إحدى أهم هواة جمع الأعمال الفنية ورعاة الفنون في الشرق الأوسط، السعودية بسمة السليمان “باسموكا” أول متحف افتراضي في العالم
راعية للفنون، درست بسمة السليمان الأدب لكن لطالما كان قلبها يميل نحو الفنون. بدأت رحلة بسمة مع الفن منذ نعومة أظافرها. تقول: “كانت إحدى أولى ذكرياتي في البحث عن الإلهام في الفنون حين زرت معرضًا للفنانة السعودية الشهيرة صفية بن زقر حين كان عمري نحو تسع سنوات. وقفت أمام إحدى لوحاتها مذهولة تمامًا ولم أتزحزح من مكاني حتى اشترتها والدتي! وبعد ذلك، شرعت في هواية جمع مختلف الأشياء – الزجاجيات والتطريزات والكتب والزخارف والأثاث – ولاحقًا، ما إن نما داخلي اهتمام حقيقي بالاقتناء، حتى ازداد تقديري للفنون الجميلة عبر مجموعة متنوعة”.
لكن البداية الفعلية كانت حين سافرت إلى أوروبا وأتيحت لها فرصة زيارة المتاحف الشهيرة، وكان برادو واللوفر من المتاحف المفضلة لديها. تقول: “قد منحتني هذه الرحلات فهمًا لفكرة اقتناء مجموعة وأهمية مبادرات الرعاية في الحفاظ على التراث. وكان هذا الإلمام بتطور المتاحف والمؤسسات العالمية هو ما ألهمني الانخراط في النمو الثقافي للسعودية”. كما أنها زارت الصين في أوائل الألفية الثالثة وتأثرت كثيرا بمشهدها الفني.
مرجع في الفن، بسمة السليمان من الأعضاء المؤسسين للمجلس الفني السعودي، كما بادرت بمشروع تفتخر به وهو حديقة المجسمات في جدة بالمملكة العربية السعودية حيث يمكن للجمهور المحلي الدخول والتفاعل مع الفن في الهواء الطلق. أول امرأة سعودية تمنحها الحكومة السعودية جائزة لدورها الفعال وجهودها في مجال الفنون والثقافة، تلعب بسمة دورا كبيرا في هذا المجال وتسعى دائما إلى إبراز الفن السعودي. وهي تقوم بجمع الأعمال الفنية المعاصرة العالمية والشرق أوسطية على حد سواء، مع التركيز بصفة خاصة على الفنانين السعوديين. كما أعارت أعمالاً للمعارض بالمتاحف حول العالم، وأيضًا تبرعت للمجموعات الدائمة بمتحف المتروبوليتان للفنون، ومعهد سميثسونيان، ومتحف مقاطعة لوس أنجلوس للفنون، والمتحف البريطاني، ومتحف الفنون التطبيقية في ڤيينا. وتقول: “منذ وفاة ابني في عام 2012، سعيت لتخليد ذكراه عبر إهداء مجموعتي إليه. ومن ضمن ذلك إعارة أعمال فنية أو التبرع بها لمتاحف عالمية. إني فخورة جدًا بالتبرع بمجسم “غذاء للفكر” للفنانة مها الملوح للمجموعة الدائمة بمتحف الفنون التطبيقية في فيينا، وأحد أعمال الفيديو للفنان أحمد ماطر لمتحف المتروبوليتان للفنون بنيويورك”. قدوة للمرأة العربية، ترى بسمة أننا نشهد حاليًا تغييرات كبيرة في المجتمع السعودي، وتمكين المرأة جزء منها. تقول: “المرأة تمثل ما يقرب من نصف الفنانين الناشئين في المملكة، ولها دور مهيمن في المنظومة الفنية الأوسع”.
سعيها الدائم دفعها إلى مشاركة شغفها بالفن أسست بسمة متحف “باسموكا” (متحف بسمة السليمان للفن المعاصر). فمن خلاله تتيح الفن لجمهور عريض وتشجع بذلك الحوار والتفاهم بين الثقافات. وتقول: “عندما فكرت في طريقة لمشاركة مجموعتي مع عشاق الفن في جميع أنحاء العالم بلا حدود، بدا النموذج الافتراضي الأكثر منطقية. ويمكن للزوار من جميع أنحاء العالم التفاعل مع بعضهم البعض ومع الفن في الفضاء الرقمي كصور شخصية رمزية، ووجدت هذا المفهوم جميلاً ومقنعًا للغاية”. كما كان لبسمة تحديات أخرى تعتبرها محفزًا رئيسيًا لها. تقول: “كان التحدي – الذي أعتبره أيضًا محفزًا رئيسيًا لي – هو الافتقار النسبي إلى البنية التحتية الثقافية في المملكة العربية السعودية عندما بدأت رحلتي كراعية وجامعة تحف. ولكن، بفضل زيادة الاستثمار الحكومي في الفنون، حدث تقدم كبير في ترسيخ الفن بصورة طبيعية داخل المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة. وكانت العقبة الأخرى التي حرصت على اجتيازها هي قلة الوعي والتقدير للفن السعودي على الساحة الفنية العالمية. وقد أصبح هذا أيضًا جزءًا أساسيًا من رسالتي، وأشعر أننا نشهد الآن مستوى أكبر من الانفتاح والتفاهم بين الثقافات”.
فمن خلال أعمالها ومبادراتها، تقوم بسمة بتضييق الفجوة بين الفن الغربي والعربي حيث ترى أنه من الضروري عرض أعمال لفنانين من أي دولة كانت إلى جانب بعضهم البعض. تقول: “الفن الجيد يغير رؤيتنا للعالم، ويفتح أمام عقولنا آفاقًا جديدة تتجاوز جنسية كل فنان”.
ترى بسمة السليمان تطورًا في المشهد الفني السعودي حيث عدد من الفنانين الناشئين يعملون بأساليب جديدة ومتنوعة مما يساهم في تشكيل بيئة إبداعية وديناميكية جديدة. تقول: “من المهم أيضًا أن نتذكر أن هذا ليس جديدًا تمامًا: على مدى العقود القليلة الماضية، كان عدد من الفنانين الرواد يعملون داخل المملكة وفي المهجر ويساعدون في بناء المشهد الذي نستمتع به اليوم. ولطالما كان الفن جزءًا أصيلاً من هوية المملكة العربية السعودية وتراثها الثقافي، ومن المعروف أنها البلد الذي يضم أكبر عدد من الفنانين المعاصرين النشطين في الخليج، مع مشهد فني معاصر وشعبي محترم”.
بسمة مولعة بالفن المعاصر من جميع أنحاء العالم. ومن الصعب جدًا عليها اختيار اسم مفضل. تقول: “أحد الأسماء التي خطرت على بالي – ويشرفني أنه ضمن مجموعتي – هو إل أناتسوي. لقد رأيت أعماله في معرض يسمى “أفريكا ريمكس” عام 2005، وتركت أعماله تلك انطباعًا رائعًا في نفسي حينها. وكنت في غاية الحماس للحصول لاحقًا على فرصة شراء عمله التركيبي بعد إسدال الستار فوقه في بالاتزو فورتوني بالبندقية”. تحافظ بسمة على التراث السعودي من خلال جمع الأعمال الفنية. تقول: “ما الفن إلا تسجيل مرئي لتراثنا وتاريخنا وتقاليدنا وأصواتنا. وبجمع الأعمال الفنية، أسعى للحصول على أعمال تسهم بشكل خاص في تطوير الفن السعودي وقبوله، سواء داخل المملكة أو على الصعيد العالمي، وأيضًا تشير إلى شيء جوهري في الهوية السعودية. ومن ذلك على سبيل المثال عمل مثل تمثال “القوس الأسود” للفنانة شادية عالم والذي عرض لأول مرة في بينالي البندقية عام 2011 في أول جناح للسعودية. تقول: “كان هذا العمل قطعة مهمة للغاية، من ناحية قيمته الجمالية، وأيضًا لما يمثله في التعريف بالفن السعودي على ساحة الفن العالمية. وكان من المهم جدًا بالنسبة لي الحفاظ على مثل هذه القطع الأيقونية التي لولا ذلك لكانت ذهبت أدراج الرياح.”
تتحمس بسمة لدعم جميع الفنانين السعوديين، بغض النظر عن الجنس، بناءً على موهبتهم وتفانيهم كما تدعم الفنانين السعوديين الصاعدين والفنانين الشباب. وعن الفنانين السعوديين الذين تعتقد أنهم سيصلون للجمهور العالمي تقول: “هناك فنانتان تجذبني أعمالهما بشدة الآن هما سارة براهيم وعلياء أحمد، فهما تظهران إمكانات عظيمة”.
ترى بسمة أنه كان هناك زيادة كبيرة في البرامج والمبادرات الفنية بالمملكة العربية السعودية على مدى السنوات القليلة الماضية، وكانت هي من أكبر المشجعين والمساهمين. وعن أحدث المعارض “ما يبقى في الأعماق” الذي كانت هي وراء فكرته. تقول بسمة: “هذا المعرض يمنحني شعورًا بالغًا بالسعادة والفخر لأنه يربط ما كنت أقوم به في الفضاء الرقمي بالعالم الواقعي، وهو ما يتيح لعاشقي الفن سواء على المستوى المحلي أو العالمي مشاهدة الأعمال الفنية في موقع استثنائي بقاعة “مرايا” في محافظة العلا، وهو معرض مفتوح بالمجان للجميع”. وتضيف: “تشرف على المعرض القيمة الفنية لولوة الحمود، وهي من الشخصيات المهمة على الساحة الفنية المعاصرة، وهو يضم أعمالاً فنية قيمة من مجموعتي لـ17 فنانًا سعوديًا يمثلون جيلاً بارزًا في تطور الفن السعودي المعاصر وقبوله على الصعيد العالمي”. يعد معرض “ما يبقى في الأعماق” أول مرة تعرض فيه كل هذه الأعمال معًا داخل المملكة، وعبر وسائط متنوعة. ويستكشف المعرض اتساع نطاق كل من الهوية والروح والثقافة السعودية، وتطور كل ذلك من الماضي حتى وقتنا هذا. تقول: “أنا في غاية الامتنان للهيئة الملكية لمحافظة العلا التي منحتني هذه الفرصة، وممتنة كذلك لدينا ناصر خديڤي التي عملت معي عن كثب على إطلاق هذه المبادرة”.
الفن أولا، ولكن لبسمة اهتمامات أخرى كامرأة. فهي تحب الموضة والسفر على وجه الخصوص. وتحب أن تكتشف وجهات ليست بالضرورة أن تكون مواقع سياحية معروفة، سواء كانت بلادًا بعيدة أو مدنًا وقرى صغيرة. تقول: “أحب الخروج في الهواء الطلق. وفي الشتاء، أختار الأماكن الباردة، وأحب أن أكون بين أحضان الجبال، فقد استمتعت جدًا بزيارة السويد وفنلندا في الماضي. وبالنسبة لقائمة الأماكن التي أخطط لزيارتها، فتشمل أستراليا وجنوب أفريقيا، واكتشاف دول أمريكا الجنوبية. آمل أن تتسنى لي الفرصة لزيارة هذه الأماكن فيما بعد”.