ربما لا ترون الكثير من المهندسات يأتين من غزة، لكنهن موجودات – وهبة الفرَّا واحدة منهن. وهي زوجة وأم لطفلين ومهندسة بيئية من فلسطين تبلغ من العمر ثلاثين عاماً وتتحلى بالتواضع، وهي متفائلة كذلك. تقول إنَّ كون المرء فلسطينياً يفرض عليه تحديات، وتضيف: “أن يكون المرء فلسطينياً ليس بالأمر السهل لأن البلاد تحت الاحتلال، وحقوق المواطنين ضائعة، والأحلام ببلدٍ حرٍّ ومتطورٍ صعبة. هذا يعني أنكِ تعانين”.
ولكن الأمل يحدوها بأن يحقق الفلسطينيون أحلامهم، وأن تصبح النساء في الشرق الأوسط قائداتٍ في قطاع الطاقة. فالفرَّا واحدة من سبع فائزين بجائزة أبطال الأرض الشباب لحماية البيئة لعام 2018 المقدمة من الأمم المتحدة، وهي مُؤسِّسَةُ منظمة “المرأة في الطاقة والبيئة” (واختصاراً WEE).
والهندسة البيئية ليست مهنةً تقليدية للنساء في فلسطين، إلا أن الفرَّا أدركت أن عليها أن تلاحق أحلامها المهنية. وقد ولدت في ليبيا، ونالت شهادتها من الجامعة الإسلامية في غزة، قبل أن تنتقل إلى الكويت في العام 2012. ولاتزال تقيم هناك مع أسرتها، حيث تعمل كمدربة وأخصائية تنمية.
لم تكن نشأتها في غزة سهلةً دوماً، تقول: “الحياة في فلسطين شاقة للغاية، خصوصاً في قطاع غزة، فلم يكن لدينا ما يكفي من الماء والكهرباء، ولم يكن بمقدورنا الانتقال أو السفر إلى أي دولة لأن الحدود مغلقة على مدار العام. ولايزال الوضع صعباً والناس يعانون بسبب انعدام الأمن وعدم توفر الغذاء والماء وشح الكهرباء. ومعظم أحلام الشباب ضائعة – ليس لديهم الحق في عيش الحياة التي يريدونها”.
وعلى الرغم من التحديات السياسية وسوء البنية التحتية، دعمت والدةُ الفرَّا، وهي طبيبة تلقت تعليمها في مصر، ابنتَها، التي أدركت عشقها للبيئة في سنٍّ صغيرة. توضح بالقول: “أحببت اكتشاف كيف تعمل الأشياء، وتتحرك، وكيف خُلِقت”، وتضيف: “وكنت جزءاً من عدة مبادرات وأنشطة وورش عمل بيئية، لذا عرفت في سنٍّ صغيرةٍ أنني أردت أن أكون قائدة في المجال البيئي. وقد ألهمتني أمي وشجعتني على الاستكشاف، والبحث، وطرح الأسئلة. وأرتني كيف يمكن أن أساعد مجتمعي من مجال اختصاصي”.
وخلال الانتفاضة الثانية التي جرت في الفترة الممتدة بين عامي 2000 و2005، تصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي ذاك الوقت، كانت الفرَّا في الجامعة واضطرت إلى إيقاف دراستها. وعن ذلك تقول: “كان من الصعب التأقلم مع الصراع؛ فقد حمل الكثير من المشاكل السياسية. وفي ذلك الوقت، شعرت بأنه لم يكن هناك أي قيمة من وراء الحياة لأنه في حين كنت موجودة كإنسانة، كانت أحلامي وآمالي، وأسرتي ورفاقي جميعهم في خطر”.
وخلال ذاك الوقت، أدركت الفرَّا أنها أرادت أن تكون ناشطة في مساعدة النساء في منطقتها على التفوق في تحقيق أهدافهن العلمية. تقول موضحةً: “لأنكن نساء تقطنّ في الشرق الأوسط، فإن تحركاتكن في بعض الأماكن مقيدة، وتواجهكنّ العديد من القيود الاجتماعية”، وتردف بالقول: “ليس من السهل القيام بأي شيءٍ دون الحصول على الدعم والقوة من مجتمعكن”. وبعد ذلك بعدة سنوات، أطلقت الفرَّا منظمة “المرأة في الطاقة والبيئة” لإلهام النساء في قطاع الطاقة على القيادة. تقول: “تساءلت كيف يمكن للنساء أن يقدن التغيير في مجتمعاتهن وأن يكن جزءاً من الحل لبيئةٍ أفضل وأكثر نظافةً. لذا أسَّستُ منظمةً لجعل النساء يلعبن دوراً محورياً في الطرق التي يمكنهن من خلالها الحفاظ على الموارد الطبيعية، وتقليل الملوثات، وأن يَعين الحلول المستدامة وينخرطن فيها”.
وبالنسبة للفرَّا، فإنَّ الأمر يتعلق بتزويد هذا الجيل والأجيال القادمة من النساء في غزة والمنطقة بما يحتجن إليه. تقول: “نحتاج إلى إلهام نسائنا لفعل شيءٍ ما لمجتمعاتهن بحيث يمكنهن تقديم أنفسهن كنساء عربيات يحدثن فرقاً في ثقافة الشعب العربي وعقليته. النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قويات، ومتعلمات، ولديهن الرغبة في معرفة المزيد”.
ولأنها حاصلة على جائزة أبطال الأرض الشباب، فإن الفرَّا على إطلاعٍ بموضوع الأمم المتحدة لهذا العام ليوم المرأة العالمي في الثامن من مارس، وهو: نطمح للمساواة، نبني بذكاء، نبدع من أجل التغيير. وبالنسبة لها، يعني هذا الموضوع أنه يجب على النساء أن يكنَّ جزءاً من التغيير ويجب أن يحصل ذلك في جميع القطاعات.
والآن اقرؤوا: 3 معارض فنّية عليكم زيارتها خلال فعاليات فن جدة 21,39 هذا العام