تابعوا ڤوغ العربية

كرة قدم بلا حدود: تركّز نادية نديم كلَ جهودها على ترك إرث خالد

التوب والحزام والبنطلون من Louis Vuitton الحذاء من مقتنيات اللاعبة

تغلب المعنويات المرتفعة للغاية على شخصية نادية نديم. ومع ذلك قد نلتمس لها العذر إذا ما شعرت بقليل من الحزن لمكوثها في السرير بأحد المستشفيات في قطر، بعد ستة أيام من إجراء ثاني جراحة كبرى لها في الركبة العام الماضي، مع احتمال خضوعها لستة أشهر لإعادة التأهيل. وإصابتها هي أسوأ كابوس يمكن أن يتعرض له أي لاعب كرة قدم محترف. ولكن بالنسبة للاعبة الهجوم الأفغانية، تعدّ الإيجابيةُ الحلّ الناجع والقوي، إذ تخطط فعليًا للعودة إلى أرض الملعب مع نادي ريسينغ لويڤيل الأمريكي والمنتخب الدنماركي.

الفستان من Prada

«بصراحة، الإصابة كانت مدمّرة»، هكذا تؤكد نادية، مضيفةً: «لقد قضت على كل خططي وطموحاتي. وكأن أحدهم أطفأ كل الأنوار. ولكن بعد يومين، تغيّرت طريقة تفكيري، وأصبحت أركّز على التعافي في أسرع وقت ممكن». وعلى مدى 11 عامًا، سطع نجمها كطالبة تدرس الطب، واستطاعت أن توازن بين قساوة احتراف كرة القدم من ناحية، وتدريبها لتصبح طبيبة من ناحية أخرى. وبعد أسبوعين فقط من آخر عملية جراحية أُجريَت لها في الركبة عام 2021، كانت تتجوّل بين أجنحة المستشفى ضمن مهام فترة التدريب الطبي المقررة عليها في الدنمارك. لقد كانت موازنةً دقيقةً بكل ما في الكلمة من معنى. وفي يناير من هذا العام، وبعد أكثر من عقد من الكد والدراسة، اجتازت نادية امتحاناتها النهائية. تقول: «لقد كان من أفضل أيام حياتي، إن لم يكن أفضلها على الإطلاق، فقد كنت أتحمّل ضغطًا شديدًا. شعرتُ بارتياح شديد، وكأن 40 كيلوغرامًا من الضغط انزاحت عن كاهلي». وفيما ترتسم البسمة على شفتيها، تضيف: «أنا أحب الضغط فعلاً. إنه يجعل كل شيء أكثر وضوحًا، ويجعلني أركز بصورة أفضل بعض الشيء. وعندما نلعب مباريات حيث يكون الضغط في أعلى المستويات، يصبح أدائي في أفضل حالاته. وساعدني ذلك في التدرّب لأصبح طبيبة، فأنا من هؤلاء الأشخاص الذين يحبون تخطي الحدود في كل الأوقات». ويناضل عديدٌ من الرياضيين المحترفين للتطلّع إلى حياتهم بعد الرياضة، ولكن قليل منهم يمتلك البصيرة أو الالتزام مثل نادية في تشكيل مستقبلهم بعد التقاعد. وهذا شيء ترى أنه يلزم تغييره على عجل. «يعتقدون أنهم سيستمرون إلى الأبد»، على حد قول نادية البالغة من العمر 34 عامًا والتي اقتربت على الأرجح من نهاية مشوارها الاحترافي في كرة القدم حاليًا. تقول: «يحتاج كثيرٌ من الناس إلى بناء كل شيء من الصفر بعد انتهاء مشوارهم [الرياضي] بدلاً من التحضير لذلك أثناء فترة نشاطهم. وفي الوقت نفسه، يتعيّن عليهم بعد ذلك التعامل مع فقدان الهوية الذي ينتج عن عدم ممارسة الرياضة، وهو ما يشكّل صدمة في حد ذاته. ويحاول عديدٌ من الاتحادات الآن مساعدة الرياضيين في التخطيط للمستقبل، وهذا أمر مهم».

التوب والبنطلون والقرطان والخاتم من ;Givenchy الحذاء من مقتنيات اللاعبة

إن الإصابات البغيضة والفحوصات الطبية التي لا تنتهي ما هي إلا غيض من فيض التحديات التي واجهتها نادية. ورغم أن حياتها قد شهدت نجاحات كبيرة داخل الملعب وخارجه، فإنها لم تخل أيضًا من الأحداث المأساوية؛ فقد قُتِل والدها رابينا خان، وهو جنرال في الجيش الوطني الأفغاني، على يد طالبان، وكانت نادية لا تتجاوز حينها الثانية عشرة من عمرها. واضطرت، مع والدتها حميدة وشقيقاتها الأربع، للفرار من وطنهنّ والانتقال للإقامة في الدنمارك كلاجئات. تقول: «أعتقد أن كوني لاجئة جعلني شخصية قوية جدًا على المستوى الفكري، شخصية قادرة على رؤية الأمور من منظورها الواقعي، وممتنّة لكل ما أملك وأقدّره». وعندما عادت طالبان إلى السلطة العام الماضي، أصابت الناسَ في العالم كله حالةٌ من الذهول؛ فبين عشيّة وضحاها، تراجعت سنوات من التقدم الأفغاني – لا سيّما فيما يتعلق بحقوق المرأة وتلقي الفتيات للتعليم والمشاركة في الألعاب الرياضية. وقد أثارت عودتُها ذكريات مؤلمة لنادية. «لقد كان من المحزن أن أشهد ذلك، وبصراحة ما زلتُ متأثرةً بشدة»، هكذا تقول نادية بينما تخيّم نبرة الحزن على صوتها، وتضيف: «كنتُ أعاني من هؤلاء الناس مرة أخرى. أعلم ذلك الشعور حينما يُقال لي’:أنتِ أنثى، وهذا كل ما بوسعكِ فعله‘، في حين أني كإنسانة يجب أن أكون أنا، وأنا فقط، مَن يضع حدودًا لما يمكنني فعله في حياتي. وظللتُ أسأل نفسي: ’لماذا يحدث هذا مرّة أخرى؟‘، واعتراني شعور بالعجز وقلة الحيلة».

ورغم ذلك، ما تزال نادية تتصدى للقهر بالتفاؤل. وفي العام الماضي، سنحت للمهاجمة الدنماركية، وسفيرة الفيفا واليونسكو، فرصة لقاء اللاجئين في أحد المراكز بقطر، والذي استضاف أكثر من 75 ألف لاجئ – منهم عديدٌ من النساء والفتيات الأفغانيات العاملات في الحقل الرياضي. تقول: «أعلم شعور المرء حين يُنتزَع منه كل شيء عرفه وأحبه بين عشية وضحاها. قلت لهم إنهم يجب أن يحاولوا رؤية النور، رغم أنه قد يكون أمرًا عسيرًا للغاية في ذلك الحين. يجب أن يكون لديكم إيمان بالإنسانية وبأن ثمة أناس سيعتنون بكم حتى تقفون على أقدامكم، فالأمل هو كل ما لديكم في البداية». وقد لعبت كرة القدم دورًا محوريًا في استقرار نادية في بلدها الجديد وتيسير انتقالها المؤلم. لذا تؤمن إيمانًا راسخًا بقدرة الرياضة على تحسين حياة البشر. تقول: «عندما بدأت لعب كرة القدم في الدنمارك، لم أكن أتكلم لغتها، ولم أكن أعلم مَن أنا. كنت غريبة عن البلد. ولكن كرة القدم أتاحت لي مساحةً، مكانًا من أجلي. أعلم إحساس أن يتوقّع الناسُ منكِ أن تتزوجي في سن 19 عامًا وتنجبي في سن 21، وأن تعدِّي نفسكِ لتكوني ربة منزل صالحة. ولكن حين تلعب الفتيات كرة القدم، يقدمن سبلاً أخرى. وتعد الرياضة والتعليم أهم أداتين تستخدمينهما لتحسين حياتكِ».

البلیزر والبنطلون من Yousef Akbar; القرطان من Bottega Veneta;

وليس أدلّ على قدرة الساحرة المستديرة على الجمع بين الناس من كأس العالم، هذا التجمّع العالمي الذي يُقام كل أربع سنوات ويوحّد المشجعين من جميع البلدان والقارات وعبر الحدود المادية والمعنوية. وستكون نادية، التي لعبت خلال مسيرتها المتألقة في العملاقين الأوروبيين، باريس سان جيرمان ومانشستر سيتي، محللة رياضية في بطولة 2022 بقطر. وهي تنتظر بفارغ الصبر بدء عملها. وعن ذلك تقول: «تتمتع كرة القدم بقدرة على التغيير لأنها محبوبة من كثير من الناس حول العالم. إنها أداة للتقريب بين البشر وخلق رابطة للتفاهم. وبالاقتراب من قلوبهم، تكون لديكم حينها الفرصة لجعلهم ينظرون إلى الأمور من وجهة نظر مختلفة».

وتمثّل إقامة كأس العالم لكرة القدم في قطر نقطة تحوّل للعالم العربي، ولكن نادية تأمل أن تكون مجرد بداية وأن تقام بطولة كأس العالم للسيدات أيضًا في الشرق الأوسط. تؤكد: «إن مجرد الحديث عن كأس العالم للسيدات في الشرق الأوسط، وطرح الناس لهذا السؤال، يبيّن أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح. وقد يحدث ذلك في المنطقة، وحينئذ سيكون له أثر هائل، فَكُرة كرة القدم للجميع». ولا شك أن إقامة أول بطولة لكأس العالم للسيدات في الشرق الأوسط ستكون إرثًا ملهمًا لبطولة هذا العام في قطر. ولكن ماذا عن البصمة التي ستتركها نادية في عالم كرة القدم؟ تقول: «أعتقد أنه خلال 50 عامًا إذا سأل أحدهم: ’هل تذكر نادية نديم؟‘، أتمنى أن يقول الناس إنني غيّرت قواعد اللعبة وأحدثت فرقًا في هذا الميدان وخارجه، وساعدت في إحداث تغيير إيجابي».

المقالة من عدد نوفمبر 2022 من ڤوغ العربية  بقلم Mark Lomas 

تصوير sam rawadi   تنسيق الأزياء  AMINE JREISSATI   تصفيف الشعر Nicole Poede المكياج Dana Ali Ahmad من Valentino Beauty محرر موضة جونيور Mohammad Hazem Rezq مساعدة تنسيق الأزياء Reem Atout إنتاج Ankita Chandra وSam Allison إنتاج محلي TrueNorth Qatar

إقرأي أيضاً: الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني مؤسس دولة قطر: المؤسس والإرث الثقافي المتجدد

 

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع