فاطمة باعشن المتحدثة الرسمية باسم السفارة السعودية في واشنطن، تكشف أصعب مسؤوليات مهنتها
نشر هذا اللقاء للمرّة الأولى داخل عدد شهر يونيو من ڤوغ العربيّة بقلم نور كامل
اختارت فاطمة باعشن دراسة علم الاجتماع لكنها لم تلجأ إلى تخصصها إلا بعد سنوات عديدة من الانخراط في العمل حين انتقلت إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما تشرح، «بدايةً مع المنظمات العالمية غير الحكومية، ولاحقاً مع القطاع العام في الخليج العربي، كخبيرة استراتيجية تطوّر أطر عمل لمعالجة بعض القضايا الاجتماعية الملحّة، كفرص العمل والبطالة لدى الشباب أو تمكين المرأة».
لقد استندت باعشن دوماً إلى شهادتها في علم الاجتماع، هي التي تخوض العمل مسلّحةً، كما تقول، «بفضول فكري»، حتى في ممارسة دورها الحالي. وهنا تؤكد باعشن أنّ إسناد هذا الدور إليها هو «شهادة للقيادة في المملكة العربية السعودية التي اختارت شخصاً عادياً مثلي- لم يتدرّج في السلك الديبلوماسي، ولا ينتمي إلى الطبقات العليا في المجتمع السعودي- لأخدم كديبلوماسية بطريقة تنسجم مع طموحي الفكري. الآن بصفتي الناطقة باسم السفارة أمضي الكثير من وقتي في شرح المجتمع السعودي للإعلام والجمهور العام، لذا أعود دوماً إلى شهادتي في علم الاجتماع وأعوام العمل في المملكة».
لا تتوقف باعشن طويلاً عند حقيقة أنها أول سعودية تشغل منصباً من هذا النوع. «بالطبع أدرك أنه شرف عظيم وأشعر بالامتنان، لكنني لم أطارد يوماً الجوائز التقديرية. وكان هدفي دوماً المساهمة المفيدة». وهنا تصرّ على أنها نالت الوظيفة «بفضل الخبرة وليس لأنني امرأة».
باعشن التي نشأت وتعلّمت في الولايات المتحدة استفادت من التنوّع الثقافي الذي طبع حياتها. «والداي سعوديان، وأعوامي الأولى أمضيتها في المملكة. ثم عشت 31 عاماً في الولايات المتحدة. وإذا أردت أن ألخّص حكايتي بناء على القلب والعقل والروح، فإن قلبي سعودي وثقافتي السعودية يتردّد صداها فيّ حيثما حللت في هذا العالم. أما عن طريقة تفكيري، فيمكن القول إنني أفكر كأميركية لأنني نتاج النظام التعليمي الأميركي من الروضة إلى شهادة الماجستير. وروحي، طبعاً، مسلمة، ليس لأنني ولدت مسلمة فحسب بل بسبب كل شيء في حياتي، الإسلام يقرّبني من الله».
“المملكة العربية السعودية في مكان يسمح لها بأن تكون مثالاً حيّاً للتقدّم في المنطقة”
ليس تحدياً سهلاً تقديم الشروح للتواصل مع الآخر ومدّ الجسور نحو الثقافات المختلفة. فما هو التحدّي الأصعب الذي تواجهه باعشن؟ «كمثقّفة معتادة التعمّق في الشروح، ما أعتبره تحدياً في مهنتي هو نقل رواية المملكة الأدقّ في سياقات مقتضبة. والأمر صعب لأننا كسعوديين لم نكن ناشطين في شرح سرديتنا في الولايات المتحدة، والنتيجة هي أن ثمة صوراً نمطية ثابتة يجب تحطيمها قبل أن نبني الأطر الجديدة. صاحب السمو الملكي السفير خالد بن سلمان يؤدي دوراً محورياً في تغيير السردية في الولايات المتحدة وأسلوب مقاربتنا وتعاطينا مع الإعلام. هي من دون شك تجربة تتطلب تحديات كبرى لكنها أيضاً مجزية إلى حد بعيد، لأننا نهدم ونبني في الوقت نفسه. صاحب السمو السفير يقول دوماً من باب التشجيع، نقوم بعمل جيد، لكن ينتظرنا المزيد من العمل».
بين التغيّرات التي تقبل عليها السعودية تتوقع باعشن نهوض قطاع صناعي راسخ. «الرؤية 2030 تغيّر الأرضية الاقتصادية، إلى جانب التغيرات والتغييرات الأخرى في المملكة. بدأنا نركّز على أكثر من منطقة واحدة، الدفاع والترفيه على سبيل المثال. أتشوّق لرؤية أي صناعة ستكون بدايتنا لتحريك القوة الإنتاجية، والابتكار، وريادة الأعمال. أراقب هذا المجال جيداً. كما أتوقع تحوّلاً في سوق العمل. أظننا سنرى ثلاثة أمور في هذا الإطار ستؤدي إلى نمو القطاع الخاص والناتج المحلي الإجمالي. سيعمل عدد أكبر من السعوديين في القطاع الخاص ويؤدون أدواراً مرتبطة بمهنهم. كما سنشهد الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والأتمتة لتطوير المهارات، خصوصاً أنّنا كشعب نميل إلى العالم الرقمي، وريادة الأعمال لأنّ الشريحة الكبرى من الشباب الذين يكتسبون إحساساً بذواتهم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي وتغيّر الزمن».
اقرؤوا أيضاً: تعرفي إلى الشقيقات من آل رشيد لتكتشفي ما يمكن أن تحققه النساء السعوديات في المستقبل
ماذا عن المرأة، هل بدأت تستفيد من فرص التغيير؟ «بالطبع، وأنا أقول دوماً إن النساء السعوديات ينجزن أموراً مذهلة. فمنذ عشرات الأعوام نجحن في أن يكنّ عالمات صواريخ وباحثات متخصصات في علاجات السرطان وسيدات أعمال ومعلّمات ومتسلّقات جبال وأمهات وأعضاء في مجلس الشورى. لكن التقدّم بخطوات سريعة انطلق في العامين الماضيين بفضل توجيه خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان آل سعود وولي العهد الأمير محمد بن سلمان مهندس الرؤية 2030. منذ 2016 خطت النساء خطوات متقدّمة في المجال القانوني في وزارة العدل، في ما يتعلّق بقوانين الأحوال الشخصية والعمل، وفي المجال السياسي عبر الترشح والتصويت في الانتخابات البلدية، وفي شغل مناصب إدارية مثل رئيس مجلس إدارة السوق المالية السعودية، أو نائب وزير العمل، وأخيراً الملحق التجاري في اليابان. السماء حدنا!».
تنتظر السعوديات المزيد من الإصلاحات التي تزيل العوائق أمام طموحهن. «مثل كل المجتمعات نحن نتطوّر، والمجال واسع أمامنا لننجز المزيد. النساء في كل مكان في سباق لنيل حقوقهن، والنساء السعوديات يركضن في هذا الماراثون. خلال العامين الماضيين ازدادت سرعتنا في السباق في شكل ملحوظ. تقدّمنا في مجالات عدة خصوصاً في مجال العمل، مع إعلان المساواة في الرواتب، والخوض في صناعات جديدة، وشغل مناصب إدارية، وإصدار رخص لأعمال تديرها نساء. هذه الإصلاحات جوهرية لأننا تسهّل حياة المرأة المهنية، عند اختيارها هذا الطريق، وتؤدي إلى تمكين الاقتصاد».
في ظلّ هذه الإصلاحات وغيرها، كيف ترى باعشن مستقبل السعودية؟ «المملكة العربية السعودية في مكان يسمح لها أن تكون مثالاً حيّاً للتقدّم في المنطقة- تمثّل النتيجة الفضلى للقاء القيم الإسلامية بالحداثة- في شكل وفيّ لقيمنا الإسلامية الجوهرية، مع التمسّك بالتسامح والانفتاح وقبول تشارك تراثنا الجميل وثقافتنا مع العالم ليطلع على أفضل ما يمكن أن نقدّمه، تاريخنا، الجغرافيا، الطعام، الفن، العمارة، وقبل كل شيء الناس. أن نحقّق هذا ونقدّم في الوقت نفسه خدمات عالمية وخبرات في محيط حديث متطوّر تكنولوجياً. بحماسة شديدة نراقب هذه الأمور وهي في طور التحقّق».
القصّة وراء ظهور سمو الأميرة هيفاء بنت عبد الله آل سعود على غلاف عدد شهر يونيو من ڤوغ العربيّة