تابعوا ڤوغ العربية

الشيخة حور القاسمي تأخذ على عاتقها مهمة تسليط الضوء على المشهد الفنيّ في الشرق الأوسط

طويلة هي قائمة المناصب التي تشغلها الشيخة حور القاسمي، والجوائز التكريمية التي حصلت عليها، والشراكات التعاونية التي أبرمتها، لدرجة أنه يصعب حصرها، أما مناصبها الرئيسية فتتمثَّل في كونها رئيسة ومديرة مؤسسة الشارقة للفنون ومديرة بينالي الشارقة. ومؤخراً، اختتمت الشيخة حور فعاليات الدورة الافتتاحية لمنصة الشارقة للأفلام، والتي يشمل برنامجها أفلاماً منتقاة بعناية مع سلسلة من المحاضرات وورش العمل والحلقات النقاشية. وعن منصة الأفلام تلك، توضّح الشيخة بالقول: “إنها خيارٌ بديلٌ لمهرجان الأفلام الاعتيادي الذي ترافقه السجادة الحمراء، وهي أقرب إلى منصة لصنَّاع الأفلام”، وتضيف: “هذا العام، تقدّم أكثر من 450 فيلماً في المرحلة الأولى، وقد شاهدتها جميعاً. واخترتُ ما يزيد على 140 فيلماً من أربعين بلداً بثلاثين لغةً مختلفة. وكان ذلك العرض الأول لكثير من تلك الأفلام”.

وبالكاد تستمتع القاسمي، التي تتحدث سبع لغاتٍ، بإجازة لمدة يومين بمنزلها الثاني في لندن قبل أن تستقل الطائرة إلىنيويورك لحضور اجتماعٍ في “متحف الفن الحديث MoMA PS، لأنها عضوة في مجلس إدارته منذ تسعة أعوام. وهي أيضاً عضوة مجلس إدارة بمعهد كيه دبليو للفن المعاصر في برلين، وجمعية الفنون التشكيلية اللبنانية “أشكال ألوان” في بيروت، والمجلس الاستشاري في دارة الفنون في عمّان. ويتبع رحلتها هذه المزيد من الاجتماعات والاتصالات، قبل أن يحين موعد عودتها مجدداً إلى الإمارات للتركيز على ما قد يكون قصة نجاحها الكبرى، ألا وهو: بينالي الشارقة، والذي بدأت دورته الرابعة عشرة يوم 7 مارس وتستمر لغاية 10 يونيو، وتضم ثلاثة معارض فريدة أشرف على إعدادها كلٌّ من زوي بوت، وعمر خليف، وكلير تانكونس. وخلال توليها منصب مديرة البينالي، عمدت إلى زيادة عدد أفراد طاقم عمل المعرض الفني من أربعة أعضاء، عندما تبوأت هذا المنصب في العام 2002 بينما لم يتجاوز عمرها آنذاك 22 عاماً، إلى أكثر من 200 فرد. وقد قادت رؤيتها إلى تأسيس مؤسسة الشارقة للفنون، فضلاً عن مشاريع ثانوية أخرى منها معهد أفريقيا، وقاعة أفريقيا الجديدة، علاوة على أعمال فنية تركيبية ناجحة مثل “الغرفة الماطرة”. وقد أسهم هذا كله في وضع الإمارة على الخريطة بوصفها من أبرز المراكز الفنية القديرة في العالم. ويُصنَّف بينالي الشارقة دوماً ضمن أول عشر فعاليات بينالي في العالم، وهو بحد ذاته وسام شرف، خصوصاً مع وجود مئات المعارض الفنية التي تُقام سنوياً. وبالرغم من أن القاسمي هي ابنة سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم إمارة الشارقة، الذي أسَّس البينالي في العام 1993، إلا أن دورها كمديرة لهذا البينالي لم يكن دوماً مُعدّاً سلفاً لها.

تقول ضاحكةً: “عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري، أردت أن أصبح طاهيةً. وآنذاك، في التسعينيات، لم يكن عمل الطهاة محبّباً. أذكر قول أمي حينها: ’إذاً تريدين أن تصبحي طاهية؟‘ وبعد ذلك رغبتُ في تصميم قطع الأثاث؛ وكنتُ أقوم بأشغالٍ خشبية وأصنع الكراسي مع النجار الذي يعمل في منزلنا. ومن ثم كان سؤال والدتي: ’والآن تريدين أن تصبحي نجارة؟‘ ولم تمض الأمور على نحوٍ جيدٍ في هذا أيضاً”. وفي النهاية استقرَّت الشيخة حور على فكرة أن تصبح مهندسة معمارية، إلا أن معلم الفنون الذي كان يدرسها لاحظ قدراتها الفنية وأقنعها بالتسجيل في دورة للرسم بكلية سليد للفنون الجميلة في لندن. وقد دعم والداها، اللذان دائماً ما يجشعان على الاهتمام بالفنون، هذا القرار. تقول مستذكرةً: “زرنا الكثير من المتاحف خلال نشأتي”، وتردف: “يحبُّ والدي الفنون والثقافة والتاريخ كثيراً، لذا في كلِّ مرةٍ نسافر فيها، نزور المتاحف دوماً. وعندما كنت في السادسة عشرة من عمري، سافرنا إلى نيويورك واصطحبنا والدي إلى معرض “بيكاسو والفن” بمتحف الفن الحديث. وخلال نشأتنا، شجّعنا والدايّ على متابعة الاهتمام بالفنون والموسيقى”.

نُشِر للمرة الأولى على صفحات عدد مارس 2019 من ڤوغ العربية.

الشيخة حور القاسمي. بعدسة زيغا ميلسيك لعدد مارس 2019 من ڤوغ العربية

وقد اتخذ مسارُ الشيخة حور منحىً جديداً خلال سنة استراحت خلالها عقب إكمال دراستها في كلية سليد، إثر رحلةٍ قامت بها إلى برلين برفقة والدها، حيث نصحها قيِّمٌ على متحفٍ هناك بزيارة معرض “دوكومنتا 11” للفن المعاصر. وعن ذلك تقول: “استقيتُ الإلهام من الطريقة التي يرتبط بها الفن المعاصر بالعالم الواقعي، والسياسة، والقضايا الاجتماعية. أردتُ أن أعرف لماذا لم يسلط البينالي الذي نقيمه الضوءَ على أمورٍ كهذه. أردتُ رؤية كيف سيتم ذلك في الشارقة. وقد وعدتُ والدي بعدم التدخل، ولكنني، بالطبع، تدخلت”.
وما وجدته الشيخة حور كان معرضاً فنياً تقليدياً للغاية في حاجةٍ ماسةٍ للتحديث. وتوضح بشغفٍ قائلةً: “طرحتُ الكثير جداً من الأسئلة. مثل: لماذا لدينا تمثيل للبلاد؟ لم يعد أحدٌ يأتي من دولةٍ واحدة، الناس يولدون من زيجاتٍ مختلطة، هناك أناسٌ في المهجر، وأناسٌ لاجئون – لا يمكن تصنيف الناس والقول إنهم يمثلون بلداً، إنهم فنانون على وجه العموم”، وتردف: “سألتُ لماذا تقام الفعاليات في مركز تجاري/مركز معارض، على الرغم من أننا نمتلك منطقة للفنون. كان بينالي الشارقة القديم مثل معرضٍ فني، ولكننا لسنا معرضاً فنياً تجارياً، نحن هيئة غير ربحية وثقافية، لذا أصبح ذلك مهمتي”.

عمدت الشيخة حور إلى إصلاح هيكلية البينالي ونقله إلى موقع ملائم. توضِّح بالقول: “عملتُ ليل نهار، لمدة عشرين ساعة يومياً، طوال أيام الأسبوع. وبعدها أُصبْتُ بانهيار عصبي بسبب الإرهاق. ولكن كان أمراً يتعيّن عليّ عمله”. ولدى انتهاء سنة الاستراحة التي أخذتها، اتخذت الشيخة حور قرار البقاء في منصب المديرة بينما بدأت رحلة الحصول على شهادة ماجستير في الأكاديمية الملكية للفنون في لندن، لكن بدأ الشك ينتابها حيال جدوى قرارها بمتابعة مسيرتها المهنية كفنانة. وعن هذا تقول: “قدّرتُ أن لا أحد سيأخذني على محمل الجد كرسامة إن كنت سلفاً مديرة لبينالي في سن الثانية والعشرين”، وتردف: “اعتقدتُ أن الناس سيقولون إنني حصلت على ذلك بفضل منصب والدي. أذكرُ أن فنانة كورية كنتُ أتواصل معها عبر البريد الإلكتروني زارتنا وتعجبت لدى رؤيتي بالقول: ’أنتِ المديرة؟ توقعتُ رؤية رجلٍ مسن‘. كانت فكرة كوني في الثانية والعشرين من العمر وامرأة أمراً غريباً في عالم الفن الدولي آنذاك. اعتقدتُ أنه بغض النظر عن مدى الجهد الذي أبذله في عملي، سيقول الناس دوماً إن ذلك بسبب كوني ابنة شخصية مهمة. هناك دائماً هذا الافتراض، ما يجعلني أعمل بجدٍّ أكبر حتى”. وبدلاً من ذلك، قرَّرتْ الشيخة حور الانتقال إلى دراسة ماجستير في تقييم الفن المعاصر بالأكاديمية الملكية للفنون، لكي تؤخذ على محمل الجد. وبعد ذلك بستة عشر عاماً، لا مجال للتشكيك بإسهاماتها في عالم الفنون؛ فهي تسافر على الدوام إلى الولايات المتحدة والبرازيل والمملكة المتحدة والهند لإلقاء محاضرات حول فعاليات البينالي، والأبحاث الفنية، وفناني المنطقة، كما وقع عليها الاختيار لتتبوأ المنصب المرموق بوصفها رئيسة رابطة البينالي الدولية في العام المنصرم.
تقول: “تأتي متاحف كبرى الآن إلى بينالي الشارقة”، وتضيف: “وقد نجم عن ذلك وصول أعمالٍ قمنا بعرضها في مؤسسات مثل متحف تيت، ومتحف الفن الحديث”. ولكن، هل تحصل على وقتٍ للاسترخاء؟ تجيب ضاحكةً: “هناك عددٌ من قطط الشارع في المؤسسة وقد أنجبت إحداها قططاً صغيرة. أحاول الهرب من المكتب لأجلس معها. ويعرف الناس أين يجدونني – قد أضع هرةً في حضني وحسب”.

والآن اقرؤوا: ناشطة ومصممة لبنانية تترأس مؤتمراً مهماً ’للقاعة الدراسية‘ في الأمم المتحدة

تنسيق: دانيكا زيڤكوڤيتش
تصفيف الشعر: سڤيتلانا جوكيتش
مكياج: جوڤانا كنيزيڤيتش

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع