تابعوا ڤوغ العربية

عمرو واكد… ممثل من دون أقنعة

عمرو واكد في مهرجان روما السينمائي 2010. Getty

استطاع الممثل المصري عمرو واكد أن يتجاوز دائرة الشهرة في العالم العربي إلى أفق أوسع.

يصرّ عمرو واكد على أنّ تجاوزه دائرة الشهرة في العالم العربي جاء من باب المصادفة. «مشاركتي في فيلم “سيريانا” حدثت مصادفة. أرادت المسؤولة عن اختيار الممثلين أن توكل الدور لممثل من الشرق الأوسط، فزارت مصر والتقت عدداً من الممثلين، كنت أحدهم. ثم بعد أسبوع عرضت عليّ الدور. ثم سافرت، قصدتهم لقراءة السيناريو، ووافقتُ بعدما أعجبني. فأنا لن أوافق على سيناريو لا يقنعني ولا يعجبني، فقط لأؤدي دوراً في فيلم هوليوودي أو أوروبي». لقد اختير عمرو لدوره الأول في هوليوود بعدما التقى المعنيون في الاختيار غيره من الممثلين، ما يعني أن المصادفة ليست سبب انطلاقه نحو آفاق جديدة، بل يلعب دوراً في هذه المعادلة الأداء المؤثّر وكاريزما الشخصية.

وهنا يؤكّد عمرو على اهتمامه بعدم المساهمة في تثبيت الصورة النمطية السلبية للشخصية العربية. «ثمة أنماط أدوار مختلفة تمسّ الثقافات جميعها، وثمة أنماط مختلفة من الشخصيات. لقد أديت في “سيريانا” دور إرهابي وخفت أن أكون العربي الذي اختاروه لتشويه صورة العرب. لكنني ارتحت عندما قرأت السيناريو ووجدت أنّ أحداثه تدور حول شخصية عربية أخرى، شخصية قوية وملهمة وأساسية، أدى دورها النجم السوداني البريطاني المحبوب ألكسندر صدّيق. عندها وافقت من دون تردّد، على سيناريو متوازن ولا يفرض ادّعاءات كاذبة. فجمهوري كبير في العالم العربي ولا أقبل أن أجرحه. ولا يمكن أن أكون ضحية سياسة معينة، أحاول أن أطلع على تفاصيل أي دور يعرض عليّ طبعاً ضمن المعطيات التي يُسمح لي بمتابعتها. فقد خضعت لتحقيق في نقابة المهن التمثيلية لأنني شاركت في مسلسل House of Saddam. كنت قد وقّعت العقد مع بي. بي. سي وبدأت التصوير في تونس. لم أسأل عن جوازات سفر الممثلين المشاركين في المسلسل. وأنا أنتبه للتفاصيل، لكنني لن أتجرأ وأسأل عن جنسيات الممثلين الآخرين. أربط بالسيناريو وجهة الإنتاج والمخرج، تتركّز أسئلتي ضمن هذا المثلّث، ولا أتعدّى حدوده».

ثمة هوس في عالمنا العربي بفكرة العالميّة، كأنّها ذات أبعاد محدّدة. لكن مفهوم الدور العالمي واقعي وخاص في عالم عمرو واكد الذي اختار الأديب الراحل نجيب محفوظ، صاحب جائزة نوبل العربية اليتيمة والوحيدة، نموذجاً لشرح وجهة نظره. «نجيب محفوظ كان عالمياً ولم يركب طائرة. فقد بحث عن الإنسانية في المحلّية، بحث عما يمسّ الإنسان أينما كان، وأطّر تحليله العميق هذا. نجيب محفوظ كتب بالعربية، لكنه بتركيزه على الإنسان أصبح عالمياً. كتّاب كثر ترجمت أعمالهم من دون أن تكون عالمية، وثمة مَن لم تترجم أعمالهم لكنّها تستحق أن تقرأها شعوب أخرى. نعم، نحن نعاني عقدة الخواجة ونعتبر كلّ مَن مثّل في الخارج عالمياً، بينما ثمة ممثلون عالميون في أدائهم ولم ينالوا بعد فرصتهم».

عمرو في مشهد من فيلم «لوسي» يجمعه بالممثلة سكارليت جوهانسون.

قدما عمرو ثابتتان على الأرض. هذا ما تؤكده كلماته، كما لا تشغله النجومية في بلده أو خارجه. «لا تحرّكني النجومية، لا آخذها في عين الاعتبار. لا أخطّط لحياتي على أساسها، لأنها غير حقيقية ومؤقتة. معظم الناس الذين يُعجبون بالنجوم لا يعرفونهم، وإذا تعرّفوا إليهم قد لا يطيقونهم. هي “حدوتة” حلوة، ظريفة، أن يتعلّق الآخرون بعملك، لكن في الحقيقة حين تصدّق النجومية تهوى، لأنها بعيدة كل البعد عن الحقيقة».

عمرو قدّم أخيراً فيلماً سينمائياً جديداً بعنوان «القرد بيتكلّم»، تَشارك فيه البطولة مع أحمد الفيشاوي، وتدور أحداثه حول شقيقين ساحرين يحاولان عبر خدعة سحرية إطلاق سراح والدهما السجين البريء. وعمرو راض تماماً عن هذا الفيلم ودوره فيه. «أنا راضٍ عن الفيلم ضمن حدود النوع الذي أردت تقديمه. فهو فيلم خفيف ومشوّق وكوميدي، فيلم «لايت كوميدي». أنا ممثل ولست متخصصاً في الكوميديا، أمثل الدراما و”الأكشن” والكوميديا الخفيفة، ولن يكون هذا الفيلم آخر فيلم كوميدي أؤدي دوراً فيه. سأقدّم أفلاماً جادة وأخرى خفيفة. أحب أن أقدّم للسينما المصرية فيلماً تاريخياً، وآخر يدور حول الخيال العلمي كالفيلم الأميركي الذي أشارك فيه. أسعى إلى تقديم أدوار متنوّعة، وهذا ما يقوم عليه عملي كممثل، تنويع الأدوار. فليس الممثل الناجح مَن يكتفي بأدوار جادة وجريئة ومعقّدة. لا أريد أن أكون هذا الممثل».

ثمة مَن اعتبر فيلم عمرو الأخير أحد النماذج التي تدلّ على تدهور السينما المصرية. «لعلّهم منافسون هؤلاء الذين كتبوا هذه التعليقات. ثمة نماذج كثيرة تعبّر عن تدهور السينما المصرية، ولا يشبه “القرد بيتكلّم” هذه الأفلام ولا يمكن أن يحسب ضمنها. هؤلاء لم يشاهدوا الأفلام التي تعرض والتي ملّها الجمهور. أنا سعيد بنجاح الفيلم الذي تجاوز مصر إلى دول الخليج حيث احتلّ مكانه في لائحة الأفلام الخمسة الأكثر مشاهدة. وتصدّر لمدة ستة أسابيع المرتبة الأولى في مصر بين الأفلام التي تستقطب الجماهير. أعداد هائلة خرجت من الفيلم وهم يمدحونه ويعبّرون عن سعادتهم به. فكيف يكتب النقّاد ما يكتبونه؟ فلنعد إلى ما كتبوه عن فيلمَيّ “القط” و”الشتا اللي فات” اللذين شاركت فيهما وأنتجتهما. لقد كتبوا قصائد عن هذين الفيلمين الجديين، حتى أنني أحتفظ ببعض هذه المقالات، وقد وضعتها في أطر لسعادتي بها. لكنّ فيلماً مثل “الشتا اللي فات” خسّرني أموالاً لأنه لم يعجب الجمهور، بل لم يتحمّس الجمهور لمشاهدته. الجمهور لم يرضَ عن هذين الفيلمين، ربما توقيت عرض كلّ منهما لم يكن مناسباً. وأنا أعتزّ بهذين الفيلمين بل أعتبرهما بين أفلامي الأقرب إلى قلبي ووعيي واهتمامي. لكنّ الجمهور اعترض عليهما وأحب “القرد بيتكلّم”. النقّاد مدحوا الفيلمين اللذين لم يعجبا الجمهور. لذا قررت ألا أستمع إلى النقّاد. فالجمهور هو الناقد والحكم. نحن نعمل كي نجمع الجمهور حولنا، وكي نؤثر فيه».

أسافر كثيراً ولا أحس بالراحة إلا في بلدي. أنا مثل السمكة التي لا يمكن أن تغادر المياه. في مصر أهلي وأصحابي والناس الذين أحبهم والحياة التي عرفتها منذ كنت طفلاً. بلدك هي أهلك والناس الذين تعيش بينهم، في أي بلد آخر لن يتجاوز عدد أصدقائي المقرّبين الاثنين أو الثلاثة، حياة الانغلاق والوحدة ليست حياتي

بعد الفيلم السينمائي الناجح جماهيرياً في مصر، يظهر عمرو في حلقات مسلسل “ريفييرا” البريطاني التلفزيوني القصير الذي سيعرض بعد نحو شهرين ويشارك في حلقاته نجوم أمثال جوليا ستايلز ومونيكا بلوتشي ولينا أولين. «أعجبني المسلسل الذي أراه فرصة لأحقّق الانتشار خارج العالم العربي وأكتسب خبرة أوسع كممثل، وأنا أؤدي فيه دور محقّق فرنسي. وقد أحببت الدور والقصة البوليسية، فلم نتابع منذ مدة مسلسلاً يصوّر حياة البذخ والترف، وعالم الثراء الفاحش والجرائم التي يمكن أن تكشف ما يدور خلف ستائره المخملية وأضوائه المتلألئة».

بعد “ريفييرا” يظهر عمرو في فيلم Goestorm، فيلم التشويق والفانتازيا والإنتاج الهوليوودي الضخم الذي يطلق في أكتوبر المقبل. «جيوستورم فيلم رائع، إنتاجه ضخم وفريقه مذهل، فهو يجمع بين جيرارد باتلر وآندي غارسيا وإيد هاريس وجيم ستورجيس وآبي كورنيش وغيرهم من أصحاب الأسماء الشهيرة. وبين هذه الأسماء، مساحات الأدوار مختصرة باستثناء دور جيرارد باتلر، وجيم ستورجيس شقيقه في الفيلم الذي ينقل الفريق إلى محطة فضاء حيث نتحكّم في المناخ العالمي، ويقع ما لم يكن في الحسبان».

هوجم عمرو وانتُقد بسبب آرائه في أوضاع بلده، لكنه يرى حملات الهجوم ضريبة النجاح، بل يرى أنها توسّع قاعدة النجاح. «كل فنان معروف يجد مَن يكرهونه، وهؤلاء ينتهزون أي فرصة ليؤلفوا عنه قصصاً ويعلّقوا على كل ما يقوله. أما نصيحتي لمَن يهاجمون الفنان: أوقفوا هجومكم لأنكم تقدّمون له خدمة. فليس ثمة فنان يخسر عندما يُهاجم، ليست هذه النظرية موجودة في أي كتاب عن العلاقات العامة. وأنا واجهت هجوماً شرساً وقبيحاً تكرّر مرات عديدة، لكنّ فيلمي الآن في المرتبة الأولى».

برغم الهجوم الشرس لا يتراجع عمرو عن مواقفه. «ليس هناك سبب للتراجع. هؤلاء المهاجمون ليسوا سبباً حقيقياً لأتراجع عن مواقفي، بغضهم يفيدني، وجمهوري يصبح أوسع، بل تزداد أعداد مَن يتابعونني بعد كل حملة تُشنّ ضدي».

وجد عمرو أجوبته عن أسئلة تواجهنا بها الحياة، وتأقلم مع مشكلات العيش في بلداننا. لكن لا بد من الإحباط أحياناً. «أشعر بالإحباط في أوقات كثيرة، لكنني لا أكشف عمّا أحسّ به لأنني أعرف أن معظم الناس محبطون. لا أريد أن أوجع جرحهم».

نعود إلى الماضي ونطلّ على الأعوام الذهبية في عمر السينما المصرية

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع