تابعوا ڤوغ العربية

ڤوغ تستكشف مدن المستقبل مع المهندسة المعماريّة هالة يونس

المهندسة هالة يونس على شرفة بيتٍ من تصميمها، بعدسة سام روادي لصالح عدد شهر أبريل 2018 من ڤوغ العربىّة

المهندسة المعمارية هالة يونس هي منسّقة الجناح اللبناني في المعرض العالمي للعمارة- بينالي البندقية الذي تقام دورته السادسة عشرة بين 26 مايو 25 أكتوبر 2018 مسلّطة الضوء على «المجالات الحرّة» أو «المساحات غير المبنية». التقينا المعمارية المتحمّسة لفهم «ثقافة الأرض وتحسّس واقعها»، فشرحت لنا توجّه العمارة نحو ما يخدم الإنسان والبيئة وحدّثتنا عن مدن المستقبل  

نشر هذا المقال داخل عدد شهر أبريل 2018 من ڤوغ العربيّة بقلم هالة كوثراني

 بدا اختيار التخصّص في الهندسة المعمارية بديهياً لهالة يونس قبل انطلاقها في رحلة الدراسة الجامعية. فقد نشأت الصبية الطموحة في كنف عائلة تضمّ مهندسين معماريين، وشعرت بأنّها تسير بثقة نحو التخصّص في العمارة. وعندما قررت أن توسع دائرة اختيار التخصّص الجامعي الذي سيساهم في صنع مستقبلها، وفي حين كانت تناقش الأمر مع الدها نقل لها ما قاله أحد أصدقائه وهو أن مهنة الهندسة المعمارية “غير مناسبة للمرأة”. «كانت هذه الجملة كافية لأخوض التحدي وأصرّ على اختيار هذا التخصّص والتمسّك به. والدي شخص منفتح وأفكاره نيّرة، كما أن خالتي مهندسة معمارية، وكنت معجبة بإنجازاتها، كانت عرّابتي وكنت أود أن أتبع خطاها المهنية. لعلّ والدي أراد أن يؤثر في قراري لكنني تمسّكت به ودافعت عنه. طرح صعوبة أن تمارس امرأة هذه المهنة أكد لي اقتناعي باختيارها». 

لا تتطلّب الهندسة المعمارية إلماماً فنياً وقدرة على التصميم والتصوّر والتخيّل فحسب بل تحمل، كما تقول هالة يونس، «بعداً سياسياً اجتماعياً مهماً. هي ليست مهنة فنانين بل ترتبط مباشرة بالمجتمع وبأدوار الناس في المجالات العامة وكيف يتحرّكون فيها، كيف يتعاطون مع بعضهم البعض، وترسم أشكال الحدود بين العام والخاص. البعد الاجتماعي مهم في الهندسة المعمارية، إضافة إلى فهم المدينة وما يقوم به سكّانها. أنا أستاذة في الهندسة المعمارية منذ 15 سنة وأقول لطلابي (في الجامعة اللبنانية الأميركية): أنتم لستم فنانين فقط، فلا يكفي أن يكون التصميم جميلاً، يجب أن يكون منسجماً مع محيطه وأن يحترم بيئته، فالتصميم الجميل لا يبرز، لا يظهر واضحاً نافراً ضمن محيطه». 

«تراس فيلا» من تصميم هالة يونس، هو بيت بشرفة واسعة مطل على الطبيعة المحيطة به في بلدة شاتين في شمال لبنان، بعدسة سام روادي لصالح عدد شهر أبريل 2018 من ڤوغ العربىّة

تبني المهندسة علاقة بالمكان الذي سيحضن تصميمها. «أرى أنّ مَن يصمّم بناءً يضف جملة إلى فقرة كتبها آخرون في المكان نفسه. عندما أخطّط لتنفيذ بناء في مكان معيّن، يجب أن أفهم وأستكشف طبيعة المكان والعمارة الموجودة فيه وما يمكن أن يضمّه من أبنية في المستقبل، كما أدرس ما نفّذه من سبقوني في العمل في ذلك المحيط، وكيف يمكن أن أقدّم قيمة إضافية إليه، ولا أسخّر المكان لنجومية أسعى إليها فأخطّط لأن يبرز اسمي عبر بروز التصميم». 

ليس سهلاً تغيير ثقافة العمارة السائدة والقائمة على التباهي بدلاً من احترام الطبيعة ومحيط البناء. «عندما يُبنى بيت في إحدى القرى الجبلية في لبنان نفهم من تصميمه والحيّز الذي يشغله حرص المالك على أن يبرز هذا البيت كأنه يكشف عن الأموال التي أُنفقت لبنائه. كيف نقنع الناس بأن البيت الأجمل هو ذاك الذي لا يبرز بل هو البناء الذي يشبه محيطه؟ يجب ألا نحجب المنظر الطبيعي عن غيرنا، وألا نغلق الطرقات أمامهم، خصوصاً على المنحدرات في المناطق الجبلية. نحتاج إلى شرح أهمية علاقة الجمال بالاندماج والانسجام مع الطبيعة والمحيط». 

المهندسة هالة يونس، بعدسة سام روادي لصالح عدد شهر أبريل 2018 من ڤوغ العربىّة

أما في المدينة، فما الذي تعكسه العمارة؟ «العمارة تعكس موازين القوى، والذوق. يمكن أن نفهم مشكلات البلد السياسية والاقتصادية عندما يحجب الأثرياء عن الفقراء المجالات العامة التي هي من حقّهم، وعندما تُبنى مشاريع على البحر وتمنع الناس من الوصول إلى الشاطئ. عندما يشتري شخص واحد أجمل تلة ويبني عليها أكبر بيت ويغيّر المشهد الطبيعي. تكشف العمارة كيف يُستخدم المال ومَن يخدم. هذه الموضوعات يناقشها بينالي البندقية للعمارة في دورته المقبلة والتي تدور حول المجالات المتاحة FreeSpace. هذه الفكرة وضعتها منسّقتا البينالي، إيفون فاريل وشيلي مكنامارا (غرافتون اركيتكتس)، وهي تركّز على قدرة المعماريين على خلق مجالات متاحة عندما يسعون إلى تشييد بناء ما. هم يبنونه للزبون لكن أيضاً للناس الذين سيرونه وسيستفيدون منه. يجب أن يحسّ المارة أمام بيت أو مقهى أنهم غير غرباء عن المساحة الخارجية للبناء، وأنّ وجودهم مرحّب به. هذه الفكرة تعكس قدرة المعماري أو المعمارية على بناء عمارة “كريمة” تخدم من دفع ثمنها، لكنها تخدم أيضاً من ليس له علاقة مباشرة بها». 

“ظاهرة المعماري النجم بدأت بالتراجع على حساب الدور التقليدي الذي يقوم على خدمة المجتمع”

يطرح الجناح اللبناني الرسمي الذي يشارك للمرة الأولى في البينالي تحت عنوان «ما تبقّى» مصير الأراضي الحرّة ودورها في تحديث الامتداد العمراني وتطويره. «في لبنان المجالات المتاحة هي المجالات غير المبنية، لأن كل ما يبنى يصبح غير عام وغير متاح. كما أنّ الكثافة السكانية مرتفعة والمساحات غير المبنية قليلة، لذا فإن قيمتها المادية والمعنوية مهمة والمحافظة عليها استراتيجية لأجل المستقبل. يجب أن نفكر ملياً في مصير هذه الأراضي ومستقبلها وشكل المحافظة عليها، وعلى الأقسام المهمة فيها، إن كانت مجالات عامة أو خاصة، في قلب الطبيعة أو في المدينة. يمكن أن نعيد صياغة المعادلة العامة كي نجعلها تخدم مدينة المستقبل. هكذا تتطوّر المدن الآن، لم تعد المدينة مغلقة وضيقة. أصبحت المدينة المركزَ مع الجبال المحيطة بها أيضاً والشواطئ التي تزنّرها. أصبحت أقسام كبيرة من المحيط الطبيعي لمدينة كبيرة متشعّبة أو منتشرة Diffused مثل بيروت جزءاً منها. نرى الامتداد العمراني على السفوح لكن الوديان خالية لصعوبة البناء فيها. هذه الفراغات في مدينة حيث التنقل السريع متاح يجب أن نستفيد منها، كأن نجعل الوادي حديقة عامة أو محمية طبيعية أو أرضاً زراعية بدلاً من أن تكون أرضاً لم نستطع أن نبني عليها. يجب أن نضع التصّور منذ الآن كي تكون مدينة الغد جميلة وكي نضع نمط عيش متكاملاً وجديداً سيكون نمط الغد». 

ممر يدل على جمال انسجام العمارة مع محيطها، بعدسة سام روادي لصالح عدد شهر أبريل 2018 من ڤوغ العربىّة

أطلعتنا المهندسة المعمارية على أن السعودية تشارك للمرة الأولى في بينالي البندقية وأنها اطلعت على مشاركات البحرين والإمارات ومصر. «لقد طُرحت آراء مهمة وناقدة تتعلّق بإشكالية تطوّر المدن في هذه البلدان. الجيل الجديد يعي تماماً التحديات. هذا الوعي دفع إلى إعادة النظر في طرق العمران في البلدان التي تشهد تطوراً معمارياً سريعاً. هذا الأمر جميل ويفتح نافذة الأمل على المستقبل، فما بني قد بني، المهم أن ثمة جيلاً شاباً من المعماريين حريص على التقدّم في الاتجاه الصحيح الذي يخدم الإنسان والبيئة. وما يشجع على الأمل هو أنّ هذه الطاقات وهؤلاء المهندسين الشباب يتلقّون دعماً من المؤسسات الرسمية في بلادهم ليطرحوا هذه الأفكار والإشكاليات ويعيدوا النظر في طريقة تطوير مدنهم في الأعوام العشرين الأخيرة».

“ثمة جيل جديد من المعماريين حريص على التقدّم في الاتجاه الصحيح الذي يخدم الإنسان والبيئة”

ترى المهندسة يونس أن البعد الاجتماعي السياسي لمهنة المهندس المعماري في المراحل الزمنية الأخيرة تقلّص على حساب سعيه إلى النجومية، لكن «نظام المعماري النجم بدأ بالتراجع. ويُطرح في هذه الدورة من البينالي سؤال عن دور المهندس المعماري في المجتمع؟ الدور التقليدي هو خدمة المجتمع، وهو يتطوّر عالمياً في الاتجاه الذي نعرضه في الجناح اللبناني، وهو أن المعماري ليس مسؤولاً عما يبنيه فحسب بل عن المساحات غير المبنية حولها، عن كل المحيط. هنا تتطوّر مهنتنا وتتوسع صلاحياتنا لتشمل كل المجالات التي تحتاج إلى تصميم، فنشرف على الطرقات التي يصمّمها وينفذها المهندس المدني، وأيضاً على تصميم البنى التحتية. كل اختصاصي يرى المشهد من منظاره الضيق، لكن المهندس المعماري يمكن أن يرى المشهد الشامل، هو تدرب على ذلك خلال دراسته مهتماً بالأمان والسلامة ونوعية البناء لكن أيضاً نوعية الاستعمال، كيف يمكن للمكان أن يتطوّر في المستقبل وأن يكون الآخرون جزءاً منه».

10 منازل ازدانت بها صفحات مجلّة ڤوغ العربيّة حتى الآن

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع