تابعوا ڤوغ العربية

الممثلة الجزائرية صوفيا بوتلَّة تتحدث حول صعودها الصاروخي في هوليوود

Sofia Boutella in the May issue of Vogue Arabia. Photographed by Matthew Welch

صوفيا بوتلَّة في عدد مايو من مجلة ڤوغ العربية. تصوير: ماثيو ويلش

تحت سماءٍ قاتمة في ملعبٍ مغبرٍّ، يركل أطفالٌ لا تتجاوز أعمارهم العشرة أعوام كرةَ قدم.. إنه مشهدٌ اعتيادي في باب العود، وهو حيٌّ صاخبٌ في الجزائر. ولدى التمعُّن في النظر، يتبيَّن أنَّ تلك الكرة ما هي إلا كتلة كبيرة من شريط لاصق، تمَّ تكويرها ليتقاذفها الصبيان والفتيات فيما بينهم وهم يتضاحكون فرحاً، متناسين بيئتهم المحرومة تلك. وعن هذا المشهد تقول صوفيا بوتلَّة من منزلها في لوس أنجلوس: “تلك السنوات التي قضيتها في الجزائر كانت إحدى أفضل أوقات حياتي”. ومع وجود فيلمين لها من المقرَّر إطلاقهما في الصيف —وهما The Mummy في شهر يونيو، و Atomic Blonde في شهر يوليو— يصعب التكهن بأن أياً من سنوات عُمر هذه الراقصة التي تحولت إلى التمثيل، والبالغة 35 سنةً، كانت بعيدة عن الغرابة والدهشة.

تخبرني بوتلَّة بنبرة يكاد يشوبها شيء من الملل إنها تستعد للقيام بأولى جولاتها الصحفية العالمية للترويج لفيلم The Mummy، إلى جانب النجمين المشاركين معها في الفيلم: توم كروز، وراسل كرو. وتُظهر اللقطات الترويجية للفيلم مشاهد التفجيرات المعتادة والركض طلباً للنجاة، والتي ترتبط ذهنياً بنجم الأكشن توم كروز. وتلعب بوتلَّة دور بطلة العنوان وهي المومياء، الأميرة أحمانيت، حيث تمَّ اختيار هذه الأميرة منذ آلاف السنين لتكون ملكة مصر التالية — لكنَّ طموحها طغى عليها حينما قتلت والدها طمعاً في السلطة فنالت عقابها ودفنت حيّةً تحت الرمال. ولأنها عادت إليها الحياة كـ”مومياء”، فإنَّ شخصية بوتلَّة أقرب إلى إعصار من الغضب والحنق، ويزأر شبحها عبر الرياح مهدِّداً مدناً بأكملها بالخطر؛ بينما يتحرَّر جسدها الرياضي من الأغلال والقيود؛ وتقدح عيناها بمشاعر وحشية —يغلب عليها الكره والانتقام— بمعنى آخر لا تتوقعوا أن تلعب بوتلَّة دور دعامة خشبية ترتدي ضمادات. وهذه ليست المرة الأولى التي تلعب فيها بوتلَّة دور شخصية مصرية، ففي عام 2012 كانت راقصةً مساعدة رئيسية لعرض مادونا الذي أقيم بين شوطي المباراة النهائية في دوري كرة القدم الأمريكية، سوبربول، والذي اتخذ من كليوباترا موضوعاً له. وتقول بوتلَّة: “توقفت عن الرقص لأنني أريد أن أكرِّس كل شيء لأجل التمثيل”. وربما يكون السبب الآخر لذلك هو أنها قد وصلت حقاً إلى قمة النجاح في صناعة الترفيه بوصفها راقصة. ولأنه تناثرت أنباء تفيد بأن مايكل جاكسون ومادونا كانا يتقاتلان عليها كي تؤدي دوراً في الجولة الموسيقية لكلٍّ منهما، فلم تواجه بوتلَّةُ أية عقبة ولم يوقفها أي تحدٍّ كان.    

بدأت بوتلَّة، التي ولدت في الجزائر لأمٍّ تعمل مهندسة معمارية وأبٍ يعمل مؤلفاً لموسيقى الجاز، بدراسة الباليه عندما كانت في الخامسة من عمرها. وقد هربت العائلةُ من الحرب الأهلية الجزائرية التي وقعت في عام 1992، عندما كان عمر بوتلَّة عشر سنوات، وانتقلت إلى باريس. وهناك، انجذبت المراهقة بوتلَّة إلى الجمباز الإيقاعي، وقد أوصلها تفانيها في تلك الرياضة إلى المنافسة في البطولات الوطنية الفرنسية. وقد دمجت تدريبها في الباليه الكلاسيكي مع المهارات البدنية للجمباز، وقضت كلَّ وقت فراغها وهي ترقص البريك في حي لي هال الباريسي المركزي، وتدرَّبت على حركة تدوير ركبتيها وغيرها من الحركات العمودية أمام الزجاج العاكس لنوافذ المتاجر، وأيضاً قامت بتأدية رقصات خارج المسارح السينمائية التي نشرت في نهاية المطاف ملصقاتٍ دعائية تحمل اسمها.

صوفيا بوتلَّة تؤدي رقصة على أنغام أغنية Isaac لمادونا خلال جولتها الموسيقية المباشرة في لندن بعنوان: Confessions | يوتيوب

وعلى بُعد محيطٍ شاسع في لوس أنجلوس كان مؤلف الرقصات المعروف جيمي كينغ (الرجل الذي يقف خلف الجولات العالمية لكلٍّ من بريتني سبيرز ومادونا) يبحث عن راقصة جديدة لحملة دعائية لصالح علامة نايكي. وبعد مشاهدته لمئات الفيديوهات التي سُلِّمت بغرض المشاركة في تلك الحملة، عثر على الفيديو الخاص ببوتلَّة، وعنها يقول: “تلك النار. ذاك الجمال. تلك صوفيا. تأكدت أننا كان علينا أن نقبلها”. وقد شكَّل فيديو نايكي الذي ترقص فيه بوتلَّة رقص البريك برشاقة وسرعة نادرتين نقطة انطلاق كبيرة بالنسبة لها، فقد انتشر اسمها كالنار في الهشيم عبر لوس أنجلوس. وبعد ذلك بوقتٍ قصير، بدأت بوتلَّة تجوب مع مادونا محطات جولتها العالمية Confessions لعام 2006. وحول سنوات عملها مع ملكة البوب، تقول بوتلَّة: “مادونا امرأة قوية علَّمتني الكثير عن الانضباط”. وخلال فقرة Bedouin (أي: البدوي) من الحفل، أدَّت بوتلَّة على وقع أنغام أغنية Isaac رقصةً منفردةً وهي ترتدي عباية كبيرة المقاس داخل قفص ضخم وخلفها كثبان رملية سُلِّط عليها الضوء. وفي حين أنَّ هناك الكثير من النساء اللواتي يدافعن عن حقهن في ارتداء العباية أو الحجاب، هناك الكثيرات أيضاً ممن هنَّ مجبراتٌ على فعل ذلك. وفي نهاية المطاف، خلعت بوتلَّة العباية وحرَّرت نفسها من القفص، باعثةً رسالةً قوية حول النساء العربيات الراغبات في التحرُّر.

صوفيا بوتلَّة لصالح إعلانات نايكي النسائية | يوتيوب

وعلى موقع يوتيوب، اكتسب هذا الفيديو، بالإضافة إلى نحو عشرة فيديوهات تُظهِر بوتلَّة وهي ترقص وتجري وتؤدي البريك، مئات الآلاف من المشاهدات. وكتب أحد المعلِّقين على دورها كمستكشفة من الفضاء الخارجي في فيلم الخيال العلمي لعام 2016: “الآن عرفنا كيف أدَّت الكثير من مشاهدها المثيرة في فيلم Star Trek Beyond“. وكانت قبل ذلك قد اختيرت للعب دورٍ في فيلم Kingsman: The Secret Service كمساعدة لصامويل إل جاكسون، وقد شهد دورها استعادة حركات اللفّ والقلب التي قامت بها في إعلان نايكي، والذي كان مؤثراً جداً لدرجة أنه يقال إن الفريق الذي يقف خلف فيلم Atomic Blonde -وهو من بطولة تشارليز ثيرون- قد اختلق دوراً خاص لبوتلَّة.    

وتحت هالة من الشعر المتموج ذي اللون الكستنائي، تحدِّق بك عينا بوتلَّة اللوزيتان الكبيرتان، وذقنها المشقوق منثنياً نحو الداخل، في إيماءة تكاد تنمُّ عن حماية للذات. وبعد مشاهدة مثل هذه القوة تصدر عن مؤدية عروض بدنية —سواءٌ عبر فيديوهات رقصها أو من خلال أدوارها التمثيلية— من المثير للفضول رؤيتها وهي تبدو محتشمة جداً وحتى خجولة بينما تقول: “أنا مفرطة النشاط، وبحاجة دائمة إلى الإبداع”.  

ومنذ ذاك الوقت، استبدلت الممثلة الجزائرية بملابسها الرياضية المكوَّنة من قمصان واسعة وسراويل فضفاضة وعصابات للرأس وأحذية رياضية خفيفة تصاميم شانيل الهوليوودية المتألقة، من فساتين الدانتيل السوداء، وفستان شانيل المزركش بالترتر اللامع والريش الذي ارتدته في حفل توزيع جوائز الأوسكار لهذا العام. لقد كان جمالُ بوتلَّة وموهبتها بمثابة جسر عبرت من خلاله إلى عالم السينما — إلا أنَّ عزيمتها الفطرية وطبيعتها المتواضعة هما العاملان اللذان سيواصلان الانطلاق بها إلى المسرح العالمي.

داخل عدد مايو من مجلة ڤوغ العربية

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع