تابعوا ڤوغ العربية

ثريا قابل سيدة كل الأزمان و«ابنة الصدفة الحلوة» تحمل عقوداً من العطاء الشعري

ثريا قابل سيدة كل الأزمان و«ابنة الصدفة الحلوة»، تحمل عقوداً من العطاء الشعري والصحافي ودوراً رائداً في حمل لواء المرأة وكسر التقاليد المجحفة في حقها. بها تليق صفة «الأولى» فعلى مر سنوات طوال كانت الأولى في مجالات عدة لم تجرؤ سواها على مجرد التفكير بها.

ولأن الريادة ترافقها تحديات، لم تتوان ثريا قابل عن المواجهة بحزم إنما بلطف واحترام، فكسرت الأفكار المتحجرة مع الاحتفاظ بمكتسبات الثقافة السعودية والجذور الحجازية وهدف واضح بإعلاء شأن بلدها. بين حارتين صغيرتين في مدينة جدة العتيقة ولدت وترعرعت وحملت ذكريات الطفولة، انبهرت حينها بكرة القدم يلعبها أولاد الحارة، لكنها أغرمت أكثر بمسكة القلم وكانت تتوق لحمله بيدها وتُدهش كيف تخرج الحروف منه على الورق ومن هنا نشأ حبها له.

انتقالها إلى بيروت إثر مرض والدها شكل مرحلة جديدة في حياتها شهدت تفتّح موهبتها الشعرية وبداية اهتمامها بالقضايا القومية. في مدرسة الكلية الأهلية في بيروت وفي عز فورة القومية العربية والثورة الجزائرية وانتفاضة جميلة بوحيرد والمظاهرات في شوارع لبنان وجدت نفسها تكتب الشعر. كانت المدرسة تخصص يوم الأربعاء للنشاطات التي تظهر مواهب الطلاب بغية تقديمها في حفلات يُدعى إليها الأهل والصحافة، فلفتت موهبتها انتباه مديرة المدرسة وأساتذتها، وقدمتها المديرة إلى شاعر عراقي صديق فاعترف بشعرها ونصحها ألا تسمع يوماً لمن يقول لها «امسكي بحوراً أو غيري في أسلوبك، أنت ستكونين حالة خاصة»، وتقول «كنت أمزج التفعيلة مع بحور الشعر كما يخطر لي» ومن هنا كانت انطلاقة مسيرتها الشعرية.

لبنان شكل عندها حالة خاصة فقد كانت في بلد يعتبر أساس النهضة الأدبية في العالم العربي وكان شعراء المهجر يحدثون ضجة كبرى وقتها لأنهم كسروا قاعدة الشعر العامودي واستعملوا الرباعيات التي تتغير معها القافية «وأنا كنت سائرة  تقريباً في النسق نفسه» تقول. أما فيما بعد فتأثرت بشعراء الحداثة مثل نازك الملائكة ومن بعدها نزار قباني الذي استهوى الشباب والمراهقين كلهم «وأنا واحدة منهم وفق ما تروي، لكنني ما كنت أكتب بجرأته نفسها».

لا تكنّ كأشجار الزينة، بل اجعلن الأصل ثابت والفرع في السماء

من لبنان استمدت ثريا الجرأة للكتابة باسمها الخاص دون اللجوء إلى اسم مستعار، إذ هناك لاحظت عمتها التي كانت وصية عليهم بعد وفاة الوالد كم كانت الصحافة التي تزور المدرسة في الحفلات تحتفي بشعر ثريا وتنشر قصائدها في صحيفتي «الأنوار» و«الحياة» بحيث بات الأمر عادياً ومقبولاً. وفي لبنان أيضاً أصدرت ثريا أوّل دواوينها «الأوزان الباكية» عام 1963 الذي كانت له قصة واجهتها بشجاعة، وكان يضم مزيجاً من الشعر العاطفي والقومي.

بعد عودتها إلى المملكة حملت معها في حقيبتها نسخاً من ديوانها لكنه سرعان ما منع من التداول فحزمت أمرها بالتوجه إلى أعلى المراجع، واصطحبتها والدتها إلى الملكة عفت التي كانت صديقة لها فطلبت منها أن تأتي في اليوم التالي لمقابلة الملك فيصل فأرته الكتاب وبعد تصفحه طلب منها الاتصال بمدير الديوان لحل القضية والسماح بتداوله وكان أول ديوان شعري نسائي في الأدب السعودي الحديث.

العودة إلى السعودية شكلت مرحلة جديدة في حياتها وأعلنت انطلاقتها الحقيقية كشاعرة وصحافية ومناضلة في القضايا الاجتماعية والنسائية. أولى المواجهات حصلت حينما كتب حسن القرشي مقالاً مفاده بأن النساء ناقصات العقل، فقامت بالرد عليه بمقال نشره لها أحد أصدقاء العائلة واستمرّ الجدال الصحفي بينهما ثلاثة أشهر.

«ما كنت أتخيل عندما بدأت أرد على هذا الشاب أن الكثيرين من حولي سيرحبون بالأمر بدليل أن حسن قزاز صاحب جريدة «البلاد» عرض علي أن أكتب في صحيفته والمجلة التي نشرت كلام القرشي استقبلتني وصارت تنشر ما أكتبه، من هنا عرفت أن البلد متعطشة لصحافة نسائية».

قبلت ثريا عرض صحيفة «البلاد» وكان همّها أن تجمع بنات بلدها وتظهر مواهبهن. وبتشجيع منها طلبت من صديقتها صفية بنت زقر أن ترسم بالحبر صورة لتنزل في الصحيفة وكانت تلك المرة الأولى التي تشارك امرأة رسوماتها على صفحات جريدة وأثار الأمر ضجة كبيرة حينها. بعد دخولها المدوي والجريء في عالم الصحافة صار الطريق أمامها معبداً على مر السنوات والعقود فكتبت في أكبر الصحف المحلية مثل «عكاظ»، «المدينة»، «الرائد» «الرياض» وغيرها.

«في الصحافة تقول ثريا كان همي مجتمعي وأول الهموم كان إيجاد كلية للبنات حتى لا يجبرن على الذهاب إلى الخارج للتعلّم وكان هدفي إظهار الوجه الراقي لبلدي في وقت كان فيه الملك فيصل يسعى إلى إبراز دور السعودية وجعلها محط أنظار العالم».

كثيرة هي القضايا التي أثارتها ثريا في عملها الصحفي ونضالها لكسر بعض التقاليد الجامدة والدفاع عن حقوق المرأة السعودية، ومن بينها قضية تغطية الوجه عند النساء وكتبت تسأل عن سبب هذه العادة ما أثار ردات فعل قوية في المجتمعات المحافظة، إلى أن صدر أمر ملكي بمنع دخول «المغاتير» إلى الحفلات نتيجة حريق حصل في قصر الملك فيصل في الرياض ولم يعرف مسببه.

كذلك كتبت يوماً عن السجائر فأثارت موجة من الاعتراضات ضدها وأوصل بعض المشايخ الصحيفة للملك وأمر وزير الداخلية أن يوقفوها عن الكتابة فشكت أمرها مرة أخرى للملك الذي أنصفها

المحطة الأهم في حياتها والتي فتحت أبواب الشهرة أمامها تحوّلها من شعر الفصحى إلى الشعر الغنائي وكانت بداية المشوار أغنية «بشويش عاتبني بشويش» التي غناها طلال المداح وارتبط اسمها فنياً باسمه واسم فوزي محسون، وبعد نجاح الأغنية الكبير تحولت كلياً إلى الشعر الغنائي وكتبت عشرات الأغاني التي حفرت في الوجدان الفني السعودي. تميزت كلماتها بأنها تشبه لهجة المجتمع وتحمل معان عاطفية رقيقة وسامية. وغنى لها أبرز مطربي المملكة مثل طلال المداح، عتاب، محمد عبدو وعبادي الجوهر وترى طريقته في التلحين مختلفة عن كل من يلحنون وطريقته مميزة في الأداء. اشتهرت أغانيها بشكل غير مسبوق وعبرت الحدود السعودية إلى مصر والعالم العربي وصارت ثريا أحد أبرز رموز الأغنية السعودية كما استطاعت أن تُحقق حلمها لتُصبح شاعرة الحجاز الأولى.

لم تعاني ثريا يوماً من التهميش لا فنياً ولا إنسانياً، فهي عرفت الشهرة الفنية بقدر كل من غنّى ولحن لها وتقول «لو أن الشاعر مهمش لما كنا سمعنا أحمد رامي مع أم كلثوم» أما إنسانياً فقد كرمت مرّات لا تحصى ونالت جوائز كثيرة، وكان أوّل من كرمها الملك فهد في مكة.

ثريا التي قالت ذات مرة إنها قبلت التحدّي لا للخروج على العادات والتقاليد، وإنما بمفهوم النضال «من أجل حصول بلدي على أعلى المراتب» تشعر اليوم أن كل أمانيها تتحقق ورغبتها الحالية أن تعايش طموح بنات بلدها وترى أي إنجازات سيقمن بها من أجل البلاد وتقول: «عندنا اليوم من تكتب الرواية ومن تمثل وتخرج أو تصوّر، لم يعد أي مجال مقفول أمامهن خاصة مع وسائل التواصل التي سهلت كل الأبواب»، وإيمانها كبير بموهبة المرأة السعودية التي وضعها فيها الرب لكي تظهرها لا لكي تخفيها.

ومن تجربتها الشخصية ومسيرتها الحافلة تقدم للمرأة نصيحة مهمة: «لا تنسي أنك سعودية وإنك بنت قبلة الأمم وهذا يعني مكانة كبيرة لها قداسة». ولكل النساء السعوديات تقول «لا تكنّ كأشجار الزينة، بل اجعلن الأصل ثابت والفرع في السماء».

مسيرة ثريا المشرقة لم يوهنها التعب يوماً «وحلاوتها» كما تقول تأرجحها بين وهج النور واختفائه في فرصة للمراجعة.

رسم EMMANUEL KATSAROS
المنتج في المملكة العربية السعودية BASAMAT ARABIA

أقرئي أيضاً: نساء سعوديات ملهمات.. خرجن إلى الضوء لتحقيق أهدافهن

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع