“الفنّ كائنٌ ذو قابلية متشكلة مطواعة مسايرة مع زمنها يستخدم كل ما هو متاح من أدوات للجهر بخطابه، هو كائنٌ أنانيٌ لا يتوانى عن استغلال المتاح،” بهذه الكلمات يعرّف محمد أحمد ابراهيم الفنّ. إلا أن هذا التعريف ليس السمة الأساسية التي تميّز فن هذا الفنان الإماراتي، إنما هي تعلقه بالطبيعة والأرض وتجسيده لها في كل أعماله الفنية.
محمد أحمد إبراهيم فنان من خورفكان في دولة الإمارات العربية المتحدة يبحث عن الفعل لا الفهم، درس علم النفس في جامعة العين، وأكمل إقامته في مركز لو كونسورتيوم للفنون بمدينة ديجون، فرنسا، ثم عاد إلى الإمارات حيث أسس مركز خورفكان للفنون بدائرة الثقافة والإعلام، الشارقة في العام 1997. يعشق الفنّ بأشكاله كافةً ويعدد عدداً كبيراً من الفنانيين الذين يحبهم ويتمتع بمشاهدة أعمالهم، فيذكر على سبيل المثال لا الحصر الفنان بول كلي فـأعماله تدفع المشاهد إلى قراءة ما تحت سطح اللوحة هو القائل: “الخط ماهو إلا نقطة خرجت للتنزه”، ويذكر أيضاً مارك روثكو وإبحاراته اللونية، وكاندنسكي وموندريان وشون سكولي وغيرهم. ويفخر بالعلاقة التي تجمعه بحسن شريف ويصفها بالعلاقة الهيكلية التي بفضلها بنى أطر طرحه الفني، وهو يقول عن هذه العلاقة: “دخلت ذات نهار معك البار ولم نخرج للآن”.
يعتبر الفنان الإماراتي أنه أحسن باختيار علم النفس مجالاً ليتخصص به ويعتقد أنه ساعده على العثور على رؤية مزدوجة للخارج بين المرئي والمتصور في الخطاب البصري، يتظلل بين الترف والحاجة، بين الحلو والجميل معتبراً أن الحركة السريالية تتأثر بقراءة الوهم البصري واسقاط عقل الفنان، وهو يقول: “دراسة علم النفس انعكست على طبيعة أدوات إنتاج الفن وأتاحت لي تنوعاً ومتسعاً شمل أدوات حسية أو عقلية ساعدت على خلق منتج فني تتناغم فيه الصورة والمادة ويبحث عن المزيد من اللاتوازن مع الواقع والانزواء في الزاوية الخاصة لتكون النتيجة تهذيب الداخل على غرار ما يقوله موندريان: “لم يكن الفنّ في جوهره إلا تعويضاً عن انعدام التوازن في الواقع الراهن”.
عُرِف محمد أحمد ابراهيم بفنان الطبيعة منها يستمد الإلهام والوحي، وعلاقته وطيدة جداً بالطبيعة ويمكن رؤية خورفكان في أعماله، يشرح الفنان فنه قائلاً: “ممارسة الفنّ أو ممارسة فنّ الأرض بشكلٍ خاص لا يأتي إلا بنزوةٍ متأصلة. إنها تحتاج إلى علاقاتٍ حميمية خاصة مع البيئة والطبيعة وجسد الأرض وسكانها،” ويتابع شرحه فيقول: “تعلقي بالطبيعة جاء بحكم نشأتي في قرية خورفكان. اليوم تحولت القرية إلى بلدة لها خصائصها الفريدة وسماتها الخاصة، فالجبال تحيط بها جهات ثلاثة بينما يعانقها البحر من الجهة الرابعة فتغدق عليها الشمس عند الشروق بأشعةٍ ناعمة تعوضها عن غروب شمسٍ حُرِمت منه بسبب حغرافيتها فمشاهدة الغروب تتطلب الصعود إلى الجبل.” في هذه البلدة المنفتحة على بلاد فارس والهند وأفريقيا، عاش الفنان الإماراتي جاذبية غريبة، فكان منذ الطفولة يجلس خلال الليالي يقلّب الأحجار ويجمع الأغصان والعيدان المتناثرة فيتلمس النقوش الحجرية الغائرة هنا وهناك، نقوشاً تخبر حكايا عن رجال وإن كان تاريخها مجهولاً وهويتها غريبة.
نلمس قوة علاقة محمد أحمد ابراهيم بالطبيعة من خلال حماسه بالحديث عنها فقد استفاض بالكلام عن هذه العلاقة فقال: “في بداية الثمانينات توطدت علاقتي بهذا الجبل وكثيراً ما أعتقد أن هذه العلاقة كانت السبب في توجهي نحو دراسة علم النفس. لطالما أحببت الاحتكاك مع جسد الأرض، كنت أعشق تقليب الأحجار. أستطيع أن أجزم أنني اول من لمس تلك الأحجار.”
رؤية هذا الفنان توضحت يوماً بعد يوم من خلال أعماله التي قدمها على مرّ السنوات مستخدماً لتقديمها تقنيات كثيرة.
يعتقد فنان الطبيعة أن أهمية العمل الفني تظهر من خلال خلق حوارٍ في ذهنية المشاهد، للتواصل مع خطاب الفنان، وقدرته (أي العمل الفني) على حمل المنتج الثقافي الجمعي ويرى أنه تطور بشكلٍ ملحوظٍ على الساحة المحلية ويتجه لبناء منظومته المتكاملة بشكلِ متأنٍ ومدروس بشكلٍ طبيعيٍ، فهو يقول: “الفن لا يفقد وهجه، بل مخرجات ومعطيات العصر تتغير، فالمتاح اليوم ليس بالموجود أمس ولا نعرف ما المتاح القادم.” وحسب الفنان يُعزى هذا الأمر إلى الدعم الرسمي والمجتمعي سواء من المؤسسات العامة والمؤسسات الخاصة، ولوجود المؤسسات التعليمية نوعاً ما، والمتاحف والمعارض وصالات الفن والفعاليات المتخصصة الذي أثرى المشهد البصري للمنتجات الفنية وللمتذوقين في الوقت ذاته، وقد قال في هذا الصدد: “أوجد هذا الدعم جيلاً من الفنانيين الشباب الجاد المدرك لدور الفن في المجتمع في إقامة حوارٍ على المستوى المحلي أو المستوى الخارجي وتناول أهمية الفنّ كأداة ثقافية تحفز على التواصل وتخلق حوارات مع الثقافات الأخرى، وتحفظ المنتوج الثقافي للأجيال القادمة.”
وفي معرض الحديث عن تغير الفنّ وتطوره، أتى الفنان على ذكر الحالة التي يعيشها العالم الآن وما يعانيه من آثار جائحة كورونا فهو يعتقد أن هذه الأخيرة غيرت المشاهد والسلوك في العالم بشكلٍ قد يستمر لسنوات قادمة وقد قال: “ما يهمنا حالياً هو اللحظة المعاشة والزمن الحالي. أعتقد أنها أعطت للكثيريين الفرصة للتقرب من الذات ولنبش الدفاتر القديمة،” ويضيف: “أنا فردٌ يعيش دائماً هذه الحالة، لم يتغير علي الكثير إلا افتقادي لرؤية اصدقائي وللمس العمل الفني بصرياً”.
والفن في حياة محمد أحمد ابراهيم هو مبعث للأمل ومصدره، يقول: “أنا الأمل، أنا هنا، أين أذهب؟ الأمل يخلق الهدف ويدفع الإبداع إلى الفعل والإنتاج، العمل من خلال الأمل هو تربص للإحباط، لا أتخذ قرارات دائمة، أعتبر كل قرار خطوة نحو هدفٍ معين. اللون أمل، المادة أمل، اللعب أمل”.
قدّم الفنان الإماراتي معارض كثيرة ويقول عنها: “لكلّ معرض ظروفه. أدى كل معرضِ من معارضي دوره من خلال المعطيات الراهنة وحمل مغزاها إلى الفترات الزمنية اللاحقة، إلا أن للمعارض الشخصية مكانة خاصة في قلبي. لا يمكنني أن أنسى أول معرضٍ شخصي لي. كان في مايو من العام 1991 في مركز الشارقة الثقافي. مع هذا المعرض هجرت اللوحة لسنواتٍ انشغلت في خلالها في تجريب وسائل ومواد مختلفة وفي التقرب من البيئة الطبيعية.” ذكر الفنان أيضاً معرض Primordial الذي أقيم في صالة كوادرو غاليري عام 2013 ومن ثم معرض Elements الذي أقيم في الشارقة آرت فاونديشن عام 2018.
نشر الموضوع لأول مرة على صفحات فوغ العربية لعدد شهر سبتمبر
أقرئي أيضاً : بهدف دعم المواهب الجديدة، مدينة دبي للإعلام تطلق برنامج DMC AMPLIFY وتتعاون مع بيج هاس