على مشارف استعدادات باريس لأولمبياد 2022، تعيش العاصمة الفرنسية هذه الأيام وتزامناً مع الانتخابات الرئاسية، على وقع نقاش حاد بين اليمين المتطرف الفرنسي والمحجبات. وهو اسم يطلق على مجموعة من الرياضيات المحجبات ذوات الأصوات التي علت على ما لا يُعلى عليه: مجلس الشيوخ الفرنسي
هن مناضلات نفضن ركام سنوات العنصرية والانتهاكات اليمينية الفرنسية ضد المسلمات، وندّدن برجعية الأفكار ومشاريع القوانين التي تمنع المحجبات من حقّهن في المشاركة في المباريات الرياضية في فرنسا.
في حوار مع جمعية المحجبات الفرنسية، التي تمكنت من جمع آلاف الأصوات والإمضاءات على عريضة التصدي للتعديل اليميني في مجلس الشعب الفرنسي، تكشف جمعية المحجبات ما قيل عنهن وما خفي.
ما خفي هو أن المجموعة ليست من وحي اللحظة وإنما تم تأسيسها منذ يوليو 2020. وفي حديثها عن التحاقها بالمجموعة، صرحت رئيسة المجموعة فونيه دياوارا، وهي رياضية ولاعبة كرة قدم، أنها تلقت مكالمة هاتفية من جمعية تدعى Alliance citoyenne التحالف المدني التي تبحث حينها عن رياضيات محجبات للمشاركة في دراسة تقوم بها دكتورة في علم الاجتماع عن الرياضة والمحجبات. كانت فونيه حينها تشعر بالعزلة والبعد عن طموحاتها الرياضية واغتنمت الفرصة لتلتقي بمن يشاركها الشعور والتجربة.
ومن هنا كان اللقاء مع عنصر مهم من مجموعة المحجبات وهي دكتورة علم الاجتماع هيفاء تليلي. خصصت هيفاء دراساتها التي قامت بها بين كندا وباريس للبحث في علاقة جسم المسلمة والمتحجبة مع الرياضة. وهيفاء رياضية مارست العدو والرقص والعديد من الرياضات بالرغم من أنها كانت تمتنع عن ممارسة السباحة أو ركوب الخيل وكان المانع هو جذورها العربية التي تمنعها من التعامل بسهولة مع جسمها حتى لو كانت متفهمة لموروثِها الديني والثقافي. فعبر البحث حاولت هيفاء أن تتعمق في علاقة المسلمة بممارسة الرياضة. هيفاء ليست محجبة، هاجر والدها من تونس إلى فرنسا وقالت والدموع تملأ عينيها: «جبت دول العالم وعملت جاهدة لكي يكون لي من العلم ما يُمكّنني من تغيير العقليات وسط جيراني ومحيطي المقرب في الضواحي الباريسية، التي تعج بالمهاجرات المسلمات اللاتي يعشن بلا صوت ولا حقوق، سجينات العنصرية والخوف من الآخر». عندما توفيت والدة هيفاء بعد صراع مع المرض وهي في صدد تحضير الدكتوراه حينها، تيقّنت من أنها لن تتوقف فقط عند البحوث النظرية، بل عليها أن تكون ناشطة على أرض الواقع، فقررت أن تطلب عون جمعية التحالف المدني التي تثق بمهارتها وجمعت 100 فتاة محجبة، ولتكتمل بحوثها جمعت معهن نُخبة من أهم المدربين ومسؤولي الهيئات الرياضية، وكان اللقاء بين عالمين متوازيين لم يلتقيا قبل ذلك. وكان العمل محرجاً لأن كل يجهل مطالب الآخر والحوار كان صعباً. وبفضل دراسات هيفاء كان العمل على أن يتقبل الطرفان الآخر ويفهم مطالبه ويتصالح مع ذاته ومع الآخر لأن هكذا هي مبادئ الرياضة تجمع وتبني روح التفاهم رغم الاختلاف، وفي هذا الخصوص كان لفونيه تعليقاً خاصاً فقالت: «دراستي في كلية حقوق الإنسان إضافة إلى ما تعلمته من روح المنافسة والقيم الرياضية، هي أهم أسلحتي للتصدي لجبروت الظلم مهما كانت قوة ظالمها»، وأضافت: «وجودي وسط المجموعة هو مصدر قوة لأن تضامن المجموعة يجعلني أثق بقدراتنا أكثر، إن ما نقوم به اليوم هو كذلك لصالح الأجيال القادمة كي لا تعاني من الحرمان من حقوقها». أما بالنسبة لدور المرأة القيادي قالت: «إيماني وحبي للرياضة جعلاني أدافع عن حقوقي بلا خوف ولا تراجع».
وفي حديث مع بقية الرياضيات المحجبات التقينا حواء دوكوريه وهي لاعبة كرة قدم وعارضة أزياء محجبة والتي عبّرت: «نظرة الناس في الشارع تختلف عن ما يتداوله بعض الإعلام الفرنسي وبعض السياسيين المتطرفين. في الشارع هنالك العديد من الناس المتفهمين لمظهرنا كما نحن، مسلمات ومحجبات، بل قد نحس بنظرات تضامن أو عطف من قبل البعض لأنهم يشعرون بمعاناتنا وعزلتنا»، وأضافت زميلتها كارتوم دونبيليه: «نشعر أحياناً بالتعب وبعبء المسؤولية وضرورة الحذر كي نستطيع مواصلة المشوار»، وتابعت مبتسمة: «الحمد لله وجودنا مع بعض وتضامننا وتضامن الآخرين معنا يشعرنا بالأمان وهكذا نستطيع معاً أن نمضي قدما». تضم مجموعة المحجبات قرابة 100 عضوة، تدعمهن ناشطات من المجتمع المدني ورياضيات وجمعيات من جميع الأنواع وأنحاء العالم.
وفي باريس كان اللقاء مع إحدى الناشطات النسويات وتدعى فاطمة الزهرة بن عمر. في رصيد فاطمة العديد من النضالات النسوية والحقوقية ولها كتابان «النسوية: ثورة غير مكتملة» و«اركضي يا فتاة» وقد صور فيلم وثائقي عن نضالها ويدعى «جمهورية فاطمة». فاطمة مغربية وعن النساء في وطنها الأم قالت: «في المغرب النساء في عائلتي يسترن الرأس بوشاح على الطريقة المغربية ولم أرَ في هذا يوماً تقليلاً لأنوثتهن، المحجبات في فرنسا يعشن في الخفاء وتحت الحراسة، وأضافت: «ما يثير غضبي في فرنسا تعوّد المجتمع على التغاضي عن حجاب المسلمة عندما يراها تقوم بأعماله المنزلية أو الشاقة وفجأة تصبح المحجبة خطراً عندما يكون لها شهادات وشرعية لكي تكتسح المناصب الاجتماعية أو عندما يكون لها صوت ورأي. فمن الصعب على المحجبة في فرنسا أن يكون لها مكانة في المسابقات الرياضية».
ومنعت السلطات الفرنسية موعداً لمباراة كرة القدم السلمية يوم ٩ فيراير 2022 في ساحة انڤاليد أمام البرلمان والتي كانت ستجمع المحجبات وكل من يدعمهن من سياسيين وبرلمانيين وناشطين من المجتمع المدني، وهو ما يتزامن مع اليوم الحاسم في قرار التعديل القانوني الذي يهدف لحظر ارتداء الحجاب في المنافسات الرياضية. وبرر رئيس بلدية باريس المنع في بيان بأنه يخشى أن تجتذب المظاهرة بالإضافة إلى المؤيدين، أشخاصاً معادين لحملتهم وتسبب اشتباكات بين الطرفين. مما أثار سخط المحجبات وسال الحبر في وسائل الإعلام الفرنسية وشبكات التواصل الاجتماعي.
الحكم لم يصفر بعد نهاية المباراة، فرغم تفاؤل المحجبات مازال شوط آخر، فقد رفعت المحجبات دعوة قضائية في مجلس الدولة وهي أعلى سلطة إدارية في فرنسا ضد الاتحاد الفرنسي لكرة القدم لإلغاء حظر الاتحاد. رغم كل التحديات، وبكل روح رياضية، تواصل مجموعة المحجبات المطالبة بحرية ممارسة الرياضة دون ضرورة التخلي عن إيمانهن.