إذا كان الشتاء في باريس يبدو كئيباً أكثر من المعتاد أمام الزوار هذا العام نتيجة الإضراب العمّالي المتواصل الذي يصبح كل شيء معه مستحيلاً تقريباً، بدايةً من استقلال قطار الأنفاق وحتى حضور حفل باليه، فإن التباطؤ الذي لا مفرّ منه يدعونا أيضاً لأن نكون أكثر انتقائيةً حيال تقرير المكان الجدير بأن نستمتع فيه بتناول الطعام.
ولدى دخولكم مطعم دروان بعد تجديده، فإن أول ما سيلفت انتباهكم هو سهولة الوصول إليه وموقعه المذهل، حيث يقع على بُعد مرمى حجر من قصر غارنييه بوسط المدينة، وتبدو واجهته على زاوية المبنى وكأنها جزء من مشهد في فيلم سينمائي. وما سيثير انتباهكم عند دخول المطعم أيضاً أن أجواءه الداخلية تموج في بحر من الأضواء الدافئة؛ سمّوه الإشراق إن شئتم، لأن باريس تفتقر إليه بشدة. “بالنسبة لي، تتمثّل الخصائص الرئيسية لفنون الآرت ديكو دوماً في الضوء والخشب”، بهذه الكلمات صرح مهندس الديكور فابريتسيو كاسيراغي بلكنة إيطالية ساحرة. وهذا المطعم المؤلف من طابقين، الذي أُسِّسَ في البداية عام 1880، مفعم بهذين العنصرين. ولكن يوضح كاسيراغي أن عمليات التجديد التي استمرت لمدة ستة شهور انطوت على إطلالة جديدة تماماً للمكان، بحيث أصبحت قاعة جائزة غونكور بالطابق الثاني القاعة الوحيدة التي تحتفظ بتصميمها الأصلي، إلى جانب الدَرَج المنحني. وفي الطابق العلوي، تشتمل القاعات الخاصة على الغرفة البيضاوية التي يجتمع فيها، مرة كل شهر منذ عام 1914، أعضاء لجنة تحكيم جائزة غونكور لتداول الآراء فيما بينهم بشأن اختيار الفائز بأفخم جائزة أدبية في فرنسا.
وإذا كان هذا المطعم قد سبق أن غمره اللون “الرمادي المميِّز للثلاثينيات والأربعينيات”، فقد أصبح اليوم منارة لنمط الآرت ديكو. وأرضيته مغطاة بالفسيفساء السيراميكية المصنوعة من حجر التراڤرتين الجيري شديد المقاومة – وهو الخيار المفضل لدى كاسيراغي. بينما يزدان السقف بأشكال السمك، إيماءً إلى الفنان كوكتو الذي أشار ذات مرة إلى أن سقف المطعم نال تفضيله. “أحب الإشارة [إلى نمط تصميمي بعينه]، ولكن لا أميل مطلقاً إلى إعادة بناء كاملة لما تم إنجازه في الماضي”، هكذا صرح كاسيراغي بينما كان متكئاً بإحدى يديه على الكراسي الصفراء الدافئة التي لها مفعول السحر في الارتقاء بأي حالة مزاجية.
وفي دروان، يختلط رجالُ الأعمال وسيداتُ الأعمال بالفنانين والباريسيين والسيّاح على السواء على موائد غنية “بالمأكولات المستنيرة، والكلاسيكية” التي يقدمها الشيف إميل كوت، مثل القواقع المقلية على طريقة منطقة بورغوني، ولحم فخذ الأبقار، والجزر بالكراميل، والبط مع البرتقال. أما أطباق الحلويات وحدها فكفيلة بأن تشغل الموقع الفخري بين مأكولات المطعم، ومنها الأناناس الناعم مع كعك الكزبرة. وفي أثناء انتظار الشهور الدافئة حينما تفتح الشرفة وتضج بالصخب، فإن حياة الباريسيين ستتواصل، آملين أن تكون بصورة طبيعية. Drouant.com البناية رقم 18 بساحة غايّون في باريس
اقرؤوا أيضاً: 8 أنشطة مجانية يمكنكم القيام بها في الإمارات هذا الشتاء