نحيا بين أشيائنا، قطع تحيط بنا وتسهّل عيشنا، قطع أيامنا، نبحث فيها عن الجمال والعملية، تصبح أيضاً انعكاساً لأذواقنا، لما نحبّه ونعبّر عبره عن هوياتنا. هذه الأشياء، تصمّمها مخيّلات مبدعة تشكل أسسَ مشهدٍ أصبح واضحاً في منطقتنا. لرسم ملامح بارزة في هذا المشهد حرصنا، خلال أسبوع دبي للتصميم، على لقاء أربع مصمّمات عربيات يتركن بصمات التجدّد والتميّز في المساحات الحميمة، كالبيوت وغرفها، والمساحات العامة كالمتاحف ودور العرض. نعرض فيما يلي أربع تجارب مختلفة الإتجاهات تثري مشهد التصميم في العالم.
نشر هذا المقال للمرّة الأولى في عدد شهر يناير 2019 من ڤوغ العربيّة
الجود لوتاه
نشأت المصممة الإماراتية الجود لوتاه في كنف عائلة تعشق الفن والثقافة. «أختي ترسم ووالدي يحب التصوير. كانت ميولي الأكاديمية فنية، فاخترت التخصّص في التصميم الغرافيكي، وقد نلت مرتبة الشرف مع شهادة التخرّج. ثم أسست شركة تقدّم خدمات التصميم الغرافيكي كان مركزها بيتي. وعام 2012 انضممت إلى برنامج تشكيل الثقافي الذي يُعرف الآن باسم برنامج «تنوين»، وكانت مدته ستة أشهر مع نهايتها كان ينبغي أن نصمّم منتجاً ثلاثي الأبعاد، قطعة أثاث أو أكسسواراً. وجدتُني متحمسة لتغيير التصاميم وتقديمها ثلاثية الأبعاد، ومن هناك انطلقت في عالم التصميم».
تبدو تجربة لوتاه دليلاً على أهمية مركز مثل «تشكيل» وبرنامج مثل «تنوين» في مساعدة المصممين الشباب والمصمّمات الشابات على فهم مواهبهن وبناء أسس المهنة المختارة. تقول لوتاه: «هذه البرامج فتحت عيوننا على عالم التصميم، على الأسس الجمالية السائدة في الخارج والمرتبطة بالتصميم الذي وضعتنا على خريطته العالمية. وهو ما نحتاج إليه ونقدّره، مثلما نقدّر الدعم الرسمي الحكومي الذي فتح لنا الأبواب ووسع الآفاق وقدّم إلينا الفرص. وأنا أشارك دوماً في معارض عالمية، آخر مشاركة تمّت في باريس، مع وزارة الثقافة وحي دبي للتصميم. كما شاركت في مهرجان لندن ومهرجان بيجين وأسبوع ميلانو للتصميم».
ما حدّد أسلوب لوتاه وشكّل بصمتها هو التناقض بين دور القطعة المصمّمة ووظيفتها وشكلها. «هذا التناقض يجعل تصميم القطعة غير مألوف ومبتكَراً. وأنا خلال التصميم آخذ بعين الاعتبار وظيفة القطعة وشكلها، فأحرص على أن تحمل بصمات أسلوبي وتراعي ما أراه جميلاً. وإذا كان التصميم يلبّي طلباً معيّناً من زبون أو زبونة، فيجب أن أراعي المكان الذي ستوضع القطعة فيه، أو الهدف من تصميمها والقيمة التي ستضيفها إلى محيطها. تلتقي هنا المادة والشكل وجمالياته والوظيفة. أحياناً تحدّنا المادة وتتحكّم في التصميم، فلا يمكن أن نذهب بعيداً في أفكارنا».
ليس سهلاً تأمين المواد في الإمارات، وتنوّعها غير متاح، كما تؤكد المصمّمات اللواتي يعملن هناك. كما تضيف لوتاه أن «البحث عن حرفيين جيدين ليس بدوره أمراً سهلاً». فهي كما تشرح، تتابع «التفاصيل كلّها خوفاً من أن يُهمل أيّ منها. تصميم وتنفيذ قطع محدودة الكمية مكلفان، ويجب أن تكون التفاصيل كلّها دقيقة ولا تشوبها شائبة. أحياناً نضطر إلى تأمين المواد من بلدان أخرى، كالرخام، الذي أمّنته من لبنان، والبورسلين الذي أتيت به من تايلند».
في أعمال لوتاه أيضاً يلوح الماضي الذي يحرّك مخيّلة تصنع أشياء الحاضر والمستقبل. يبرز مجدداً سؤال الهوية، فتؤكد لوتاه أنها «تهتمّ بسرد قصص حضارتنا وتاريخنا الغنيين. لقد استخدم أجدادنا مواد من محيطهم بطريقة مبتكرة تسهّل حيواتهم. بنوا خيماً من جدائل النخيل (الخوص)، وصنعوا منها أيضاً أدوات وأواني للبيت، فوجدوا حلولاً عملية ومبتكرة لمواقف تواجههم كل يوم. أبدعوا في إيجاد هذه الحلول التي تلهمني. على سبيل المثال طلبت أن ينسج جلد الجمل، الذي يعجبني وأسعى إلى استعماله، بطريقة سعوف النخيل المجفّفة ليشبه الخوص. استلهمت من التراث تصاميم مبتكرة تلائم حياتنا اليوم وغداً. الحداثة أثّرت في حرف أساسية لصناعة أدوات ما عدنا نحتاج إلى استخدامها. لكنني مهتمة بهذه الحرف، ونحن نعمل مع حرفيات إماراتيات للاستفادة من معارفهن وحرفهن في إنتاج قطع نحتاج إليها اليوم».
الماضي يعانق الحاضر الذي تعيشه لوتاه في دبي. «الحياة في دبي تضيء على المعايير العالمية، وتعلّمنا العمل سريعاً، كما تشجعنا على الإنجاز والتقدّم. وثمة الآن وعي بدور التصميم في حيواتنا، وثمة تطوّر منذ انطلقت مهنياً عام 2012. ثمة أيضاً حماسة، وهي تدفعنا إلى الأمام، فلا نقبل بالعوائق. وأنا بطبيعتي لا أستسلم. كما أن الشغف بالمهنة التي نمارسها يصنع الفرق. هذا الشغف يظهر في التصاميم ويجعلها تبرز بين غيرها».
ندى دبس
خلال طفولتها كانت ندى دبس تجمع أقلام التلوين. «نشأت في اليابان، ولعلّ الانفتاح على لغات مختلفة في البيت وخارجه هو ما جعلني أستصعب التعبير عن نفسي بالكلام، فعبّرت عن عواطفي بصرياً بالإبداع والتصميم».
درست دبس التصميم في كلية رود أيلاند للتصميم في الولايات المتحدة، وكانت قد بدأت تصميم الأثاث في لندن قبل أن تنتقل إلى لبنان. «عندما عشت في بيروت اكتشفت أن الأثاث في معظم البيوت مستورد من الخارج. وحرّكني فضول لاستكشاف التصاميم العربية والشرقية الطابع، فزرت دمشق حيث فُتحت لي أبواب عالم الحرف. تعرّفت إلى حرفيين فخورين بتصاميمهم المعقّدة والتي تتطلّب عملاً جبّاراً، وقد بدت لي منتمية إلى قرون غابرة. هذا الجمال الذي يمكن أن يصنعه الحرفي مطموس، أردت أن أبرزه. كل ما فعلته هو أنني منحته شكلاً بسيطاً. في بيروت طلبت من النجار أن يصنع طاولة جانبية جمعت في تصميمها بين التطعيم بأمّ اللآلئ والخشب الداكن والخطوط البسيطة الواضحة. كان التناقض بين المواد والأفكار جديداً، وشكّل المعادلة المطلوبة».
لم تكن دبس تبني أسس مهنتها فحسب بل كانت الرحلة المهنية في الوقت نفسه رحلة شخصية لفهم ثقافتها من خلال التصميم. «لاحظت أنها رحلة الكثيرين، وأن التصاميم المتأثرة بجماليات مرتبطة بالجذور والتراث تمنحهم أجوبة عن أسئلة يومية، يتواصلون مع هوياتهم عبر أشياء كل يوم. هذه القطع المستلهمة من التراث تبثّ الروح في المساحات الباردة».
لقد اكتشفت دبس لاحقاَ أن هذه الروح الدافئة تمثّلنا، نحن أهل هذه المنطقة من العالم. «نحن عاطفيون، وعمل الحرفيين الدقيق والمبني على التكرار فعل تأمّل، هو فعل حبّ. الحرفي المنكبّ على عمله منتبه إلى التفاصيل، وفي هذا الانتباه كلّ الحب والطاقة التي نشعر بها. تصاميمي ليست أفضل من غيرها، لكنها تطرح طاقة يشعر بها الآخرون. وهذه الطاقة قرّبت الماضي وما استلهمناه منه، فلم تعد القطع المستوحاة منه مجرّد قطع عتيقة».
هذا الشرح المثير للاهتمام، العميق والروحاني يدفعنا إلى التساؤل عن نجاح دبس دون غيرها في التعامل مع الماضي كمصدر للإلهام لا غير. «أنا جئت من الخارج وقلت ببساطة: غيّروا ما كان شبه مقدّس بالنسبة إلى الآخرين لأنهم مرتبطون بالماضي ارتباطاً وثيقاً، لا يجرؤون على المساس به. احترمت التراث لكنني لم أجمّد رؤيتي له وما استلهمته منه، بل أضفت المواد الجديدة ولجأت إلى تقنيات جديدة. أضفت أم اللآلئ إلى البلكسي».
التخيّل والتصميم والتنفيذ، العملية بجميع مراحلها تلهم دبس التي تترأس شركة هي عالم رائع من الأفكار والألوان والأحلام والمواد والأشكال. من الأثاث والديكور إلى السجاد والهدايا والإكسسوار، هذا العالم مفتوح في المتجر اللطيف والاستديو البديع في منطقة الجمّيزة في بيروت.
«العملية تلهمني والمادة أيضاً. أما الشكل، فهو آخر ما أفكر فيه، وبالطبع الوظيفة مهمة جداً، بل الأولوية هي للوظيفة، ثم التقنية وطريقة التنفيذ ثم الشكل. أطلب كخطوة أولى أن أرى نماذج عديدة لمواد وألوان وأشكال. أجلس بينها وأتأملها أحياناً خلال عام كامل. ثم أجدني أستخدمها في تنفيذ قطعة ما. هكذا ابتكرت مجموعة «فينتاج يتلقي أرابيسك». وكنت قبل عامين مهووسة، مثل كثيرين بالأنيميه، فقد تأثرت باليابان القديمة وأردت أن أتأثر باليابان الجديدة. هكذا أبصرت النور مجموعة كاملة سمّيتها Now and Zen، تشبه الكيمونو الحديث، تلتقي فيها ألوان قوس القزح وأم اللآلئ. كما آخذ بعين بالاعتبار الصيحات الرائجة خلال التصميم».
حين انطلقت دبس في رحلتها في عالم التصميم، لم يكن لمهنتها، في بيروت، الصدى الذي تتمتع به الآن. كان الحرفيون، خصوصاً في مرحلة ما قبل الحرب الأهلية، ينفذون التصاميم التقليدية أو تلك التي تقلّد الأثاث المستورد من إيطاليا تحديداً. توافق دبس على أن ثمة الآن اهتماماً إيجابياً بالتصميم لكنها تتساءل «هل ما ننجزه يحدث فرقاً؟ أنا وجدت الهدف من تصاميمي، وهو التواصل مع الجذور برغم الانتماء إلى الحاضر. ونحن هنا التاريخ يلهمنا والعمل الحرفي، لكن في الإمارات حيث ثمة أيضاً نهضة في التصميم مصادر الإلهام أقلّ والتصميم والتنفيذ أصعب. لكننا في هذه المنطقة ما زلنا نخاف من فهم أنفسنا، إما نتمسّك بكل ما هو تقليدي أو نتخلّى عن الماضي كي نشبه الآخرين. في حين أننا يجب أن نوجد التوازن بين ماضينا والحاضر المعولم، بين الشرق والغرب».
كان يمكن أن تستسلم دبس في لحظات كثيرة، لكنها عنيدة، كما تصف نفسها، «لا أقبل بالعوائق وأحاول ثم أكرر المحاولة حتى أصل إلى ما أريده. عنادي أفادني. نجحت لأن ما كنت أبحث عنه كان زبائني يبحثون عنه. وأنا أجيد الاستماع إلى الناس، فأعرف ما يريدونه قبل أن يعبّروا عنه. أتبع مشاعري وحدسي».
تالين هزبر
تجربة المصمّمة تالين هزبر مختلفة، فهي تنطلق في تصاميمها من علاقة عميقة بالطبيعة. هذه العلاقة تدفعها إلى الاهتمام بالمواد في شكل أساسي. «تهمّني المواد وعلاقتها بالحواس، كيف يمكن أن نلمسها ونتعامل معها ونستفيد منها. هذا بالتحديد ما أردت تطويره في مشاريعي. وأنا أهتم بتصميم القطع التي تعيش بيننا وبإخراجها من إطارها التقليدي. فالإناء ليس إناءً فحسب بل هو عمل من أعمال الطبيعة، قد يتبدّد شكله أو تتغيّر تركيبات المواد التي تصنعه».
درست هزبر الهندسة المعمارية، لكنها تصرّ على أن الهدف من دراستها كان فهم المواد، وقد وجدت نفسها مهتمّة بمواد الطبيعة. «أحبّ فكرة أن أترك للطبيعة أن تغيّر المادة من دون أن أتحكّم فيها. وتفاجئني لمسات الطبيعة. فهي تغيّر المادة التي قد يكبر حجمها أو يصغر أو تظهر فيها طبقة جديدة. لذا أحاول أن أقارب المادة من دون منحها شكلاً، وأدعها تفرض وظيفة القطعة».
كل قطعة تقود هزبر إلى التصميم التالي. ولأنها تمنح العناصر الطبيعية دوراً مهماً تبقى القطعة غير منتهية تماماً، في طور الاكتمال. تخبرنا عن قطع الإضاءة التي تسمّيها تجهيزاً. «هذه القطع تتغيّر مع الوقت، الحجر الذي استخدمته، تتغيّر مع مرور الوقت فتحاته والثغرات فيه. لا يمكن أن نحدّ الطبيعة، كل مرة تعبّر عن نفسها بطريقة مختلفة. بعض القطع لا أستطيع أن أصنعها مرة ثانية، لأنّ موادها تكون قد تغيّرت، والزمن الذي تظهر فيه يكون قد تغيّر». لكن هل يمكن أن تعرف هذه القطع نجاحاً تجارياً؟ تجيب هزبر بأنها «تصمّم ضمن مجموعات محدودة الكمية لأيام التصميم في شكل خاص».
ما تصرّ عليه هزبر هو أنها لا تحب أن تفرض على من سيمتلك القطعة طريقة واحدة لعرضها. كما أنها لا تحبّ أن تتحكّم في شكل القطعة النهائي، أن تمنحها رؤية جامدة واحدة. «أريد أن يهتمّ الآخرون ليس بالشكل فحسب بل بالتحوّلات، كيف تتمدّد الأشياء، وتتلاشى ربما. تأمل هذه التغيّرات يعكس رؤيتنا للحياة والموت، كتأمل وردة نضرة في مرحلة الذبول. أجد جوهر الجمال في هذا التحوّل. ونحن لا نحتفل بجمال الوردة النضرة فحسب، بل بذبولها أيضاً، فنحتفظ بأوراقها الذابلة الجميلة. الذبول قاس لكنه مثير للاهتمام لأنه يثبت لنا أنّ كل شيء يتغيّر. أراها مثيرة للاهتمام رؤية الجمال في الأشياء التي فقدت جمالها».
نشأت هزبر، السورية الأصل، في الإمارات حيث المشاهد الطبيعية انعكست في أعمالها. «تلهمني الرمال والطين، والبحر. في الشارقة تعاونت مع الصيادين. هناك كل شيء حقيقي وأصيل وقريب. رأيت صياداً ينظّف الشبكة، فاهتممت بمراقبة العشب البحري والرواسب العالقة فيها. بدأنا الحوار حول متابعتي هذه العملية خلال ستة أشهر (مشروع الطحلب البحري). هو مشروع مبني على الانتظار والصبر. لقد تركنا الشبكة ثلاثة أشهر في البحر، ثم جففناها، ثم أعدنا العملية أكثر من مرة». هذه الرواسب البحرية تحوّلت مادةً ألهمت المصمّمة.
أما الهوية في تصاميم هزبر، فهي خاصة جداً، «هويتي هي ما أتحّمس له، وما يشبهني. أتبع في تصاميمي خطاً واحداً يعكس اهتماماتي وشغفي ويشكّل هويتي». ولا تفصل هزبر في عملية التصميم بين الشكل وملامحه الجمالية والوظيفة. أفكر في الوظيفة كجزء من التصميم، ولا تكون بالضرورة نقطة انطلاق. شفافية الثريا على سبيل المثال تزيدها جمالاً لكنها أيضاً تعكس الضوء في شكل أوضح. الوظيفة مهمة لكن الأهم هو ابتكار قطعة تعكس رؤيتك ومبادئك الجمالية، عندها تصبح القطعة ذات قيمة كبرى. هذه القطع تسرد قصصاً ولا تكتفي بأن تكون عملية فحسب».
مثل الطبيعة المتحوّلة والتي تلهم هزبر، تشهد الإمارات دوماً تحوّلات سريعة. «المنصّات تتطوّر والفرص أيضاً، تنظّم دوماً أحداث كثيرة ولا يمكن أن نشارك في كل شيء. هذه الفرص المتعدّدة تؤثر في المشهد عامة وفي طريقة تفكيرنا في عملنا. الفرص كثيرة، لكن الأهم هو تطوير الرؤية».
رند عبد الجبّار
برغم أنها لا تزال في بداية الطريق إلا أنّ رند عبد الجبّار خطت خطوات مهمّة ثبّتت حضورها في عالم التصميم الذي يشهد تطوّراً في مدن عربية عدة. تخرّجت عبد الجبّار عام 2014 في الهندسة المعمارية، وكان أول المشاريع التي أنجزتها تصميماً نفذته ضمن برنامج «تنوين» الذي يديره مركز «تشكيل» في دبي. المشروع حمل اسم «فورما»، وهو مجموعة أثاث مستلهمة من بناء المراكب الشراعية. هذا المشروع كما تصفه عبد الجبّار شكّل «تعبيراً عن علاقتي بالمدينة. الجداف في دبي موقع مهدّد بأن يتغيّر تماماً مثل مواقع كثيرة غيره تغيّرت مع الأعوام، وثمة مساحات ابتلعها التطوّر العمراني. سمحت لي هذه الفكرة بالجمع بين الهندسة المدنية والمعمارية والتصميم، وفي الوقت نفسه تطوير مشروع مرتبط بقطعة دافئة حميمة، يلتصق بها الجسم وترتبط باستعمالات كل يوم».
كلام عبد الجبّار الذي تعبّر عنه بثقة، مبني بناء صلباً، وواضح وضوحاً جميلاً. تقول إنها تتنقّل بين الهندسة والتصميم والفنون البصرية، و«التصميم في قلب كل منها، فالمهندس يصمّم، والفنان يصمّم منحوتة أو تجهيز. أستخدم كلاً من الفروع الثلاثة لاستكشاف جوانب مختلفة من الأبحاث التي أجريها. وهي تتلاقى وتتداخل مما يسمح لي بالتنقّل بينها بسهولة وسلاسة».
في حديثنا مع عبد الجبّار تلوح ملامح الهوية مجدداً، فالتصميم لا يولد من فراغ بل «بناءً على سرديات (روايات) تدور حول هويتنا وتتحدّى تمثيلها التقليدي في الإعلام أو عبر التاريخ. فليست الهوية جامدة، ليست شيئاً واحداً محدداً كما كان يُنظر إليها في الماضي. هي جزء من حاضرنا ومن المستقبل الذي نسعى إليه».
في العامين الماضيين تركّز إلهام المصمّمة على الميراث الثقافي العراقي. «دعيت إلى المشاركة في تنظيم الجناح العراقي ضمن برنامج «أبواب» خلال أسبوع التصميم في دبي عام 2016، ووجدت نفسي في مواجهة سؤال: كيف نمثّل مكاناً تربطنا به أحاسيس عميقة؟ فأنا عراقية لكنني تركت العراق قبل 23 عاماً، وفي الوقت نفسه أشعر بأنني بعيدة عنه. كيف نمثّل مكاناً غني بهويات مختلفة ولغات وأديان وتاريخ عريق؟ بدا منطقياً أن أستعين بالأرض نفسها، وما يمكن أن تحتضنه من آثار وهندسة. شكّل هذا مصدر إلهام أساسياً، البحث في الآثار الموجودة في متاحف العالم والوثائق أيضاً والانطلاق منها لابتكار أعمال فنية».
من خلال الفنون البصرية تسعى عبد الجبّار إلى «إعادة ابتكار جو معيّن للمتلقّين، من خلال الديكور أو الضوء أو أحياناً الروائح التي تعيدهم إلى تجارب معينة». ومن خلال التصميم تسعى إلى أن تكون القطعة ذات وظيفة عملية مركّزة، كما تقول، «على الشكل والمواد، وعلى أن تجد القطعة مكانها في حياة الناس من دون أن تُفرض فرضاً أو أن يفرض التصميم استعمالاً واحداً له أو مكاناً واحداً يمكن أن يوضع فيه».
تتحمّس المصمّمة لاستكشاف استعمالات المواد مثل الخشب أو الرخام. لإنتاج «فورما»، تعاونت مع بنّاء المراكب مستخدمة المواد والتقنيات نفسها التي يستخدمها. «الحوار مع الحرفيين مهم، وكذلك تشارك المعارف والرؤى معهم. فجزء من عملنا هو التعلّم واكتشاف الجديد. وبناء المراكب ليس موثّقاً، بل هي حرفة تتبع تقليداً لفظياً يورّث من جيل إلى جيل. كان ينبغي فهم طريقة البناء قبل الانطلاق في تنفيذ المشروع، إلى جانب فهم مرونة المادة وإلى أي حد يمكن الاستفادة منها. اعتمدت في هذه الأمور على خبرات الحرفيين».
تميّز عبد الجبّار عند التطرّق إلى دور التصميم في العالم العربي الآن بين التصميم والعمل الحرفي الذي تقول إنه «قديم في مدننا. نسمّيه تصميماً الآن ونقول إنه جديد. لا يمكن تجاهل التاريخ الذي يجب أن يكون جزءاً من قصة التصميم. نعم ثمة حركة الآن تكرّس حضور التصميم، لكننا يجب أن نصل إلى جمهور أوسع، ونثبت دور التصميم المؤثر في الحياة اليومية. يبدو منطقياً أكثر أن تضمّ البيوت، على اختلاف الطبقات الاجتماعية التي ينتمي إليها أصحابها، قطعاً من تصميم مصممين محليين. يمكن أن يُستثمر في بُنىً تحتية، مصانع لمضاعفة الإنتاج وبالتالي تخفيض الأسعار. عندها تتسع دائرة المستفيدين، وتترسخ أدوار المصممين المحليين. فالعديد من المصممين الشباب والمصممات الشابات يواجهون صعوبة الاعتماد على التصميم كمصدر واحد للدخل ويجدون أنفسهم مضطرين للعمل في مجال آخر».
“لا يمكن أن أصف سعادتي بالأمومة” نانسي عجرم في مقابلة حصريّة مع ڤوغ العربيّة
تصوير: أليكس وولف
تنسيق: شارلوت بلير
مكيـاج وشـعر: إدنا تروجن
تصفيـف الشـعر: كاسيا دومانسكا
التجهيز: Circadian Light Synthesis خلال أسـبوع دبـي للتصميم