تابعوا ڤوغ العربية

تعرفي على أصيل دياب: فنانة الغرافيتي ومصممة الغرافيك والفنانة التشكيلية السودانية

جزء من مشروع غرافيتي الشهداء كانت أصيل قد أطلقته أثناء الثورة السودانية، وهذا هو الشهيد مجدي محجوب. رسمت هذه الجدارية في الخرطوم 2 عام 2020.

أصيل دياب: فنانة غرافيتي ومصممة غرافيك وفنانة تشكيلية سودانية شهيرة، ولدت في رومانيا وتقيم في العاصمة القطرية الدوحة. وهي أول فنانة غرافيتي تبدأ مشوارها الفني من السودان وقطر

لم تكن أصيل تعلم أنّ قدرَها تركُ بصمةٍ على الورق لأنها كانت ستتركها في نهاية المطاف على الجدران. وأصيل فنانة عربية لا تبدع من أجل الشهرة والفن فقط، بل تؤمن بأنّها كغيرها من الفنانين تحمل رسالة سامية؛ إذ دائماً ما تقول: «رسالتي الرئيسية هي استخدام الفن لبناء بيئة أفضل. ولقد استخدمت الغرافيتي كسلاح سلمي لمحاربة كل ما هو قبيح في العالم». وفعلاً، منذ وقفتْ في الشارع لترسم، لم تتوقف الشابة عن الرسم، مستمدةً أفكارها من الموضوعات التي تتحمس لها مثل السياسة والبيئة والهوية.

تخرجت أصيل في جامعة ڤيرجينيا كومنولث عام 2011 في ريتشموند، ڤيرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وحصلت على بكالوريوس الفنون الجميلة في تصميم الغرافيك. وفي الدوحة، تدربت مع «إل سيد» وبفضل هذا التدريب أصبحت ما هي عليه اليوم، لقد كانت في المكان المناسب في الوقت المناسب، وعن هذه الفرصة تقول: «علّمني الأب الروحي بنفسه، إل سيد، كل ما أحتاج إلى معرفته عن الطلاء بالرش وجميع التقنيات التي مهّدت طريقي في هذا الميدان»، وتتابع: «أعلم أنه مصدر إلهام للكثيرين، فهو يسافر حول العالم ويعلّم هذا الشكل الفني الجميل لعدد كبير من الناس الذين ربما لم يروا الرسم على الجدران سوى عمل تخريبي على أقل تقدير».

عام 2021، حازت أصيل على جائزة «10 في أقل من 10» (10 خريجين حققوا إنجازات في أقل من 10 سنوات)، وذلك تقديرًا لإنجازاتها البارزة على مدار مسيرتها المهنية والمجتمعية. وفي أول معرض لها في قطر، من أول يومين بيع 9 من رسوماتها الغرافيتي على القماش من أصل 13 عملاً عرضتها. ومن أشهر أعمال أصيل مشروعها الأخير «غرافيتي الشهداء» حيث سافرت إلى السودان خلال الثورة السودانية (التي اندلعت في ديسمبر 2018) لرسم جداريات للشهداء الذين قُتلوا على أيدي قوات الحكومة. ورسمَت ما لا يقل عن 30 شهيدًا على جدران منازلهم تكريمًا لهم.

رسمة لأقفاص الأسود في حديقة السودان للحياة البرية في الخرطوم عام 2021

وهي إلى جانب ذلك، سفيرة ثقافية فخرية لمتاحف قطر منذ عام 2018 حتى يومنا هذا. وبالإضافة إلى الرسم برذاذ الطلاء على الجدران في السودان وقطر، عُرضت أعمال أصيل الفنية أيضًا في البحرين وألمانيا وبنغلاديش والولايات المتحدة الأمريكية. كما نشرت أعمالها في كتب منها «حرفيون من الشرق الأوسط» و«دريشة».

تشتهر أصيل باسم ’سودالوڤ‘، وعنه تقول: «اسم ’سودالوڤ‘ هو للتعبير عن حبي للسودان وتعريف صوتي للعالم كامرأة سودانية من خلال فني». وهي كفنانة غرافيتي تقول: إن القدرة على التركيز في رسم لوحة عندما يكون الضجيج شديدًا من حولك في الشوارع لهو شهادة قوية ولا سيما بالنسبة لامرأة، وقد شرحت قائلةً: «هذا العمل يمنح إحساسًا بالقوة والهيمنة».

في بداية رحلتها كان مصدر حبّها للفن والإبداع أمرًا محيرًا بالنسبة لبعض أفراد عائلتها وأصدقائها فهي ابنة لأب دبلوماسي وأم طبيبة، كانت دومًا بارعة في الحرف اليدوية وتحب ابتكار أشياء من المقتنيات التي تجمعها، أما اليوم فاختلف الأمر. وعن هذا تقول: «والداي هما أكبر الداعمين لي. تشتري أمي الطلاء البخاخ وتجمعه لي عندما أسافر وترسل إليّ بعضه عندما ينفد مني في السودان. ويساعدني والدي وشقيقتي الصغرى في كتابة ومراجعة النصوص». تفخر أصيل بتمثيل السودان في مشروع غير تقليدي لا سيما في ظل التصورات السائدة حول العرب والإسلام وفي ظلّ السمعة السيئة التي تحوم حول فن الشوارع لا سيما بالنسبة لامرأة تعيش في مجتمع محافظ. تذكر أصيل العداء الذي تعرضت له عندما بدأت رسم الغرافيتي لأول مرة عام 2012 وتذكر التعليقات السلبية التي قرأتها على صفحتها على إنستغرام وعلى أرض الواقع والاتهامات التي طالتها بـ«جلب الثقافة الغربية إلى السودان» التي تطلب من امرأة الوقوف في الشارع والتحدث إلى الغرباء، فكيف الحال إذا كانت غير محجبة وملابسها لا تناسب المجتمع الإسلامي المحافظ. أسهبت أصيل في الحديث عن الصعاب التي واجهتها، فقالت: «حقيقة كوني امرأة أفريقية ومسلمة يضع على عاتقي حملًا كبيرًا ومسؤولية ثقافية كبيرة لدرجة أني أنا نفسي أشعر وكأني أمثّل – من خلال موقفي- الأسبابَ التي تدفعني إلى الإبداع أو الرسم، وحتى اختياري الاستمرار في العودة إلى السودان مع أني لست مضطرة لذلك من الناحية العملية»، وتضيف: «ومع ذلك، فإن نظرة الناس لغيرهم تشبه نظرتهم للفن، وعلى هذا، تختلف نظرة كل شخص للفن عن الآخر. أحيانًا تصل الرسالة، وأحيانًا أخرى تكون مجردة، وأحيانًا لا يحبها الناس. وبالنسبة لي كفنانة، كل هذه العوامل تشكل جزءًا من اللوحة التي تحمل صورتي، لن تنال إعجاب الجميع، وأرى أن الفن أفضل شكل من أشكال التعبير وربما أفضل طريقة للتواصل مع العالم».

إحدى الجداريات الـ23 التي أبدعتها أصيل في «Drive in Doha» عام 2017

لم يسبق لأصيل أن عاشت في السودان قبل ذلك، ثم جاءت إلى منطقة غير مألوفة بشكل غير معتاد من أشكال الفن. أمور كثيرة كان عليها استيعابها. مواصلة القيام بشيء كاد أن يحطمها. ويعد مشروع غرافيتي الشهداء وحده من أنجح مشاريع الغرافيتي وأكثرها تأثيرًا في القارة. حتى بعد أن غادرت أصيل السودان، لا يزال الناس يرسمون صور شهداء الثورة أينما كانوا وفي كل ركن، وأصبح هذا المشروع تلقائيًا مشروع الثورة الدائم. وقبل الثورة، كانت أصيل ترسم لوحات لشخصيات ساهمت في المجتمع. وقد مُحي الكثير من هذه اللوحات أحيانًا فور أن تنتهي منها لاختلاف الآراء الدينية أو السياسية. وعلى سبيل المثال، مُحيت صورة فاطمة أحمد إبراهيم، التي كانت أول امرأة في البرلمان، على الفور تقريبًا لأنها كانت شيوعية. ورَسمَت لوحة لمحمود عبد العزيز بالقرب من منزله في حي المزاد، لكن أحدهم رسم فوق هذا الجدار لأنه يؤمن بأن رسم أي شيء له روح ’حرام‘ في الإسلام. يرى البعض شجاعة فيما أقدمت أصيل على فعله، بينما يعتبره آخرون تمردًا وعصيانًا شديدين على خلفيتها التقليدية والدينية.

وهنا تتذكر موقفاً حدث معها: ذات مرة، طلب أحد أفراد عائلتي أن يتحدث معي في أمر مهم، فأجلسني، ونظر في عيني مباشرة وبنبرة صوت جادة للغاية قال «أعتقد أن الوقت قد حان لكي تجدي لك مهنة محترمة، مهنة تكون داخل مبنى، كل هذا التجول في الشوارع سيحول دون زواجك».

أول لوحة جدارية في مشروع غرافيتي الشهداء الذي انطلق في فبراير 2019 إبان الثورة السودانية

تعمل أصيل حاليًا على فيلم وثائقي عن المشروع بينما تسعى لتحقيق أحلام كبيرة أخرى. وهي ترغب في تنظيم ورش عمل تمكن المرأة من الانضمام إلى عالم المبدعات كسبيل للاكتفاء الذاتي. وتتمنى تحقيق هدف عظيم آخر ألا وهو العمل مع الأطفال السودانيين لرسم أكبر لوحة جدارية في العالم على طول نهر النيل – لتكون عملاً فنيًا بارزًا يقدم مثالاً للمرأة السودانية التي تحطم الحواجز التقليدية سعيًا لإحداث تغيير ثقافي إيجابي. تقول أصيل: «أفخر بدوري الرائد كأول فنانة غرافيتي من السودان وقطر. وأعتقد أنه من المهم للناس في ثقافتي رؤية امرأة تستخدم الفن كنشاط بعيد عن العنف. ولا شيء أتمناه أكثر من إلهام الناس لاستخدام الفن في التعبير عن أصواتهم وأفكارهم».

 

الموضوع نشر للمرة الأولى على صفحات المجلة عدد شهر نوفمبر 2022 

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع