أبصر الفن الأوبرالي النور في إيطاليا في نهاية القرن السادس عشر، لكن أول أوبرا في العالم العربي، وهي أوبرا عايدة لفيردي، قُدمت بالإيطالية في القاهرة في دار الأوبرا الخديوية عام 1871. بنيت دار الأوبرا الخديوية احتفالاً بتدشين قناة السويس، ولمناسبة افتتاحها عام 1869 اختار الخديوي اسماعيل قصة مستقاة من التاريخ المصري القديم كُتبت بأبيات إيطالية ووضع موسيقاها جوزيبي فيردي، فولدت الأوبرا المشهورة “عايدة”، لكنها لم تعرض خلال الافتتاح (الأزياء والديكورات علقت في باريس بسبب الحصار بعد هزيمة فرنسا في الحرب الفرنسية البروسية) بل قدمت في تلك الليلة أوبرا ريغوليتو لفيردي أيضاً. ثم عرضت حتى نهاية القرن التاسع عشر أعمال أوبرالية أوروبية غابت عن بقية المدن العربية. وعام 1921 افتتحت دار أوبرا الإسكندرية أو مسرح سيد درويش. في أكتوبر 1971 احترقت دار الأوبرا المصرية القديمة، وبعد سبعة عشر عاماً، عام 1988 تم افتتاح دار الأوبرا المصرية في القاهرة. وبعد داري الأوبرا في القاهرة والإسكندرية، افتتحت دار للأوبرا في دمشق عام 2004 ثم تبعتها دار الأوبرا السلطانية مسقط عام 2011 التي تعرض أعمالاً عالمية رفيعة المستوى، وقد كشفت أخيراً عن تفاصيل موسمها الجديد الغني بأعمال أوبرالية مدهشة.
ينطلق في دار الأوبرا السلطانية مسقط الموسم الجديد الذي سُمّي “موسم الفنون الرفيعة” في منتصف شهر سبتمبر ويستمر حتى مايو 2018، ويضمّ أعمالاً متنوّعة مثل الأوبرا والباليه والحفلات الموسيقية (موسيقى كلاسيكية وجاز) والمسرحيات الغنائية. ويفتتح الموسم عرض أوبرا “عايدة” من إنتاج مسرح ريجيو في تورينو. كما تُعرض أوبرا “المهرّج” التي كتبها روجيرو ليونكافالو ويقدّمها مسرح دار أوبرا روما للمخرج المسرحي المبدع فرانكو زيفيريللي. وتعرض خلال الموسم الجديد أيضاً أوبرا “نورما” لفينشينزو بيلليني، وهي إنتاج مشترك بين دار الأوبرا السلطانية مسقط وأوبرا “روان”. ويقدّم مهرجان أوبرا روسيني العمل الأوبرالي “الفرصة تصنع اللص”، في حين تقدّم فرقة “أرينا دي فيرونا” أوبرا “السائرة أثناء النوم”. وتحيي الدار الذكرى العاشرة لغياب التينور الإيطالي لوتشيانو بافاروتي، كما يُنظَّم معرض يضمّ أثمن مقتنياته ينطلق في 14 ديسمبر 2017 ويستمرّ حتى 6 يناير 2018. ويضمّ برنامج العروض إنتاجات عربية وعُمانية تبدأ بحفل يوم المرأة العُمانية الذي تحييه المطربة بلقيس، كما تشارك الفرقة النسائية التابعة للأوركسترا السيمفونية السلطانية العُمانية وموسيقيون من جمعية هواة العود العُمانية بالعزف في احتفالات يوم المرأة العُمانية. وتحيي الحفلات الغنائية مجموعة من أشهر المطربين والموسيقيين منهم سامي يوسف ولطفي بوشناق ومحمد ثروت وصلاح الزدجالي ومدحت صالح وماجد المهندس وعلي الحجار وجاهدة وهبة وبدر رامي. كما سيتم عرض المسرحية الغنائية «ع أرض الغجر».
يشهد العالم العربي في الأعوام الأخيرة اهتماماً متزايداً بفن الأوبرا يدلّ عليه افتتاح دور للأوبرا في مدن عربية مختلفة من مسقط إلى الجزائر فالكويت ودبي.
وضمن عروض الأداء الحركي يقدّم مسرح الأوبرا والباليه الوطني «أوبرا أستانا» بمصاحبة أوركسترا مسرح «كارلو فيليتشه» في جنوا باليه «بحيرة البجع». ولأول مرة تقدّم دار الأوبرا السلطانية مسقط الباليه التجريبي عبر باليه «سندريلا»، وتعزف أوركسترا براغ الفيلهارمونية الشهيرة موسيقى سيرجي بروكوفييف. كما تقدم الدار عرضاً لرقص التانغو بعنوان «كان تانغو» وعرضاً آخر للرقص التقليدي من جميع أنحاء العالم مع فرقة «باليه إيجور موسييف» الروسية.
وضمن برنامج الحفلات الموسيقية يقدم حفل الأرغن السنوي، الذي يستضيف عازف الأرغن والبيانو وقائد الأوركسترا البريطاني وين مارشال، وعازف الكمان الروسي سيرجي كريلوف لتقديم حفلين بمصاحبة الأوركسترا الروسية حتى يستمتع عشاق الموسيقى الكلاسيكية بمقطوعات لمندلسون، وتشايكوفسكي، وسان سينز، وريمسكي كورساكوف، ورافيل.
تقدّم دار الأوبرا السلطانية مسقط منذ افتتاحها مواسم زاخرة بالعروض الجذابة، وهو ما تحرص على القيام به دبي أوبرا التي فتحت أبوابها في نهاية آب/أغسطس الماضي. ومبنى دبي أوبرا تحفة معمارية صمّمتها المهندسة المعمارية الراحلة زها حديد لتشبه سفينة شراعية. وتهدف الدار إلى نشر ثقافة العروض الأوبرالية والموسيقية الراقية في المنطقة العربية. وفي الموسم الجديد تقدّم دبي أوبرا ثلاثة من أشهر الأعمال الأوبرالية التي ألفها الموسيقار العظيم ولف غانغ أماديوس موتزارت: “زواج فيغارو” و”دون جيوفاني” و”كوزي فان توتي” (النساء متشابهات). وضمن الحفلات الغنائية يقدّم مغني البوب جوني كليغ حفلة واحدة في دبي خلال جولته العالمية، وتغني ليا سالونغا لأول مرة في دبي أجمل ما قدّمت من أغان في أفلام ديزني وعلى مسارح برودواي. وتقدّم السوبرانو دانييل دو نيس التي وصفتها مجلة نيويورك تايمز بأنها “أروع سوبرانو في موسيقى الأوبرا” أول أداء على مسرح أوبرا دبي بصحبة أوركسترا لارتي ديل موندو. أما ضمن الأعمال الموسيقية الراقصة وفي تشرين الأول/أكتوبر المقبل، فتقدّم نجمة الفلامنكو إيفا يربابوينا عرضاً مؤثراً.
في أكتوبر أيضاً، يقدّم عازف الكمان اللامع دانييل هوب معزوفة الفصول الأربعة لأنطونيو فيفالدي (مع أوركسترا لارتي ديل موندو) التي استطاع الملحن ماكس ريختر إضافة لمسة جديدة وعصرية إليها.
وفي نوفمبر المقبل يتسنّى للجمهور العربي مشاهدة روائع الباليه الروسي عبر أداء المواسم الروسية “لي سيزون روس XXI” من تصميم نجم باليه مسرح “البولشوي” السابق أندريس ليبا، تكريماً لسيرغي دياغيليف مؤسس الباليه الروسي والناقد الفني وأشهر مدير في تاريخ الباليه.
وقبل أن تفتح أوبرا دبي أبوابها شهد صيف عام 2016 افتتاح أوبرا الجزائر، تبعهما في أكتوبر الماضي افتتاح دار الأوبرا الكويتية أو مركز جابر الأحمد الثقافي في حفل غنّى خلاله المغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيللي وتخلّله عرض باليه “بحيرة البجع”. وقد استوحي تصميم دار الأوبرا الكويتية من العمارة الإسلامية، وهي تضمّ أربعة مبان شُيّدت على شكل جواهر متلألئة تمزج بين الضوء والظلّ وتفاعلهما.
بحسب دار الأوبرا السلطانية مسقط شهد الموسم الماضي 2016-2017 ارتفاعاً ملحوظاً في عدد العروض وفي أعداد جمهور الدار، يدلّ على ارتفاع مستوى الإقبال موسماً بعد الآخر، ورغبة الجمهور العربي في الانفتاح على الأشكال الفنية المختلفة والأعمال التي تبدو بعيدة عن الثقافة المحلية. هناك من يشدّد على صعوبة انسجام الجمهور العربي مع مقاطع شعرية مغنّاة تناقش ثيمات إنسانية أو تاريخية مستلهمة من المجتمعات الأوربية، وأيضاً على تقديم أعمال أوبرالية باللغة العربية، في حين يتمسّك آخرون بفكرة أن الموسيقى لغة عالمية وأن الارتقاء الثقافي يتطلّب الانفتاح على الفنون الراقية والشاملة كالأوبرا والمسرحيات الغنائية.
ثلاثة أسئلة لجاسبر هوب الرئيس التنفيذي في أوبرا دبي:
هل هناك اهتمام فعلي بالأوبرا في العالم العربي؟
أرى أن القصص الرائعة التي تسردها إنتاجات ساحرة يشارك فيها فنانون عالميون تستقطب اهتمام الجماهير في كل مكان، والعالم العربي لا يشذّ عن القاعدة. وربما لم تشهد عروض الأوبرا والباليه والحفلات الموسيقية الضخمة حضوراً تاريخياً في العالم العربي، لكن بعد عام من انطلاق أوبرا دبي يمكن أن نؤكد أن لهذه العروض والحفلات مستقبلاً واعداً في المنطقة.
تقدّمون عروضاً مذهلة، كيف تتم عملية الاختيار؟
أصعب ما في عملية اختيار العروض ونجومها هو أن نضع أنفسنا في مكان الجمهور الذي نسعى إلى استقطابه لنختار ما نأمل أن يجذبهم. ومعيار الاختيار يراعي النوعية والتنوّع والتواصل مع المجتمع، لكن هناك أيضاً الحدس النابع من الخبرة.
أي عروض تستقطب الجمهور الأوسع وهل تتضمّن الأوبرا الكلاسيكية؟
المسرحيات الموسيقية مثل “البؤساء” و”قصة الجانب الغربي” و”ماري بوبنز” التي عرضناها في أوبرا دبي استقطبت جماهير واسعة، كما أن عروض الأوبرا والباليه تجذب كثراً. بوجود أوبرا دبي التي تقدّم عروضاً راقية ومتنوّعة، تتسنّى لزوار دبي وللمقيمين فيها فرصة مشاهدة عروض مذهلة كل شهر.