في قاعة متوارية عن الأنظار بالطابق الثاني من متجر شانيل في ساحة ڤاندوم بباريس، الذي يُعد مركزاً عالمياً لكنوز المجوهرات الراقية، جلست كيرا نايتلي على أريكة فخمة، متألقةً بسعادة كقطة ظفرت لتوّها بوجبة شهيّة. كانت تربت على بطنها مبتسمةً فيما تلمع عيناها اللوزيتان، بمظهر يحثّك على التعليق على بطنها المنتفخ تحت فستانها المنسوج من الشيفون الحريري. وإذا كان الحديث عن الأمور العائلية محظوراً تماماً لدى بعض النجمات، لا تحتاج النجمة كيرا نايتلي إلى مَن يدفعها للحديث عن أسرتها الصغيرة التي يتزايد عدد أفرادها، إذ تحمل النجمة البالغة من العمر 34 عاماً في أحشائها طفلها الثاني، أما زوجها وابنتها العزيزان على قلبها فيشغلان تفكيرها ويتواجدان بالقرب منها. كان زوجها الموسيقي، جيمس رايتون، موجوداً أيضاً بالمتجر الذي ازدحم بكبار الشخصيات، والعملاء، وتسع من سفيرات شانيل كان من بينهن لِيلي روز ديب وكلوديا شيفر.
وقد اجتمع هؤلاء جميعاً للاحتفال بالساعة الأيقونية، شانيل J12، التي أعادت العلامةُ إطلاقها. وبشعرها المموّج الذي انسدل بحرية ليؤطّر وجهها، وبعينيها اللتين جمّلتهما بمكياج دخاني، وفستانها الرومانسي بخصره المرتفع، بدت نايتلي وكأنها خرجت تواً من كواليس تصوير فيلم ’كبرياء وتحامل‘، تلك الدراما الأدبية التي عُرضت عام 2005 وقادتها إلى الترشح لأول مرة لنيل جائزتيّ أوسكار. وتشتهر النجمة بأدوارها التاريخية، وإذا حكمنا عليها من الجانب النظري، نجدها تليق تماماً بلعب هذه الأدوار – ورغم أن ملامح نايتلي العذرية تتناغم مع الفساتين القديمة إلا أن شخصيتها ومظهرها بعيدان كل البُعد عن النمطية. ولعل هذه السمة هي التي جذبت شانيل إليها فاختارتها وجهاً لها لاثني عشر عاماً. وقد ظهرت نايتلي لأول مرة كوجه للدار في الحملة الدعائية لعطر كوكو مادموازيل عام 2007، لتلعب بعدها دور الفتاة الواثقة المثيرة خلال الدعاية لحُمرة شفاه روج كوكو؛ ثم المرأة بالغة الجاذبية والفتنة في مجموعة كوكو كراش للمجوهرات الراقية. وعلى ذلك، أظهرت النجمةُ في كل دور لعبته جانباً مختلفاً من شخصيتها.
ودائماً ما تردد هذه السفيرة التي نالت ثقة العلامة: “أمقتُ التأخير. ولا أتحملُ فكرة أن ينتظرني أحد”، وتتجلى في بشرتها الجميلة مظاهر الثقة والقوة، والتي لا تحتاج معها لاستخدام خاصية تعديل الصور على انستقرام. يُغلق الباب وتصمت الثرثرة الحماسية لبضع مئات من الضيوف الذين كانوا يتنقلون بين جنبات القاعة متألقين من رؤوسهم حتى أقدامهم بإبداعات شانيل. وللحظات، تملأ دقات الثواني صمت المكان. تُحرك نايتلي بعمد معصمها فتومض ساعة شانيل J12 البيضاء، بمينائها المرصع بالألماس. وتبدو هذه الساعة الرياضية الصلبة على معصمها الفاتن بنفس الجرأة التي ميّزتها حين أطلقتها الدارُ أول مرة قبل عشرين عاماً. ولكن ساعة شانيل J12، التي ليست “جديدة” تماماً في هذا الفصل الجديد، بل تشهد تطورات ذكية عن النسخة الأصلية التي صممها الراحل جاك إيلو، المدير الفني السابق لدار شانيل.
وكان إيلو قد استوحى هذه الساعة، التي صممها باللون الأسود ثم لاحقاً باللون الأبيض، من الهوايات التي شغف بها، مثل السيارات السريعة وحتى الزوارق الشراعية فائقة السرعة. وقد أطلق عليها اسم J12، بعد سباق كأس أمريكا للزوارق الشراعية. وفي الطابق الأرضي، كانت هناك نصف دستة من الساعات تطفو في حوض ممتلئ بالماء مثل وسائد المجوهرات الشبيهة بالزنابق فيما تأرجحت بجوارها زوارق شراعية لعبة. أما الجديد في الساعة التي زينت معصم نايتلي، وهي من الساعات الجديدة التي قدمتها الدار، أنها تحمل لمسة أرنو شاستان، مدير استوديو صناعة الساعات في شانيل. وقد أجرى شاستان عدداً من التغييرات الحذرة على الساعة لتواكب التقنيات الجديدة، ولكن ما يبعث الطمأنينة أنه حافظ على تصميمها بشكله المألوف. وقد أصبح ميناء الساعة أكبر حجماً؛ وارتقت تعرّجات الإطار وزاد عددها من 30 إلى 40؛ وكُتبت الأرقام بخط أنيق فيما تم تقليل سُمك التاج المستقر على جانب العلبة بمقدار الثلث، فضلاً عن سطحه السيراميكي الأملس. كما أجرى شاستان تعديلات أخرى منها العلبة التي أصبحت أكثر سُمكاً قليلاً، والتي رغم شكلها المستدير لا تبدو أكبر حجماً من الساعة الأصلية – فيما حافظ على روح الساعة التي لم يعاد صنعها من جديد، فهي نفس الأيقونة ولكنها خضعت للتلميع من فئة 2.0 لتحقيق أقصى قدر من الرقي. وخلافاً للتطور الطفيف الذي حدث للساعة، شهدت علاقة نايتلي بصناعة مؤشرات الوقت تطوراً جذرياً منذ أن رزقت بابنتها. وعن ذلك تقول: “قبل أن أرزق بطفلتي، لم أكن أهتم، خلال أوقات فراغي، بمعرفة الوقت أو أهتم به. وكان الصباح لا يختلف عن المساء، فقد كنتُ خارج منزلي في جميع الأوقات”. اليوم، تعيش حياتها وتنظمها وفقاً لعقارب الساعة. تقول: “أنا أم تقليدية فيما يتعلق بموعد الخلود إلى النوم وابنتي تستجيب جيداً لذلك”، مشيرةً إلى أنه يشكل تحدياً لها – فالروتين لم يكن من طبيعتها.
بيد أنه من العسير أن نصدق أن نايتلي من الشخصيات العفوية، فقد بلغت مصاف النجمات الأسطوريات المستنيرات مثل كاثرين هيبورن، وإيزابيل أدجاني، وبيتي ديڤيس، وجين مورو، وحلقت سريعاً في سماء النجومية بفضل عنايتها في اختيار أدوارها. ومنذ أن لمع اسمها قبل 17 عاماً بعد دورها في فيلم ’لفها مثل بيكهام‘، اختارت تجسيد الشخصيات النسائية القوية وتراوحت أدوارها (تقريباً) بين فتاة الجوار المحبوبة في الفيلم الكوميدي ’الحب الحقيقي‘، والأرستقراطية الجريئة في فيلم ’قراصنة الكاريبي‘ بأجزائه الأربعة، والشخصية النسوية الهاوية في فيلم ’كوليت‘، والحورية المجنونة التي تتحول إلى شخصية سيئة في فيلم ’كسارة البندق والعوالم الأربعة‘، وأخيراً، الزوجة التي عذبها سوء الخلق في الفيلم الدرامي الذي يتناول فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ’العاقبة‘. وتؤكد: “كل شيء في حياتي المهنية، وكل عمل قمت به أو رفضته، لحظة حاسمة بالنسبة لي”.
وفيما يتعلق بالوقت، تؤكد النجمة أن الساعات، في يومنا هذا الذي تسيطر عليه التكنولوجيا، تظهر من جديد كوسيلة أنيقة للبقاء على المسار الصحيح. “أحاول التقليل من النظر في هاتفي. وخاصةً مع ابنتي، لأني لا أرغب في أنت تكبر وتصبح …”، توقف نايتلي كلماتها السريعة لتقلد حركة الهاتف الملتصق بالوجه. “كلما نظرت إليه، سترغب أيضاً في عمل الشيء ذاته؛ لذا يجب التوقف”، مضيفةً: “ولهذا أرتدي الساعة أما الهاتف فأبقيه في حقيبتي”. وبعيداً عن الوظيفة البديهية للساعة، فقد جذبها شكل ساعة J12. “ما أعشقه في ساعة شانيل أنها ملائمة للأزياء البسيطة والأنيقة. ويمكن ارتداؤها صباحاً ومساءً. وتتميز بتلك اللمسة الرجالية التي لطالما اشتهرت بها شانيل”. وتشير مجدداً إلى عائلتها وتكشف: “اشتريت ساعة J12 السوداء لأخي في عيد ميلاده الثلاثين. ويمكن أن يرتديها الرجال والنساء وبهذه الطريقة – [تغمز بعينها] – تتنقل بين أفراد العائلة”.
نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد يوليو وأغسطس 2019 من ڤوغ العربية.
اقرئي أيضاً: كل ما يجب أن تعرفوه عن فيلم جيمس بوند الجديد… بما في ذلك موعد عرضه