كان يمكن لشيرين رضا أن تستفيد من دائرة الشهرة التي تطاردها منذ طفولتها لتكرّس وجودها وتحفر اسمها فيها. لكنها اختارت الغياب مدة زمنية طويلة ثم عادت فارضة حضورها الجميل وقدرتها على التألّق والتعويض عمّا فات.
نشر هذا المقال للمرّة الأولى في عدد شهر ديسمبر 2017 من ڤوغ العربيّة، بقلم هال كوثراني.
تنهال الأدوار على شيرين رضا وتظهر في لقاءات إعلامية ومناسبات فنية من دون أقنعة، صريحة شفافة جريئة. في الحياة تبتعد تماماً عن التمثيل وتطرح أفكارها واستنتاجات قدّمتها لها التجارب. في مقابلة أجريت معها أخيراً أعلنت شيرين رأياً بالزواج يخالف تماماً المتوقع والسائد في مجتمعاتنا، وفي لقاءات إعلامية أخرى كشفت عن أفكارها المختلفة من دون خجل أو مواربة. شيرين تكثّف ظهورها في المدة الأخيرة للترويج لفيلم “فوتوكوبي” الذي أدت فيه دور امرأة مسنّة، وهو دور مميّز يتناقض مع الأحكام المسبقة المرتبطة بأدوار تُمنح لممثلة معروفة بالجمال. “فوتوكوبي” (مؤلفه هيثم دبور ومخرجه تامر عشري) الذي تقاسمت فيه شيرين رضا البطولة مع الممثل القدير محمود حميدة ونال جائزة أفضل فيلم روائي عربي في مهرجان الجونة السينمائي في دورته الأولى، يعرض جماهيرياً في ديسمبر الجاري.
جمال شيرين رضا لافت. حين عرفت الشهرة، هي ابنة الفنان ومصمّم العروض الاستعراضية الشهير محمود رضا، كانت في سنّ صغيرة، فتاة جميلة تظهر في الإعلانات، أي أن جمالها كان سبب شهرتها في مرحلة البدايات. هذا الجمال لم تؤثر فيه الأعوام ولا الغياب عن دوائر الشهرة وعالم الفن، لكنه الآن بعد عودتها المؤثرة ما عاد العنصر الذي على أساسه يجذب أداؤها المشاهدين والمخرجين والنقاد. «الجمال هبة من عند الخالق»، تقول شيرين، «هدية لا دخل لي بها. بالتأكيد كان يبهجني، خصوصاً في بداياتي ولو في شكل غير مبالغ فيه، أن يبدي البعض إعجابهم بشكلي. ولكن حالياً وبعد نضج شخصيتي والأدوار التي أقدّمها، وهذا ليس رأيي وحدي، أشعر بالضيق حين يتجاهل البعض مشهداً جيداً قدمته ويركز على شكلي ومظهري. كما لا أشعر بالحماسة للعمل حين يعرض عليّ مخرج أداء دور سيدة جميلة، ولهذا أرفض كثيراً من الأدوار التي لا تغوص في الأبعاد النفسية أو تلك التي لا يمثل أداؤها تحدياً. أعترف بأن جمالي كان أحد أسباب تعرف الجمهور إليّ، وربما كان أحد أسباب اختياري لأداء دور معين في مرحلة سابقة في مشواري الفني، ولكنني الآن أركز على أن تكون الموهبة وحدها هي سبب اختياري لأي دور من الأدوار التي تعرض عليّ».لم تسعَ شيرين إلى الشهرة، لم تطاردها، بل كانت الفرص تدقّ بابها، هي الفتاة التي أتيح لها أن تكبر في أجواء فنية راقية مراقبة وأحياناً مشاركة في استعراضات فرقة رضا العريقة. من خلال الإعلانات المختلفة التي صوّرتها عرفها الجمهور في الثمانينيات والتسعينيات، ثم لاحقاً من خلال الفوازير التي كانت سبب عودتها إلى مصر من الولايات المتحدة حيث درست، ومن خلال كليبات الأغاني وأبرزها كليب أغنية تحرّك أجمل المعاني في ذاكرة جيل كامل، هي أغنية “ما تخافيش” لعمرو دياب زوج شيرين السابق ووالد ابنتها الوحيدة.
كلّنا نبحث عن معنى لأيامنا، نحدّده في مراحل مختلفة من حيواتنا. في مرحلة مبكرة وبرغم أنها كانت في وسط دائرة الشهرة والأضواء حدّدت شيرين هدف حياتها الذي تريد التركيز عليه بعد زواجها من المطرب الظاهرة عمرو دياب وإنجابها ابنتهما نور. «الأمومة منحتني هدفاً ومغزىً حقيقياً لحياتي، لهذا حين شعرت بأن الفن قد يشغلني عن هذا الهدف اعتزلت في شكل مؤقت. ولم أعرف الندم على توقفي مدة طويلة عن التمثيل. فأنا لم أعتد أن أندم على أي شيء، بل أخطّط لكل ما أفعله بدقة وتفكير عميق. وتوقفي عن التمثيل في تلك المرحلة كان لأسباب كثيرة خارجة عن إرادتي. سعيت إلى الغياب لإعادة حساباتي وترتيب أوراقي. وربما ينتابني الضيق لضياع تلك الأيام من مسيرتي المهنية، ولكنه كان القرار المثالي حينها. حياتي الشخصية مليئة بالتحديات وكذلك حياتي المهنية، ولكن التحدي الأكبر الذي واجهته على المستوى المهني هو العودة إلى السينما والتلفزيون بعد مرحلة الاعتزال الطويلة، العودة من خلال أدوار قوية ومؤثرة مدفوعة بشغفي ورغبتي في أن أخطو خطوات عملاقة تعوّض عن غيابي».
لا يشغلني مرور الزمن بل أسعى إلى الاستفادة من اللحظة
أفكار شيرين، التي تعبّر عنها واضحة في الإعلام وأحياناً من خلال منصّات التواصل الاجتماعي، غير نموذجية، وهذا التميّز في الأفكار ترجعه النجمة إلى «سفرها وجولاتها في دول كثيرة حول العالم، تعرفت من خلالها على العديد من الثقافات. كما أنني أحب المطالعة وأقرأ كتباً تعالج موضوعات ضمن مجالات مختلفة، بعضها يحمل أفكاراً غير مألوفة ولا يتفق عليها الجميع وقد لا يقبلها البعض هنا، ومن خلال كل هذا كوّنت وأكوّن وجهة نظري الخاصة التي قد يراها البعض غريبة، ولكنني أفضّل أن أكون منسجمة مع ذاتي وأفكاري بدلاً من أن أدفن رأسي في الرمال مثل النعامة». هذا الانسجام مع الذات يفرض عليها أن تعبّر وتدافع عن قضايا تهمّها مثل إنقاذ الحيوانات «الكائنات الرقيقة التي تتعرّض للتعذيب في شوارعنا. أتمنّى مساعدة جميع الحيوانات، وأحاول تنظيم حملات لإنقاذ تلك التي تقتل في الشوارع. ما صدمني هو أن المكان الذي يفترض أن تتلقّى فيه الحيوانات الرعاية اللازمة، وهو حديقة الحيوانات، تجري فيه عمليات تعذيب لهذه الكائنات. أحياناً يهاجمني البعض بحجة أنني يجب أن أهتمّ بالدفاع عن قضايا البشر أولاً، فأردّ دوماً قائلة بأن كثراً يدافعون عن قضايا البشر، ويتقاتلون لأجل الدفاع عنها. أما الحيوانات فمسكوت عن العنف الذي تتعرّض له ويمارس ضدها».
شيرين التي تجول في العالم وتحبّ السفر لم تفكر في الاستقرار خارج مصر. «بالرغم من أنني كثيرة الترحال إلا أنني لا أتخيّل أن أبقى خارج مصر مدة طويلة، أشتاق وأحنّ إليها كثيراً إذا سافرت ولا أظنني يمكن أن أعيش في بلد آخر». كما أن شيرين في هذه المرحلة مركّزة تماماً على عملها، تمنح أدوارها طاقتها ووقتها. «بالتأكيد تركيزي الشديد في الفترة الماضية هو أحد أسباب تقديمي أدواراً جديدة وغير مألوفة، وكذلك النضج والخبرة اللتان تسمحان لي الآن باختيار أدواري بعناية وبدراستها بعمق».
في موازاة النضج والخبرة اللتين تعبّر عنهما شيرين رضا لا تشغلها مسألة التقدّم في السن. «لا أفكر في الزمن الذي يمرّ، بل أسعى إلى الاستمتاع بكل لحظة في حياتي، فالعمر سوف يسبقني في الأحوال جميعها، وبالتالي ليس أمامي سوف أن أقدّر الحياة وأعيش تفاصيلها».
طالما قيل إن الأدوار المعروضة على الممثلات الناضجات، أو اللواتي أصبحن في منتصف العمر، قليلة، وشيرين تنهال عليها الأدوار. «وجهة نظري هي أن الأدوار المعروضة على الممثلات الناضجات أقل بسبب رؤية المخرجين، وخوفهم أيضاً من أن الممثلة المكرّسة شهرتها لن تقدّم دوراً صغيراً، سواء لخوفهم من رد الفعل عند عرض الدور أو ارتفاع الأجر في بعض الأحيان. ولكن ما يهمّني أنا هو طبيعة الدور والأبعاد النفسية التي يطرحها، وأن يكون مختلفاً أي أنني لا أكرّر أدواري وأن يمثّل بالنسبة إليّ تحدياً يدفعني إلى بذل كل جهدي لتقديمه».
النقد الذي طاول فيلم “فوتوكوبي” متفاوت بين مَن أعلن إعجابه الشديد بالفيلم ومَن اعتبر أنّ بعض الكليشيهات أضعفته، لكن ثمة شبه إجماع على أهمية أداء شيرين وكلام عن تطوّر هذا الأداء. «دوري في فوتوكوبي بعيد تماماً عن أدواري السابقة، وهو نتيجة الجهد والنضج معاً. وقد تطلّب مني مجهوداً كبيراً، جسدياً ونفسياً، لأجل إتقان طريقة تحرّك الشخصية، طريقة مشيها على سبيل المثال، وطريقة كلامها. كما استغرق تنفيذ المكياج قبل التصوير ساعات طويلة. وقد تعلّمت الكثير من التجارب التي عشتها خلال تصوير هذا الفيلم، الوقوف أمام النجم محمود حميدة يساوي العودة إلى معهد السينما لتعلم التمثيل من جديد. أحبّ هنا أن أقول إنني سعيدة برد فعل جمهور مهرجان الجونة، ومتشوقة لاكتشاف رد فعل الجماهير بعد عرضه في صالات السينما».
تؤكد شيرين أنها تعشق كل الأدوار التي أدتها، «لكن الأقرب إلى قلبي في شكل خاص هو دور ديجا في «الفيل الأزرق» ودور إنجي في «فوق مستوى الشبهات» ودور صافي في «حجر جهنم». أطمح الآن إلى تقديم أدوار جديدة وإتقانها وبناء علاقة بينها وبين الجمهور. أما الممثلان اللذان يسحرني أداؤهما، فهما السير أنطوني هوبكينز وإدوارد نورتون».
شيرين التي عادت بقوة واندفاع إلى الأضواء، نسألها عن سرّ متابعة الجمهور لكل ما تقوم به. «أظن أن السبب هو أنّ عودتي تواكبت مع انتشار “السوشال ميديا” بشكل عام، وبالتالي بدأ الجمهور يتعرف إليّ عن قرب، وربما وجد كثر في أفكاري أو اهتماماتي أرضية مشتركة تسمح لهم بأن يتابعوني».
تصوير: ستيفاني غاليا
تنسيق الأزياء: ستيوارت روبرتسون
مكياج: سهى خوري
تصفيف الشعر: أنتوني من صالون شي ريتشارد
إنتاج: Snap14 Productions، مصر
موقع التصوير: متحف جاير أندرسون، مصر
نجمات في الشمس… يسرا ونيللي كريم ودرّة زروق في حوارٍ مع ڤوغ العربيّة