تابعوا ڤوغ العربية

ألكسندرا شولمان الرائعة.. ومسيرة في عالم الأناقة

على صفحات كتابها الجديد الذي سجل أعلى نسب المبيعات، تتحدث ألكسندرا شولمان، رئيسة تحرير ڤوغ البريطانية سابقاً، عن مسيرة حياتها المذهلة في دنيا الأزياء

LONDON, ENGLAND – MAY 23: British Vogue editor Alexandra Shulman attends British Vogue’s Centenary birthday party at Tramp on May 23, 2016 in London, England. (Photo by David M. Benett/Dave Benett/Getty Images)

قبل صدور النسخة الورقية من ڤوغ العربية في مارس 2017، دُعي فريق من كبار المحررين لزيارة مقر ڤوغ في لندن والاجتماع بألكسندرا شولمان، رئيسة تحرير ڤوغ البريطانية التي تحظى بمكانة مرموقة للغاية. وفيما كنا نجلس في غرفة الاجتماعات نتحدث بحماس عارم وقد أحاطت بنا صور بالأبيض بالأسود من جلسات التصوير الأيقونية التي أجريت لصالح ڤوغ، دلفت ألكسندرا الغرفة بكل همة ونشاط. ولا شك أن كل مَن انتظر أن يرى امرأة ترتدي تصاميم شانيل من رأسها حتى أخمص قدميها على طريقة رئيسة تحرير ڤوغ الأمريكية، آنا وينتور، قد شعر بالخيبة. إذ كانت ألكسندرا ترتدي سترة خفيفة وتنورة، ولعلها كانت تنتعل حذاءها المفضل ذا الكعب العالي الأبيض الذي صممه لها مانولو بلانيك، ولكني لا أتذكر جيداً. وبدلاً من أن نقضي وقت الاجتماع في التحديق في أزيائها، أخذنا نصغي إليها بانتباه. وحين فكرتُ في ذلك الأمر لاحقاً، وجدتُ أن إطلالتها كانت أنيقة كسائر إطلالاتها. لقد بدت قوية، وصريحة، ويقظة، وأعطتنا انطباعاً قوياً بأن لديها كثيراً من الأمور التي يتعيّن عليها إنجازها في ذلك اليوم – ليس أقلّها نقاشنا الحماسي.

استقالت ألكسندرا من رئاسة التحرير عام 2017 بعد 25 عاماً قضتها في هذا المنصب. وتعد صاحبة أطول فترة رئاسة تحرير في تاريخ المجلة حتى يومنا هذا. وخلال تلك الفترة، نشرت 306 أعداد وحققت لشركة “كوندي ناست” إيرادات بلغت 200 مليون جنيه إسترليني. ورغم تقاعدها من منصبها لدى ڤوغ، لم تتوقف ألكسندرا عن الكتابة، وهي التي تلقت تعليمها في مدرسة للبنات بلندن ودرست علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة ساسكس؛ فإلى جانب تحريرها لمقالة أسبوعية بجريدة بريطانية، لا تزال تواصل تأليف الكتب. أما روايتها الرابعة والأخيرة بعنوان “الأزياء… وأشياء أخرى مهمة” Clothes…and Other Things That Matter، والتي نُشرت في أبريل الماضي، فقد تصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعاً بالفعل. وتبدأ ألكسندرا قصة هذا الكتاب –الذي ينقسم ما بين مذكرات وسرد لتاريخ الأزياء مع تعليقات اجتماعية ساحرة– بإحصاء محتويات خِزانتها. فتذكر أن بها 25 فستاناً، و18 كنزة، و16 قميصاً، و37 حقيبة يد، و8 أحذية طويلة الساق، و4 قبعات، وما إلى ذلك. ويبلغ مجموع محتوياتها نحو 556 قطعة. وتستكشف في كل فصل قطعة منها –مثل الفستان الأسود القصير، وحمالة الصدر، والبذلة الرياضية– كما تقدم تقريراً عن مكانتها التاريخية، فتكشف عن تفاصيل خاصة تتعلق بحياتها، وبعض المعلومات النادرة من سنوات عملها في ڤوغ البريطانية التي لا تعرفها سوى المصادر المطلعة – منها حين جلست بجوار ريتشارد جير خلال مأدبة عشاء أقامها كارل لاغرفيلد في بيته بباريس. ويمكن للقارئ أن يتناول هذا الكتاب ليقرأ ما شاء من فصول، أو يقرأه مثل المجلات، أو يقرأه بتعمق، أو يقرأ جزءاً من هنا وآخر من هناك، ولكنه سيستمتع به كما يستمتع المرء عادةً حين يقرأ عن الموضة.

تقول ألكسندرا: “الأمر الذي لاحظتُه أنني كنت أعتني كثيراً بأزيائي –بسبب طبيعة عملي طوال حياتي في وظيفة مكتبية– ولازلت. وعن نفسي، أشعر بأنني أهتم كثيراً بما أرتديه. وليس لديّ زي موحّد. فأنا أرتدي حقاً مختلف الأزياء، من تنورة مع قميص حريري، إلى بنطلون رياضي مع تيشيرت، وحتى فستان ياباني باللون النيلي. وأملكُ خزانة متنوعة للغاية بها خيارات واضحة لمختلف فترات اليوم”. وتعترف في صدر كتابها بأنها قررت منذ بداية عملها ألّا تشارك في أي تنافس على الأزياء، واختارت أن ترتدي أزياء غير رسمية كلما أمكنها ذلك.

وتعدّ ألكسندرا شخصية خجولة بطبعها ولا تهوى الأضواء. وقد يشعر المرء ببعض الارتياح حين يقرأ بأنه حتى رئيسة تحرير ڤوغ قد تصاب هي أيضاً “بشلل تام في التفكير حين تكون بصحبة شخصية شهيرة مثل ريتشارد جير”. ولا تخجل ألكسندرا من قص أطراف شعرها المتقصف بأناملها، وتحطيم قواعد الموضة، والتقاط صور السيلفي في عطلتها حين تشعر بالسعادة. إنها امرأة عادية. ولكن قبل أن يفترض أحدهم أن ألكسندرا امرأة عادية مثلنا تماماً، تروي ببساطة تفاصيل تسلّمها وسام الإمبراطورية البريطانية لإسهاماتها في قطاع المجلات من جلالة الملكة بقصر باكنغهام عام 2007 (فصل البروشات والشارات والدبابيس)، وكيف وضع سمو الأمير ويليام بعدها دبوساً على ياقة سترتها فنالت بذلك رتبة قائد الإمبراطورية البريطانية لإسهاماتها في الصحافة البريطانية بعد عام من مغادرتها ڤوغ.

“أهوى الكتابة عن المشاعر وأود أن أكون من الكتّاب الذين يُقبل الناس على قراءة مؤلفاتهم”

وبمناسبة الحديث عن العائلة الملكية، لن ينسى أحد أن ألكسندرا أقنعت كاثرين ميدلتون، دوقة كامبريدج، بالظهور على غلاف العدد المئوي من ڤوغ البريطانية، مرتديةً معطفاً خفيفاً وقبعة (وليس فستان سهرة كما أعرب كثيرون عن أنهم كانوا يفضلون أن ترتديه). ولم نكن نعلم –لأنها احتفظت بهذا سراً– دورها الكبير في المناقشات التي دارت حول أهم فستان في هذا القرن حين اُستدعيت إلى قصر كلارنس هاوس للحديث مع الدوقة عن المصممين المحتملين لفستان زفافها. وقد كانت دار “إردم” و”ڤيڤيان ويستوود”، و”ألكسندر مكوين” على رأس القائمة التي رشحتها ألكسندرا. ونعلم جميعاً الدار التي اختارتها كاثرين في النهاية لترتدي فستاناً من تصميمها بينما تسير في الممر الشهير، كما أصبحت ترتدي إبداعاتها من ذلك الحين. ولا يمكن إغفال أن إحدى صور السيلفي سابقة الذكر التي التقطتها في عطلتها قد تصدرت عناوين الأنباء. قد تبدو امرأة مثلنا، ولكنها ليست كذلك.

وبعدما حققت كل هذه الإنجازات التي أصبحت الآن تشكّل جزءاً من مسيرتها المهنية، تهنأ ألكسندرا بحياتها داخل منزلها الواقع شمال غرب لندن، حيث استقرت هناك. ولكون شخصيتها تجمع بين الانطوائية والانفتاح معاً، على حد وصفها لذاتها، فما أسهل أن نتصورها وهي تمكث بكل أريحية وسط غرفة تعج بباقة من المبدعين فائقي الموهبة –وهم أكثر ما تفتقدهم حالياً بينما كانت تهنأ بقربهم خلال فترة عملها في ڤوغ (إلا أنها بالطبع لا تفتقد جدول عملها اليومي المتكدس بالمهام خلال تلك الفترة)- أو تهيم وحدها داخل مكتبها بالمنزل منتعلة حذاءها الهلامي “المريح للغاية” والمرصع بالإكسسوارات الساطعة من “أليكسا تشانغ”. وتقف ألكسندرا في نافذة منزلها لتمتع ناظريها بمشهد نبات الكوبية والورود المتفتحة في حديقتها الريفية، قبل أن تعكف على الكتابة لساعات طويلة. “لا أستطيع كتابة ولو حرف واحد بعد الثانية ظهراً”، هكذا تقول والضحكة تعلو وجهها قبل أن تعترف بأنها شخصية منضبطة تماماً – بصورة صاعقة.

وفي سياق الحوار، تقول ألكسندرا: “لقد عملت صحفيةً طوال حياتي، غير أنني لم أتجه لتأليف الكتب إلا مؤخراً”. يذكر أن أول عمل ألّفته ألكسندرا شولمان كان عبارة عن رواية بعنوان “هل يمكن أن نظل أصدقاء” Can We Still Be Friends، وكان ذلك في عام 2012 حيث كانت تبلغ من العمر آنذاك 55 عاماً. “إن بدأت وأنتِ في العشرينيات من عمركِ، ربما تعتقدين أن لديكِ متسعاً من الوقت للمرور بالعديد من الخبرات والتجارب، ولكني لا أعتقد ذلك”. ومن ناحية أخرى، تجد ألكسندرا صعوبة في تحديد فئة الكتّاب الذين تطمح أن تكون منهم، فلم يسبق أن جلست عاقدة نيّتها على تأليف نوعية بعينها من الكتابات. “أهوى الكتابة عن المشاعر وأود أن أكون من الكتّاب الذين يُقبل الناس على قراءة مؤلفاتهم”، هكذا أوضحت بنبرة يعلوها الحماس، مضيفة: “في الحقيقة، إنه لشيء رائع حقاً أن يتحول أحد كتاباتي لفيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني أو نقطة انطلاق لمدوَّنة صوتية ناجحة، ولكني لا أظن أنكِ تفكرين في كل هذه الأمور بينما تعكفين على الكتابة”.

وعقب الساعات التي تقضيها في الكتابة وإجراء الأبحاث في مكتبة متحف ڤيكتوريا آند ألبرت، أو مكتبة لندن، التي تشغل منصب نائبة رئيسها، تتجه ألكسندرا بعد ذلك إلى القراءة، حيث تطالع بإمعان روائع الكلاسيكيات مثل أعمال أغاثا كريستي، أو رواية “أوقات مثيرة” Exciting Times للكاتبة الأيرلندية الواعدة ناويز دولان. وربما تميل أيضاً إلى لعب مباراة للتنس أو الركض أو مشاهدة فيلم –تقول: “كان أحدث أفلام المخرج غاي ريتشي، وهو من أفلام السرقات والعصابات، ممتعاً بمعنى الكلمة”- قبل أن تنغمس في بحر شغفها الحقيقي، ألا وهو تمضية الوقت برفقة صديقاتها.

وبسؤالها عن ما إذا كانت ما تزال تقرأ ڤوغ، أجابت ألكسندرا أنها بالقطع تقرأها، وإن كان ليس بالضرورة تطالع كل عدد يصدر عنها. هذا علاوة على أنها لم تعد تتابع ما يقدمه المصممون بنفس المستوى من التعمّق والاستغراق. “أستمتع بتمثيل نفسي أكثر من تمثيل علامة تجارية بأكملها”، هكذا تصف ألكسندرا وضعها الجديد، قبل أن تمضي في حديثها مؤكدة: “لطالما كنت أهتم بصناعة الموضة، وما زلت”. وعن رأيها في الجائحة التي يمر بها العالم في الآونة الحالية، تذكر ألكسندرا أن “فيروس كورونا سيكون بالتأكيد صعباً بدرجة تفوق الوصف على مصممي الأزياء. أعداد كبيرة من الناس سيفقدون عاماً كاملاً من حياتهم… ولا أرى ملاذاً يمكنهم اللجوء إليه”. ومن ناحية أخرى، تتنبأ ألكسندرا بأن كبرى علامات الأزياء والموضة ستظل رائجة ومزدهرة، غير أن أنماط العمل المطبقة لديها ستتغيّر بالقطع. تؤكد: “أعتقد أن منظومة الموضة والأزياء ككل ستتغيّر عن بكرة أبيها. وعن نفسي آمل ذلك. فقد انتظرت لسنوات طوال كي أرى هذه الصناعة تتقلص – من حيث المبالغ المنفقة والوقت المبذول والضرر البيئي المترتب على سفر أعداد ضخمة من العاملين في هذه الصناعة باستمرار من أجل مشاهدة بعض قطع الأزياء”.

لقد بات من المهم أكثر من ذي قبل أن ننظر في أمر الأزياء ونثمنها في ضوء أشياء أخرى مهمة أيضاً. وفي خضم الصراع الذي تخوضه الصناعة من أجل الصمود في ظل الظروف الحالية والتخبط الذي يواجهه واقعها ومستقبلها المجهولين، جاءت كلمات ألكسندرا كسيمفونية معبّرة ومبهجة لتطمئننا أنه مهما اختلفت مساراتنا، يظل العمل الهادف والأزياء النافعة قادرين على العبور بنا عبر المحنة. وفي النهاية، لا يسعني سوى أن أبتسم لأن ألكسندرا شولمان التي كانت تحلم في طفولتها بأن تعمل في مجال الموسيقى ما تزال إلى حد بعيد بمثابة زعيمة هذا القطاع.

أقرئي أيضاً: ماجدة الرومي! مجد لبنان

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع