بعدما أضافت جائزة عالمية جديدة إلى سجل إنجازاتها المتنامي، تتحدث مهندسة العمارة الداخلية المصرية الرائدة رانيا حامد عن الموضة وأثرها البالغ على مسيرتها المهنية الناجحة
نشر هذا اللقاء للمرّة الأولى في عدد شهر فبراير 2018 من ڤوغ العربيّة، بقلم كارين مونيه.
تمزج رانيا حامد، مُؤَسِّسة شركة الهندسة والتصاميم الداخلية ’’ڤي إس إتش دي ديزاين‘‘ التي حصلت على جوائز عدة في التصميم، بين الثقافة التقليدية والتقنيات والتصاميم العصرية لتقدمها لأصحاب الذوق الرفيع من عملائها المميزين في كل من دبي، والقاهرة، ولندن، وفلوريدا. وفي الشهر الماضي، نالت المهندسة الشابة جائزة التميّز العالمي من الجمعية الدولية للتصميم الداخلي في باريس، حيث حصل مشروع أنجزته في دبي على لقب أفضل مشروع سكني في العام، ما يشكّل نقطة تحوّل في تاريخ شركتها التي تتخذ من دبي مقراً لها، ويضعها على خريطة شركات التصاميم الداخلية الرائدة في العالم. والغريب أن رانيا كانت تعيش حياة مختلفة قبل اقتحامها عالم التصميم الداخلي، حين كان اهتمامها منصبّاً على الموضة والأزياء. وتفسر لنا هذا الاختلاف قائلةً: ’’كان أجدادي يعملون في صناعة النسيج والموضة. وصمموا أزياءً لأم كلثوم، وعمر الشريف، والملك فاروق إلى جانب العديد من المشاهير في مصر والعالم العربي‘‘. وتذكر حين كانت أمها تصحبها، وهي في السادسة من عمرها، لزيارة مصانع النسيج، والجلود، والحديد في كرداسة، وخان الخليلي –وهما من أكبر أسواق القاهرة- وكذلك متجر العائلة في قلب منطقة الزمالك حيث كانت تُعرض الملابس والإكسسوارات. وتستعيد ذكريات تلك الفترة قائلةً: ’’لطالما استمعت إلى المناقشات الطويلة التي كانت تدور حول الأقمشة، والخامات، والأبعاد، والرسومات‘‘.
وكلما مرت السنين، تأجج حماس رانيا وولعها بالموضة. وتضيف: ’’لكني أصبحت بمرور الوقت أكثر اهتماماً بالأماكن والخلفيات والمفردات المختلفة التي تلقي الضوءعلى الموضة‘‘. لذا اتجهت إلى دراسة تسويق الأزياء بمدرسة بارسونز للتصميم في مدينة نيويورك لتؤسس بعدها عملها التجاري في القاهرة، حيث عملت لسنوات مع العديد من بيوت الأزياء المصرية. ولكن ولعها بالتصميم لم يقتصر فقط على الأزياء. وتقول موضحةً: ’’نشأت في منزل عامر بالتحف وقطع الأثاث القديمة، ما نمّى في نفسي تقديراً للجمال وطوّر رؤيتي للتصميم الداخلي‘‘.
’’نشأت في منزل عامر بالتحف وقطع الأثاث القديمة، ما نمّى في نفسي تقديراً للجمال وطوّر رؤيتي للتصميم الداخلي‘‘
وبدلاً من مواصلة شقّ طريقها في مجال التسويق المرئي، اتخذت قراراً بالمجازفة ولبّت شغفها باللهو بالألوان والأقمشة. وعادت رانيا إلى مقاعد الدراسة والتحقت بالجامعة حيث نجحت في نيل درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية الداخلية رغم زواجها وإنجابها طفلين. وعن تلك الفترة تقول رانيا: ’’عندما كنت أمضي ليالي طويلة في التصميم والرسم، لم يكن من السهل أن أتفرّغ لعائلتي في الصباح. ولكن المصممة الموهوبة يمكن أن تصنع أي شيء طالما كانت شغوفة به. وقد أتاحت لي بداياتي في مجال الموضة خلفية ثرية عن الأقمشة، والأبعاد، ومنحتني إحساساً بالغاً بالألوان، وهما في رأيي عنصران أساسيان يجب أن يمتلكهما مهندسو التصاميم الداخلية. كما تعلمت أهمية العناية بأدق التفاصيل – حتى تلك التي لا يمكن رؤيتها، لأنها تساهم في نجاح التصميم أو فشله‘‘.
تحرص رانيا على استلهام الماضي في رسوماتها. وتوضح قائلةً: ’’إنه يتيح وضع مفهوم أكثر تحديداً ويربط جميع الأشياء ببعضها. إلى جانب ذلك، أضيف دائماً عنصراً من عناصر الموضة على اللوحة التي أخطّ عليها أفكاراً لتصاميمي لأنه يجمع المفهوم الذي تستند إليه بالكامل‘‘. وبالنسبة إلى رأيها في عملية التصميم، ترى رانيا أنّ ثمة تشابهاً بين الموضة والتصاميم الداخلية. وتقول:’’رغم هذا، أشعر بأن العمارة الداخلية تحتاج إلى تحقيق التوازن بين الفن والعلوم. فعندما تضعين تصاميم لمساحة داخلية، يجب أن تأخذي في عين الاعتبار جميع العناصر التي تتألف منها البيئة المعمارية‘‘.
ومع نجاحها في إنجاز 50 مشروعاً منذ تأسسيها لشركتها قبل 12 عاماً، لاحظت المهندسة الشابة مدى التطور السريع الذي طرأ على مجاليّ التصميم الداخلي والموضة في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، ما أدى إلى الحاجة إلى متطلبات وجماليات جديدة. وتقول: ’’بسبب كثرة الرحلات والأسفار، وتنامي قوة مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ الناس يتطلعون إلى امتلاك الأزياء والبيوت الأنيقة، التي تناسب أذواقهم وأسلوب معيشتهم. وعبر مؤثرات مواقع التواصل، أصبح الناس أكثر ترحيباً بفكرة أن التصاميم الجميلة والأناقة ليست حكراً على الأسماء التجارية الكبرى فحسب، فقد يقدم الفنانون الناشئون أفكاراً جديدة وأذواقاً مختلفة‘‘.
وبسبب حبها للجمال الذي لا يفقد بريقه بمرور الزمن وعدم ميلها للصيحات الموسمية سريعة التغيّر، ترتدي رانيا أزياءً تتميز بنفس أسلوب تصاميمها التي تقوم على: الأناقة والرقة. وتلجأ دائماً في اختيارها لملابسها إلى اللونين الأبيض والأسود فضلاً عن الألوان الحيادية، وتترك العنان لحديث الألوان في إكسسواراتها وأحذيتها، أو في حمرة شفاه حمراء زاهية. وتصف أسلوبها قائلةً: ’’أحب الخطوط الناعمة والراقية التي تنطوي على دلالات معمارية، وأولي اهتماماً كبيراً للتفاصيل في كل قطعة أزياء أشتريها‘‘. ومن بين ما تحويه خزانة ملابسها من القطع الأساسية نجد القميص الأبيض، وبنطلون الجينز، والأحذية ذات التصاميم المدهشة. وتقول: ’’في كل موسم أشتري كنزة سوداء من علامة مارني لأن نسيجها يعجبني ولأن بوسعي أن أبني حولها إطلالة بسيطة أو فخمة. كما أن العلامة دائماً ما تضع لمسات جديدة في التصميم‘‘. وتفضل رانيا علامتيّ كوم دي غارسون وميزون مارجيلا بسبب الأقمشة والتفاصيل التي تتميز بها إبداعاتهما. كما تعشق سان لوران بسبب ’’أسلوبه الخالد‘‘. وتهوى المزج بين قطع إيزابيل ماران، وزاديغ وفولتير لتُضفي على أناقتها مظهراً ’’شبابياً وعصرياً‘‘.
وبوجه عام، تسعى رانيا إلى إضفاء مشاعر السكينة وتجسيد روح الجمال في جميع مشاريعها. وتقول: ’’يعمد مهندسو التصاميم الداخلية اليوم إلى دمج الجديد مع القديم، والتصاميم المعقدة مع البسيطة دونما إغفال العناية بأدق التفاصيل. فهم يلجأون إلى اللمسات النهائية والأقمشة التي راجت في الماضي ثم يعيدون تقديمها بأساليب أكثر عصرية‘‘. ومع انفتاحها على الموضة والمصممين، واهتمامها بما يجري في شتى أنحاء العالم، تُطَوّر رانيا حسها الإبداعي وتعيد ابتكار رؤيتها يوماً بعد آخر. وتصرح: ’’لا أتخيّل أن أستمرّ في تقديم الأسلوب نفسه طوال حياتي المهنية. وأعتقد أن منهجي بسيط وراقٍ في الوقت ذاته ويمكن تنفيذه بمختلف الأساليب‘‘. وقد برهنت هذه المبدعة، عبر مظهرها وعملها، على تمتعها بمقدرة طبيعية تتيح لها تحقيق التوازن بين الرقي والجرأة، والأناقة واللامألوف – ما مكنها من إحراز النجاح في مجالات عديدة، من الأزياء وحتى الهندسة الداخلية.
اقرؤوا أيضاً: إيلي صعب… تصاميم على أجنحة الحلم