بعد مسيرة تجاوزت 30 عاماً الفنانة السعودية صفية بن زقر ترحل عن عالمنا تاركةً إرثاً من الإبداع في المشهد الفني في المنطقة
ودع الوسط الفني في المنطقة يوم أمس رائدة الفن التشكيلي السعودي الفنانة صفية بن زقر والتي وافتها المنية عن عمر ناهز 84 عاماً بعد مسيرة فنية حافلة تركت خلالها وعلى مر ثلاثين عاماً مضت بصمتها المضيئة في مشهدنا الثقافي والفني وإرثاً غنياً من الإبداع تتوارثه وتحتفي به أجيال قادمة.
تعد الفنانة صفية بن زقر شخصية محورية في تاريخ الفن التشكيلي السعودي فهي من أوائل مؤسسي الحركة التشكيلية في المملكة العربية السعودية والتي مهدت الطريق أمام العديد من الفنانين الذين اتبعوا نهجها في هذا المجال. تجسد لوحاتها التي ترصد مشاهد من تاريخ المملكة العربية السعودية لحظات مفعمة بالحميمية والعاطفة ضمن مناسبات مختلفة. وفي مقابلة حصرية مع ڤوغ العربية في عام 2020، قالت: “وطني هو مكاني المفضل على وجه الأرض”.
وعلى مدار حياتها، غيرت هذه الفنانة الرائدة مسار تاريخ الفن في المملكة بالكامل، وأصبحت أول فنانة سعودية تعرض أعمالها دوليًا في باريس ولندن وجنيف. كما نالت احترام وتقدير المتاحف العالمية من خلال أعمالها الفنية التي يتم عرضها ضمن في المجموعات الدائمة والمعارض التي أقيمت في المتحف البريطاني ، والعديد من المتاحف الأخرى في جميع أنحاء العالم. كما تم تكريمها من قبل برنامج الأمم المتحدة للبيئة لأعمالها المساهمة في حماية التراث الوطني، ومجلس التعاون الخليجي في مجال الثقافة خلال اجتماع وزراء الثقافة الخليجيين في عام 2013، كما تم منحها وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى في عام 2017 من الملك سلمان بن عبد العزيز، تقديرًا لمساهمتها في الثقافة السعودية، والتي تعتبرها الفنانة أكثر لحظة تدعو للفخر في حياتها. وفي نفس المقابلة قالت الفنانة عن رحلتها: “كنت أحب الفن ولكن لم أفكر أبدًا أنني سأصبح ما أنا عليه الآن”.
نشأت الفنانة في القاهرة وتلقت تعليمها في مصر والمملكة المتحدة. درست الفن في مدرسة سانت مارتن للفنون في لندن وتخرجت عام 1976. كانت طفولتها التي قضتها خارج المملكة سبباً في أنها عندما استقرت أخيرًا في المملكة العربية السعودية، نظرت إليها بعين شخص خارجي. ومن هنا تبلورت رؤيتها الفنية ووجدت الحلقة المفقودة ما بين التراث والثقافة حيث وجدت الإلهام في رسم وتوثيق العادات والتقاليد خوفاً من اندثارها، وحرصاً من أن يُركن هذا التراث في المخازن.
بدأ مشوارها الفني الطويل بأول معرض لها في عام 1968 في جدة حيث كان هذا المعرض تجربة ناجحة خاضتها بمجهودها الخاص وكانت صفية بن زقر أول فنانة سعودية تصنع التاريخ في ذلك العام مع صديقتها منيرة موصلي كأول فنانتين تقيمان معرضاً فنياً في المملكة العربية السعودية. وفي مقابلة أجرتها مع ڤوغ العربية من منزلها في جدة استذكرت الفنانة هذا الحدث قائلة: “لقد فكرت في إقامة المعرض وكنت أمام خيارين إما القبول أو الرفض. وفي حال الرفض فسأحاول مرة أخرى”. أقيم المعرض في مدرسة دار التربية للبنات حيث لم تكن هناك مساحات عرض أو صالات عرض في البلاد. وشاركتنا حينها الفنانة نصيحة مفادها: “لا تتوقفي، لا تدعي العقبات تكون ذريعة للاستسلام”، كما كشفت أن شعار حياتها هو: “إذا ما امتلكت الإرادة، فسوف تحققين ما تصبين إليه”. وترى أن “العمل الجاد يؤتي ثماره دائماً ويدفعك إلى أن تكوني في بداية الصف”.
وبعد النجاح الكبير لمعرضها الأول، توالت معارضها المحلية التي أقامتها في مدينة الرياض وجدة والظهران والجبيل والمدينة المنورة وينبع وأبها، كما نظّمت معارض دولية في كل من باريس وجنيف ولندن، حتى أصبح لها حصيلة 18 معرضاً شخصياً، و6 معارض جماعية، عُرفت صفية من خلالها فنانة التراث السعودي محلياً ودُولياً.
وفي عام 1995 أسست “دارة صفية بن زقر“، بعد رحلة 30 عاماً على طريق الفن التشكيلي، وهي تضم لوحاتها ومقتنياتها الفنيّة، كما تحوي مرسمها ومكتبتها الخاصة. وفي عام 2000 صدر كتابها “رحلة عقود ثلاثة مع التراث السعودي”، وفيه أوضحت أهداف الدارة ونشاطاتها بعد رحلة 30 عاماً من العمل المتواصل، والمثابرة من أجل توثيق هذا التراث الغني بشكل جمالي وبنّاء.