تابعوا ڤوغ العربية

لا لزواج القاصرات

اسمها ندى الأهدل، وهي فتاة رفضت أن تقع ضحية والديها والمجتمع، فأصبحت ناشطة حقوقية لتضع حداً لمعاناة قريناتها، وتكشف عن معاناة القاصرات من الزواج المبكر وعن مسبباته، مثل العنف الأسري أو المتاجرة بالأطفال، وتلفت انتباه العالم إلى هذه المآسي غير الإنسانية.

“المنظمات الحقوقية تعمل ضمن مشاريع مدفوعة الأجر، ومحدودة الصلاحيات، وأغلبها وُجد لتنفيذ أجندات حزبية أو دينية أو تجارية”

“لا يمكن السكوت عن أي قيود عندما يصبح الأمر مصيرياً. يجب أن نناضل ونحارب ونثور لحقوقنا التي نصت عليها قوانين حقوق الطفل الدولية ووقّعت عليها حكوماتنا للالتزام بها”

 

ندى الأهدل

كانت ندى في العاشرة من عمرها عندما نشرت مقطع فيديو ناشدت به العالم لدعم قضيتها وإبطال زواجها. وقد تجاوزت كل التحديات التي واجهتها جراء هذا القرار، وتعرضت للاحتجاز في سجون “دار الحماية” بهدف إخفاء قضيتها وتضليل الرأي العام وإخفاء وجود زواج قاصرات في اليمن خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي كان مسؤولاً عن كتابة الدستور اليمني. ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل وانتهى الأمر بإقرار قانون يجرم زواج القاصرات في اليمن، وهو الانتصار الأول الذي ألهمها لمتابعة مسيرتها في تحقيق العدالة وإزالة ظلم الفتيات القاصرات، وتطبيق القوانين الدولية على أرض الواقع.

أنشأت ندى الأهدل مؤسسة لحماية حقوق الطفل، وأطلقت ثلاثة مشاريع توعوية وتعليمية وإنسانية. وشاركت في العديد من المؤتمرات الدولية، كما ألّفت كتاباً طبع بالفرنسية والهولندية وسيطبع بلغات أخرى قريباً. تبنت مشاريع المؤسسة من حسابها الخاص، وأقامت مدارس لتعليم اللغة الإنجليزية في 6 محافظات في اليمن. وهي تقدّم الآن برنامجاً تلفزيونياً (بنات نواعم) على شبكة mbc1، وتدرس اللغة الإنجليزية في دولة إفريقية.

سُرقت طفولة ندى كما سُرقت طفولة خالتها وأختها، والجاني الأكبر والعدو الحقيقي هو العادات والتقاليد الظالمة التي تم توارثها عن الآباء والأجداد ظلماً وجهلاً وتخلفاً، فأصبح المجتمع ضحية لهذه العادات والتقاليد الظالمة التي غسلت أدمغة الناس الضعيفة، ودمّرت مستقبل الأجيال القادمة، وما زالت تدمّر أكثر عندما يتم إلباسها لباس الدين، لتزداد قوة وصلابة.

“خسرت طفولتي وألعابي، وأصبحت حياتي كلها جداً وعملاً ونشاطاً، وبتّ أحلم بيوم ألعب فيه مع الأطفال وأذهب إلى الحدائق والمنتزهات. ورغم أني قادرة الآن على فعل ذلك، لا تزال ذكريات الماضي الأليم والمشاهد المؤلمة التي واجهتها محفورة في مخيلتي، وأشعر بالذنب إن أهملت واجبي تجاه الفتيات القاصرات لأني أشعر أن العشرات والمئات من الفتيات يعشن في كل ثانية حياة قهر وظلم بكل المقاييس، ويجب أن أواصل عملي من أجلهنّ مهما كلفني الأمر”. بهذه الكلمات تعبر ندى الأهدل عن المأساة التي تعيشها الفتيات القاصرات في اليمن، وعن ما دفعها إلى التحرك ومواجهة كل التحديات.

وبحسب رأيها، “يجب أن نحارب ونقاوم لإنقاذ المجتمع من هذه السلوكيات المدمرة التي أرهقت الفتيات، وعلينا رفع مستوى الوعي لدى المجتمع حتى يتسنى لهنّ العيش بسلام”. وتتابع حديثها وتقول: “لا تزال القيود تُفرض علينا مهما حاولنا التخلص منها، وما زلنا ندفع ثمناً كبيراً جداً لكل خطوة نُقدم عليها، ولكن تحرّكت في داخلي ثورة الانتصار لحقوق الفتيات عندما رأيت أمامي أحب الناس إلى قلبي وأقربهنّ وداً وصداقة، خالتي التي لاقت حتفها حرقاً بمادة البنزين وكانت تلعب معي، ثم لحقتها أختي في عمر 12 سنة، وتم إسعافها، ثم أصبحتُ أنا ضحية أخرى بديلة لأختي المحروقة وكنت في العاشرة آنذاك”.

وتواصل التعبير عن ما يخالجها من ألم جرّاء هذا الواقع المر وتقول: “لا يمكن السكوت عن أي قيود عندما يصبح الأمر مصيرياً. يجب أن نناضل ونحارب ونثور لحقوقنا التي نصت عليها قوانين حقوق الطفل الدولية ووقّعت عليها حكوماتنا للالتزام بها”.

معاناة وحقوق مسلوبة ومنظمات مأجورة

بدأت معاناة ندى الأهدل عندما احتُجزت في دار الحماية ووجدت الكثير من الفتيات القاصرات الصغيرات اللواتي يحملن من المعاناة ما يكفي لإسقاط الحكومات الفاشلة التي لم تراعي مصالح مواطناتها، وجعلت الطفولة مسلوبة الهوية والإنسانية، معاناة تدمّر مستقبل الأجيال القادمة، وتنهي حضارات أمة عظيمة.

وفي نظرها تُعتبر المرأة نصف المجتمع وهي المسؤولة عن تربية المجتمع كله لأنها ستكون أمّاً وزوجة. ولكن إن أُهدرت حقوقها وسُلبت سوف تنشئ جيلاً مدمراً نفسياً وعاطفياً، وستنعكس تجاربها المؤلمة على الأجيال القادمة، والعكس صحيح.

أيقظت القساوة والقصص واللحظات التي عايشتها ندى أثناء الاحتجاز بداخلها قوة الإيمان بحقوق الفتيات، فزاد إيمانها المطلق بأهمية العمل الحقوقي والنشاط المجتمعي لنقل معاناتهنّ إلى العالم، ورفع مستوى الوعي لدى الشعوب لإنهاء هذه المعاناة الإنسانية.

تعتبر ندى أن المنظمات الحقوقية تعمل ضمن مشاريع مدفوعة الأجر، ومحدودة الصلاحيات، وأن أغلبها وُجد لتنفيذ أجندات حزبية أو دينية أو تجارية، ولم تكن وليدة المعاناة ولا تديرها جماعات كانت ضحية لظلم، بل معظم قادة أغلب المنظمات هم رجال أعمال، وأحزاب سياسية ودينية، ولذلك لا يُسمع لها صوت إلا في ما يخص مشاريعها الربحية، متجاهلة بهذه الطريقة معاناة الشعوب، وظلم الفتيات.

وتذكر ندى أن رحلتها مع هذه المنظمات لم تكن حافلة بالمطبات السعيدة. ففي بداية الأمر قامت جماعة تقليدية تتمتع بنفوذٍ قوي في الدولة وخصوصاً في مجلس النواب باستخدام إحدى المنظمات الحقوقية لإخفائها ونشر بيانات مزيفة عنها خلال الوقت الذي تكون فيه مخفية عن وسائل الإعلام حتى لا يصل صوتها إلى وسائل الإعلام العالمية، خوفاً من أن يكون لنشاطها أثر كبير في مؤتمر الحوار الوطني الذي كان يقر دستوراً لليمن الجديد ويعلن تجريم زواج القاصرات دون الثامنة عشرة من العمر. ولكن رغم محاولات هذه المنظمات، تأثر المؤتمر بمقطع الفيديو وتفاعل نشطاء حقوق الإنسان ووسائل الإعلام العالمية للضغط على أعضاء المؤتمر وإجبارهم على إقرار قانون يجرم زواج القاصرات. “سعدت كثيراً بهذا الإنجاز الذي ساهم في الإفراج عني بعد ذلك”.

ندى على يقين من أن فتيات كثيرات يلجأن إلى المؤسسة التي أنشأتها طلباً للحماية أو المشورة أو التدخل الأسري لإنقاذهنّ من الزواج المبكر أو العنف أو الاستغلال من قبل أطراف قريبة، خصوصاً بعد وفاة آبائهنّ جراء الحرب، فتصبح الفتاة سلعة يستغلها أقاربها أو جيرانها أو ضعفاء النفوس، ويتاجرون بها.

في مثل هذه الحالات وفي مثل هذا الوضع، تقول ندى إن دور مؤسستها الإنساني يحين رغم قلة الإمكانات، وتقصير الحكومة في فهم أهمية الدور المؤسسي. “ولكننا نتعاون مع الكثير من المتطوعين معنا للوصول إلى حلول ومساندة قانونية ودعم لوجستي لإنقاذ الكثير من الفتيات”.

رغم كل شيء، تعرف ندى أن فتيات كثيرات ينظرن إليها كقدوة لهنّ، ويعلنّ ذلك أمام زميلاتهنّ. وهذا ما يشعرها من دون أي شك بالفخر بهنّ، فهنّ يبذلن جهوداً كبيرة لحماية الفتيات وإنقاذهنّ من خلال توعية الأهل بمخاطر زواج القاصرات، ونشر مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.

أما بالحديث عن عائلتها التي قطعت طريق التواصل معها، فتقول ندى: “آباؤنا وأمهاتنا ضحايا ثقافة خاطئة، وعادات وتقاليد ظالمة، جعلت منهم أشراراً من دون أن يشعروا بذلك رغم علمهم المسبق بمعاناة الفتاة، وما يلحق بها من أذى نفسي وجسدي، وتأثيره مستقبلاً على الأجيال القادمة، ولكنهم يصرون على الاستمرار في هذه الممارسات التي أعتبرها جرائم”. وتواصل حديثها وتتكلم عن المجتمع الذي أجبرهم على ذلك من خلال التنمر عليهم، واعتبار الفتاة خطيئة يجب التخلص منها، وأن بقاءها من دون زواج حتى السن القانونية هو عار على العائلة، وعورة على المجتمع، ثم يلبسون كل هذه الجرائم لباس التقوى والدين ليسهل تقبلها، ويستمر الظلم وتستمر المعاناة.

“أجد نفسي في الطريق الصحيح الذي سوف يساعد الفتيات على الاستمتاع بحياة كريمة، والانتصار في قضايا العدالة، وإنهاء الظلم في مجتمعي، والإسهام في رفع مستوى الوعي لدى المجتمع”. هو سرور يخالجها رغم الحزن الذي شعرت به عندما خسرت عائلتها في بداية الأمر، ولكن سرعان ما استعادت ثقتهم بها عندما أدركوا خطورة زواج القاصرات وأصبحوا شركاءها في إنهاء زواج القاصرات في مجتمعها.

وهكذا كسبت ندى مجتمعاً أكبر بعد أن نجحت في رفع مستوى الوعي. وهو ما قد لمسته فعلاً على أرض الواقع لأن كل مرة يتم فيها تزويج أي قاصرة في المجتمع اليمني يتم إرسال كل بيانات عائلة هذه الفتاة إليها، فينتهي الأمر بشكل عاجل وتحظى بالامتنان والشكر.

تؤكد ندى أنها لا تترك فتاة تم إنهاء زواجها بل تمنحها تعليماً شاملاً في المدارس الأهلية. وتشرح أن موضوع الزواج ينتهي في أغلب الأوقات بسرعة بعد أن تخبر الأهل بأن معلوماتهم وصلتها، فيخافون ويوقفون كل مخططاتهم خوفاً من أن تصل أخبارهم إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فالمجتمع اليمني مجتمع محافظ ويخشى ظهور أحد أفراد عائلته على وسائل الإعلام.

وتقول: “نتصل أحياناً ببعض الأهل، وفي حال ظلوا مصرّين على تزويج ابنتهم، نتواصل مع وجهاء البلد المقربين من العائلة أو نطلب تدخل الشرطة من دون أن يظهر ذلك على وسائل الإعلام”.

وللحد من هذه الظاهرة كانت ندى منطقية، فهي تعتبر أن لا وجود لحل واحد أو اثنين بل هي مجموعة عوامل يجب أخذها في عين الاعتبار للحد من زواج القاصرات وعلى رأسها إيجاد قانون صارم يحمي الفتاة. ولكن يجب أن يسبق ذلك وعي بأهمية حقوق الفتاة والكوارث المستقبلية على الأجيال القادمة جراء زواج القاصرات، ومن ثم رفع مستوى المعيشة الاقتصادية لدى المجتمع وبالتالي التخفيف من معاناته الإنسانية.

زواج أم طموح

رداً على سؤال عن الزواج، تقول ندى إنها ليست معقدة من الزواج، ولكنها لا تفكر أبداً في الأمر الآن لأن كل همهما هو إكمال تعليمها، والتأثير في مجتمعها. فبالنسبة إليها “الحياة قصيرة جداً والمجتمع بحاجة ماسة إلى مساعدتنا له، ولهذا مساعدة الفتيات هو همي الأكبر والانتصار الأعظم في الحياة”.

وتختتم حديثها بقولها إنها تخطط مستقبلاً لإقامة فعاليات حقوقية في جنيف والمحافل الدولية لنقل قضايا الطفولة في اليمن إلى العالم والتأثير على أصحاب القرار بهدف توفير مساندة قانونية لحماية الفتيات، والضغط على المنظمات الدولية لتخصيص جزء من أعمالها لصالح الطفولة والفتيات في البلدان التي تعاني من الحروب والأزمات. وتشير إلى أنه يتم التنسيق مع كبار المؤلفين والممثلين السينمائيين الدوليين لتسليط الضوء على معاناة أطفال اليمن في أفلامهم وأقلامهم المستقبلية. “أتمنى أن أنجح في هذه الخطوة”.

 

أقرئي أيضاً: نادين لبكي، صوت المرأة اللبنانية، وما قدمته للسينما في عيد ميلادها..

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع