منارة لكل من يبحث عن تاريخ وتراث مدينة جدة، مكتبة جدة وأيامنا الحلوة ثروة ثقافية مؤسسها منصور بن صالح الزامل آمن بأنّ الحفاظ على التراث لا يكون إلا بنشر ما تم توثيقه عنه.
لمنصور بن صالح الزامل، ذكريات جمة بمدينته جدة. جدة التاريخية، التي اعتاد زيارة جديه فيها، اللذين كانا يقيمان فيها آنذاك في حارة المظلوم. تنقل في حاراتها وبين أزقتها، وخزن في ذاكرته وقلبه كل تفصيلة فيها وجمال معمار رواشينها، وبساطة أهلها وعمق قيمهم، وشاهد بشغف ما تحويه هذه المدينة من حِرَف وفنون فولكلورية. ويقول منصور: «قَد تَتَلَاشَى الذِّكْرَيَات مَعَ الوَقْتِ، وَلَكِنَّهَا سَتَعِيْشُ فِي تِلْكَ البُيُوت إِلَى الأَبَدْ». رغم انتقاله ومكوثه في سويسرا للدراسة، كان لمنصور عين وحنين إلى الوطن فحمل معه كل ما تعلمه أثناء تواجده بسويسرا وكل ما شاهده من ثقافات وحضارات الشعوب في غيرها من الدول التي زارها. فتراث وتاريخ تلك الدول والأساليب التي اتُبعت لتوثيقها بشكل فريد ومميز، والمؤلفات والمخطوطات كانت كلها تثير فضول منصور القارئ النهم والمحب للاطلاع على كل ما يختص بالحضارات والأديان. وبعد عودته من سويسرا، أُوكلت إليه العديد من المهام في إطار عمل الأسرة في شركة الزامل للصناعات المعدنية الثقيلة والتي تخدم قطاع البترول والغاز. ورغم صعوبة المهام التي انخرط بها في هذا المجال إلا أن منصور ظل يحمل على عاتقه مهمة الحفاظ على جمال ما استوطن في ذاكرته منذ الطفولة من تراث هذه المنطقة، لذا قرر إنشاء منظومة متكاملة تهدف إلى الحفاظ على التراث الاجتماعي والفني والأدبي والثقافي والعمراني لمنطقة جدة التاريخية، وأعطى من وقته الكثير في سبيل تحقيق هذا الهدف. ويقول: «تُرَاثُنَا.. حَيَاةُ أَسْلَافِنَا فِي المَاضِي، وهُوِيَّةُ أَبْنَائِنَا فِي المُسْتَقْبَل؛ فَلَا يَحِقُّ لَنَا العَبَث فِيْه». على إثر ذلك أسس منصور منظومة جدة وأيامنا الحلوة عام 2013، والتي برزت كأول مؤسسة تسعى للحفاظ على تراث منطقة جدة التاريخية وتوثيقه، وقد اختير منصور على إثر جهوده مستشاراً لمهرجان جدة التاريخية الأول والثاني والثالث، لما يتمتع به من إطلاع واسع ومعرفة عميقة بتاريخ وتراث هذه المنطقة العريق. انبثق عن المنظومة: مقعد جدة وأيامنا الحلوة (متحف المقتنيات والصور والوثائق التاريخية)، بيت جدة وأيامنا الحلوة (متحف البيت الجداوي)، جُدرانية جدة وأيامنا الحلوة (منبر الفنون في جدة التاريخية)، وتذكار البلد، ومكتبة جدة وأيامنا الحلوة.
تعد مكتبة جدة وأيامنا الحلوة، التي قام منصور بتأسيسها عام 2016، من أهم إنجازاته. وقام بافتتاحها محافظ مدينة جدة آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز آل سعود في مهرجان جدة التاريخية الثاني، لتكون منارةً لكل من يبحث عن تاريخ وتراث مدينة جدة، إيماناً منه بأن الحفاظ على التراث لا يكون إلا بنشر ما تم توثيقه عنه، والتشجيع على كتابته وتدوينه. ولكي تحقق المكتبة الهدف المرجو منها، انطلق في العمل على مسارين: الأول وهو إثراء المكتبة بكل ما كتب وتم توثيقه وتدوينه عن جدة وشخصياتها والأحداث التي مرت بها، والصور النادرة عنها، ونمط العمارة فيها، والفنون والمهن والحِرَف التي كانت سائدة في المدينة آنذاك. والثاني وهو تأسيس دار منصور الزامل للنشر والتوزيع لتكون رافداً لهذه المكتبة، وذلك عبر استقطاب الكتَّاب والأدباء والمفكرين لدعم توثيق كل ما يختص بتاريخ جدة بصفة خاصة والمنطقة الغربية من المملكة العربية السعودية بصفة عامة. وقد نجحت الدار في إصدار 25 كتاباً توثق بدقة مختلف تفاصيل الحياة في هذه المنطقة، إلى جانب إصدار عدد من الأقراص الممغنطة للمجسات والفنون الفولكلورية. كما قام بإصدار عدد من الأقراص الممغنطة للقرآن الكريم بالتلاوة الحجازية مترجم بلغات مختلفة توزع مجاناً على السياح والزوار والجاليات الأجنبية التي تزور المنطقة. وتضم المكتبة بين جنباتها قسماً خاصاً للقراءة بمختلف اللغات، العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والتركية. وتتنوع كتبها ما بين سير ملوك المملكة العربية السعودية، وتاريخ جدة وسير ذاتية لبعض شخصياتها، وألبومات صور للحج عبر مختلف الأزمنة، كما تضم أكثر من 3500 صورة تاريخية وتوثيقية عن مدينة جدة، وكتب رحلات لرحالة أجانب بمختلف اللغات، إلى جانب عدد من الكتب التراثية والتاريخية التي رُفِدت بها من قبل مكتبة منصور الخاصة لإثراء الزوار والمطَّلعين عليها عن التاريخ والتراث العريق لهذه المدينة. كما تحوي صوراً أرشيفية قديمة تعود إلى عام 1902 التقطت بأيدي رحالة أجانب، ومجلات قديمة كتبت عن المملكة العربية السعودية وتاريخها. وقد نجحت المكتبة بشكل كبير جداً في أن تكون المقصد الأول للباحثين والزوار والسياح الراغبين في التعرف أكثر على تراث هذه المنطقة، كما أصبحت ملاذاً مهماً للطلاب والطالبات الراغبين في الاطلاع على التاريخ العريق لها، حيث تمكنت المكتبة من دعم ومساندة عدد من الطلاب والطالبات في إنجاز خمس رسالات ماجستير ودكتوراة. وقد حرص منصور على ألّا يتوقف دور المكتبة عند هذا الحد، بل سعى جاهداً إلى خدمة المجتمع بشكل مباشر من خلال التحفيز على القراءة وتعزيز مبدأ الشراكة المجتمعية والإسهام في العمل التطوعي، فقام بإطلاق عدد من المبادرات، منها مبادرة الحارة تقرأ والتي تعاون منصور من خلالها مع نخبة من المتطوعين والمتطوعات بإنشاء حلقات قراءة أسبوعية تطوعية للارتقاء بمنطقة جدة التاريخية ثقافياً، حيث تم تعليم الأطفال خلال هذه الحلقات القراءة والكتابة واللغة العربية واللغة الإنجليزية، وتم توفير كافة الإمكانيات اللازمة لذلك. وقد استفاد من هذه المبادرة أكثر من 185 طفلاً أشرف عليهم مجموعة من المشرفين المتطوعين الأكفاء بلغ عددهم 21 مشرفاً متخصصاً. وهناك مبادرة أخرى بعنوان مبادرة القراءة للجميع التي تستهدف الشباب وزوار المنطقة، وتم خلالها وضع أكثر من 400 كتاب في أحد الأزقة أمام المكتبة ليتمكن الجميع من قراءتها والاستفادة منها حتى يتم الإسهام بشكل فعَّال في تنمية الثقافة الفردية للمستفيد.
«الحِفَاظُ عَلَى التِرَاثِ وَاجِبٌ وَطَنِي وَعَمَلٌ تَنْتَظِرْهُ مِنَّا الأَجْيَال القَادِمَة» كلمات تختصر رؤية وهدف منصور بن صالح الزامل باسم الثقافة.
الموضوع نشر للمرة الأولى على صفحات عدد يونيو 2023 من المجلة