الموناليزا تتكلّف. تايرا بانكس تضحك بعينيها. وهناك التكشير بقول ”تشيز“ أثناء التصوير. هو تعبير واحد إلا أنه يحمل معاني مختلفة. أي قوة عاطفية وجسمانية تكمن وراء الابتسامة الإنسانية؟
لاقت ظاهرة الوجه المتجهّم بطبيعته، وكذلك الهيئة الصارمة الخالية من أي تعابير، استحساناً واسعاً ووصلت إلى أوجها ثقافياً خلال السنوات الثلاث الماضية. وقد اعترف العلماء بهذه الظاهرة، ونشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالات تؤيدها، وراجت عبارات وصور على الإنترنت زعمت أن: “الابتسام يُسبب التجاعيد. والوجه الجامد يحافظ على جمالكِ”. وهذه العبارة الأخيرة تحديداً مدعاة للسخرية قليلاً، إذ كشفت أغلب الأبحاث التي أُجريت حتى الآن أن الابتسامة تجعل الإنسان يبدو أصغر عمراً بثلاث سنوات. ولكن يبدو أن الابتسامة ستعود لتعلو الوجوه من جديد، إذ أشارت مجموعة من الأبحاث الجديدة عن الفوائد المحتملة لها؛ ومنها خفض مستويات الإجهاد ومعدل ضربات القلب، وزيادة المناعة، مثل تأثير التمرينات الرياضية، ولكنها أقل مشقة. ويتفق أطباء الأمراض الجلدية على أن كل فرد يحتاج إلى تناول حفنة من حبوب الضحك بدلاً من القلق حيال تغضن الجلد حول العينين، وهي التجاعيد المعروفة باسم “رِجل الغراب”. ولكن لا يزال ثمة بعض المعتقدات السلبية الشائعة في المفهوم الجمعي حول هذه اللفتة الإنسانية، ما يدفعنا إلى الفصل ما بين الحقيقة منها والخيال، أليس كذلك؟
نشر هذا المقال في عدد شهر ديسمبر من ڤوغ العربيّة
الابتسامة لا تُسبب التجاعيد
بحسب بول جارود فرانك، أخصائي الأمراض الجلدية بمدينة نيويورك، ساد هذا الاعتقاد في القرن التاسع عشر في أوروبا. ويوضح قائلاً: “كانت الأمهات ينصحن بناتهن بعدم الابتسام حتى الزواج، وإلا ستظهر التجاعيد ما يقلل من فرصهن في الظفر بزيجة مناسبة”. وما حقيقة هذا الاعتقاد؟ في الواقع، ليست حركة عضلات الوجه وحدها السبب في ظهور الطيّات الأنفية أو ما يُعرف باسم خطوط الماريونت (تجاعيد على شكل أقواس على جانبي الأنف إلى زوايا الفم، وتظهر مع الابتسام أو الضحك) إذ أن معظم التجاعيد تتكون بناء على مجموعة من العوامل منها سُمك الجلد، ومرونته، وتوزيع الدهون، وكمية الكولاجين – يقول فرانك: “وهي جميعاً تتأثر بالوراثة والبيئة”. وفي حين تنجم تجاعيد “رِجل الغراب” إلى حد ما من الابتسامات الحقيقية الصادقة، إلا أن أطباء الأمراض الجلدية يقولون إنه يمكن الحد منها بالعناية باستخدام الكريمات الواقية من الشمس والأمصال المضادة للأكسدة. ولكن إذا أثارت ضيقكِ فيمكنكِ، بحسب هايدي والدورف، أستاذة الأمراض الجلدية بكلية آيكان للطب بماونت سايناي بمدينة نيويورك، اللجوء إلى المُعَدِّلات العصبية، مثل البوتوكس، والتي يمكن أن تخفف من مظهرها.
لكنها ليست أيضاً إكسيراً للشباب
على الرغم من بعض الدراسات التي توصلت إلى أن الابتسام يمنح الإنسان مظهراً أكثر شباباً (كلما كنتِ أكثر سعادة، قَلّ انتباه الناس لعلامات الزمن على وجهكِ)، إلا أن ثمة بيانات أخرى أشارت إلى أن الأشخاص البالغين من العمر 40 عاماً هم الأكثر استفادة من تأثيرها الإيجابي. كما كشف بحث نُشر في وقت سابق من هذا العام أن تعابير الوجه المحايدة تعد مهمة لمحو سنوات من عمركِ.
المرأة تبتسم أكثر من الرجل
ترى ماريان لافرانس، أستاذة علم النفس بجامعة ييل، أن الكثير من هذه المعتقدات يرجع إلى موروثات ثقافية متحيزة جنسياً. “يُفترض من المرأة أن تبتسم دائماً. وإن لم تفعل، فالأرجح أنها ستعاقب على ذلك، من الناحية الاجتماعية”، مضيفةً: “ثمة اعتقاد شائع بأن الأنوثة ترتبط بالمظهر الجذاب، بينما أفضل وسيلة لتظهري لطفكِ هو بالابتسام”. أما عندما تتحول موازين القوى، بغض النظر عن نوع الجنس: فأولئك الذين يشغلون مناصب مهمة في السلطة يشعرون بأنهم أقل التزاماً بإظهار اللطف والدماثة أمام الآخرين”.
الابتسامة تُقرب بين الناس
تقول لافرانس: “الابتسامة لها أثر كبير في إقامة روابط جيدة بين الناس. فهي يمكن أن تُحسن العلاقات وتُصلح ما فسد منها وتهدئ الخلافات. كما أنها وسيلة لإخبار مَن تحدثينه بأنكِ جديرة بالثقة”. وقد أكد بحث جديد أجرته جامعة ساسكس بإنجلترا على هذا الأمر، وأشار إلى أن الابتسامة تُعد وسيلة للتعامل مع الآخرين أكثر من مجرد تعبير عن السعادة الداخلية. ويمكنكِ اصطناعها، ولكن إلى حد ما. وقد توصلت دراسة أجرتها مجلة الطب النفسي والأعصاب أن استعمال البوتوكس لمرة واحدة يمكن أن يكون له تأثير مضاد للاكتئاب، ما يدعم فكرة أن تعابير الوجه (وردود أفعالنا تجاهها) يمكن أن تؤثر على معنوياتكِ. وتفترض إيڤا ريتڤو، وهي طبيبة نفسية في ميامي بيتش ومؤلفة كتاب بيكيندر: اللطف وقوة التغيير، أننا نستفيد من قوة المحاكاة: “أنصح مرضاي أحياناً بأن يعالجوا المنطقة ما بين الحاجبين بالبوتوكس، حيث تميل إلى إظهار علامات العبوس. وإذا ما بدت عليكِ تلك الملامح العابسة، فإن الآخرين سيتأثرون بهذا الشعور السلبي”.
الابتسامة ليست لغة عالمية
مثل أي لغة أخرى، تختلف معاني تعابير الوجه من ثقافة إلى أخرى. وتشير دراسة نشرتها مجلة السلوك غير اللفظي The Journal of Non-verbal Behaviour عام 2016 أن الابتسامة في اليابان، والهند، وإيران، وكوريا الجنوبية، وروسيا تعطي انطباعاً بأن الإنسان أقل ذكاءً. أمّا في الهند والأرجنتين فترتبط بوسائل التضليل والخداع. يبدو أنها ليست لغة عالمية!
مسرح الإلهام: حوار ڤوغ العربيّة مع المصمم المصري مهنّد كوجاك