تتحدث الشيف الأكثر تكريمًا في العالم، آن صوفي بيك، عن أسباب نجاحها في مجال يهيمن عليه الرجال، بعد افتتاح أول مشروعاتها في شبه الجزيرة العربية.
انطلق في دبي أحد المطاعم الجديدة التي طال انتظارها مع افتتاح «لا دام دو بيك» La Dame De Pic في منتجع «ون آند أونلي ون» بزعبيل، وهو أول مطعم في المنطقة للشيف آن صوفي بيك، أكثر طاهية حازت على أكبر عدد من نجوم ميشلان في العالم. ويعمل أحدث مشروعاتها، المقام داخل «ذا لينك» -الجادة المعلّقة بالطابق الخامس والعشرين في المنتجع- على إحياء ساحة المطاعم في المدينة بعلامتها الفريدة من الأطباق المبتكرة وغير المتوقعة. وطوال مدة تناول الوجبات، يستمتع الزوار بملاذ حقيقي للذّواقة بفضل الشيف الفرنسية؛ إذ يزخر مطعمها بكثير من النكهات المركّبة التي تتنوع ما بين الخفيفة والمتقنة: مثل الفاصوليا المحلية المزججة بعسل كارڤي، وسمك البوري الأحمر المشوي على الجمر، وشربات الكركم الذي يغطي كل هذا. وينصبّ اهتمام آن صوفي بيك على التفاعل الواعي مع محيطها بالتعمق في أذواق المنطقة وعاداتها وإقامة علاقات مع المزارعين والمنتجين القريبين. وإلى جانب هذا كله، سيجد العملاء أيضًا أطباقها المميّزة في قائمة المطعم، مثل وجبات معكرونة «بيرلينغوتس إيـه إس بـي» بحساء الفطر وشمع العسل وأوراق إكليلية المروج. كما تقدم طبق سمك القاروص بالكاڤيار الذي يشتهر به والدها، ولكن بلمسات مختلفة، وكذلك الحلوى الباڤارية باللوز الخالية من الكحول. ومن ناحية أخرى، ترتقي الديكورات الداخلية الفاخرة التي تفيض بالحفاوة من تصميم مواطنيها، برونو موانار وكلير بيتاي، بهذه التجربة الشاملة في تناول الطعام. وتتقن آن صوفي بيك، سليلة عائلة ممتدة من عشاق الطعـام والتي تعلّمت بنفسها أسرار هذه المهنة، فن مشاركة ضرب من ضروب متع الحياة وأسلوب المعيشة المتأصل في تراثها وتقاليدها ونظرتها الفريدة. وإذا أضفنا إلى ذلك سعيها نحو التميّز وحسّها الأصيل وتواضعها، سنظفر بالوصفة المثالية للنجاح. بيد أن سيرتها الذاتية المذهلة لم تكن دائمًا بروعة المكانة المرموقة التي تتمتع بها اليوم في مجال المطاعم؛ فقد شابها في الواقع قدر من المرارة أتت من خوضها معترك مهنة يهيمن عليها الرجال وتصميمها على إدارة مطبخها الشهير عالميًّا.
تقـول آن صـوفـي بـيـك: «أنا ابنة طهاة وحفيدة طهاة. وكانت طفولتي كلها غارقة في مهنة والديّ. أتذكر الروائح القادمة من المطبخ وحركة أطقم السفرة المتسارعة كأنها رقصة ساحرة». ورغم أنها لم تدخل مجال الطهي مباشرة، فقد أدركت، بعد انشغالها بمساعي أكاديمية أخرى والسفر، الامتياز الكبير الذي تملكه بوجود تاريخ عائلي غني بموهبة الطهي. ومن ثم، عادت إلى منزلها في ڤالانس بجنوب شرق فرنسا لتتعلم ّوتتدرب مع والدها، فالطهي، على كل حال، يجري في عروقها. تقول: «أنا أمثل الجيل الرابع من الطهاة، والذي بدأ عندما قامت جدتي الكبرى، صوفي بيك، بتأسيس «أوبيرج دو بين» في سان بيري في أرديش بفرنسا عام 1889. وسلك جدي أندريه بيك، يليه والدي جاك بيك، المسار نفسه، وحصل كل منهما على ثلاثة نجوم ميشلان»، وتردف: «هذا التسلسل السعيد يلهمني كل يوم.
وكان والدي مرجعًا لي، وعلّمني أن أتعلم من أخطائي.” أما عن الأوسمة التي حصلت عليها، فتوضح آن صوفي بيك أن «الحصول على نجمة ميشلان ليس غاية في حد ذاته». بل إن تلك النجوم هي الوقود الذي يدفعها إلى تحقيق أحلام أكبر، وتوسيع نطاق هذه الممارسة دون قيود.
ورغم هذه الطموحات الجامحة، ثمة قيود جوهرية وقفت عائقًا في طريق الوصول إلى قمة صناعة يهيمن عليها الرجال. وتشير رائدة الأعمال إلى أنه في بداية مسيرتها المهنية في تسعينيات القرن العشرين، لم يكن هناك كثير من الطاهيات الإناث، ما يعني أنها بذلت كثيرًا من وقتها وطاقتها في إقناع الآخرين بأحقيتها في امتهان هذه المهمة في المقام الأول. ولأنها لم تتلق تدريبًا كلاسيكيًّا، اعتبر المشككون هذا سببًا آـر للتساؤل عما إذا كانت ستنصف اسم عائلتها. ولكن هذه الشكوك لم تزدها إلا إصرارًا على مضاعفة جهودها وتحقيق التميّز التقنيّ. وقد أتاح لها عدم التزامها بصوَرة مبالغ فيها بالقواعد المتأصلة لمهنتها شق طريقها الخاص نحو صقل أسلوبها في الطهي، والذي يتأثر الآن بجنسها على نحو مثمر. تقول: «في حالتي، أنوثتي حاضرة في كل مراحل عملي مع فريقي وبالطبع في طهي الطعام. ومع ذلك، فأنا أؤيد المطابخ المختلطة لأن نسبة الذكور إلى الإناث تكمل كلٌ منهما الأخرى، وتوفر أجواءً هادئة ومريحة.
وبالنسبة للحياة خارج المطبخ، فترى آن صوفي بيك أن حياتها الشخصية والمهنية ترتبطان ارتبا ًطا وثي ًقا؛ فقد تعاونت مع زوجها ديڤيد سينابيان، وسافرت معه على مدار الثلاثين عامًا الماضية. وبينما كان هو صاحب الرؤية الثاقبة وراء الجوانب الاستراتيجيّة والتنموية للعمل، تمكنت هي من تكريس نفسها للجانبّ الإبداعي والتعبيري للأمور. وقد أثمر هذا مؤخّرًا عن كتابها Imprégnation الـصـادر عـام 2023، والذي يجمع بين الطهي والفن سواء بسواء. ويعدّ هذا الكتاب، الذي من المنتظر نشر نسخ مترجمة إلى الإنجليزية منه قريبًا، وسيلة لمشاركة حبها لما تفعله، جنبًا إلى جنب المكونات الكثيرة، مع قطاع أكبر من الجمهور.
التنسيق: أمين جريصاتي
الشعر: دينا العويد / سيباستيان اسكندر
المكياج: صفية قاسم
مصمم الديكور: يحيى بدير
المنتج الإبداعي: بيا بو حرب
مدير التصوير الفوتوغرافي: مانو العجاجيان
مصمّم الديكور المساعد: عمر شعبان
مصمّم الأزياء المساعد: سحر غبار
مساعد تنسيق الملابس: غريغوري سامويلوف، سارة أبو شادي، ستيفانيا سيوبان
مصفّف الشعر المساعد: ليندي بيناد
الموقع: رافلز ذا بالم دبي
ديكور الطاولة: تاناغرا
شكر خاص: فلاور سوسايتي
نُشر في الأصل في عدد سبتمبر 2024 من مجلة فوغ العربية