمثلن نقيض الصحة والسعادة، هو تصريح ليس مسيئًا فحسب، بل هو تذكير أيضًا بأن جذور ثقافة الحمية الغذائية والسخرية من السمنة متأصلة في تفوق العرق الأبيض والاستعمارية. ومن الناحية التاريخية، اتخذ الجسم المثالي للمرأة الأوروبية طابعًا حسيًا، واشتهر بفضل رسامين مثل الفنان الفلمنكي بيير بول روبنز الذي احتفى بالقوام الأنثوي الممتلئ باعتباره قمة الجمال. وتؤكد الدكتورة سابرينا سترينغز، عالمة الاجتماع والحاصلة على زمالة رئيس [الجامعة] والأستاذة المساعدة في علم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا في إيرڤين ومؤلفة كتاب “الخوف من الجسم الأسود: الأصول العرقية لفوبيا السمنة”، قائلةً إن ازدهار تجارة العبيد أدى إلى ترسيم حدود جديدة للأعراق وفقًا لأنماط المظهر والسلوك المفترض توقعها من الأشخاص المنتمين لأعراق مختلفة. وتضيف: “وبحلول منتصف القرن الثامن عشر، أكد المستعمرون البيض أن الأفارقة، بل والعرب والأتراك، كانوا نهمين بطبيعتهم. وفي المقابل، كان المستعمرون الأوروبيون يمتازون بأن لديهم القدرة على ضبط النفس بصورة عقلانية. وهذا ما جعلهم يعتقدون أنهم العرق الأسمى في العالم. وعلى ذلك، فإنه من حيث حجم الجسم، يجب أن يكونوا نحيفين ويجب أن يراقبوا ما يأكلون. وإذا لم يمارس الإنسان ضبط النفس حيال الطعام، فهذا دليل على أنه من المتوحشين”. وليس من المستغرب إذًا أن كلمة “سمينة”، وهو مصطلح مهين لا يستخدم في وصف النساء الغربيات الممتلئات اليوم، وردت ست مرات في مقال “ذي إيكونوميست”، في تلميح إلى كل شيء بدايةً من الكسل وصولاً إلى المرض.
ولم تُفاجئ عارضة الأزياء التونسية أماني اسيبي بازدواجية المعايير في المقال، حيث تقول: “إن ما فعلوه مع إيناس يعادل التنمر الإلكتروني. والعالم الغربي يؤيد بشدة النظرة الإيجابية للجسم، ولكنهم حصرونا نحن (النساء العربيات) في قالب نمطي مغلوط تمامًا من كثير من النواحي. فنحن (النساء العربيات) أكبر حجمًا لأن أشكالنا، بدايةً، مختلفة. فالنساء العربيات والإفريقيات لديهن أوراك وأفخاذ أكبر من المعتاد؛ فلماذا إذًا يأتون ويخبروننا بأن ذلك أمر غير عادي رغم أنه عادي. وحقيقة أننا في عام 2022 لا نعتبر كل الأجسام طبيعية بكل أشكالها، النحيف والمكتنز والكبير والصغير، تعد بذاتها ضربًا من الجنون”. ومصداقًا لوجهة نظر اسيبي، تؤكد الدكتورة سترينغز أن بعض الأعراق، وخاصة الإفريقية، تميل لأن تكون أكثر صحةً في الأوزان الثقيلة مقارنةً بالسكان من البيض. تقول: “لطالما تعرّض مؤشر كتلة الجسم، وهو الأداة التي تُستخدم لقياس السمنة، للانتقاد مرارًا وتكرارًا من قبل خبراء باعتباره مقياسًا عشوائيًا تمامًا وغير دقيق لقياس معدل الصحة”. ورغم أن مؤشر كتلة الجسم يقيس نسبة وزن الشخص إلى طوله، فإنه لا يأخذ في اعتباره كثافة العظام، والعضل، والتأثيرات الجينية والثقافية على الوزن”.
وبالنسبة لاعتبار أن أغطية الرأس والملابس المحتشمة “تعرقل” ممارسة الرياضة، هناك فئة من البيانات تسهم في الواقع في ديمومة الصورة النمطية التي تفيد بأن المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب لا ينتمين إلى عالم الرياضة. وما يزال العديد من المحجبات حول العالم يناضلن من أجل حقهن في المشاركة، تمامًا مثل اللاعبة ابتهاج محمد الحاصلة على ميدالية أولمبية، والمتزلجة الإماراتية الاستعراضية على الجليد زهرة لاري. ومع ذلك، تم منع البعض كليًا. وتقول إيناس إن “ذي إيكونوميست” عندما استخدمت صورتها واسمها، لم يكن لديهم أدنى فكرة عمن كانوا يتعاملون معها. إن الأمر يدور حول الوقت الذي يدرك فيه العالم أنه ينبغي عدم التقليل من قدر النساء العربيات.
نُشر لأول مرة على صفحات عدد أكتوبر 2022 من ڤوغ العربية.
إقرأي أيضاً: 6 رياضيات رائدات في الألعاب الأولمبية حققن إنجازات مدوّية بأدائهن الاستثنائي في المنافسات الرياضية