في أحد الأيام الباردة في الكويت دخلت منصّة الفنون المعاصرة في الكويت (CAP) لآخذ جولة خاصة على معرض أميرة بهبهاني، وأشاهد المعرض الحالي الذي تسترجع فيه الفنانة خلاله ذكرياتها السابقة. “رحلة الخمسة عشر عاماً: أعمال الفنانة أميرة بهبهاني” حيث تستفز الفنانة ذات البنية الصغيرة التي تتمتع بشعر أسود داكن رفع للأعلى بنصف تسريحة أسلوباً جماليّاً خاصاً بأزيائها، فكانت ترتدي كنزة رماديّة مع بنطال واسع وجزمة مريحة، وبدأت هذه الجولة بأن أشارت إلى أحد لوحاتها على لوح منسوج بقولها: “هذه صورة لأحد أعمال خالي المعروضة في إيران، فككتها بقصّها إلى شرطان رفيعة ونسجتها معاً؛ هكذا وضعت بصمتي على أعماله” وتفسّر: “سبب وجود هذه القطعة في بداية المعرض هو أني أقيمه على شرف خالي، فلولاه لم أكن لأرغب في أن أكون فنانة.”
ولدت أميرة بهبهاني في إيران لأب إيراني وأم كويتيّة، بدأت الفنانة التي علّمت نفسها بنفسها مسيرتها في عام 2001، بعد أن حصلت على وظيفتها الأولى في شركة خالها، الفنان المعروف والمالك لصالة عرض فنية جواد بوشهري، وهو مؤسس شركة بوشهري جروب كذلك. وقد تعلّم التصميم الغرافيكي والتصوير الرقمي وطباعة واستنساخ الفنون الجميلة خلال فترة عمله لدى وكالة ديڤيجن للإعلانات، ليستقل بعدها في عمله.
جمعت سميندوخت ديهغاني مالكة ومديرة صالة عرض آج في طهران أعمال بهبهاني التي تستذكر بها مسيرتها الفنيّة البالغة خمسة عشر عاماً وصوّرت بها 3 مواضيع، الأول، يروي ذكريات طفولتها ويصوّر أناساً ألهموها. والثاني، يعكس تأثير الفنانين الذين ألهموا أعمالها واكتشفتهم عن طريق الصدفة. والجزء الأخير يظهر أعمالاً مصنوعة بتقنيات مختلفة، بينما بدت متجانسة كمجموعة واحدة.
وبينما كنّا نشق طريقنا نحو زاوية الغرفة، ظهرت أمامنا لوحة كبيرة تظهر صوراً ظليلة لسيّدات يرتدين العبايات ويقفن في الأمام، “هذه اللوحة هي التي بدأت هذا المعرض بأكمله،” هذا ما صرّحت به بهبهاني، وأضافت أن صنعها استغرق سنتين كاملتين، فالنسيج التي رسمت عليه هو قماش خيام بقي في الاستوديو مهملاً لسبع سنوات. وفي عام 2014 التقطت بهبهاني صوراً لنفسها وهي ترتدي العباية في وضعيات مختلفة، وبعد رسم اللوحات قامت بتحديد الأجسام وأعطت وجوههم ملامحاً مختلفة، ماعدا واحدة بقيت جالسة على المقعد، واعترفت الفنانة “هذه أنا” قبيل أن تشير إلى المقعد الخشبي ذو الثلاثة أرجل الذي تجلس عليه، والذي عرض إلى جانب اللوحة ثم أضافت: “وهذا المقعد في اللوحة صممته كوثر الصفّار” الصفّار هي ابنة أخت ثريّا البقصمي، واحدة من الفنانات البارزات في الكويت.
رسمن السيدات مرتديات العباية في مقدّمة اللوحة، ولم تراودها فكرة الخلفية إلا بعد أن فتحت أحد كتبها عن هنري ماتيس، وشاهدت صورة للفنان خلال الفترة التي قضاها في المغرب، وجذبت لديكور الشرفة خلفة فنقلته إلى رسمتها، ثم بدأت فكرتها بتحديد عناصر من كبار الفنانين في التبلور، فتقول: “بدأت بإضافة عناصر أستقيها من كبار الفنانين إلى اللوحة كالكرسي والمزهرية من ماتيس والنافذة الفرنسيّة من بيكاسو، كما يمكنك أن ترى رسمة فرانسيس بيكون كذلك.” وبذلك أصبحت هذه اللوحة بمثابة تكريم لكل الفنانين الأسطوريين، وتغيّرت من جديد عندما حوّلت تركيزها إلى السيدات “أدركت أن لا أحد من السيدات ينظر إلى الفنانين، حينما قررت أن تلك النسوة هن المعرض بذاته.”
توصف بهبهاني في الكثير من الأحيان بالفنانة المتغيّرة، وفي حديثها مع ڤوغ العربيّة قالت: “هذه هي شخصيّتي في الأساس، لا أحب التكرار بل أحب أن تكون أعمالي مختلفة كل مرة، فذلك يلهمني ويدفعني للتطور.” وبالفعل، أشاهد على جدران هذا المعرض لوحات رسمت بتقنيات مختلفة، عملان رسما بالحبر والباستيل على الورق بإلهام من جان دوبوفيه، تستذكر فيه عطلات الصيف التي قضتها وهي طفلة في منزل عمتها في شيراز، بينما تستذكر تجمعات النساء التي حضرتها مع جدتها في لوحة رسمت بخط واحد من الحبر تظهر سيدات يرتدين العبايات، وتقول: “تجدني دائماً متعلقة بالخط، جميع لوحاتي تبدأ بخط من الفحم، بعده تأتي ألوان الأكريليك والألوان المائية والزيتية.”
تظهر بهبهاني انجذابها للأشكال الهندسية، فتتخيّل صورة منزل عمتها في شيراز بمنظور عين الطائر. فتركز على الألوان الغنيّة في رسمة تصوّر سيدة تحمل طفل بينما تسير في طريق واضح، “هذه واحدة من آخر أعمالي،” تقول بهبهاني “وهي من صورة التقطت في الثمانينات. العديد من أعمالي السابقة أظهرت أشكال مكعبات ومثلثات ودوائر، أدركت لاحقاً أن بول كلي كان يفعل نفس الشيء.”
كتكريم لعمتها الراحلة رسمتها بهبهاني بألوان داكنة وهي حديثة الزواج في الستينيات. وبالمقابل، رسمت لوحة أخرى بألوان فاتحة، وهذا ما تشير به إلى الرسام النمساوي ايغون شيل. وتتمتع اللوحة بقيمة معنويّة أكبر مما قد يظهر لمن يراها للمرة الأولى، “أردت أن أتوقف هنا، شعرت أن العمل قد اكتمل.”
معرض “مسيرة الخمسة عشر عاماً: أعمال أميرة بهبهاني” يفتتح أبوابه في 21 ديسمبر 2016 في منصة الفنون المعاصرة في الكويت.