هناك بالتأكيد أسرار خفيّة تقف خلف النجاحات الباهرة التي حققتها أيقونة السينما المصرية يسرا منذ بداياتها في عالم الفن وحتى اليوم…
في يوم ربيعي دافئ بمراكش، أخذت عربة توك توك بنفسجية تستقلها النجمة المصرية الشهيرة يسرا تهتز وتتأرجح وهي تعدو بين الأزقّة العتيقة لهذه المدينة النابضة بالحياة، فيما انهمكت إحدى الفرق المحلية في الضرب بالصنوج والعزف على أوتار آلة “السنتير” القديمة لتملأ الأجواء بالموسيقى الشعبية. ورغم أن العربة لم تكن من الطراز الملكي الكلاسيكي، إلا أن المشهد بدا عرضاً ملكياً بامتياز – حين وصلت جلالتها، الملكة المتوّجة على عرش السينما في الشرق الأوسط.
وما أن دلفت النجمة المتألقة إلى رياض الفنان والمصور حسن حجّاج لتنفيذ جلسة تصوير هذا العدد الذي يحتفل بعيد ميلاد المجلة، حتى اشتعلت الأجواء بالإثارة. وعلّق أحد المساعدين وقد تملكه الذهول: “نحن في حضرة إحدى الأساطير”. ولم يبالغ الرجل في تعليقه. فقد لعبت النجمة الكبيرة الغنيّة عن التعريف بطولة أكثر من 80 فيلماً وحصدت أكثر من 60 جائزة، واُختيرت هذا العام للانضمام إلى لجنة تحكيم أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة التي يصوّت أعضاؤها لاختيار الفائزين بجوائز الأوسكار. كما أسهمت في رسم ملامح السينما العربية وجذبت الأضواء إلى صناعة ربما لولاها لطغى على بريقها الغرب.
تقول يسرا بصوتها الهامس المعتاد: “انضمامي لأكاديمية الأوسكار كان شرفاً عظيماً لي”. وبتواضع تنظر الممثلة إلى هذا الدور، رغم أنها كانت ضمن ثلاثة فقط من نجوم مصر (يسرا، والمنتج محمد حفظي، والمخرج عمرو سلامة) دعتهم الأكاديمية للانضمام إليها. “أرى أن الأكاديمية واحدة من أعرق المؤسسات في العالم، وكوني جزءاً منها يعني لي الكثير”.
وداخل استديو حجّاج الصاخب الذي يعجّ بالألوان والغارق في الفوضى المنظَّمة، تضحك يسرا التي تتمتع بشخصية أصيلة وروح دافئة قادرة على تهدئة أي توتر قد يصيب أفراد فريق التصوير. وقد كان على النجمة أن تطير إلى لوس أنجليس صباح اليوم التالي لحضور حفل توزيع الجوائز، لذا كان علينا أن نتعامل بمهارة مع ضيق الوقت. ولم نندهش حين أخذت تتمعن في كل إطلالة من دون شكوى – فهي، رغم شهرتها الأسطورية، لا تشعركِ بذلك.
وتعزو يسرا الفضل في مسلكها المتواضع إلى زوجها خالد سليم. وتكشف بهدوء في لحظات نادرة: “أحترم طريقته في التعامل مع الحياة كممثل وطول صبره. ويفخر بي حين أتخذ خطوة جديدة تثبت نجاحها”. وعادةً ما تخشى النجمة الحديث عن علاقتها به – فهي “لا ترغب في إثارة الحسد”. ولكنها لا تتهرب من الحديث عنه، بالطبع. إذ حين سألتها عن سبب نجاح زواجها، أجابت: “هل يمكن أن تقولي رجاءً ’بارك الله في زواجكِ‘ بدلاً من طرح هذا السؤال”، وأردفت: “أنا وخالد نعرف بعضنا منذ الطفولة. ولولاه، لا أعتقد أنني كنت سأتمكن من القيام بكل ذلك”.
كانت يسرا في السابعة عشرة من عمرها حين أرادت العمل ممثلةً – وقبل ذلك كانت تتمنى العمل في السلك الدبلوماسي. وتعود بداياتها في عالم السينما إلى أواخر السبعينيات حين مثلت لأول مرة في فيلم “قصر في الهواء” للمخرج عبد الحليم نصر، وبعدها حققت نجاحاً كبيراً في فيلميّ “ابتسامة واحدة تكفي” و”أذكياء لكن أغبياء”. وواصلت شق طريقها حتى عملت مع أشهر المخرجين المصريين –وأبرزهم يوسف شاهين– وسرعان ما رسخت مكانتها لتصبح أعلى النجمات أجراً في السينما، وواحدة من أقوى النساء في العالم العربي.
’’أريد دوماً أن أكون مثيرة للإعجاب‘‘
وتتحدث يسرا عن مشوارها ومبادئها في العمل التي أسهمت في ما وصلت إليه من مكانة مرموقة قائلةً: “أريد دوماً أن أكون مثيرة للإعجاب”، وتستطرد قائلة: “إذا لم يقدّر الناس عملكِ ولا يرونكِ أسطورة، لن تصبحي أسطورة مطلقاً. اعلمي أنكِ تعملين من أجل الناس، ويجب أن تكوني عند حسن ظنهم دوماً”.
وتضيف: “لكي تكوني أسطورة، يجب أن تمتلكي شيئاً. ولن تكوني حرة مثلما كنتِ قبل الشهرة. وستعانين دوماً من نوع ما من الضغوط، ومن توقعات الناس منكِ. ولكن دون هؤلاء الناس، لن تكوني أبداً أسطورة”، وتنصح كل فنانة من الفنانات الصاعدات: “كوني متواضعة قدر إمكانكِ ولكن في الوقت نفسه لا تكشفي الكثير عن حياتكِ الخاصة”.
ورغم أنها تفضّل إبقاء حياتها الشخصية بعيدة عن الأضواء، إلا أنها تبوح لنا ببعض ذكريات “طفولتها التعسة”. ويغلب عليها التأثّر حيت تتحدث عن حياتها بعد انفصال والديها بعد طلاق مرير، وتروي: “عشت حياة صعبة مع والدي بعد أن انتزعني من والدتي. ومن طلاقهما تعلمت أن الحياة تمضي وأنكِ تحتاجين فقط إلى رعاية أطفالكِ بالحب والصدق. امنحيهم فرصة التعبير عن أنفسهم. وقد كان عليّ أن أرد الجميل لوالدتي التي كانت صديقتي، وأمي، وسندي. فقد منحتني كل هذا. ولولاها لما أصبحت ما أنا عليه اليوم”.
ولكن، مَن هي يسرا؟ إنها “مناصِرة للمرأة” وتؤمن بالمساواة، سواء في العمل أم الحياة الخاصة. وقد قادها هذا الإيمان إلى السعي نحو لعب دور المرأة القوية والتطرق إلى موضوعات تعتبر من المحرمات. “أنتقي أدوار المرأة القوية لأن لدينا الكثير من القصص عن مختلف النساء في مجتمعنا يمكن أن يتحولن إلى أساطير، ولكننا لا نتحدث عنهن بما يكفي. وأحاول أن أجسد هؤلاء النساء الأسطوريات في الحلقات التي أمثلها”.
’’لقد غيّرنا القوانين – ويمكن للمرء تغيير الحياة ذاتها عبر السينما‘‘
ورغم ابتعادها عن المجال السياسي، إلا أنها تستخدم مكانتها للإسهام في تحطيم الحواجز بل وتغيير القوانين. تذكر: “حين جسدت موضوع الاغتصاب في عدة حلقات بالمسلسل الرمضاني ’فوق مستوى الشبهات‘، وقف الجميع ضد ذلك، ولكنهم في النهاية صفقوا لنا وحصل المسلسل على أكثر عدد من المشاهدات على الإطلاق”، كما أدى إلى تغيير القوانين المصرية تجاه المغتصبين. “قبل عرض المسلسل، كان القانون يقضي بمعاقبة المغتصب بالسجن لشهر أو شهرين فقط. والآن، شدد القانون العقوبة. لقد غيّرنا القوانين – ويمكن للمرء تغيير الحياة ذاتها عبر السينما”.
وبعيداً عن عالم السينما، تعمل يسرا بلا كلل سفيرةً للنوايا الحسنة للأمم المتحدة في الشرق الأوسط وإفريقيا لتغيير حياة الأشخاص الأقل حظاً. “قبل تعييني سفيرة، كنت أقوم بأعمال إنسانية، ولكن عملي سفيرةً حملني مسؤولية أكبر بكثير. وأشعر بالفخر لأن العمل سفيرةً للأمم المتحدة يجعلكِ تحاولين عمل الخير في كل ما تقومين به، وليس فقط في المهمة التي تتولينها”.
ومن الصعب تصديق براعة يسرا في التواصل والتفاعل مع جمهورها ومعجبيها، وخاصة بالنسبة لشخصية تتجنب استخدام مواقع التواصل الاجتماعي – ولن تكون جزءاً منه بكل بساطة. وفي الواقع، كانت تلك اللحظة الوحيدة خلال اللقاء التي تغيّر فيها مسلكها. “في الماضي، كنا نجمات دون مواقع تواصل. والآن أشعر بأن أي امرأة يمكن أن تكون نجمة. الناس يستمعون إليّ لأنهم يعرفون أنني لست منافقة. فأنا أتكلم حين أؤمن بشيء ما، وما أؤمن به نابع من قلبي”.
ولأنها لا تسعى للحصول على أكبر عدد من الإعجابات التي لن يكون لها أي تأثير يذكر في مشوارها الفني – احترمها الجمهور وقدّرها أكثر. وحين سألتها عن النساء اللواتي تنظر إليهن كمثل أعلى، أجابت سريعاً: فاتن حمامة ونادية لطفي، إلى جانب والدتها. وعن ذلك تقول: “تعلمت الكثير من هؤلاء النساء، في جميع جوانب حياتي، لقد كنت محظوظة بمعرفتي بهن”، مضيفةً: “أعتز بأن والدتي كانت في غاية الفخر بي. وقد منحتني أجمل حب، ورعاية، وكانت أفضل مثل أعلي لي في حياتي”.
وعلى عكس والدتها، كان والدها ينتقد مهنتها كثيراً، بل وصفعها بعد أول قبلة لها على الشاشة. وعن هذه الواقعة تقول يسرا: “إنه شيء نطلق عليه ’الدنيا علمتني‘. ولم يدفعني ذلك للخجل على الإطلاق مما فعلته. بل على العكس، أنا فخورة بجميع مشاهدي في السينما”.
ورغم كل ما مرت به من محن وأزمات، تتمتع النجمة الشهيرة بعقلية إيجابية وفكر واع. وطريقتها في التخلص من المشاعر السلبية مثيرة للإعجاب، وخاصة في مهنة تخضع لرقابة الجمهور. تقول بهدوء: “عندما ترغبين في نسيان إنسان بغيض أو إبعاد أحدهم عن حياتكِ، استعيني بالله فقط”.
وتحذر: “لا تسعيّ أبداً للانتقام بيديكِ”. وقد ظهرت هذه الثقة الهادئة التي تتمتع بها يسرا جليةً طوال جلسة تصوير الغلاف. فقد بدت متصالحةً تماماً مع نفسها، وتتمتع ببشرة متوهجة نديّة وابتسامة ملهمة، وذوق يشبه ذوق نجمات السينما في الخمسينيات. إنها مثال للأناقة، ولا تنحني تحت أي ضغوط تضعها صناعة السينما. “أنا لا أهتم بمسألة التقدّم في العُمر”، تقولها بنفس قناعة أوبرا وينفري، التي تجعل الجميع يريد القفز في الهواء والتصفيق. ولو كان لها حساب على انستقرام لكانت خير مرشدة لتقدير الذات. ولكنها في الوقت الحالي، تنوي الهيمنة على الشاشة الصغيرة بمسلسلها الرمضاني القادم “دهب عيرة”. وتؤكد في نهاية اللقاء: “حققت خلال مشواري على مدى 40 عاماً كل ما أردت تحقيقه وكل ما حلمت به. أحب سنِّي وأحب شكلي، وفخورة بما أنا عليه وبمظهري، وحضوري – الحمد لله”.
نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد مارس 2020 من ڤوغ العربية.
تصوير حسن حجّاج
تنسيق الأزياء كيتي تروتر، وليزا چارڤيس
المنتجة الإبداعية لورا برايور
الشريك الفني إيبون هيث
المساعد الثاني طارق حجّاج
المنتجة المحلية ماري كورتين
تصفيف الشعر صادق لاردجان
المكياج جو فروست
مساعدتا التصوير حسناء الكوارغا، ومريم ين
مساعدة تنسيق الأزياء ألكساندريا لوفڤر
السُعَاة يزيد بزاز، عبد العلي بوكريمي، ومحمد عجيب
الاستوديو رياض يما، مراكش
شكر خاص لفندق منتجع فور سيزونز مراكش
اقرئي أيضاً: تعرفي على أهم المحطات في حياة النجمة والفنانة والمغنية يسرا