تابعوا ڤوغ العربية

نور القصر… حوار ڤوغ مع رئيسة مهرجانات بيت الدين نورا جنبلاط

نورا جنبلاط بعدسة سام روادي لصالح عدد شهر يوليو/أغسطس من ڤوغ العربيّة

تنطلق في 12 يوليو الجاري دورة جديدة من «مهرجانات بيت الدين الدولية» الثقافية الفنية في لبنان. قبل انطلاق حفلات المهرجان قصدنا القصر الذي يستقبلها، قصر بيت الدين، حيث شهدنا في الباحة الداخلية لقاءً بين التاريخ والحاضر، ولحظات مطعّمة بالجمال، جمال المكان وجمال حضور رئيسة مهرجانات بيت الدين نورا جنبلاط  

نُشر هذا المقال في عدد شهر يوليو/أغسطس من ڤوغ العربيّة

في القصر الباهر في بلدة بيت الدين، التي تبعد 40 كيلومتراً عن بيروت، دارت جلسة تصوير نورا الشرباتي جنبلاط. هذا القصر الذي بُني مقرّاً للأمير بشير الثاني الشهابي في القرن التاسع عشر، هو تحفة معمارية في قلب لبنان. يشعر زائره بأنه خارج اللحظة الحاضره في رحاب تاريخ تنازعته وتتنازعه روايات متضاربة متقاتلة، ونتجت عنه حقائق موجعة.  هذا القصر البديع بقناطره وفسيفسائه وزخارفه ونقوشه ونوافيره، يستقبل منذ نحو ثلاثة وثلاثين عاماً، المهرجانات الفنية الثقافية السنوية التي تحمل اسمه واسم البلدة اللبنانية الجميلة. 

قبل أيام من جلسة التصوير، جمعنا برئيسة مهرجانات بيت الدين لقاء في مكاتب إدارة المهرجانات في بيروت. قبل المساء التقينا، مباشرة بعد اجتماع طويل خرجت منه جنبلاط متحمّسة، هي التي تنجز مهماتها بحماسة، وبحماسة تعانق العيش في منطقة تحتاج إلى مَن يؤمنون بها برغم كل ما تشهده من عنف وجنون.

 في عزّ الحرب الأهلية اللبنانية عام 1985 عندما تأسست مهرجانات بيت الدين تعبيراً عن «الإيمان بدور لبنان الثقافي والحضاري»، كما تشرح نورا جنبلاط. «لم تكن انطلاقة ضخمة بل متواضعة. وقد نُظّمت الدورة الأولى عام 1987. كنا قد اتصلنا بسفارات غربية ومنها الاتحاد السوفياتي آنذاك، فشاركت فرق سوفياتية في المهرجان، وقُدمت أعمال مسرحية، كما انضمّ الفنان السوري دريد لحام إلى المشاركين في تلك الدورة. حدث آخر شهدته تلك الدورة هو دعوة فنانين من العالم للإقامة في بيت الدين خلال مدة زمنية معينة». 

شهد عام 1987 فصولاً سوداء من المعارك الطاحنة بين فرقاء الحرب الأهلية. وكان المهرجان في الجبل، كما تصفه جنبلاط، «نوعاً من المقاومة الثقافية وشكلاً من أشكال التحدي، تحدّي الحرب والدمار، ومواجهتهما بالحياة والفن. وبعد مرور 33عاماً على انطلاقة المهرجانات يمكن أن نقول إن التحدي ما زال قائماً. قليلة هي الأعوام التي لم نواجه خلالها تحديات محلية أو إقليمية. مرّت السنون ولم يغادرنا الشعور بثقل غياب الاستقرار». 

برغم ظلال التوتر نجحت مهرجانات بيت الدين الدولية في استقطاب أسماء مهمة في دنيا الفن في لبنان والعالم العربي، وفي العالم الغربي أيضاً. «يمكن أن نقول إن جذور مهرجانات بيت الدين لبنانية وهويتها عربية وإنها منفتحة على العالم. بعد توقف مهرجانات بعلبك خلال الحرب، لعبت مهرجانات بيت الدين دور الريادة، كونها الأقدم بعد بعلبك. والآن أصبحنا معروفين عالمياً، واستقطبنا أهم الفنانين والموسيقيين في العالم، من الأوبرا إلى الموسيقى العالمية والجاز إلى الغناء العربي، حتى الموسيقى الصوفية كنا أول من قدمها بين المهرجانات، كما قدّمنا الفلامنكو وعروض رقص عرفت شهرة عالمية». 

نورا جنبلاط بعدسة سام روادي لصالح عدد شهر يوليو/أغسطس من ڤوغ العربيّة

 

تؤدي هوية قصر بيت الدين دوراً أساسياً في تجربة الاستمتاع بحفلات المهرجان. «هو لقاء هادف يجمع بين تقديم أعمال فنية راقية والإضاءة على موقع أثري فريد من نوعه. القصر يمثّل الإمارة اللبنانية، إمارة جبل لبنان التي كانت بين القرن السابع عشر والقرن التاسع عشر قلب لبنان النابض. والمهرجانات تمنح القصر الحياة وتحتفي بالهوية اللبنانية التي يشكّلها التاريخ القريب ويشارك قصر بيت الدين في رسم ملامحها. فهذه التحفة التاريخية هي نموذج للعمارة اللبنانية المطعّمة بخصائص العمارة الإيطالية التي برز تأثيرها مع فخرالدين (المعني الثاني). مضمون الحفلة ومعناها ورسالتها مهمّة، لكن وجودها في موقع أثري تاريخي يُشعر اللبنانيين بالفخر. هذا المكان يحيا بالفن، تتنفس حجارته على وقع أنغام الموسيقى وعندما يتعرّف الجمهور إلى روح القصر وروعته». 

في منطقة شهدت تاريخياً معارك دموية يطرح دور مهرجانات بيت الدين أهمية الثقافة في مواجهة تشتّت الهوية. «حفلات مهرجانات بيت الدين جمعت وتجمع اللبنانيين الذين يقصدون القصر من مناطق مختلفة لتقدير الفن والثقافة التي هي مقياس التقدّم الإنساني، فلا تكون حضارة من دون ثقافة. ومهمّ أن تطاول الثقافة الجميع، أن تتغلغل في الشارع لتمسّ كلّ فئات المجتمع. باتت حفلاتنا تستقطب عدداً أكبر من الشباب والصبايا. فنحن لا نهدف إلى التوجّه إلى النخبة. لبنان عانى ويلات الحروب، وفهم أهمية الثقافة للحفاظ على الهوية أساسي للتطوّر. عندما نقتنع بأهمية الغنى الثقافي يمكن أن ننفتح على الحضارات والثقافات الأخرى. لا شك أن لبنان ما زال حيّاً وما زال ملتقى الحضارات». 

الامتياز والإبداع والتجديد ثلاثة معايير لا يتنازل عنها القيّمون على مهرجانات بيت الدين كما تشرح نورا جنبلاط. لكن في ظلّ ثورة تكنولوجيا المعلومات والتواصل التي أثرت في مختلف جوانب حياتنا، هل تغيّرت علاقة الجمهور بالمهرجانات الفنية؟ «ربما لم يعد الكثيرون يشترون الألبومات الموسيقية بوجود تطبيقات تحميل الموسيقى والأغاني والمنصّات المختلفة، لكن التجربة الحيّة على المسرح لا يمكن أن تقدّمها شاشة أو تقنية. لا شيء يضاهي التقاط اللحظة الحيّة». 

«هذا المكان يحيا بالفن، تتنفس حجارته على وقع أنغام الموسيقى وعندما يتعرّف الجمهور إلى روح القصر وروعته»

ينتقل بنا الحديث من الفن والثقافة إلى المسؤولية الإنسانية التي تدفع نورا جنبلاط إلى تسلّم مناصب وإطلاق مبادرات. نسألها عن جمعية «كياني» التي أسستها وتهدف إلى تعليم الأطفال السوريين الذين لجأوا إلى لبنان ويعيشون في ظروف صعبة في المخيّمات. «جذوري سورية، هذه المأساة تعنيني إنسانياً وشخصياً. وقد سمح لي موقعي بأن أقوم مع مجموعة من الأصدقاء وأفراد من العائلة بإنشاء سبع مدارس تستقبل 3500 طالب وطالبة. نحن المنظّمة غير الحكومية الوحيدة المخوّلة من الحكومة اللبنانية منح شهادات رسمية للطلاب. هناك 550 ألف طفل سوري يحتاجون إلى تلقّي العلم، وقدرة لبنان على المساعدة في هذا المجال محدودة. لبنان كان سبّاقاً إلى احتضان الأزمة السورية، لكن الحمل كبير، ولم تستطع الدولة مع كل المساعدات الخارجية، أن تؤمّن انخراط أكثر من 250 ألف طفل سوري في المدارس. من واجبنا أن نساعد جيلاً مهدداً بالضياع. والعلم هو أهم ما يمكن أن نقدّمه للطفل اللاجئ، هو قوته في الحياة. بالتعاون مع شركائنا، الجامعة الأميركية في بيروت ووزارة الشؤون الاجتماعية وغيرهما، استطعنا عبر الصفوف المسبقة الصنع أن نبني هذه المدارس داخل المخيّمات وحولها، كي نقدّم العلم للأطفال اللاجئين الأشد بؤساً. أكثر من سبعين في المئة من السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر. والطفل هو الضحية الأولى في هذه الحرب، عانى أهوالها من عنف وتجويع وحصار».

نورا جنبلاط بعدسة سام روادي لصالح عدد شهر يوليو/أغسطس من ڤوغ العربيّة

تعترف جنبلاط بأن نشاطها في «كياني» هو الأقرب إلى قلبها. «خلال طفولتي لجأت مع أهلي إلى لبنان، حيث استقرّ والدي (وزير الدفاع السوري الأسبق أحمد الشرباتي) كلاجئ سياسي. يمكن أن أقول إن دوري في «كياني» هو الأقرب إلى قلبي، في حين أن دوري في مركز سرطان الأطفال (الذي تضطلع بمسؤوليات رئاسة مجلس الأمناء فيه) هو الأقرب إلى إنسانيتي، وشغفي بالفن هو محرّكي لرئاسة مهرجانات بيت الدين. عندما نكون في مركز معيّن يجب أن نردّ الجميل للمجتمع ونخدمه. طالما أردت أن أخدم مجتمعي، وثمة مهام كثيرة أشارك في أدائها إلى جانب مسؤولياتي المعروفة، مثل المشاركة في لجان المتاحف والحفاظ على المحميات الطبيعية. هي أدوار أكمّل عبرها ما يقوم به غيري. أشعر بالمسؤولية وبأن واجبي تقديم المساعدة من دون أن أسأل نفسي لمَ أقوم بما أقوم به. اسمي يساعدني أيضاً، وزوجي وليد جنبلاط تفهّم عملي ودعمه، كما شجّعني على تقديم المزيد».

كيف تصف نورا جنبلاط لبنانها؟ «لقد نشأت في لبنان. أنا في القلب لبنانية بقدر ما أنا سورية. لبنان جميل بطبيعته وناسه، ونحن نحبه إلى حد دفع بنا إلى تدميره. اللبناني لا يؤمن بنظرية العقد الاجتماعي. حقوقنا غير محفوظة كمواطنين برغم أننا نتمتع ببعض أشكال الحرية. دمّرنا وشوّهنا، البحر والطبيعة والتراث والهوية. لكنّ الأمل يبرق في المؤسسات التعليمية، في بعض الجامعات، في مستقبل الشباب، في المتاحف والمهرجانات التي أعتبر ازدياد عددها دليلاً على الحيوية». 

برنامج مهرجانات بيت الدين الدولية 2018

حفلتان للموسيقي زياد الرحباني: 12-13 يوليو

عرض «عرس الدم» ورقصات فلامنكو لفرقة أنطونيو غايدس: 19 و20 يوليو

عرض «موعد مع مارلين» للمغنية والممثلة الألمانية أوتيه لمبر: 25 يوليو

حفلتان للمطرب كاظم الساهر: 27 و28 يوليو

حفلة للمغنية كارلا بروني: 30 يوليو

عرض «سيركوبوليس» للفرقة الكندية إيلويز: 9 و10 و11 أغسطس

يقام على هامش المهرجان معرض لرسام الكاريكاتور الراحل بيار صادق

آشلي غراهام وبالوما إلسيسر تتوهجان بالثقة والجمال على غلاف العدد الجديد من ڤوغ العربية

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع