قد لا نبالغ في وصف التغييرات التي شهدتها السعودية في العامين الماضيين بالهائلة؛ فقد قطعت المملكة شوطاً كبيراً يجعل من العسير أن نصدق أنه في العام الماضي فقط لم يكن يُسمح للنساء بالجلوس في المقاهي مع الرجال، أو حضور الفعاليات الرياضية، أو حتى قيادة السيارات.
ويُعزى الفضل في هذه التحولات إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، البالغ من العمر 33 عاماً والذي تمكن من تجاوز أهداف خطته الطموحة للمملكة رؤية 2030، التي تسعى إلى نقل السعودية إلى مستقبل أكثر حداثة وترحيباً بالسائحين، فضلاً عن تنويع منابع الاقتصاد بعيداً عن النفط، وترسيخ قيم إسلامية أكثر تسامحاً واعتدالاً، ورفع نسبة مشاركة النساء في سوق العمل من 22٪ إلى 30٪. وهذا العام، أصبح بإمكان السعوديين رجالاً ونساءً الذهاب إلى الحفلات الموسيقية وقاعات السينما، وبات بوسع النساء حضور المباريات الرياضية في ملاعب مختارة. والشهر الماضي فقط، أصدرت السعودية قانوناً يُجرم التحرش الجنسي. ولعل أهداف رؤية 2030 قد وصلت إلى ذروتها خلال عطلة نهاية الأسبوع قبل الماضي مع إقامة جائزة سباقات الفورمولا إي في الدرعية على مدار ثلاثة أيام – وتضمن هذا المهرجان الأول من نوعه في المملكة فعاليات موسيقية وثقافية.
وعلقت رائدة الأعمال ومنسقة الأزياء آرام قباني، المقيمة في جدة، على هذا الحدث قائلةً: “في رأيي، كان من الحتمي حدوث هذا التغيير. وأنا أكنّ قدراً كبيراً من الاحترام لثقافتنا الجميلة، ولكن تكمن فكرته في عدم الخوف أبداً من التغيير لمجرد أنه قد قيل إننا يجب أن نشعر بذلك. وقد أسعد هذا الحدث جميع السعوديين، نظراً لأنه كان من المستحيل حدوثه حتى عهد قريب”. وفي عطلة نهاية الأسبوع قبل الماضي، انضم زائرون من جميع أنحاء العالم إلى آلاف الرجال والنساء السعوديين –بفضل النظام الجديد لتأشيرات الزيارة الذي بدأ العمل به خصيصاً لهذا الحدث– لمشاهدة السعودية تسجل فصلاً جديداً في تاريخها في الدرعية، الواقعة على مشارف العاصمة.
وكان من أبرز أحداث هذا المهرجان مشاركة العديد من النساء من سائقات سيارات السباق في اختبار القيادة التجريبية للفورمولا إي، من بينهن الإماراتية البالغة من العمر 18 عاماً آمنة القبيسي. وقالت أسيل الحمد، أول سيدة تنال عضوية الاتحاد السعودي للسيارات والدراجات النارية: “برهن هذا الحدث الضخم الذي طال انتظاره على أن الرجال والنساء أصبح مرحباً بهم في المشاركة والاستمتاع بشغفهم”. وترى عاشقة السيارات -التي احتفلت بنهاية الحظر الذي حَرم النساء من قيادة السيارات لعقود طويلة في المملكة، بقيادة سيارة فورمولا وان في الشوارع- أن السباق يمكن أن يلهم جيلاً بأكمله من السعوديات الاشتراك في جميع جوانب رياضات السيارات، مضيفةً: “كما أنه بمثابة بيان عام للتمكين والتركيز على المجتمع”.
وإلى جانب سباقات السيارات، حضر الرجال والنساء حفلات موسيقية مختلطة أحياها فنانون عالميون منهم جيسون ديرولو، وفريق ذا بلاك آيد بيز، وديڤيد غيتا، ووان ريبابليك، حيث سمح للجميع بالرقص. لذا لا يمكن وصف سباق جائزة الفورمولا إي بالدرعية في دورته الأولى سوى باللحظات التاريخية نظراً لأنه قبل عامين فقط لم يكن يُسمح للنساء بالاستماع إلى محاضرات يلقيها أساتذة رجال إلا عبر شاشات عرض.
قالت آرام قباني: “لم يكن الناس يفكرون سوى في الاستمتاع بوقتهم والشعور بأجواء الفرحة وما حدث من تغيير حولهم. وبالنسبة للحفلات المختلطة، فقد كانت أمراً طبيعياً، طالماً أن الجميع يحترمون بعضهم البعض وهو ما تربينا عليه هنا في السعودية. ومن خلال ما شاهدته، كان الناس جميعاً يستمتعون بوقتهم”. وقد وافقتها الرأي نورة آل الشيخ، مصممة الأزياء المقيمة في جدة قائلةً: “في النهاية، نحن جميعاً نعمل معاً لصنع تغيير إيجابي للجميع، بغض النظر عن الجنس، ودعم رؤية 2030. وتشكل الأحداث المتعلقة بالفورمولا إي جانباً من مبادرة أكبر ومستمرة لتعزيز التبادل الثقافي في وقت نحن في أمس الحاجة إليه”.
وإلى جانب الحفلات الموسيقية المختلطة، أصدرت السعودية نظاماً هو الأول في تاريخها أيضاً بهدف تيسير الحصول على تأشيرات سياحية للزائرين من جميع أنحاء العالم. وقد أصدرت نظام التأشيرات الجديد عبر منصة “شارك”، لجذب السائحين لزيارة البلاد في هذه الأحداث. وبدأ العمل بنظام التأشيرات الجديد قبيل افتتاح جائزة سباقات الفورمولا إي بالدرعية عبر تطبيق على الإنترنت منح التأشيرات للزائرين بعد شرائهم تذاكر الفورمولا إي، ما مكَّن آلاف السائحين من جميع دول العالم، منهم سكوت ديسيك وصوفيا ريتشي، السفر خصيصاً لحضور هذا الحدث.
وتقول نورة: “لا يشعر الشباب السعوديون بالفخر بتراثهم فحسب، بل ويرون أنفسهم مواطنين عالميين. فنحن لدينا ثقافة غنية وفنون وساحة للتصميم تمثل مناطق السعودية المتنوعة. وثمة إحساس بالفخر يأتي من القدرة على مشاركة ذلك مع سائر أنحاء العالم عبر هذه الأحداث”.
والآن اقرئي: هكذا فاجأ ديفيد جيتا الجمهور السعودي في حفله الأوّل في الدرعيّة