شروط ونصوص وقوانين تقلّل من شأن المرأة العربية وتعتبر إجحافاً في حقّها. فهي في المقام الأوّل الأم والحاضنة والمربية ومسؤولياتها في التربية لا تحصى ولا تعدّ. في الشرع حقوقها محفوظة، ولكنّها تسلب منها في لمح البصر عندما تصبح مطلّقة، فمع الطلاق تبدأ معاناتها وتحرم من أبنائها وتتحول إلى الحلقة الأضعف
على مرّ السنوات، أثارت أعمال فنية كثيرة الجدل لتناولها قضايا تسلّط الضوء على حقوق المرأة العربية. كانت الفنانة فاتن حمامة أوّل من طرح مشكلة تعاني المرأة تبعاتها في فيلم «أريد حلّاً» الذي قدمته منذ 50 عاماً الذي أتى ثماره حين تمّ تعديل قانون الأحوال الشخصية للمرة الأولى وتحديداً قانون الخلع فمنح المرأة حق طلب الطلاق بعد أن كان يتم برغبة الرجل فقط. واستمرت رحلة النضال نحو إنصاف النساء طويلاً ليس فقط فيما يخص مسألة الطلاق وإنمّا الطلب في إنصاف المرأة المطلّقة بحضانة أطفالها. انتبهت السيدة زينة إبراهيم من لبنان إلى الإجحاف الظالم الذي ينال من المرأة الشيعية دوناً عن غيرها من النساء، فهي تُحرم وفقاً لقوانين المحاكم الجعفرية المعنية بشؤون المسلمين الشيعة من ابنها عند بلوغه السنتين ومن ابنتها عند بلوغها السابعة وتُمنح حق الرؤية لمدة 24 ساعة أسبوعياً فقط لا غير. هذا الظلم دفع بالسيدة إبراهيم إلى إطلاق حملة رفع سن الحضانة عند الطائفة الشيعية التي لاقت تشجيعاً من عددٍ كبير من السيدات في لبنان شكلن ضغطاً لا يُستهان به على المحاكم الجعفرية. صحيح أن الحملة لم تنجح بعد في تغيير قوانين الحضانة إلا أن القضاة الجعفريين الذين ساندوا الحملة بمواقف وأحكام جريئة بدأ عددهم يتزايد، ولوحظ تغيير ملموس في عقلية النساء اللواتي بدأن يرفضن الخضوع لأحكام تنال أمومتهن وحقوق أطفالهن. تقول السيدة زينة إبراهيم: «نتقدّم بخطوات بطيئة لأنّنا لسنا جمعية ولم نتلقّ أي دعم وتفاجأت أنّ الجمعيات النسائية التي تعنى بحقوق المرأة في لبنان لم تساهم حتّى في دعمنا في تحرّكاتنا كما أنّنا لم نحصل على أي تمويل من جهة معيّنة. وكوننا نتعامل مع مؤسسة دينية فمطالبنا تصب في تغيير القوانين الدينية، إذ نسعى لتعديل قوانين الحضانة في المحاكم الجعفرية ضمن صيغة ترفع الظلم عن الأمّهات ولا تتعارض مع الدين».
هذا العام، أثارت الفنانة نيللي كريم بمسلسلها الرمضاني «فاتن أمل حربي» الجدل لكاتبه الصحفي المصري إبراهيم عيسى، خاصة بعد التطرق إلى أزمة الأم الحاضنة والمشكلة القانونية المتعلقة بحق حضانة الأطفال حال زواج الأم المطلقة. فبينما رفعت رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر الدكتورة مايا مرسي القبعة لصناع العمل وأيدت مطالبه إلى جانب شريحة واسعة من المتابعين، طالب آخرون بوقفه واتهموا صنّاعه بالتهجم على الدين الإسلامي وعلى الأزهر الشريف والمحاكم الدينية وبالازدراء بالقرآن الكريم وآياته.
وللوقوف على حجم الجدل الواسع الذي أثاره المسلسل ولفهم أسبابه لا بدّ من إلقاء نظرة على مسألتي الطلاق والحضانة من وجهة نظر قانونية. بادئ ذي بدء لا بدّ من الإشارة إلى أن أحكام الطلاق تختلف بين دين وآخر وبين طائفة وأخرى ضمن الديانة الواحدة. كما سبق وأشارت السيدة زينة إبراهيم، تفقد الأم لدى الطائفة الشيعية حضانة ابنها عند بلوغه العامين وابنتها عند بلوغها السابعة، ويكون الأب هو الحاضن في حال وفاة الأم أو زواجها من رجلٍ آخر. أما عند الطائفة السنية فقد تمّ تعديل القوانين لتعطي الأم حق حضانة الصبي والبنت حتى سن الثانية عشرة، على أن تخسر حضانتهما في حال تزوجت من آخر، علماً أنها لا تملك حقّ السفر بهما من دون إذن الأب. أما طائفة الموحدين الدروز فقد عدلت قوانينها أيضاً لتمنح حق الحضانة للأم إلى أن يبلغ الصبي سن 12 وإلى أن تبلغ البنت سن 14، على أن تسقط حضانتها في حال تزوجت من رجل آخر، ولا يسافر الولد مع أحد الوالدين المطلقين إلا بعد الحصول على موافقة الطرف الآخر.
أما لدى الديانة المسيحية، فتجري الأمور كما يلي: لم ينص قانون الطائفة الكاثوليكية على سن الحضانة وإنما على حق الرضاعة للأم حتى بلوغ الطفل سنتين وبعدها تبحث المحكمة عن مصلحة الطفل في تقرير مصيره، علماً أن هذه الطائفة تتجه اليوم إلى رفع سن الحضانة بما يتناسب مع توجه القوانين المذهبية الأخرى ومع مصلحة الطفل العليا. حسب قوانين الطائفة الأرثوذكسية (لبطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس) يقيم الأولاد عند والدهم للسلطان الأبوي الذي له عليهم وهو الذي يربيهم ويعلمهم، إلا أنه يعطي الأم حق حضانة الصبي حتى عمر 14 والبنت حتى عمر 12.
أما الطائفة الأرمنية الأرثوذكسية، والطائفة السريانية الأرثوذكسية والطائفة الأشورية الأرثوذكسية فتعطي الأم حضانة الصبي حتى عمر السابعة والبنت حتى عمر التاسعة. وتمنح الطائفة الإنجيلية الأم غير المرتبطة برجل غير والدهم حضانة أولادها حتى عمر 12 للصبي و13 للبنت، وتكون الحضانة للأب في حال وفاة الأم أو في حال ثبوت عدم أهليتها. (التقرير القانوني بمساعدة المحامية لينا نجم الدين بإذن من مكتب المحاماة «عالم وشركاه» في لبنان).
بالعودة إلى نيللي كريم، تدور أحداث مسلسل فاتن أمل حربي من خلال إطار درامي اجتماعي حول مشكلة «فاتن» مع زوجها وهي تعمل في الشهر العقاري، وتتوالى المشاكل الزوجية بينهما، حتى تقرر إنهاء زواجها بعد 10 سنوات ظناً منها أنها بذلك تنتهي من المشاكل بينهما، ولكنها تصدم بالواقع لتجد نفسها أمام مشكلة أكبر وهي حضانة الأولاد، والتي يقرر القانون حرمانها من ابنتيها إن تزوجت من شخص آخر، وتتصاعد الأحداث بقالب تشويقي.
تجسد نيللي كريم واقعاً تعيشه نساء كثيرات يعتقدن أن الطلاق هو حل لمعاناتهن مع الزوج، نساء غاب عن بالهن أن التخلص من الزوج المقيت يضعهن أمام معركة أمرّ هي معركة الأمومة التي يتحول فيها الأولاد لسلاح يستخدمه الطرفان لتصفية حساباتهما مع بعضهما البعض، ما يؤدي إلى تبعات نفسية كثيرة عليهم تفتح أمامهم أبواب الانحراف.
والمسلسل أعاد إلى الواجهة أزمة قانون الحضانة في مصر التي تعود إلى موعد إصداره عام 1929، فيما تم تعديله عام 1985 وسط مطالبات بتعديله من جديد ليناسب الفترة الزمنية الجارية، وينص على أن حضانة الأم بعد زواجها من أجنبي مقيدة بالمصلحة بالنسبة للمحضون لأنه لا عبرة بمصلحة الأب والأم، إلا في نطاق مصلحة المحضون طبقاً لسلطة القاضي الموضوعية. إذ يجسد الكثير من المشكلات التي تعيشها السيدات عقب الانفصال. وينص القانون المصري على انتهاء حق حضانة النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسة عشرة، ويخير القاضي الصغير أو الصغيرة بعد بلوغ هذه السن البقاء في يد الحاضنة دون أجر حضانة، وذلك حتى يبلغ الصغير سن الرشد وحتى تتزوج الصغيرة.
أثار المسلسل أيضاً تساؤلات عن الأسباب التي تعطي الزوج الحق بالزواج من أخرى مع الحفاظ على حقّ الحضانة في حين تفقد المرأة حضانتها في حال تزوجت من آخر.
ومن الإمارات حصلنا على النص القانوني من مكتب بن حيدر للمحاماة والاستشارات القانونية الذي أفادنا بالتالي: «الحضانة تعني حفظ الولد ورعايته وتربيته. ولكون الأم أشفق وأرفق بولديها في سنوات عمره الباكرة فقد جعل الشارع الحكيم أمر الحضانة من شؤون النساء في حال وقوع الطلاق بين الأم والأب. وحرصاً من المشرع على مصلحة المحضون فقد أوجب توافر شروط في الحاضنة منها العقل والبلوغ رشداً والأمانة والقدرة على تربية المحضون والسلامة من الأمراض المعدية.
كما اشترط المشرع شروط للحاضنة فهناك عدة حالات لإسقاط الحضانة منها أولاً في حال انتفاء أحد الشروط التي سبق وذكرناها، ثانياً إذا اختل شرط الدين، وفي حال استوطنت الحاضنة في بلد يكون من العسير على ولي المحضون القيام بواجباته نحوه، والحالة الأخيرة يسقط حق الحاضنة في حال سكنت مع من سقطت حضانتها لسبب غير العجز البدني كفقدان الأمانة أو الفسق أو اختلاف الدين. وفيما يتعلق بزواج (الأم الحاضنة) من أجنبي عن المحضون وعلى الرغم من أنه إحدى حالات إسقاط الحضانة، ولكنها لا تسقط تلقائيا حيث أن للمحكمة سلطة تقديرية أن تحكم باستمرار الحاضنة في حضانة المحضون رغم زواجها من أجنبي عنه وذلك في حال رأت المحكمة أن مصلحة المحضون تقتضي ذلك». (المحامية منى محمد البلوشي – بن حيدر للمحاماة والاستشارات القانونية). ونذكر هنا أن مجموعة كبيرة من النساء في الإمارات طالبن بإدخال تعديلات على قانون الأحوال الشخصية في مسألة الحضانة، بما يعطيهن الحق في الحضانة بعد زواجهن من آخرين، ودعون أيضاً إلى عدم اشتراط خلو المرأة الحاضن من الزواج، والنظر في المسألة حسب ظروف الطرفين، فيما اعترض رجال على هذا المطلب، معتبرين أن زواجهن الثاني أسقط هذا الحق، إذ لا يؤتمن زوج الأم على رعاية الأبناء، مشيرات إلى أن زوجة الأب يمكن أن تكون امرأة سيئة تسيء معاملة أولاد زوجها وأن الأب قد يكون مشغولاً بعمله بشكلٍ يمنعه رعاية الأولاد، فالأولى في هذه الحالة أن ترعاهم الأم حتى وإن كانت متزوجة من أجنبي طالما أن هذا الأخير يقبل الطفل.
في آخر الكلام، لا بدّ من القول إن المشكلة الأساسية تكمن في سوء اختيار الشريك، فليس كل من يخفق له القلب صالح ليكون أباً أو أماً؛ الأهم هو أن يقتنع المنطق بعقلية الشريك وأن يشعر اتجاهه بالأمان والاطمئنان وأن يتأكد أن هذا الشريك سيحتكم إلى الضمير والعقل عند وقوع أي خلاف.
فهل ستحارب المرأة في بلادنا العربية، وهل سيدعمها الرجل في مطلبها، وهل سيرفع صوت العدل وتتجدد العقلية، وتنعم الوالدة بضناها الغالي دون أن تتعثّر بمطبّات تحرمها الطمأنينة والسكينة؟ نحن مع الحق ولسنا ضد أي قانون ولا شرع أو دين، ففي نهاية المطاف المرأة ابنة هذا المجتمع ونصفه اللطيف، وهي التي تكوّن الأسرة أساس كل المجتمعات، واستقرارها أفضل بكثير من تنازعها.
الموضوع نشر على صفحات المجلة لأول مرة عدد شهر مايو 2022