تابعوا ڤوغ العربية

واحة الصداقة.. ملاذ صيفي هادئ في مراكش

 محاط بمناظر مذهلة في منطقة باب أطلس الهادئة في مراكش، هذا الملاذ الذي يبعث السلام في النفس مكان ساحر حيث قيم المشاركة والانفتاح على الآخرين تظهر في كل ما نراه.

أهي مصادفة أم هو القدر يملي الأحداث؟ عندما كانا في التاسعة عشرة قرّر ناكسون ميمران وأقرب أصدقائه يانيك ماتي (يُعرف بنيكي)، اللذان درسا في لندن، أن يمضيا إحدى إجازات نهاية الأسبوع في مراكش بحثاً عن الشمس والحرارة الدافئة. ولم يعرفا، حين اتخذا هذا القرار، أن هذه الرحلة القصيرة ستغيّر حياتهما. فبالقرب من الفندق الذي نزلا فيه عُرضت للبيع قطعة أرض تبلغ مساحتها هكتارين ونصف (25 ألف متر مربع). وما إن وقع نظرهما على قطعة الأرض هذه حتى قررا شراءها بهدف بناء بيتين. ثم أكدت لهما عودتهما إلى لندن أنهما يريدان الهروب من البرد والطقس الماطر وأنّ هذه المغامرة هي أجمل ذريعة لهروبهما إلى الشمس. “أمضينا إجازات نهاية الأسبوع في مراكش خلال عام كامل، تعلّمنا الكثير عن فن العمارة هناك وعن طابعه المحلّي كي نصل إلى رؤيتنا الخاصة”، يقول ناكسون. “كنت متأثراً بفلسفة أكثر حداثة، فلم أودّ أن أقوم بما يجعلني أحسّ بأنني خارج المكان. نشأت بين أوروبا وغرب أفريقيا، والرباط مسقط رأس والدي، ولعلّ هذا السبب كان قد قرّب المغرب من قلبي، فأنا أحبّ هذا البلد”. بمساعدة المهندس المعماري البلجيكي كريستوف سيميون والمهندس المعماري المستقرّ في مراكش أرمان بن ديفيد، حقّق ناكسون ونيكي حلمهما. في قلب المنطقة الرائعة “لا بالموري”، التي نصل منها إلى وسط المدينة خلال عشر دقائق بالسيارة، يظهر العقار الذي يضمّ منزلين فخمين: الفيلا الشمالية والفيلا الجنوبية، كلاهما في واحة منعزلة حيث أشجار الزيتون والنخيل تطلّ على قمم جبال الأطلس المكسوة بالثلج. وفي الداخل المنظر يولّد الدفء فينا. فتظهر المدفأة في أكثر من غرفة في المنزلين، وطبعاً في غرفة الجلوس الرئيسية، في كل منهما، والتي تبلغ مساحتها 1400 متر مربع، وقد فُرشت بقطع أثاث من تصميم غبرييلا ماتي وسمير خويدسي وتنفيذ الحرفيين المبدعين في مراكش Les Artisans Createurs. تضمّ الفيلا الجنوبية ست غرف نوم بينها غرفة رئيسية تبلغ مساحتها 150 متراً مربعاً، ومساحات خارجية واسعة وشرفات وبركة سباحة مياهها دافئة يبلغ طولها 25 متراً، ونادياً رياضياً وبحيرة اصطناعية وصالة سينما وصالة رياضية ومقرّ للعاملين فيها.

“البساطة هي سر الراحة ونحن صمّمنا مساحة تبعث الدفء في النفوس”

“عندما وجدنا الفريق المناسب وبدأنا البناء تردّدنا باستمرار على المشروع لنتابع التفاصيل ونتأكد من أنّ تطوّره يعكس رؤيتنا وأن معايير الجودة والفخامة متبعة ومحترمة”، يشرح ناكسون. “لكن سرعان ما أدركنا أنّ على أحدنا أن يتفرّغ لمتابعة التفاصيل كي ينتهي بناء البيتين خلال زمن محدّد. فانتقل نيكي للعيش في مراكش خلال عامين كاملين”.

بعد خمسة أعوام من العمل الشاق والدقيق دبّت الحياة في البيتين اللذين قُسّم كلّ منهما إلى طبقتين وضمّا شرفات كثيرة. ويطبع هندسة الفيلا الجنوبية أسلوب مغربي بينما تسيطر لمسات معاصرة على الفيلا الشمالية. وقد استُخدمت في البناء مواد محلّية مثل رخام تازا وحجارة أوريكا. “كل شيء تقريباً صنع محلياً” يقول ناكسون. “أؤمن مثل كل أفراد عائلتي، التي تعمل في إنتاج السكر للسوق المحلية في السنغال وتمتلك فندق ألبينا شتاد في سويسرا، بأهمية العمل مع المجتمعات المحلية وضرورة العطاء وردّ الجميل”. ليس هذان المنزلان ملجأين خاصين فقط بل ينظر ناكسون إليهما، وإلى الهندسة والتصميم والفن كعناصر تنتمي إلى عالم أجمل من عالمنا. منذ عامين أطلق مع أخيه منصّة تحت اسم To.org لتشجيع أصحاب المشاريع الجديدة والشركات التي تطرح مبادرات تفيد البيئة.

“في نوفمبر الماضي أمضيت أسبوعين في البيتين خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي في مراكش. دعوت إليهما المهتمّين بالقضايا البيئية. لا أريد أن تكون دارتي مكان لقاء أفراد عائلتي فحسب بل أريدها أيضاً مكاناً يخدم قضايا مهمة”.

يعيش ناكسون حالياً بين سويسرا والسنغال وموقع المنزلين مناسب إلى أبعد الحدود، “مراكش في الوسط تماماً” يقول باسماً. “وأنا أستمدّ طاقتي من الصحراء والجبال والمدينة، بين هذه العناصر الثلاثة أشعر بأنني منسجم مع نفسي”.

”هنا نحسّ بالطاقة الحيّة في القارة الأفريقية وأنا أستمدّ طاقتي من هذا المكان ومن الصحراء والجبال والمدينة“

وناكسون، الذي أصبح أباً لثلاثة أولاد، يقصد الفيلا الشمالية والفيلا الجنوبية ليرتاح وينعزل عن العالم الخارجي مقاطعاً الإنترنت والرسائل الإلكترونية ووسائل التواصل ليقرأ ويبحث عن الإلهام. “هذا البيت هو إنجازي الأول كرجل أعمال شاب، لذا فإن مكوثي فيه يذكّرني بصعوبة النجاح. حين أصل إلى هنا أخلع حذائي وأغسل يديّ وأجلس في الخارج. ثم أدوّن في دفتري كل التجارب التي خضتها عندما كنت خارج حدود هذا المكان”.

لم يكن ناكسون قد تزوج وأصبح أباً حين بنى البيت في مراكش، لكنه صمّمه وهو يفكر في العائلة التي ستجتمع حوله في المستقبل. “زوجتي وأولادي يحبون مراكش وهذا المكان الذي يسألونني دوماً عن موعد عودتنا إليه”. سويسرا هادئة، أما مراكش فتضجّ بالحركة والحياة. “هنا نحسّ بتلك الطاقة الحيّة في القارة الأفريقية” يضيف ناكسون. “الأمور دوماً في طور التقدّم وثمة مشاريع جديدة كل الوقت. يهمّني أن أعرّف أولادي على عادات وثقافات مختلفة كي يفهموا أننا مواطنون عالميون”.

لعبت والدة ناكسون الدور الأهم في إنجاز ديكور البيت، وقد توفيت خلال العام الذي انتهى فيه بناؤه. “أمي التي كانت تملك متجراً للأثاث القديم كانت من أقرب صديقات والدة نيكي، وكان بديهياً بعدما بني البيتان أن نطلب منهما المساعدة في الديكور واختيار الأثاث”.

عندما سُئل إذا كان هذا المشروع المعماري، من الخارج ومن الداخل، يعبّر عن شخصيته وشخصية زوجته، أجاب ناكسون بوضوح: “أحياناً أجدني في منتهى الغرابة، أفكر بطريقة غير تقليدية أو مألوفة، وفي حركة دائمة، بينما نتاليا هادئة. لذا لا أحبّ أن يعكس شخصيتي مكانٌ ما. ونحن نؤمن بأن البساطة هي المفتاح، وقد حاولنا أن نصمّم مكاناً يجد الجميع فيه راحته، ويشعر فيه أصدقاؤنا بأنهم في بيتهم”.

في هذا الجو السحري والهادئ والمؤثّر يحوّل الزوجان البيت أحياناً إلى منتجع صحي لعشرة أو خمسة عشر من أصدقائهم.

“من السطح، حين تكون الرؤية واضحة، في الشتاء غالباً، يمكن أن نرى سلسلة جبال أطلس واضحة أمامنا”، يقول ناكسون. “نشأت في الجبال السويسرية، وهذا المنظر يذهلني”.

بقلم: كارين مونيه

شاهدي هنا تفاصيل عدد يوليو/أغسطس من ڤوغ العربيّة. 

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع