تروي المصوّرة السعودية الشابة تسنيم السلطان بصورها حكايات تحرّك الفضول لأنها تصوّر مجتمعاً عُرف بانغلاقه، وهو يشهد الآن فجراً جديداً
نشر هذا المقال للمرّة الأولى في عدد شهر يونيو من ڤوغ العربيّة
تشعّ عينا تسنيم السلطان ذكاءً ورغبة في اقتناص المشاهد واللحظات. انطلقنا من حكاية الصورة التي التقطتها لنساء مجتمعات في مهرجان ثقافي في الرياض وتصدّرت الصفحة الأولى من جريدة نيويورك تايمز في طبعتها الدولية لننتقل إلى الحديث عن معنى التغيير وهدفه.
الشغف الذي يلوح في صورتسنيم يعبّر عن نفسه في كلامهاعن التصوير الذي تقول إنه “أداة لرفض الصور النمطية واستكشاف القضايا اجتماعية، خصوصاً الجندرية منها. أنا سعودية والسرديات الحميمة في مجتمعي ليست متاحة للآخرين، لذا قررت أن أكتشفها وأكشفها للآخرين من خلال صوري”.
ولدت تسنيم في الولايات المتحدة الأميركية ونشأت في بريطانيا. كانت طفلة في التاسعة حين حملت الكاميرا ثم قررت أن التصوير هو الهواية التي تعبّر عنها. “وقد حرص والداي الأكاديميان على أن يبقى التصوير هواية فحسب، ودفعاني إلى التركيز على الدراسة، فتخصّصت في اللسانيات ثم نلت من جامعة بورتلاند في الولايات المتحدة شهادة ماجستير في اللسانيات الاجتماعية والأنتروبولوجيا. أكببت على الكتب التي صنعت معرفتي وعلّمتني طرح الأسئلة. لكن منصّات التواصل الاجتماعي والملل وانتقالي إلى السعودية دفعتني كلّها إلى اللجوء إلى الكاميرا لتوثيق حياتي”.
روت تسنيم حياتها في السعودية باللقطات المصوّرة، وظهرت بصمتها عبر رؤيتها للمشاهد التي تتحوّل صوراً. “لكل مصوّرة بصمتها”، تشرح تسنيم. “التصوير كما أراه هو سرد، البعض يعتبره صحافة، والبعض الآخر فن. أنا يهمّني أن أسرد حكاية. ويجب أن تحرّك الصورة المشاعر والفضول. أعتبر أنني نجحت إذا حرّكت مشاعر المتلّقي(ة)، وأثرت فيه وجعلته يطرح أسئلة ويبحث عن معرفة المزيد”.
ولأجل الصورة التي تحرّك الفضول وتطرح الأسئلة تتجاوز تسنيم العوائق، وتعترف أن الصعاب التي تواجهها كمصوّرة بعكس ما قد يظنّه الكثيرون غير مرتبطة بكونها امرأة. “هذا زمننا، نحن النساء، وأنا فخورة بأننا نقطف ثمار جهودنا وطموحنا. وما تعبت منه بصراحة هو السؤال المتكرّر: هل لأنك امرأة عربية تواجهين تحديات مهنية هائلة؟ بل لأنني امرأة تُفتح لي الأبواب. أصوّر في الشارع والبيت وخلف الأبواب المغلقة. ويتسنّى لي الدخول إلى حيث لا يمكن أن يدخل رجل. كما أنّ التحاور مع “الضحايا” أسهل لأن البوح لامرأة أسهل، وهنا لا أريد أيضاً أن أرسم صورة نمطية أخرى. لكنني سأعطيك مثالاً، لقد صوّرت حفلاً غنائياً حضره سبعة آلاف رجل. ولا يمكن لرجل أن يصوّر حفلاً يضمّ سبعة آلاف امرأة. صوّرت احتفالات خاصة برجال ونساء وأطفال وعجائز. ونعم ثمة قصص تطرح تحديات، لكنني أواجهها بجرأة وأسعى دوماً إلى النجاح”.
“هذا زمننا نحن النساء فلنقطف ثمار جهودنا”
صوّرت تسنيم حفلات زفاف خلال خمسة أعوام.”أحببت فكرة الحدث الرائع الذي يستمرّ يوماً ويبقى من أبرز الذكريات. صوّرت أكثر من مئتي زفاف في واحد وعشرين بلداً، من السعودية إلى المكسيك، إلى بلدان العالم المختلفة. وفي كل زفاف سردت بصوري قصة مختلفة. أردت أن أعرف كل شيء عن العروسين، كيف التقيا، واللحظة التي قررا فيها الارتباط. هكذا تعلّمت التوثيق واكتشاف ثقافات مختلفة. ثم بعد خمس سنوات، بدأت مشروعي الشخصي وهو سرد قصص حب سعودية Saudi Tales of Love. تقدّمت إلى برنامج التصوير الفوتوغرافي الوثائقي العربي، المموّل بالشراكة بين آفاق ومؤسسة الأمير كلاوس ومؤسسة ماغنوم، بهدف تطوير قدرات مصوّرين من العالم العربي. شرحت أنني مطلّقة تصوّر حفلات الزفاف وأنني أحاول أن أكتشف الحقيقة الأبدية (حقيقة ما بعد الزواج). أصوّر قصصاً تعيشها النساء في كل المجتمعات، قصص المتزوجات والمطلّقات والأرامل، لكنها في السعودية مجبولة بتحديات لا تواجهها النساء في أي مكان آخر”. هذه السرديات الحميمة، كقصص الحب الأولى، وتجارب الزواج تحوّلت صوراً تسعى تسنيم إلى جمعها في كتاب سينشر في 15 صالة فنية حول العالم.
شغل هذا المشروع تسنيم قبل بداية التغيير في السعودية. وهي منذ بداية رحلتها المهنية تسعى إلى أن تكون الكاميرا التي تصوّر بها أداة للتغيير الاجتماعي. “حين أصوّر النساء وهن يدخلن السينما للمرة الأولى بعد عشرات الأعوام على إقفال صالات العرض، نعم أوثّق لحظة تاريخية، لكننا لن نشعر بهذا التغيير إلا بعد عشرة أعوام. الصور المؤثرة هي تلك التي تظهر ما يدلّ على وضع غريب، كالأماكن التي لا يجتمع فيها النساء والرجال، والنساء قبل أن يسمح لهن بقيادة السيارة برغم ضرورة التنقّل من دون الحاجة إلى الآخرين. هذه الصور التي توثق ما تعيشه المرأة السعودية تصوّر واقعاً وتطرح أسئلة”.
الصور التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز فوق اسم تسنيم وأظهرت نساء يتعلّمن القيادة وأخريات قبل دخولهن إحدى الحفلات التي أصبحت تنظم في المملكة، توثّق ما تعيشه المرأة السعودية. طلبنا من المصوّرة الشابة أن تصف لنا شعورها عند رؤية صورتها تشغل الصفحة الأولى من صحيفة بحجم نيويورك تايمز وهي ما زالت في الثانية والثلاثين. “سأنقل لك نتيجة نقاشي مع الزملاء حول هذا الموضوع تحديداً، وهو أن الصور التي تغطي حدثاً من منطقتنا وتصل إلى الصفحة الأولى في صحيفة مثل نيويورك تايمز تكون عن اليمن أو العراق أو سوريا وتنقل أهوال الحروب والنزاعات، لكن هذه صورة مختلفة وبعيدة عن أمواج الآلام في العالم العربي. كما أنها صورة لنساء من الشعب بعيدة عن الصور النمطية التي تمثّلنا دوماً. هذا ما أسعد به، هو أننا لم نظهر في مظهر الضحايا أو الأشرار. مثلتنا نساء يستمتعن بوقتهن وبالتغيير الحاصل”.
يمكن أن تطرح صور تسنيم نقداً لوضع ما في بلدها، لكنها تهبّ للدفاع عنه وعن ثقافته في مواجهة النقد الجاهل. “لأنني ولدت في الغرب، ثم عدت إلى الشرق الأوسط، أنا ابنة الثقافة الثالثة، شرقية وغربية، لكنني أيضاً غير منسجمة ولا منتمية. لا أعيش أزمة هوية، بل أكتشف هويتي. لهذا يمكن أن تطرح صورتي نقداً لوضع ما في بلدي، لكنني في أحيان كثيرة لا أقبل أن ينتقد بلدي من لا يعرفه ولم يعش فيه. أصبح مدافعة، وأحاول حماية الثقافتين وتقريب وجهات النظر. أصبح وسيطاً بين الثقافتين، وهذا ما يظهر في عملي. أقدّم شروحاً، وأكتشف أن الكثيرين يشاركونني الرأي نفسه والإحساس نفسه. نكتشف أموراً كثيرة متشابهة، هناك أيضاً أمور كثيرة تتحدّى ما كنا نعرفه ونتمسّك به على أنه الصح بعينه أو الخطأ بعينه”.
مستقبل تسنيم السلطان مضيء وبراق. “أكتشف العالم الآن، فقد أرسلتني النيويورك تايمز إلى جنوب أفريقيا لتصوير الغواصين، كما أنني أتابع مشروعاً في الكويت. ما عدت المصوّرة الموجودة في السعودية والتي نتعاون معها كلما احتجنا إلى صور من هناك، بل أحظى الآن بدعم منصّتين مهمتين عالمياً، نيويورك تايمز وناشيونال جيوغرافيك، وهو أمر رائع”.
تتوق تسنيم إلى التغيير الموعود الذي تبدو ملامحه واضحة. “التغيير الأهم هو إزالة أبرز العوائق التي تعترض المرأة السعودية، كحاجتها إلى وصي. إذا تحقّق هذا الأمر ستتراكم إنجازات النساء السعوديات لأنهن يبدعن ويحلّقن برغم كل التحديات، فكيف إذا زال أصعب العوائق على دربها؟”.
كتاب مصوّر يستكشف جماليات المسجد النبوي كما لم ترونها من قبل