أمسك ريتشارد برانسون -الملياردير اللامع، ورائد سلسلة من المشروعات، ومؤسس مجموعة ڤيرجن التي تضم تحت مظلتها علامات تجارية عديدة- بوسادة مخملية ناعمة ومطرّزة يدوياً بأشكال الأرابيسك الهندسية الملوّنة في متجره ڤيرجن ميغا ستور بدبي مول قائلاً: “سآخذها إلى منزلي”. ولم يأتِ من فراغ هذا الولع بقطع الديكور الذي أحسّ به هذا الناشط في المجالات الإنسانية المعتاد على تحطيم الأرقام القياسية العالمية بموسوعة غينيس، إذ تعد هذه الوسادة جزءاً من تشكيلة من المشغولات الحرفية تهدف إلى تأمين الدخل للاجئين أُطلق عليها اسم ’ميد51‘ MADE51 .
وكان برانسون قد زار دبي لا للترويج فحسب لمجموعة ’ميد51‘، التي تتوافر حالياً بمتجر ڤيرجن ميغا ستور بدبي مول ومول الإمارات، وإنما للحديث أيضاً عن أزمة اللاجئين المتواصلة، والتي تستهدف هذه المجموعة إلى رفع الوعي بها.
وبحسب دراسة أصدرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بلغ عدد النازحين قسراً في عام 2019 بسبب الحروب أو الاضطهاد أو الكوارث الطبيعية 70.8 مليون شخص. وذكرت أن العالم يمر بأسوأ أزمة إنسانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أو كما يقول برانسون: “واحدة من كبرى المشاكل اليوم هي أزمة اللاجئين. فهم يوماً يعملون في وظائف لائقة بدول مستقرة ثم في اليوم التالي يضطرون إلى الفرار واجتياز الحدود دون أي شيء معهم. وأكثر شيء يحتاجونه بشدة هو استعادة كرامتهم، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك في رأيهم هي توظيفهم في وظائف مستقرة”.
ويروي كل منتج في مجموعة ’ميد51‘ قصة ما، على سبيل المثال، تجسّد الدمى المصنوعة يدوياً بإتقان أحلامَ اللاجئين السوريين المقيمين حالياً في لبنان. وفي هذه الآونة، وفي وقت يتزامن مع موسم الاحتفالات، تحتوي مجموعة العطلات، المتوافرة الآن في المتاجر، على 12 قطعة من زينات عيد الميلاد صنعها لاجئون من شتى أنحاء العالم. و’ميد51‘ هي علامة جديدة وعصرية وفاخرة تقدم لها المفوضيةُ الدعمَ والتمويل، وأيضاً بمثابة مبادرة عالمية انطلقت في العام الماضي فقط لربط اللاجئين من الحرفيين بالمؤسسات الاجتماعية لتيسير تصميم المنتجات الحرفية الفريدة وصناعتها وتسويقها. وقد استوحى هذا البرنامجُ اسمَه من اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، التي حددت حقوق النازحين. ويضيف برانسون أن اسمها أيضاً اختصار بالأحرف الأولى من عبارة Market Access Design and Empowerment، أي: توصيل التصاميم وتمكينها في الأسواق، مضيفاً: “أنا مندهش من مدى جودة صناعة هذه المنتجات. وكل منتج يحمل رسالة من اللاجئين في الجزء الخلفي، ومن الجميل جداً عنايتهم بالتفاصيل”. ولا توفر هذه المنتجات للاجئين سبل العيش فحسب، وإنما تعمل أيضاً على الاحتفاء بتراث بلدانهم والمحافظة عليه من النسيان. وتشكل المنتجات نافذة تطل على المواهب والتنوع الثقافي لصنّاعها الذين يستفيدون ببساطة من خبراتهم للاستقلال اقتصادياً.
وتتولّى المفوضية مهمة البحث عن الشركاء المثاليين للاجئين وتضمن صناعة جميع المنتجات وفقاً للمعايير العالمية. على سبيل المثال، يصنع اللاجئون السوريون المقيمون حالياً في الأردن حقائب مصنوعة بتقنيات الغرز المتداخلة التي تناقلتها الأجيال، بالشراكة مع المصممة اليابانية مي هاياشي التي تقيم في الأردن منذ عام 2008. ويتعاون مشغلها “تريبالوجي” مع النساء القادمات من المجتمعات المحرومة.
وإذا كانت الاستدامة قد غدت الكلمة الطنّانة الجديدة التي يرددها عالم الموضة، فإن مشروع ’ميد51‘ أكثر حرصاً من ذلك على أن يستخدم اللاجئون الخامات المعاد تدويرها في صناعة مشغولاتهم الحرفية. لذا يصنع لاجئو مالي المقيمون في بوركينا فاسو أوعيتهم يدوياً باستخدام التقنيات الحرفية التقليدية لقبيلة الطوارق. ويستخدمون النحاس المعاد تدويره داخل الأوعية فيما يزينونها من الخارج بالجلود – وهي أساليب تصميمية مستمدة من تقاليد صناعة الخيام.
ويأمل السير ريتشارد برانسون في أن تشكل مجموعة ’ميد51‘، المتوافرة في جميع متاجر ڤيرجن ميغا ستور في هذه المنطقة، اتجاهاً لدى وكلاء التجزئة الآخرين. ويوضح: “أحياناً عندما تفعل ڤيرجن شيئاً ما، يتبعها الآخرون. ومنذ 30 عاماً مثلاً، كان لديّ درج مملوء بالعملات الأجنبية الصغيرة [الفكَّة]، فقالت لي زوجتي: ’لِمَ لا تجمعها من الركاب حين يغادرون الطائرة [وتقدم هذا المال للأعمال الخيرية]؟، لذا شرعت في جمع هذه العملات الصغيرة. والآن يمارس العديد من شركات الطيران هذا النشاط، منها الخطوط الجوية البريطانية وطيران الإمارات. وحالياً يتم حرفياً جمع مليارات الدولارات للأعمال الخيرية بهذه الوسيلة”.
ويعتبر شراء منتج من ’ميد51‘ من الهدايا التي ترد بحق الجميلَ للمجتمع بطرق عدة. وعن ذلك يقول برانسون: “لن تحقق شركةٌ تعمل كمجرد ماكينة لإمداد صاحبها بالمال الإشباعَ والرضى مطلقاً. ويجب على الشركات أن تكون جزءاً من حياة أصحابها وموظفيها. ويجب أن تستخدم المهارات التجارية لموظفيها للنظر في المشكلات التي يمكنهم إصلاحها”. ويؤمن برانسون بأنه لو استخدمت كل شركة هذا النهج، فقد تُحل جميع مشاكل العالم. وبمعنى أكثر دقة، يؤمن أيضاً بأن منتجات ’ميد51‘ هدايا مثالية. يقول: “أنا آخر مَن يقدم نصائح في التصميم ولكن إذا كنتم تبحثون عن هدية عملية، ومفيدة، وترد الجميل للمجتمع، فقد تُحدث منتجات ’ميد51‘ فرقاً كبيراً”. وبحلول عام 2030، يأمل مشروع ’ميد51‘ في أن تدعم هذه المبادرة أكثر 300 ألف لاجئ.
اقرؤوا أيضاً: كلُ صوت، وكلُ عمل، وكلُ واحد منّا مهمٌ‘‘ – كيت بلانشيت تكتب عن أهمية مساعدة اللاجئين على استغلال كامل طاقاتهم